رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الشامتون في الموتى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يضربون المثل يومًا بعد يوم على مدى سوء سلوكهم، وبينما تتراكم الوقائع المخزية التي يرتكبونها، ينكشف رويدًا رويدًا القناع الكاذب الذي ارتداه كل من انتمى لذلك التيار، تيار خلط الدين بالسياسة والتجارة المكشوفة بالمقدس.
لقد تصادف في الشهور القليلة الماضية وفاة عدد من الرموز التي أثرت في مجتمعنا، وسواء اتفقت أو اختلفت معهم فهم رموز في مجالات مختلفة سواء في الصحافة أو السياسة أو الفن، وتشابهت ردود فعل جمهور تيار التأسلم السياسي مع كل حالة وفاة، وارتفعت نبرة الشماتة والتشفي في الراحل، وكأن الموت عقوبة أنزلها الله عليه، وكأن ذلك الجمهور المغيب مخلد على الأرض أبد الآبدين كمكافأة له من الله.
البداية ليست بعيدة، فعندما توفى الشاعر الكبير محمود درويش شاعر القصيدة العربية الحديثة بامتياز وراهب الثورة الفلسطينية، وقتها اكتسى بالحزن قلب الجميع إلا منظمة حماس الإرهابية، فبينما خرجت صحف العالم تنعي درويش، الذي ترجمت أعماله لما يقرب من 22 لغة كان لحركة حماس موقف آخر من الرجل، واحتفلت برحيله على طريقتها الخاصة، حيث أصدر خالد مشعل بيانًا مقتضبًا كتبه بلغة رسمية جافة، وكأنها إشارة البدء لحملة مسعورة على صفحات الإنترنت والشماتة بموته، ووصلت الوقاحة بأحدهم لكتابة موضوع بعنوان: "هنا نتلقى التهاني بـ (نفوق) الهالك محمود درويش".
نعم هكذا وصل بهم الحال من التدني، ونستطيع القول الآن ما أشبه اليوم بالبارحة، فقد شهدنا تلك المرارات الغبية منهم عندما رحل كاتب النصف كلمة أحمد رجب، وشهدناها مع رحيل رسام الكاريكاتير مصطفى حسين، والكاتبين الصحفيين عبدالله كمال وسعد هجرس، فضلاً عن شماتتهم المقيتة في طابور الشهداء العظيم من رجال الجيش والشرطة، ولعل أكثر تلك الشماتة فجاجة تلك التي صاحبت رحيل الفنان خالد صالح في الأسبوع الماضي.
حيث يرى هؤلاء الشامتون أن خالد صالح قد فوّض الجيش لاجتثات الإرهاب، ومن رأيهم أيضًا أنهم فوضوا أمرهم لله فيه فقبض روحه، حتى أن أحد هؤلاء المجانين يجزم أن جهنم هي مصير كل من يدعم السيسي، وهي المستقر لكل هؤلاء الراحلين.
دعوني أقول إن هذا جنون وكلام فارغ يخرج من نفوس مريضة ولو كان كاتبو هذا الكلام مقتنعين به، فنحن نحمد الله ونشكر فضله على زوال حكمهم المقيت، فمصر التي علمت الدنيا الحضارة لم يكن لائقًا بها أبدًا أن تدار بمثل هذه العقول المشوهة والأرواح المريضة، فالموت يا حضرات المتأسلمين له جلاله، وحساب الآخرة لا يعلمه إلا الله جل علاه، فمن أين أتيتم بتلك الشجاعة التي تعتبرون فيها أنفسكم وكلاء عن الله في الأرض.
وكنت أتمنى ألا ألجأ للمحاججة بالدين في موضوع سياسي وأخلاقي، ولكن هذا هو ديننا الذي تعلمناه من الرسول الكريم، حيث جاء في الصحيح (إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفسًا؟).
الموت ليس عقوبة تنزل بمن يختلف معكم في الرأي وهو حق على الجميع، فالرسول عليه الصلاة والسلام قد مات، وحتى إمامكم حسن البنا قد مات، وأنتم على جهلكم النشيط سائرون، وإلى حفرة نهاية تاريخكم تندفعون، المسافات صارت متباعدة جدًا بينكم وبين الشعب المصري العظيم، الشعب الذي عرف التوحيد قبل نزول الأديان، الشعب الذي لفظ تدينكم الكاذب وأخلاقكم المشوهة، الشعب الذي عرف أن للموت حرمة فاحترمها، وأنتم عشاق الدم والكآبة والاكتئاب والجهل والشماتة في الموت.
فيا أصدقاءنا الذين رحلوا عنا من محمود درويش إلى خالد صالح، سلام عليكم وسلام على أرواحكم بقدر ما أعطيتم للوطن والناس ولو كره المتأسلمون.