الخميس 06 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

البعض يفترض البلاهة فى الشعب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك لغو سائد هذه الأيام يخلط أموراً لا تختلط وكأنّ أصحابَه يتعمدون تشتيتَ الناس فى اتجاهات غير مجدية مُبَدِّدة للطاقة ومُضَيِّعة للوقت الثمين!
يقولون، مثلاً، إنه لا فرق بين مشروع تطوير قناة السويس الذى دشنّه الرئيس السيسى وبين مشروع الدكتور مرسى، وإن السيسى سرقه بالكامل من مرسى! برغم الحقائق البادية لكل ذى عينين، حيث تقول البيانات الأولى إن فكرة إقامة مشروع فى المنطقة ليست من ابتكار مرسى ولا جماعته وإنما هى أقدم على الأقل بأربعة عقود، وهناك من يرجعها إلى عهد الملك فاروق، كما يظهر بعد الاطلاع المبدئى على المشروعين، وبصريح العبارة، أن المشترك الوحيد بين المشروعين هو جزء من الاسم، وليس كل الاسم، مجرد تكرار "قناة السويس" هنا وهناك! ففى بندٍ واحدٍ، حرص السيسى على إلغاء أى احتمال للوجود الأجنبى ليكون المشروع مصرياً خالصاً مئة بالمئة، أما مرسى فكان يخطط على النقيض لإنشاء إقليم يكاد أن يكون خارج السيادة المصرية، تحوم الشبهات على ما سوف يلحق به بعد أن فتح الباب على مصراعيه لما قيل إنه استثمارات أجنبية، وأطلق يد إدارة المشروع، بل جعلها العليا، على ما جاورها من محافظات، بصلاحيات أن تضم لإقليمها مساحات تراها مفيدة للمشروع.. إلخ، وبعد كل هذا أعفى إدارة المشروع من الخضوع إلى الجهات الرقابية الوطنية ومن المساءلة أمام ممثلى الشعب فى البرلمان أو المجالس المحلية.
ويقولون، فى سياق آخر، إنه لا فرق بين انقطاع الكهرباء فى العهدين، وإن الشعب يتناقض مع نفسه، فهو يصبر على السيسى، ولكنه لم يتحمل أن يعطى مرسى فرصة للإصلاح بل وصمه بالفشل وأصرّ على الإطاحة به! ولا يقدمون تفسيراً كيف انقلب الشعب على مرسى بعد أشهر من منحه الأصوات التى فاز بها فى الرئاسة!
وهذه أيضاً أبعد ما تكون عن الواقع، لأن أصل الأزمة متوارث منذ عهد مبارك، بما يؤكد أن ما كان يُقال عن الإنجازات العملاقة فى البنية التحتية هى أكاذيب صارخة، وبينما كان الأمر سهلاً على مرسى بشرح الأسباب وما ترتب عليها، وطرح خططه لتجاوز الأزمة، إلا أنه فضل أن يُركّز على "الواد بتاع التحويلة اللى بياخد 20 جنيه من فلول مبارك علشان ينزِّل السكينة بتاعة الكهربا"! بينما لم يتحدث السيسى إلى الرأى العام فى هذه المشكلة إلا بعد أن درس الموضوع وعرف أسبابه وتوصل إلى مقترحات عملية بالحلّ.
وحتى هذه استنكرها المزايدون على السيسى وانتقدوا أن يطلب من الشعب أن يتعاون مع أجهزة الدولة، وأبدوا تعجبهم من أن يقوم الشعب بما قالوا إنه واجبات الدولة، ولم يحسبوا للسيسى احترامَه لحق الشعب فى معرفة تفاصيل شئون بلاده، ومكاشفته للناس بالحقيقة حتى إذا كانت مُرّة.
