رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حذاء السيسى فى الأمم المتحدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الواقعة مشهورة.. لا أحد يجهلها، كان زعيم الاتحاد السوفيتى السابق نيكيتا خروتشوف يقف على منبر الأمم المتحدة يلقى كلمة بلاده فى العام 1960.. وصل فى كلمته إلى رفض الولايات المتحدة منح اعتراف بالصين الشعبية الشيوعية بدلاً من الصين الديمقراطية، اتهم واشنطن يانتهاج سياسة استعمارية فى الفلبين.. تصاعد الغضب فى حديثه، فضرب على المائدة التى أمامه، ثم خلع حذاءه ووضعه أمامه وبدأ فى توجيه سيل من الشتائم للغرب.

انتبه المشاركون إلى غضب خروتشوف وحذائه.. حقق ما أراده، لكنه لم يرفع الحذاء وظل أمامه حتى انتهى من إلقاء كلمته.. حتى الآن تعرف هذه القمة بقمة "حذاء خروتشوف".. فقد قال رأيه بطريقة لا يخطأها أحد، ثم عاد إلى بلاده مرة أخرى.

هل من المفروض أن يفعل السيسى شيئًا من هذا.. هل من المفروض أن يتحدث بغضب ويضرب بيه على منصة الأمم المتحدة ويضع حذاءه فى وجه الجميع؟

أعتقد أنه لا بد أن يفعلها.. لا يضع حذاءه على المائدة التى سيتحدث من أمامها فقط، بل لا بد أن يرفع حذاءه فى وجه كل من يتربصون بمصر وثورتها ورئيسها، وهم كثيرون.

كان يمكن أن يوفر السيسى على نفسه عناء هذه الرحلة التى ستكون مرهقة ما فى ذلك شك، لن تزيد عن خمسة أيام، كان يمكن أن يستجيب لمن طالبوه بأن يبقى فى مصر خوفًا عليه من الاغتيال ـ فهو قولاً وفعلاً المطلوب رقم واحد فى العالم ـ كان يمكن أن ينيب وزير خارجيته ليلقى كلمة مصر بالنيابة عنه.. لكنه أصر على أن يسافر إلى هناك بنفسه، ليكون فى مواجهة كل من يريدون به وبمصر شرًا.

لدى السيسى تقارير كاملة أعدتها جهات أمنية سيادية، رصدت فيها كل شيء، صحيح أنه سيشارك فى قمة المناخ التى ستقام على هامش فعاليات الدورة 69 من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة (21 ـ 25 سبتمبر)، لكن تقاريره التى قرأها بعناية أشارت إلى الخطة التى بدأت جماعة الإخوان وحلفاؤها فى تنفيذها لإحراج السيسى، فهم يعيدون تمثيل مشاهد من فض رابعة، يضعون فتيات محجبات فى أقفاص حديدية فى إشارة إلى أن حاكم مصر الجديد يحبس نساء مصر، ويصادر الحريات.. وقد يكون هناك ما هو أهم، فهناك من يخطط لاغتيال السيسى وليس إحراجه فقط.

لكن ورغم كل هذه التقارير قرر السيسى أن يذهب، لأن لديه ما يقوله.. يعرف أن العالم ذاهب إلى الأمم المتحدة هذه المرة من أجل الإرهاب، لن تكون قمة المناخ هى الهدف ولا محل الحوار، أوباما شد رحاله إلى نيويورك حتى يجمع زعماء العالم فى جبهة واحدة لمحاربة الإرهاب الذى صنعه بنفسه، والذى يواجه اتهامات من دوائر مختلفة داخل الولايات المتحدة بأنه من دعم إرهاب الإخوان المسلمين، ومهد لهم الطريق، ورغم حصارهم داخل بلد منشأهم إلا إنه لا يزال يناصرهم.

طلب السيسى من العالم مبكرًا جدًا أن ينتبه إلى خطر الإرهاب.. أن يحارب إلى جوار مصر هذا الوحش الذى انطلق ولن يقدر عليه أحد بمفرده، تجاهل سيد البيت الأبيض إرادة مصر، تعاملت أوروبا مع ما يجرى على أرض مصر وكأنه لم يحدث من الأساس، وقفوا إلى جوار الجماعة الملعونة، وعندما اقتربت منهم نار الإرهاب بدأوا يطلبون العون، فلا يستطيع أحد أن يواجه الإرهاب فى منطقة الشرق الأوسط دون أن تكون مصر بخبرتها وقوتها وجيشها وقدرتها على المواجهة فى قلب المعركة، التى يمكن أن تطول دون نتائج واضحة إذا لم تشترك فيها مصر، لكن الرئيس الذى قرر أن يقضى على الإرهاب بكل طريقة تحفظ على ما يريده الغرب، وبدأ يفكر فى مكاسب مصر من هذه الحرب.. التى يريد الغرب أن يشنها لمصلحته.. وبعد أن بدأ شياطين داعش فى جز رقاب الأمريكان والأوروبيين.

يذهب السيسى إلى الأمم المتحدة والموقف على الأرض فى صالحه تمامًا، القضية التى خرج بها للعالم أصبحت هى قضية العالم كله.. وليس أمامهم إلا أن يستمعوا إليه.

