السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المصالحة مع الإخوان تدعم حربهم ضد الحضارة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنطبق كل صفات التنظيم العصابى على جماعة الإخوان، وهذا هو أُسّ الخلاف معهم، كما أنه السبب الرئيسى لرفض المصالحة معهم، بل يعزز ضرورة محاربتهم على كل الجبهات، بعدم التهاون فى تنفيذ القانون، مع إدراك ضرورة التصدى فى المنابع فيما يشكل وعى الناشئة، إضافة إلى برامج التوعية العامة. ولا تجوز المساومة فى هذا الموقف. وبرغم هذا فإن الإطاحة بهم لم تستند على هذا النظر، وإنما كانت أسباب عملية وفّرهها الإخوان بأنفسهم لتكون الدافع الذى حرّك الشعب، لأنهم تطوعوا باقتراف جرائم فى الحكم كانت كافية لإنزال الأضرار بمختلف طوائف الشعب، إضافة إلى الفئات السياسية والثقافية والفنية والنشطاء فى الدفاع عن حقوق الإنسان وتدعيم الحريات وغيرهم، فتجمعت الحشود من كل ناحية ولم تدعْ للقوات المسلحة مجالاً للاختيار، فكان ما كان.
يصطدم التنظيم العصابى بالمطلق مع أسس وأهداف الدولة الحديثة، دولة القانون، التى نادت بها الثورة، لأن العصابة المنظمة تتأسس من الرأس أولاً، ثم يقوم المؤسسون، أو بمعنى أدق المؤسس ومعه مؤيدوه أو دراويشه، باختيار المستوى الأقل من القمة، ثم نزولاً إلى المستويات الأدنى حتى القاعدة! وبالتالى فهم لا يعرفون الانتخابات التصعيدية التى تقوم عليها التنظيمات فى الدولة الحديثة، والتى تختار فيها قواعدُ التنظيمات مستوياتِها الأعلى منها، ومن الأخيرين تُنتخَب الكوادر الوسيطة، والتى يجرى منها انتخاب المستويات الأعلى، حتى القمة.
وتشترط الدولة الحديثة عدة مبادئ عامة على تنظيماتها، أهمها الشفافية التى تبدأ ببرنامج سياسى واضح، ثم تأتى على رأس الأولويات مسائل التمويل والميزانية وبنود الإنفاق، على أن يخضع كل هذا إلى أجهزة الدولة الرقابية.
فأما البرنامج السياسى، فقد كانت ممارسة الإخوان لا تعتمد على نصوص أدبياتهم المعلنة، بل إنهم كانوا يعارضون هذه الممارسة فى الحوار العام كتابة وكلاماً، من ذلك استهانتهم بمبدأ المواطنة، واستهزاؤهم بحق المغايرين فى الدين والمذهب، إضافة إلى عدائهم الأصيل للحريات العامة والخاصة، وفوق كل هذا احتقارهم للوطن كقيمة وتراب، والاستعاضة عن ذلك بالتبعية للتنظيم الدولى للجماعة المتحرر من أى مساءلة فى مصر.
ليس هذا فقط، بل وأضافوا من عبقريتهم بنوداً أخرى تشدهم أكثر، وتشد البلد معهم، إلى الوراء، من ذلك مبدأ السمع والطاعة الذى صاغوا له قسماً، يلتزم به العضو مهما بلغ شأنه داخل الجماعة أو خارجها. كما فرضت الجماعة كتماناً أسطورياً على بنود تمويلها لا يعرف حتى الأعضاء عنها شيئاً، كما أعفت نفسها من الالتزام بقوانين الدولة فى هذا الصدد، بحجة أنهم كانوا محظورين أغلب فترات تاريخهم، ولكن هذه الحجة تلاشت بعد أن وصلوا للحكم ولم يعد فى مقدور أحد أن يمنعهم من شىء، إلا أن تكون سرية التمويل وسبل الإنفاق مبادئ مهمة فى تكوينهم.
هذه الآلية الداخلية التى وضعتها الجماعة وفرضتها على تنظيمها وعلى أعضائها، سارت عكس التطور وضد الارتقاء الطبيعى الصحى المطلوب، فما عادت الكفاءة معيار التصعيد فى التنظيم بل صار الإذعان للتكليفات دون مناقشة هو أهم عوامل التزكية لتولى المناصب ولتمثيل الجماعة خارجها!
