الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العالم العربي وأوروبا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
العلاقات بين العالم العربى وأوروبا علاقات معقدة ومتشابكة وتاريخية ولها جوانب ثقافية واقتصادية وسياسية.. بدأت منذ أقدم العصور ومرت بخبرة الحروب الصليبية ومرحلة الاستعمار التقليدى وانتهت إلى الشراكة المتوسطية الأوروبية مع دول جنوب المتوسط.
ومع ذلك فإن العالم العربى وأوروبا يعيشان تجربتين مختلفتين تمامًا من زاوية الأسس والمنطلقات والنتائج، ففى حين تعيش أوروبا مرحلة الوحدة والاتحاد الأوروبى، يعيش العالم العربى مرحلة التفكك والتقسيم، التطور فى أوروبا يسير فى اتجاه تعزيز ودعم مقومات الدولة الوطنية والقومية الموحدة كما حدث فى استفتاء "أسكوتلاندا"، ـ مؤخرًاـ والذى أبقت نتائجه على "أسكوتلاندا" فى إطار المملكة المتحدة البريطانية بالأغلبية الديمقراطية وعبر الآليات والقيم والوسائل الديمقراطية التى تمكن المواطنين دون ضغوط ودون تهديد من تقرير مصيرهم بأنفسهم، فى الوقت الذى يعيش فيه العالم العربى مرحلة تفكك الدولة الوطنية وفشلها أو تقسيمها مثل حالة السودان، حيث انفصل جنوبه عن شماله وحال الفشل التى تمثلها الصومال وحال العراق وسوريا اللذين اقتطعت منهما حركة وتنظيم داعش أجزاءً واسعة، ونُصّبت فيها خليفةً للمسلمين.
وليس نموذج "أسكوتلاندا" وبقائها فى إطار المملكة المتحدة البريطانية هو النموذج الوحيد، حيث ثمة أقاليم متعددة فى قلب أوروبا تتطلع إلى الانفصال عن الدولة الأم وتشكيل دولة مستقلة كما هو الحال فى إسبانيا "إقليم كتالونيا" مثلاً أو فرنسا جزيرة كورسيكا وغيرها، ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبى والدول الأعضاء تتبع سياسات من شأنها الحفاظ على الدول ووحدتها وسيادتها وتدعم الاتجاه إلى عدم السماح للأقاليم والنزاعات الانفصالية بتقرير المصير وتفكيك وحدة الدول القائمة.
وفى حين تؤيد أوروبا سياسة الإبقاء على هذه الأقاليم فى إطار الدولة الوطنية، فإنها لا تتبع ذات السياسة مثلاً تجاه السودان أو غيرها من الدول العربية التى وقعت ضحية التقسيم الطائفى والدينى بل على العكس من ذلك يبذل قادتها وساستها ـ أى قادة وساسة أوروباـ بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية المزيد من الجهد لتقسيم الدول العربية وتفكيكها.
والحال أنه بالإضافة إلى الضغوط الدولية والإقليمية فى اتجاه التفكيك ثمة الضغوط المحلية والوطنية، حيث توجد قوى وجماعات متطرفة وغير متطرفة تحول دون إتباع سياسات تحافظ على التماسك الوطنى وتعزز من وجود الدولة الوطنية إما بسبب مصالح هذه الجماعات الضيقة بعيدًا عن المصالح الوطنية العليا وإما بسبب ترهات وأوهام حول استعادة الخلافة الإسلامية وهذه الدعوة الأخيرة بالذات هى الطريق والوصفة الأكثر فاعلية وتهديدًا للدولة الوطنية والدعوة الأكثر صراحة لهدمها وتقسيمها بصرف النظر عن نتائج ذلك فى المستقبل وخطره على حياة المواطنين والضعفاء الذين هم أحوج ما يكون للدولة كنظام يحمى الضعفاء من الأقوياء.
مجرى التطور التاريخى فى أوروبا قد أفضى إلى تفتت النواة اللغوية اللاتينية إلى ثلاث لغات هى الإيطالية والإسبانية والفرنسية وذلك فضلاً عن التعدد اللغوى فى العديد من الدول الأوروبية، بينما أن مجرى التطور التاريخى فى العالم العربى قد أفضى إلى تطوير مستوى من اللغة العربية يسمى "الفصحى" يمكن عبره التفاهم بين مشرق العالم العربى ومغربه مع بقاء اللهجات المحلية ومع ذلك فإن هذا التوحد اللغوى والثقافى لم يفض عمليًا إلى تعزيز الاتجاه نحو الوحدة العربية بل نحو تدعيم مقومات الدولة الوطنية الحديثة.