الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تحدى الكهرباء وشهادات القنال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"شعب مالوش حل" قالها رجل بسيط خارج لتوه من البنك ممسكاً فى اعتزاز بمظروف شهادات استثمار قناة السويس، أو "القنال" كما ينطقها أهلها، وكأنهم يهدهدون طفلهم الأثير، فقد خلقت مبادرة السيسى حالة من الثقة، وكأن أميرة قصص ألف ليلة وليلة الجميلة قد مستهم بعصاها فحولتهم إلى كائنات دب فيها الأمل، وفكت عنهم عمل اليأس والقنوط الأسود الذى تمكن منهم لعقود.
وفى أجواء الأسطورة تقف يد آثمة حمقاء وقد تملكها الغيظ من التفاف الشعب حول المشروع الأمل، وتطير بأجنحتها السوداء لتحط فى موقع التحكم المركزى لشبكات كهرباء مصر وتعبث بمفاتيحه وخطوطه فتقطع الكهرباء بشكل مباغت عن عموم مصر، لتسلم البلاد إلى حالة ارتباك لم تشهدها من قبل، وفى تقديرها أن تخلق حالة من الغضب تلقى بآثارها على الإقبال المتوقع من جموع الناس على شراء تلك الشهادات.
فإذا بالناس تتقاطر على فروع البنوك الوطنية الأربعة، ولا ينتصف النهار حتى يعلن محافظ البنك المركزى أن المبيعات حتى اللحظة حققت ثلاثة مليارات جنيه، وتغلق البنوك أبوابها فى السادسة مساء وقد ارتفعت الحصيلة إلى ستة مليارات، بما يعادل 10% من إجمالى الشهادات المطروحة، 60 مليار جنيه.
لم تكن مجرد عاطفة، أو بحث عن أعلى نسبة فوائد، بين بدائل، إنما كانت الوطنية المصرية فى تحدٍ لكل الظروف وعواصف اللحظة وسط استهدافات قوى الشر المجتمعة على الوطن، من النظام الإرهابى الغارب، ومن المتربصين الإقليميين والدوليين.
هل رأيتم شعباً يقتحم دائرة المشروعات العملاقة، القناة الجديدة، محور تنمية القناة، شبكة الطرق التى تربط كل أنحاء الجمهورية بالقناة، والمثلث الذهبى بالصعيد، إعادة ترسيم حدود المحافظات لخلق ظهير صحراوى وزراعى وسياحى تنموى، فى توازٍ وفق تخطيط ورؤية بانورامية متكاملة، معلنة فى أوراق اعتماد الرئيس فى غمار المعركة الانتخابية الرئاسية، على الرغم من الحالة الاقتصادية الراهنة والتى دعت إلى التنادى بحلف اقتصادى عربى قوى لإقالة الاقتصاد من عثرته.
هل لاحظتم دلالات الأرقام المعلنة فى مبيعات الشهادات، التى فى أغلبها أموال غير مستثمرة سواء بنكياً أو فى أعمال تجارية أو ما شابه؟، بل هى أموال يحتفظ بها أصحابها فى بيوتهم، فيما يعنى أن الاقتصاد الشعبى الموازى قوى، كان ينتظر ما ـ ومن ـ يحفزه ويفتح له أبواب الثقة والأمل ويبعث لديه القدرة على الحلم والتحرك للمشاركة، وهنا تقفز الكرة إلى ملعب الاقتصاديين والدولة، للتفكير خارج الصندوق بحلول ابتكارية للإفادة من هذه الحالة، لعلاجات حقيقية للعوار الاقتصادى الرسمى، لخلق فرص عمل حقيقية فى مشاريع إنتاجية تنتقل بنا من اقتصاد الريع إلى اقتصاد القيمة المضافة، وتخرج بنا إلى دائرة الإنتاج الحقيقى بعد أن استنفذتنا مشاريع الاستهلاك التى جاء بها انفتاح السداح مداح.
هل انتبهتم لكرة الثلج التى تكبر مع الحراك الواعى لهذا الشعب والتى يمكنها أن تواجه موجة الاستيراد العشوائية ولسلع رديئة تستنزف الاقتصاد العائلى والحكومى، وتفتح الباب لخلق بديل قوى للدين الخارجى وأعباء خدمته، وهو أمر يحتاج لحلول مبتكرة ومبدعة يعكف عليها فريق من رجال الاقتصاد والصناعة وعلماء الاجتماع والمحتكين بقطاع الشباب والصندوق الاجتماعى والمشروعات المنتجة الصغيرة، قد يكون منها إنشاء مدينة صناعية متكاملة للشباب ومشروعاتهم، وتسويق منتجاتهم بشكل احترافى متخصص وتنمية قدراتهم بشكل مستمر، وتواجه ضمناً حالة البطالة التى صنعتها شبكة من الأسباب، ومنها غياب ثقافة العمل والإنتاج، لحساب الأسواق العشوائية والتجارة غير المنظمة.

وتواجه الارتفاع غير المبرر لسعر صرف العملات الأجنبية، والتى شهدت مع الإقبال الشعبى على الشهادات انخفاضاً واضحاً. 
ربما نكون بحاجة إلى دراسة جادة تفتح الطريق أمام إعادة تشغيل المصانع الكبرى، الحديد والصلب، النصر لصناعة السيارات، وسائل النقل الحفيف التى كانت تمد المصانع ومراكز الإنتاج باحتياجاتها من المواسير التى تدخل فى تصنيع المئات من الصناعات المعدنية، مصانع الغزل والنسيج المتوقفة، مد خطوط التواصل والتكامل بين قطاع الصناعة وبين المصانع الحربية والهيئة العربية للتصنيع، وغيرها من الكيانات الاقتصادية المعطلة أوتلك التى تمت تصفيتها عن عمد لحساب أباطرة تخريب البنية التحتية للصناعة المصرية، والذين تحولوا إلى شبكة من المستفيدين بدون رؤية وطنية، على حساب جموع الشعب.
هل تتحرك الأجهزة السيادية والرقابية والأمنية لإجراء نوعين من التحقيقات الأول سياسى والثانى جنائى فى ملابسات قطع التيار الكهربائى لنصل إلى حالة الإظلام التام فى سابقة لم نشهدها من قبل، وإعلان نتائج التحقيقات فى شفافية نؤسس لها ونسعى إليها، وما يترتب عليها من إجراءات رادعة قبل من يثبت تورطهم فى هذه الجريمة وتحميلهم الخسائر التى وقعت من جراء ذلك، وإعادة تفعيل ثقافة إدارة الأزمات على مستويات متعددة، ووضع خطط بديلة لمواجهة آثارها خاصة فى القطاعات الحيوية؛ وأبرزها المستشفيات، ومترو الأنفاق.
كان التحدى الشعبى هو عنوان ما حدث بالمخالفة لكل التوقعات والسيناريوهات الموضوعة، وكان إعادة تأكيد لسر المصريين، الذى يبهر العالم فى وقت المحن، لتخرج مصر مجدداً تعلن أنها عصية على الانكسار، تحيا مصر الأبية القوية.