الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

الحرب الدولية على "داعش" في العراق تفجر إشكاليات حماية المدنيين العزل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فجر المؤتمر الدولي بشأن السلام والأمن في العراق والذي احتضنته العاصمة الفرنسية (باريس) مؤخرًا، وشاركت فيه وفود من ثلاثين دولة، الكثير من القضايا والإشكاليات ليس فقط المتعلقة بتقييم نتائج المؤتمر الدولي، وإنما أيضًا المتعلقة بالضمانات القانونية التي كفلها القانون الدولي لحماية المدنيين العزل أثناء فترة الحروب.
وإذا كان المؤتمر الدولي في باريس قد حظي بمشاركة دولية لا يستهان بها، إلا أنه ثمة مجموعة الملاحظات التي يمكن إبرازها في هذا الصدد.
أولًا: أن مؤتمر باريس تنقصه شمولية المعالجة لقضية محاربة تنظيم "داعش"، إذ اقتصر على محاربته في العراق فقط وكأن التنظيم هو عراقي بالأساس، ولم يتطرق إلى إمتدادته في سوريا (وإن شئت صحة القول) أن أصل التنظيم ظهر في سوريا أولًا وإن كان تحت مسمى آخر، ثم انتقل تحت شدة وعنف قوات النظام السوري إلى العراق التي وجد تربتها السياسية وسيولة مؤسساتها مهيأة للظهور بهذا الشكل العنيف والمرعب.
وفي خضم التطورات الميدانية للأزمة السورية واشتداد حملة الرئيس بشار على تنظيم داعش الموجود فيها، أشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى قول الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه سيرد على أي تحرك من نظام الرئيس بشار الأسد ضد الغارات التي ستستهدف "الدولة الإسلامية في سوريا". وقال أوباما خلال اجتماعات عقدها مع خبراء أمريكيين في السياسة الخارجية للبحث في الإستراتيجية ضد التنظيم، إنه "في حال تجرأ (الأسد) على فعل ذلك (التصدي للطائرات الأمريكية) فسيأمر القوات الأمريكية بمحو مضاداته الدفاعية" وهذا الأمر "أسهل من ضرب داعش، كون المواقع الدفاعية معروفة للنظام". واعتبر الرئيس الأمريكي، "أن مثل هذا التحرك من الأسد سيؤدي إلى إطاحته".
ثانيًا: أن ثمة انقسام واضح في هيكل ميزان القوى الدولية، إذ أكدت روسيا وبعض الدول الأخري التي شاركت في المؤتمر، أنها على استعداد للإسهام في أي عمل جماعي تحت إشراف الأمم المتحدة وفي إطار أحكام القانون الدولي، إضافة إلى التناقضات بين القوى الإقليمية المشاركة. ناهيك عن رفض إيران المشاركة بالأساس في هذا المؤتمر لكونها ترفض فكرة ضرب "داعش" عسكريًا.
وإذا باراك أوباما أكد على حتمية على الحرب ضد داعش، فمنطلق ذلك ليس من أجل وحدة العراق وحماية الطوائف الأخرى التي تتعرض للانتهاكات هناك، إنما هو لأسباب خاصة بأمريكا وحدها وهي تدهور الهيبة الأمريكية في المنطقة، ووصول داعش إلى حقلي بطمة وعين زالة شمال نينوى، إضافة إلى غيرها من الحقول في نينوى وصلاح الدين وتلك الموجودة في الشق السوري في دير الزور والرقّة.
ارتباك مواقف الدول
ثالثًا: إزاء هذا المشهد السياسي المرتبك والمعقد لم يبلور المؤتمر نتائجه في خطط وإستراتيجيات وآليات للتنفيذ، ولذا فقد أخفق في التوصل إلى توزيع للأدوار بين أعضاء "التحالف الدولي" المناوئ لتنظيم الدولة الإسلامية، كما أنه لم يحدد المواعيد لشن الهجوم على "داعش".
وقالت عدة دول إنها تؤيد التحالف الذي تأمل الولايات المتحدة تكوينه لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، لكن أغلبهم لم يوضح الصورة فيما يتعلق بالدور الذي قد يلعبه كل منهم.
وفي هذا السياق أكدت فرنسا أن هناك صعوبات قانونية وعسكرية أمام التدخل في سوريا، وقالت إنها لا تريد توجيه ضربات ضد أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية يستفيد منها الرئيس السوري بشار الأسد، كما أن القوات الفرنسية تتعرض لضغوط مع وجود أكثر من 5000 جندي في غرب أفريقيا، فضلًا عن أن ميزانية الدفاع السنوية للعمليات الخارجية أصبحت تبلغ نحو ثلاثة أمثال المبلغ الوارد في الخطة الأصلية للموازنة في وقت تتعرض فيه الحكومة لضغوط حادة لخفض الإنفاق.
