الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العلم والتقدم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يمثل العلم والتكنولوجيا أبرز ملامح ومعالم عصرنا، ويلعب دورًا مهمًا وحاسمًا فى صعود وهبوط الأمم، وصياغة توجهات الحاضر والمستقبل، وهذا الدور للعلم والتكنولوجيا ليس جديدًا فى تاريخ البشرية، حيث تميزت الحضارة الحديثة بمكون أساسى من مكوناتها يستند إلى العلم وتطبيقاته والتكنولوجيا وتجلياتها فى كافة مناحى الحياة المختلفة.
بيد أن الدور الراهن للعلم والتكنولوجيا فى المرحلة الحالية من تطور الحضارة يبرز على نحو أكثر وضوحًا وأشد أثرًا عن ذى قبل، حيث إن العلم والتكنولوجيا قد تطورا خلال العقود الثلاثة الماضية بمعدلات تفوق تطورها خلال عدة قرون وذلك نتيجة للاستثمارات الضخمة فى مجال العلم وبحوث التطوير التى تخصصها الشركات عابرة القارات والحدود ومتعددة الجنسية ودولية النشاط وكذلك الدول والمجتمعات التى تولى العلم والتكنولوجيا أهمية خاصة فى سباق التقدم والهيمنة والسيطرة.
من ناحية أخرى فإن العلم وتطبيقاته فى المرحلة الراهنة لم يعد قاصرًا على تأملات العالم الفرد وهواجسه الداخلية، بل أصبح العلم والتكنولوجيا رهن منظومات مؤسسية ضخمة تتولى توظيف طاقات العلماء وابتكاراتهم لتلبية حاجات التطور الاقتصادى والصناعى وغيرها من الحاجات المختلفة.
يضاف إلى ذلك أن التقدم العلمى والتكنولوجى الراهن يتميز بضآلة المسافة بين الاكتشافات العلمية وبين تجلياتها التطبيقية فى الحياة العملية، فبعد أن كانت هذه المسافة كبيرة أصبحت - بفضل تراكم المعارف العلمية وتزايد البحث والتطوير والترابط بين مناحى التقدم العلمى - متواضعة للغاية.
يقف التقدم العلمى والتقنى وراء عدد كبير من الظواهر العالمية فى الاقتصاد والسياسة أو الثقافة، فالحديث الذى لا ينقطع عن العولمة باعتبارها ظاهرة اقتصادية تفتح أبواب المنافسة والتجارة العالمية وتهدد الهويات الثقافية والخصوصيات القومية عبر سيادة أنماط الثقافة الغربية لا يركز كثيرًا على المرتكزات العلمية والتقنية التى دفعت بهذه الظاهرة إلى حيز الوجود، حيث إن ثورة الاتصالات والمعلومات والبث المباشر فى شاشات التليفزيون عبر الأقمار الصناعية وتطور صناعة الكمبيوتر والبرمجيات وشبكة الإنترنت هى التى جعلت من العولمة بتجلياتها السلبية والإيجابية تطورًا ممكنًا لا يمكن إيقافه.
أما فى مجال السياسة وعلى نحو خاص، اعتبارات الهيمنة والسيطرة وصعود الولايات المتحدة الأمريكية كقطب واحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وتفكك بلدان المعسكر الشرقى، فإن قوة الولايات المتحدة تستند إلى الاستثمار الضخم فى مجال العلم والتكنولوجيا والتطوير، خاصة فى مجال تكنولوجيا التسلح والصناعة العسكرية وحروب المستقبل على غرار ما حدث فى حرب الخليج الثانية، والعدوان علي العراق وكوسوفا وأفغانستان، حيث كفل التطور فى مجال تكنولوجيا التسليح والمعلومات والاتصالات للولايات المتحدة أن تخوض حروبًا تعتمد على استراتيجية الصفر فى عدد ضحاياها، حيث تواجه خصومها من طبقات الجو العليا فى مأمن من المدافع المضادة للطائرات وغيرها من الأسلحة التقليدية.
وفى هذا السياق فإن التطور العلمى والتقنى أصبح مكونًا أساسيًا فى مفهوم الأمن القومى لأن هذا التطور هو إحدى الركائز المهمة للدفاع عن الوطن وحماية المصالح الوطنية والقومية دون إغفال أهمية الجوانب الأخرى للأمن القومى “,”السياسية.. الداخلية.. الخارجية“,”.
على صعيد آخر فإن العلم والتكنولوجيا أصبحا قوة إنتاجية ضخمة في الدول المتقدمة وأثرا فى خريطة التجارة العالمية والدخل الفردى والناتج القومى الإجمالى وما دون ذلك من المؤشرات الاقتصادية للتقدم المادى.
تراجع فى الآونة الأخيرة نصيب المواد الأولية الخام فى التجارة العالمية باستثناء البترول كمصدر لا غنى عنه للطاقة حتى إشعار آخر، فى نفس الوقت تزايد نصيب المنتجات المصنعة والحديثة الناجمة عن الثورة الصناعية الثالثة ثورة الإلكترونيات والمعلومات والهندسة الوراثية فى التجارة العالمية.
ومن الواضح الجلى أن ثمة ترابطًا قويًا بين جوانب التطور العلمى والتكنولوجى المختلفة فى كافة مناحى الحياة، حيث تنعكس آثار هذا التطور ومحصلته الإيجابية على كافة البنى الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية، فالتطور التقنى والعلمى فى مجال الاقتصاد له آثاره على المكانة والهيبة والنفوذ والثروة وتطوير بحوث وتكنولوجيا السلاح والقتال مرتبط بالمحصلة العامة لمستوى المعارف والعلم والتكنولوجيا فى المجتمع.
وفى عديد من الحالات كانت المؤسسة العسكرية ومتطلبات الأمن القومى الدافع الرئيسى للتطوير والتطور العلمى والتكنولوجى، أى أن هذه المؤسسة هى التى حفزت التطور والبحث لتحسين أدائها الدفاعى بهدف تعزيز الأمن القومي وارتبطت هذه المؤسسة بالمؤسسات العلمية وعلى نحو خاص فى الجامعات، حتى قيل إن الجامعات هى التى حسمت حروب أوروبا فى القرن الثامن عشر، وأن حالة الجيوش فى المواجهة العسكرية تماثل حالة ومستوى علم الفيزياء السائد لدى أطراف المعارك والحروب والمواجهات.
أين نحن من هذا التطور العالمي؟ الإجابة أننا بعيدون جدًا عنه فليس لدينا حتى الآن منظومة علمية متكاملة وما ينفق على البحوث العلمية والتطوير أدنى بكثير من معدلات الإنفاق العالمية والدولية فى هذا المجال منسوبة إلى الناتج القومى الإجمالى، كما أن الجماعة العلمية العربية والمصرية ليست حاضرة بقوة وبمعدل يتناسب مع الكوادر العلمية المصرية فى الجماعة العلمية الدولية من حيث التفاعل والترابط والإنتاج ومؤشرات النشر والاختراع.