وهذا يفسر كيف جرى اختيار الدكتور مرسى للترشح للرئاسة برغم وجود كثيرين أفضل منه بما لا يُقارَن، أى أن ما عزَّز اختياره ليس تمكنه من مهارات مفيدة للتنظيم وللبلاد، وإنما بفضل امتثاله سامعاً مطيعاً لأوامر من هم فوقه فى الجماعة.
ومن غرائب الجماعة أنهم كانوا يزايدون على المطالبين بالحرية، الذين دفعوا الثمن الغالى فى كل عهود الاستبداد، ولا تعرف ماذا يفعل تنظيم بالحرية فى وقت يُحرِّمها فيه على أبنائه فى الجماعة، ولم يسجل تاريخهم موقفاً يدل على أصالة الحرية فى معتقدهم.
بل إن العداء الأصيل للحرية داخل الجماعة أضر بها بأكثر مما يأمل أعداؤها، بإقصائها من المنبع لكل صاحب فكر مستقل، ولكل من يعمل على تشكيل موقف ما داخل الجماعة يتسم بأقل شبهة حيود عن الخط المرسوم من أعلى، حتى لو كان من أشد المخلصين للجماعة. وكانت هذه سياسة ثابته من مرحلة مبكرة من تأسيس الجماعة وحتى آخر أيامها، وتبددت بذلك الكفاءات إما بالفصل بقرارات من أعلى وإما باليأس الشخصى وترك الساحة لتتحكم القيادة كما تشاء. وفى ذات الوقت حظى المنقادون بكل الفرص وبكل المناصب والترشيحات يزكيهم انقيادهم.
وهذا عامل آخر أكثر خطورة، لأن انتخاب رئيس الجمهورية هو فى أصله ومعناه والغرض منه تأسيس لقاعدة إنفاذ اختيار الشعب فيمن يختاره رئيساً، فإذا بصلاحيات المنصب تنتقل بيد الدكتور مرسى إلى المرشد، أو إلى مكتب الإرشاد، أو إلى من لا يعرفه جمهور الناخبين المصريين فى التنظيم الدولى للإخوان، وبذلك صار الكلام عن مساءلة الرئيس لغواً، بعد أن تهاون الرئيس بادئ ذى بدء فى صلاحياته وتنازل عنها لمن ليس لهم أى صفة رسمية، بما لا يتيح إمكانية محاسبتهم على سوء سياستهم! وكان هذا وحده كافياً لعزل مرسى ومحاكمته.
وقد تجلت أزمة الجماعة بشكل مأساوى، بعد التجريف المنظم للكفاءات عبر سنوات ممتدة، فى محنتها بعد أن ثار الشعب عليها، وتبين أنه ليس لديهم نخبة تستطيع أن تستوعب ما حدث، وأُضيف هذا إلى العجز عن التنبؤ سياسياً بالنتائج الطبيعية التى كانت متوقعة لسياساتهم الكارثية طوال حكمهم، كما تعاظمت محنتهم فى الأخطاء التاريخية لما تصوروا أنه السبيل الأمثل للعودة للحكم، وها هم يتخبطون حتى الآن بتبنيهم سياسات يومية تعتمد الإرهاب الذى يبعدهم أكثر وأكثر عن أن يكون لهم مكان فى الواقع السياسى فى كل من المدى المنظور والمستقبل المحسوب!
ومن غرائب الطبيعة أن يتغافل البعض عن كل هذا ويُقْصِر الموضوع المتعدد المتشابك، بجذوره التاريخية وأبعاده التنظيرية وعلاقاته الخارجية، فى مجموعة من الأبرياء من أعضاء الجماعة لم تتلوث أياديهم بممارسة العنف! وتُختصَر القضية فى أن هؤلاء يتعرضون لظلم بمنعهم من المشاركة فى الحياة السياسية!
الخلاف مع الإخوان أعمق من أن يكون بسبب جرائمهم فى الحكم، برغم فداحة هذه الجرائم التى توجب الإطاحة بهم، كما أنه أخطر من أن تُمارَس فيه أى مرونة يترتب عليها توريط الأجيال القادمة فى قنبلة موقوتة عظيمة الانفجار.