الأحد 02 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أرقام مرعبة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الإسكندرية، في منطقة القباري، هناك أرصفة منذ عصر إسماعيل باشا أحدها يسميه الناس برصيف الباشا! هذه الأرصفة عند نهاية خطوط السكك الحديدية قبل الوصول إلى ميناء الإسكندرية، ويمكن حتى الآن لكل زائر إلى الاسكندرية أن يراها في طريقه إلى المكس مثلا أو العودة إلى المنشية فهي في المقابل للميناء لا يحجزها عنه بناء وليس بينهما إلا كوبري التاريخ. وتحت كوبري التاريخ ويا للعجب نهاية ترعة المحمودية أيضا. العجب هنا أن هذه الأرصفة كانت نهاية رحلة قطارات البضائع من كل مكان في مصر إلى الإسكدنرية. وفي الطريق تقف القطارات في البلاد المختلفة تفرغ فيها نصيبها من البضائع حتى تصل إلى الإسكندرية بما بقي فيها مخصصا للمدينة أو التصدير عن طريق الميناء، يتم إفراغ بضاعتها على هذه الأرصفة وتأتي سيارت صغيرة هي سيارات للمدينة لا لخارجها تنقل البضاعة إليها، ثم تظل القطارات واقفة علي الأرصفة تستقبل البضائع المستوردة من المينا أو ما يريد تجار وشركات الإسكندرية شحنه إلي الدلتا والصعيد، كان هذا هو النقل بالسكة الحديد الذي كان المورد الأكبر لهذه الهيئة منذ إنشائها في القرن لتاسع عشر مثلها في ذلك مثل إنجلترا التي سبقتنا إلى ذلك، طبعا عاصرت في صباي وطفولتي هذه الأرصفة لأنها كانت في طريقي إلى مدرسة القباري الابتدائية في الطفولة وطاهر بك الإعدادية في الصبا، تركت الإسكندرية إلى القاهرة أواسط السبعينيات وفي زياراتي لاحظت أن هذه الأرصفة يوما بعد يوم لم تعد تستقبل قطارات البضائع ولا تخرج منها، بقي لي منها ذكريات ظهرت في روايتي الصياد واليمام، مثلا وروايتي لا أحد ينام في الإسكندرية، كانت السيارات تزداد حولي والمقطورات وأدركت أنه تمت التضحية بالنقل بالسكة الحديد لصالح أصحاب السيارات والمقطورات وطبعا تنظيم الأسرة لأن هذه المقطورات وراء أكبر الحوادث علي الطرق! تحت كوبري التاريخ ترعة المحمودية التي لي عندها ذكريات أكثر ظهرت في روايات مثل ليلة العشق والدم وغيرها . الترعة أهملت . انسدت وامتلأت بالنباتات وانتهي النقل النهري. لم تعد سفنا تنقل إلى الإسكندرية ولا تحمل منها أو من الميناء إلي البلاد . أيضا لصالح المقطورات . نسيت ذلك مع الزمن وأتذكره بين حين وآخر حين ترفع السكة الحديد أسعار تذاكر القطار لأنها خسرانة. طبعا تخسر لأنها فقدت أكبر مصدر مالي وهو نقل البضائع وصار دخلها كله تقريبا من نقل الركاب وهو لا يساوي شيئا أمام أسعار القطارات وعربات الركاب، لكن لابأس أن تدفع الدولة لصالح أصحاب السيارات والمقطورات وتعايرنا بانخفاض أسعار التذاكر الذي هو ليس منخفضا، إلا أني تذكرت ذلك كله يوم السبت مساء وأنا أشاهد حلقة تليفزيونية لإبراهيم عيسى حول النقل النهري والنقل بالسكة الحديد، كان الحاضرون خبراء حقيقيون مارسوا العمل في هيئات النقل ووزارة الري وكلهم أجمعوا على أن ما جرى جريمة ويحتاج علاجها وقتا طويلا لأن النيل مثلا لم يعد كما كان قديما عميقا للسفن التجارية في كثير من المناطق كما أن كباري أقيمت عليه لايمكن فتحها كما كان يحدث زمان حين تمر السفن . وحدد أحدهم نسبة النقل النهري بأنها الآن خمسة من عشرة في المائة من النقل العام للبضائع في مصر!  أي لم تصل إلي واحد بالمائة بينما نسبة النقل بالسكة الحديد الآن لا تذكر أصلا، ومن خلال ما رأيت لم يعد ينقل بالقطارات الي منطقة الأرصفة هذه إلا العسل الأسود، والأرصفة نفسها امتلات بالحشائش بين حجارتها الإيطالية القديمة التي الحمد لله لم يفكروا في خلعها وبيعها حتى الآن، كان النقل زمان حتى الستينيات تختص به السكة الحديد والنقل النهري ونسبتهما فيه تسعون بالمائة أو أكثر، هذا أحد أوجه الخراب الكبير في البلاد فهل ينتبه أحد وتعود الحياة إلي طبيعتها، هذه مهمة من أهم المهام لو أراد أولو الأمر نهضة البلاد.