الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قانون الأحزاب السياسية في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

التطور التاريخي والتجارب الأخرى (5- 8)

في إطار حديثنا عن قانون الأحزاب في مصر، أوضحنا، في مقالات سابقة، أننا سنعتمد منهاجية تاريخية اجتماعية إلى جوار الاهتمام بمقارنة القانون المصري بنظيره في بلدان متنوعة من حيث درجة التطور الديمقراطي وذلك تأكيدا على أن مصر لا تستطيع أن تحيا بمعزل عن العصر، وبدأنا بالفعل، بعد تحديد هذه المنهاجية بشيء من التفصيل، الحديث في المقال الأول عن نشأة الأحزاب في مصر بداية بالثورة العرابية والحزب الوطني القديم ثم تطرقنا إلى ظهور عدد كبير من الأحزاب مع موجة التحديث التي شهدها القرن العشرين، وحاولنا في المقال التالي أن نستكمل الاستعراض التاريخي الاجتماعي لتطور الأحزاب السياسية فتعرضنا لثورة ١٩١٩ التي كانت السبب في ظهور أهم موجة حزبية في مصر، ثم تابعنا بعد ذلك التطورات التي انتهت بظهور قانون ٤٠ لسنة ٧٧ والذي يمكننا أن نعتبره ثمرة لموجة النضال الديمقراطي التي بدأت في ١٩٦٨ عقب هزيمة ٦٧ ووصلت إلى ذروتها في انتفاضة يناير ١٩٧٧.
وقفنا بعد ذلك، وفي المقال الثالث، بشيء من التفصيل عند القانون ٤٠ لسنة ٧٧ فتعرضنا إلى خطوطه الرئيسية من خلال استعراض أبوابه الثلاثة كما تعرضنا أيضاً إلى الشروط التي تضمنها لتأسيس الأحزاب والقيود التي فرضها على حركتها وأخيرا حددنا الأحزاب التي تمت الموافقة عليها وفقا لهذا القانون، وأخيرا عرضنا في المقال الاخير، المقال الرابع، الخطوط الرئيسية للقانون الجديد، القانون رقم ١٢ لسنة ٢٠١١ الذي يعتبر ثمرة من ثمرات ثورة ٢٥ يناير، وسنحاول هنا ان نقدم قراءة نقدية لهذا القانون مبرزين الفروق بينه وبين القانون ٤٠ لسنة ٧٧ . 
ووفقا لما تقدم يحمل مشروع القانون الجديد ثلاثة تطورات هامة وهي: الإبقاء على الحظر المفروض على الأحزاب الدينية، وتشكيل الأحزاب من خلال "الإخطار المشروط،" وسحب التمويل الحكومي للأحزاب، فعلى الرغم من الانتشار الأخير للحركات الإسلامية، تحتفظ المادة 4 من قانون رقم 12 على فرض حظر على أي حزب ذي قاعدة دينية أو طائفية في "مبادئه، أو برامجه، أو أنشطته، أو عضويته، أو قيادته"، وتمنع كذلك مشاركة أي حزب ذي أهداف أو مبادئ تنتهك "الأمن القومي" و"الوحدة الوطنية"، كما تطالب بالكشف العلني عن أهداف وهيكل ومصادر تمويل أي حزب.
المفارقة الطريفة أن جماعة «الإخوان المسلمين» رحبت بالقانون الجديد على الرغم من التزامه باستمرار الحظر المفروض على الأحزاب القائمة على أساس ديني، ويبدو أنها كانت تعد العُدة فى ذلك الوقت لتشكيل حزب "مدني" يلبّي المعايير القانونية ويستمر فى الاعتماد على الفوائد السياسية من خلال شبكتها الواسعة النطاق المكونة من المؤسسات الخيرية ومنظمات الرعاية الاجتماعية، بصورة تماثل إلى حد كبير "جبهة العمل الإسلامي" في الأردن، التي هي الوجه السياسي لـ جماعة «الإخوان المسلمين» الأردنية.. إن موافقة جماعة الإخوان المسلمين على القانون، بل ومشاركتهم فى وضعه، تأتي أيضاً تمشياً مع الحرص العام للجماعة على أن تدعم خطة المرحلة الانتقالية التي طرحها "المجلس العسكري" فى ذلك الوقت، وبالإضافة إلى ذلك حاول الإخوان أن يتجنبوا الظهور فى المشهد بشكل الحزب السياسى الدينى الواضح تجنباً لانتقادات دولية أو محلية متوقعة فى مثل هذه الحالة.
إن السمة المهمة الثانية لتعديلات 2011 هى اعتماد نظام "الإخطار المشروط".. فقد شكل القانون القديم رقم 40 لجنة للأحزاب السياسية كانت مهمتها منح الترخيص للأحزاب السياسية؛ وبموجب قراراتها، ظلت الأحزاب لسنوات عديدة تحت رحمة رئيس اللجنة، السكرتير العام السابق لـ "الحزب الوطني الديمقراطي" صفوت الشريف. احتفظ القانون بهذه اللجنة، ولكن غيّر عضويتها لتشمل أعضاء قضائيين، سيتم اختيار العديد منهم من قبل قضاة عُيّنوا من قبل السلطة التنفيذية.. وتتمتع اللجنة -- المكلفة بـ "دراسة" طلبات التقديم للأحزاب الجديدة واستخدام "موارد" الدولة للتحقيق في أي أمر يُعرض عليها - يحق الاعتراض على إقامة أي حزب جديد في غضون ثلاثين يوماً من تاريخ الإخطار الذي يقدمه الحزب.. وإذا تم تقديم اعتراض، يجب على اللجنة، في غضون ثمانية أيام من تاريخ الاعتراض، أن ترفع أسبابها إلى "المحكمة الإدارية العليا" للبت فى الموضوع.. وإذا لم يُقدم أي اعتراض، يعتبر الحزب مسجلاً قانونياً في اليوم الحادي والثلاثين من تاريخ الإخطار.. وتتخذ اللجنة قراراتها بأغلبية أربعة أفراد.. ولدى اللجنة الحق أيضاً في تقديم طلب إلى "المحكمة الإدارية العليا" بحل حزب مسجل، بعد إجراء تحقيق من قبل مكتب النائب العام..
التعديل الثالث المهم كان يتعلق بإلغاء التمويل السابق الذي منحته الدولة للأحزاب السياسية، حيث يشير القانون إلى أنه يجب أن يتم تمويل أي حزب عن طريق مساهمات أعضائه وتبرعات المواطنين المصريين فقط.. بينما كان القانون رقم 40 لسنة 1977 يخصص 100000 جنيه مصري سنوياً لكل حزب مسجل.