هناك من يتخوف من سخافات بعض الأنظمة تركيا وقطر على وجه التحديد، يشيرون إلى أن ممثليهم يمكن أن ينسحبوا فى اللحظة التى يبدأ السيسى فيها إلقاء كلمته، احتجاجًا منهم على أنه رئيس غير شرعى، ورغم أن هذا يمكن ألا يحدث إلا أن الإدارة المصرية جهزت منذ الآن رد الفعل المناسب.. ففى اللحظة التى ينسحب فيها ممثل أى دولة احتجاجًا على كلمة السيسى، ستعلن مصر قطع علاقتها الرسمية مع هذه الدولة، وسيتم سحب السفير فورًا.. فقد قررت مصر أن تتعامل مع الدول الأقزام بمنتهى الحسم، فقد آن أوان العين الحمراء.

لا توجد معلومات مكتملة حتى الآن عن الكلمة التى سيلقيها السيسى، هل كتبها بنفسه كما فعل فى كلمات سابقة ألقاها فى مواقف حاسمة، أم إنها مكتوبة بعناية من قبل مستشاريه؟ هل سيلقى كلمة مكتوبة من الأساس، أم إنه سيرتجل كلمته كما يفعل هنا فى مواقف يسعى خلالها إلى جذب تعاطف المصريين أغلب الظن أنه لن يرتجل بالطبع، لأن الموقف هناك لا يحتمل، فالكلمة محسوبة والرسائل لا بد أن تكون مقصودة.

قد يكون من إضاعة الوقت أن نبحث عمن كتب، فالبحث الأولى الآن عما ستتضمنه كلمة السيسى أمام زعماء العالم الذين ينتظرون الرجل الذى أنهى حلم الدولة الإسلامية ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم كله، الرجل الذى انتفضت ضده التيارات الإسلامية فى العالم ولا تزال.. البحث عن الرسائل التى لا بد أن تصل إلى أصحابها، وهم يتربصون أكثر مما يستعدون للسماع والاقتناع بهذه الرسائل.

لا بد أن يحمل السيسى معه كل جرائم الإخوان المسلمين، والملف كبير ومتخم بالأوراق، لا بد أن يستعرض أمام العالم كل ما فعلوه وارتكبوه من آثام وخطايا، ولو كنت من السيسى لأخذت معى الضابط العائد من رحلة العلاج "ساطع النعمانى" الذى فقد عينه اليسرى فى أحداث بين السرايات، لأقول للعالم هذا ما فعله الإخوان.. إنهم يفقدوننا أبصارنا، لأنهم يريدون تحويل الدنيا من حولنا إلى ظلام حالك.

ليس على رأس السيسى "بطحة" حتى يخجل منها، من حقه أن يقف على منصة الأمم المتحدة وهو يعرف أن الحق معه لأن الشعب معه، لا يجب أن يبرر أو يفسر، يكتفى فقط بالهجوم على من يتربصون بنا وبثورتنا وبمستقبلنا، من حق السيسى أن يرفع حذاءه فى وجه العالم كله، لأنه يقف وخلفه كلمة شعبه.

لا يفهم الأمريكان إشارة الحذاء جيدًا، رئيسهم بوش ضرب بالحذاء فى بغداد فلم يدهشهم الموقف، هيلارى كلينتون تلقت صفعة بالحذاء وهى تلقى محاضرة فلم تهتز، بل اكتفت بالابتسام، لكن إشارة الحذاء تعنى عندنا الكثير، تعنى أن من يقف أمامنا لا يعنينا، لا نهتم به ولا نلتفت إلى ما يقوله.

هل نحن فى حاجة إلى إهانة العالم؟

نعم نحن فى حاجة إلى إهانة العالم وبقصد وتعمد، لأن العالم لا يهتم بمن يسعون إلى استرضائه، لا يعترف إلا بمن يلهبون ظهره بسياطهم، لقد قمنا بثورة عظيمة نعرف نحن فقط ما الذى أنقذتنا منه.. ولذلك فليس ضروريًا أن يرضى عنا أحد، وليس ضروريًا أن يقتنع أحد بوجاهة ما نذهب إليه.

ليس على "السيسى" إلا أن يتجاهل كل ما يراد به أو منه فى هذه الدورة، سيحاولون إحراجه، فلا يجب أن يهتم، يمكن أن يتجاهله بعضهم اعتقادًا منهم أنهم بذلك يسحبون منه الشرعية التى حصل عليها شعبه، فلا يحب أن يلتفت إلى هؤلاء.. إنه صوت مصر الذى ينتظره العالم، فلا أقل من أن يكون على قدر المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقه.

لقد أثبت فى مواقفه المتكررة أنه يعرف جيدًا أن يضع قدمه، ومؤكد أنه سيفعلها هذه المرة.. سيكون القائد والزعيم الذى ينتظره شعبه، فى مواجهة كل محاولات تقزيمه وجعله مجرد جنرال وصل إلى السلطة دون أن يصل إلى مرحلة الزعامة التى تسوقه أقداره إليها.

الرحلة ليست سهلة.. والأصدقاء قبل الأعداء فى انتظار ما ستسفر عنه.. أما أنا فلا أرى داعى للتوقع أو الانتظار.. لا بد أن يتصرف السيسى مسنودًا ومستندًا إلى شعب منحه ثقته.. فلا أقل من أن يكون فى حجم هذه الثقة.. عابرًا بها ومعبرًا عنها، ارفع حذاءك فى وجه من يعترضون طريقك.. فأمثال هؤلاء لا ينفع معهم إلا الحذاء.