أما بريطانيا فترى أن أي ضربات جوية في سوريا ستكون معقدة. ولم تستبعد أي خيارات عسكرية لكنها لم تعلن صراحة ما إذا كانت ستشارك في الضربات الجوية في العراق، وخاصة أن لندن تعيش حالة من القلق قبل الاستفتاء الذي يجري غدًا /الخميس/ على استقلال اسكتلندا، فإن الحكومة البريطانية تدرك تمام الإدراك المعارضة الشعبية للدور البريطاني في غزو العراق مع الولايات المتحدة عام 2003.
في حين تستبعد ألمانيا شن ضربات جوية بسبب موقفها التاريخي المناهض للحرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تبد أغلب الدول الأوربية رغبة تذكر في تقديم ما يتجاوز المساعدات الإنسانية واللوجستية.
كما استبعدت تركيا ـ عضو حلف شمال الأطلسي والحليف المقرب من الولايات المتحدة والتي لها حدود مشتركة مع سوريا والعراق ـ المشاركة في المجهود الحربي، فهي تخشى أن تعرض مشاركتها أرواح أكثر من 40 مواطنا تركيا يحتجزهم مقاتلو الدولة الإسلامية للخطر، وتعارض تقوية الأكراد في العراق وسوريا خشية أن يؤجج ذلك مطالب الأكراد الأتراك بالاستقلال.
فضلًا عن أن الدول العربية لم تعلن حتى الآن ما إذا كانت ستشارك عسكريا في التحالف وهو أمر يعتبره الغرب ضروريا لتفادي تدخله الذي ينظر إليه على أنه حملة صليبية غربية جديدة في الشرق الأوسط، ومن المستبعد أن تشترك دول عربية في أي عملية برية حتى تلك الدول التي تملك قدرات في هذا الصدد. لكن الأدوار المتوقعة لها تشمل المشاركة في الضربات الجوية والاستطلاع وتسهيل استخدام القواعد وتقديم مساعدات إنسانية وإعادة الإعمار.
رابعًا: أن ثمة تناقضًا واضحًا وازدواجية مؤكدة في سياق الطرح الدولي للحرب الدولية الأممية ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، فإذا كان الطرح الدولي لحماية أقليات وطوائف أخرى في العراق أو في سوريا من القتل والتدمير على أيدى داعش، فإن هذه الحرب ستكون سببًا في قتل وتشريد الكثير من السكان المدنيين العزل.
ولذا فإن التحالف الدولي لن يكون قادرًا على الالتزام بقوانين الحرب المُضمّنة في اتفاق جنيف بشأن حماية السكان المدنيين أوقات الحرب أو حتى التدخل الدولي لأغراض إنسانية مثل إيصال مساعدات الإغاثة إلى منكوبي الحرب، وكذلك التمييز بين العسكريين والأهداف المدنية على غرار المدارس والمستشفيات.
ومما يذكر أن اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 تعتبر هي البداية الحقيقية لحماية المدنيين العزل، وإن كان قد سبقتها اتفاقيات عدة قبل الحرب العالمية الثانية منها اتفاقيات عام 1864، 1906، 1929. لكن كل هذه الاتفاقيات لم تنص على حماية المدنيين، وإنما تنص على حماية ضحايا النزاع المسلح من أفراد القوات المسلحة. وإن كانت اتفاقية جنيف لسنة 1949 تناولت في طياتها حماية المدنيين العزل، إلا أنها قد اعتراها بعض القصور في مفهوم الحماية للمدنيين، لكن هذا القصور قد تداركه بروتوكول جنيف الأول عام 1977م فتوسع في نطاق الحماية للمدنيين العزل.
إجمالًا يمكن القول أن العبرة الآن ليس بالحرب الدولية على "داعش" باعتبارها تهدد السلم والأمن الدوليين وإحدى التنظيمات الإرهابية ومحاولة أمريكا إشراك القوى الدولية والعربية في هذه الحملة الدولية، وهنا لابد أن تحضرنا الحرب الأمريكية على العراق 2003، وإنما العبرة في النتائج المترتبة على هذه الحملة الدولية، وأبرزها ماذا بعد الحرب وتداعياتها على الأمن الإقليمي العربي وحدود التداخل بين الإقليمي والدولي، وماذا عن أطروحات إعادة تشكيل قوى وهيكل النظام الدولي، فضلًا عن هيكل وقوى منطقة الشرق الأوسط. تساؤلات مشروعة ومطروحة خلال الفترة القليلة القادمة.