لاحِظْ أن بعض القائلين بهذه الحجج من خارج تيارات الإسلام السياسى، وأنهم من المحسوبين على القوى الليبرالية واليسارية، وأنهم أفنوا عمرهم سابقاً فى انتقاد نظم الحكم المتعاقبة التى استأثرت وحدها بالمعلومات، وعابوا عليها كتمان الحقائق عن الشعب صاحب الحق الأول فى معرفة أحوال بلاده، كما أنهم كانوا يصرخون مطالبين بالسماح للشعب أن يشارِك فى اتخاذ القرارات وفى مراقبة تنفيذها.. إلخ
كان السيسى صريحاً فى معركته الانتخابية وطرح المشاكل الهائلة وصعوبة الإنجاز، بل، وبدلاً من مغازلة أحلام الناخبين، حذرهم من أن تجربته فى الحكم ستكون شاقة على الجميع، أما مرسى فقد أسرف فى الوعود البراقة عن جلبه 200 مليار دولار من الخارج للاستثمار فى مصر فور توليه، وأضافت ماكينة الدعاية الخاصة بالإخوان إلى ذلك 10 مليارات دولار أخرى إذا حصل دستورهم على الموافقة فى الاستفتاء، بل وكانت هناك الوعود الصريحة بحل المشاكل الملحة فى أول 100 يوم من حكمه، ومرت 365 يوماً له على الكرسى لم ينجز فيها شيئاً ولم يحضر فيها سنتاً!
ولا تنس هجومهم الضارى على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار فى غزة التى رفضتها حماس فى أول الأمر، واتهامهم نظام السيسى بالعمالة الصريحة لإسرائيل وأمريكا وبالسعى لفرض شروط الصهيونية على أشرف حركة نضال فى العالم، ثم صمتهم بعد ذلك صمت القبور بعد أن غيَّرت حماس موقفَها وأعلنت موافقتها على المبادرة ووجهت الشكر لمصر وللرئيس السيسى شخصياً.
ومن غرائب بعض دعاة الحداثة، الذين قبلوا على أنفسهم أن يكونوا فى خندق واحد مع دعاة عودة الشرعية لنظام يتلاعب بالدين، ويصل به الأمر إلى قتل المختلفين معهم فى المذهب والدين، وينتهك الدستور ويعتدى صراحة على السلطة القضائية وعلى أشخاص القضاة، أنهم ينتقدون السيسى لأنه كان يحلم أن يكون رئيساً منذ شبابه! فهل هم يفضلون الرؤساء الذين يستبدون بالكرسى لمدة عقود ويدعون أنهم لا يسعون إلى المناصب؟ وهل يعرفون فى الديمقراطيات الحديثة إلا المجاهرين علناً برغبتهم أن ينالوا شرف الحصول على ثقة الناس فى الرئاسة أو فى المجالس النيابية؟
بل إن هنالك من ينتقد السيسى بأنه لا يكترث إلا بتحقيق مجد شخصى وأنه لهذا يتبنى مشروعات ضخمة! ولا يهم كيف توصل هؤلاء إلى أن هذه هى فعلاً نيته الوحيدة التى لم يفصح عنها، ولكن المهم هو أنه، بالمنطق البسيط، لن يحقق أى رئيس أى أمجاد إلا إذا كانت مشروعاته ناجحة، بمعنى أن تكون مُحَقِّقة للنفع العام، أى أن المجد الشخصى هنا لا يتعارض، بل هو مشروط، بتحقيق النفع العام، فما العيب فى ذلك!
وما دمنا تورطنا فى مناقشة منطق يسعى لهدر الوقت والطاقة، فلا مانع من التساؤل: هل هنالك إمكانية لأن تجبر الرئيس على تحقيق انجازات مفيدة للشعب دون أن تفيد سمعته وتسجل فى كتابه كمجد شخصى؟
هذا لا يمنع أن هناك مآخذ موضوعية على السياسات المتبعة، وأنه ينبغى معارضتها وتوجيه النقد لها، ولكن ليس على هذا المنهج الذى يفترض البلاهة فى الشعب.