رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قناة السويس.. همزة وصل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل نحو قرن من الزمان شهدت مصر واحدًا من أهم التحولات الاقتصادية في تاريخها الحديث، حين قام رائد الاقتصاد المصري طلعت حرب عقب ثورة 1919 بتأسيس بنك مصر، الذي كان أول كيان اقتصادي مصري يتم إنشاؤه بأموال مصرية خالصة عبر مساهمات من أموال المصريين، وقد أصبح هذا البنك الرافد الأساسي لتحويل الاقتصاد المصري من زراعي صرف إلى صناعي.
وخلال الأيام الماضية فتحت البنوك المصرية أبوابها لاستقبال المصريين الراغبين في شراء شهادات استثمار قناة السويس، لتبدأ بذلك أضخم عمليات الاكتتاب الشعبي لتمويل أحد أهم المشروعات القومية التي يجري العمل فيها في الوقت الحالي، وإلى جانب أن هذه الشهادات ستكون مصدر التمويل الرئيسي لمشروع ازدواجية مجرى قناة السويس فإن العملية تحمل أبعادًا ودلالات أخرى ربما تفوق الجانب الاقتصادي المتمثل في حصيلة الاكتتاب إذ أنها تعد بمثابة همزة وصل حقيقية بين الشعب وبين صانع القرار، وتجعل المواطن العادي شريكًا حقيقيًا فيما يتم من مشروعات وتحولات جديدة في البلاد، وهو مؤشر مهم للغاية على ثقة المواطن وترحيبه بما يتم من إجراءات جديدة تدعم الاقتصاد وتوفر المزيد من فرص العمل للشباب.
أهمية العملية أيضًا أنها تمثل حلًا مبتكرًا لتوفير تمويل ضخم يأتي عبر تجميع المدخرات الوطنية للأفراد والمؤسسات في قناة واحدة تتيح للحكومة المصرية حرية استقلال القرار السياسي والاقتصادي، حسب ما تراه من متطلبات الصالح الوطني بدلًا من الاضطرار للاستعانة بمؤسسات التمويل الدولية التي تفرض شروطًا قاسية للتمويل، وقد ترفض تمويل المشروع برمته إذا لم يكن متوافقًا مع أجندتها وخططها الخاصة بها دون نظر للمصالح الوطنية للدول، وهذا الابتكار هو أكثر ما نحتاجه في الفترة الحالية للتعامل مع إرث عقود متوالية من مشاكل تراكمت وأصبح من الصعب علاجها على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وبدءًا من وضع اقتصادي شديد الصعوبة ووصولًا إلى وضع سياسي مازال يحمل الكثير من المخاطر تبدو الشراكة مفتاحًا مثاليًا لبدء إيجاد حلول دائمة لما نعاني منه من مشكلات، وبقدر ما نجحت الحكومة في أن تجعل من شراء شهادات قناة السويس والمشروع بأكمله محور اهتمام ومشاركة من قبل المصريين فإن مدى نجاحها في إشراك المواطنين في مختلف القضايا التي تهم الوطن وتطوير عمل منظمات المجتمع المدني ليشاركوا بفاعلية في طرح حلول ووضعها حيز التنفيذ لما لدينا من مشكلات ربما سيكون أحد المحددات الرئيسية للشكل الذي سيصبح عليه مستقبل مصر.
هذه الحقيقة كما تنطبق على الواقع الاقتصادي وما لدينا من مشكلات في قطاعات عديدة منها الصحة والتعليم والنظافة، فهي تسري أيضًا على الواقع السياسي خاصة انتخابات البرلمان القادمة وإلى أى مدى ستنجح التيارات والأحزاب والتحالفات الجديدة، التي سيتم تشكيلها لخوض هذه الانتخابات، في أن تصبح هي الأخرى همزة وصل حقيقية بين المواطن والسياسة بما يُوسع دائرة المشاركة الشعبية وينعش الإحساس بالمواطنة إلى أقصى حد ويساعد في التخلص من التشوهات التي لازمت الحياة السياسية على مدار العقود الماضية.. والأكثر أهمية سحب البساط إلى الأبد من التيارات الظلامية التي نجحت خلال السنوات الماضية في أن تكون بديلًا عن الدولة بكل مكوناتها من واقع سياسي وخدمات.