الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيحات التجديد الديني ( 37 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولم يكن ما قاله أحمد أمين فى العدد الأول من "الرسالة" تغريداً خارج السرب ، بل كانت تفسيراً لتوجه جديد حاول أن يتجنب هجمات رشيد رضا وعصبته وأن يهرب بفكرة التجديد عبر مسار فيه قدر من التنازل ، لكننا قبل أن نلتمس بعضًا من نتاج هذا التحول نسجل ملاحظة مهمة وهى أن "معظم شخصيات مصر السياسية والفكرية فى القرن العشرين كانوا من أصل ريفى أمثال سعد زغلول وأحمد لطفى السيد وعبد العزيز فهمى ومحمد حسين هيكل وطه حسين . ورغم تعليمهم الغربى إلا أنهم لا يستطيعون نسيان آثار بيئتهم الريفية الأولى وخصالها" [د. عفاف لطفى السيد – تجربة مصر الليبرالية – 1922-1936- ترجمة عبد الحليم سليم – صـ70] وحتى الارستقراطيين منهم كانوا ذوى نعرة إقطاعية وخاصة محمد محمود الذى كان يترفع حتى على زملائه فى وفد التفاوض مع ملز فرفض أن يساكن بعض أعضاء الوفد لأنهم ليسوا من طبقته" . [د.أحمد زكريا الشلق – حزب الأمة ودوره فى السياسة المصرية – صـ109] بل كان يتخذ وهو رئيس حزب ليبرالى موقفًا ضد تحرير المرأة وكان ينتقد على شعراوى باشا لأنه سمح لزوجته بأن تشتغل بالقضية المصرية" [سعد زغلول – المذكرات كراس 37- صـ2114] وكان د. محمد حسين هيكل قد بدأ بالفعل رحلة التحول فأصدر فى عام 1932 ملحقاً لمجلة "السياسة" مكتسباً بطابع إسلامى ومطالباً "بحضارة يمتزج فيها العلم مع الإيمان بالدين فيرتوى منها العقل والنفس معاً وتجد فيها الروح الإنسانية غذاء يجمع لها بين الرخاء والسعادة وبين النعمة والطمأنينة" ويوضح هيكل موقفه فى كتابه "فى منزل الوحى" لقد خيل إلى زمناً ، كما لا يزال يخيل إلى أصحابى أن ننقل من حياة الغرب العقلية كل ما نستطيع نقله ، لكننى أصبحت أخالفهم الرأى فى أمر الحياة الروحية وأرى أن ما فى الغرب منها غير صالح لأن ننقله ، فتاريخنا الروحى غير تاريخ الغرب وثقافتنا الروحية غير ثقافته ، ولا مفر أذن من أن نتلمس فى تاريخنا وفى ثقافتنا وفى أعماق قلوبنا وفى أطوار ماضينا هذه الحياة الروحية . ولقد حاولت أن أنقل لأبناء لغتى ثقافة الغرب المعنوية وحياته الروحية لكننى أدركت فيما بعد أننى أضع البذر فى غير منبته فإذا الأرض تهضمه ثم لا تتمخض عنه ولا تبعث الحياة فيه ، ثم رأيت تاريخنا الاسلامى هو وحده البذر الذى ينبت ويثمر" [د. محمد حسين هيكل – فى منزل الوحى – صـ26] .
ويعلق الدكتور جابر الأنصارى على هذا الموقف قائلاً "إن هيكل بهذه التوفيقية الفكرية يعبر عن تيار محمد عبده ، محاولاً أن يبعثه بعد أن تصدع بسبب الصراع بين التيار النصوصى المحافظ للشيخ رشيد رضا وبين التيار العقلانى المجرد لطه حسين وعلى عبد الرازق قبل أن يتغيروا [د. محمد جابر الانصارى – تحولات الفكر والسياسة فى الشرق العربى – صـ67] ويورد الأنصارى نصاًً لبرنارد لويس يقول : "انقلبت الصورة تماماً فإذا الإسلام باعتباره قوة عقيدية اجتماعية سياسية جامعة يقوم ، وإذا الليبرالية العلمانية تخسر ، وحتى الليبرالية المخففة المطمعة بعناصر تراثية أخذت تزيد من تقبلها للأفكار الإسلامية ، وقد أصبح واضحاً أن رغبة العرب فى دفع السيطرة الغربية عليهم تفوق بكثير رغبتهم فى استيعاب الحضارة الأوروبية" . ويفسر بادو Badeau ذلك الوضع قائلاً "فى معظم أقطار الشرق الأوسط كان الاتجاه نحو العلمانية والإصلاح الاجتماعى سائداً ، وكان التوجه الدينى كثيراً ما يقرن بالمحافظين والمتحجرين الذين يرفضون التقدم والسير مع الركب ، واليوم وبعد الحرب بقليل نجد أن الدين قد أخذ فى الانبعاث وتبوأ مركزاً فعالاً فى الحياة . إن الدين لسبب من الأسباب قد عاد الى مسرح الأحداث فى الشرق الأوسط منذ عام 1936 بينما خفت صوت التوجه العلمانى ، لكن نمو الظاهرة الدينية ليس إحياءً عقيدياً فكرياً ، وإنما هو إحياء سياسى اجتماعى فليس فيها اجتهاد دينى وفكرى جديد وإنما هو ظاهرة اجتماعية تستخدم الدين لأهداف سياسية فالإحياء هنا على وجه التحديد إحياء للدين كعامل اجتماعى وكحزب سياسى" [ج.بادو وآخرون – التطور فى الدين – دراسات إسلامية لمجموعة من المستشرقين الأمريكيين – ترجمة نقولا زيادة وآخرين – صـ246] لكن عباس العقاد يعارض هذا الرأى قائلاً "أن هناك إنجازاً فكرياً خصباً فقد صدر عن الإسلام أكثر من عشرين كتابًا فى عام واحد ، عدا العديد من المجلات الإسلامية . والملاحظ أن معظم الكتابات الإسلامية قد جاءت لغير المتفرغين للمسائل الدينية مما يعبر عن اهتمام متزايد بالأمر . وسبب ذلك فشل الفلسفة المادية فى العالم ، فى إقناع العقول وإرضاء النفوس ، بعد أن اجتاحت العالم حوالى قرن من الزمان" ويحللها أيضاً كعادته دوماً "باليقظة العربية واللياذ بالعقيدة التى تعيد ذكرى القديم وتحمى أصحابها من غارات أعدائها فى العصر الحديث . وكذلك حركة المبشرين وأيضاً بالفزع من الشيوعية" [روز اليوسف – 12أغسطس 1935 – مقال لعباس العقاد] .