السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لا إكراه فى الصندوق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فكرة "صندوق تحيا مصر" جيدة بلا شك، لفتح باب التبرع أمام المصريين فى الداخل والخارج لإقالة بلدهم من عثرتها المالية التى تمر بها، والفكرة تنطوى على مبادئ وأسس مهمة ومنطقية أولها أن اعتماد المصريين على أنفسهم هو حجر الزاوية فى تجاوز الأزمة الراهنة، وأنه مهما كان حجم المساعدات العربية أو غيرها فإن هذه المساعدات فى جميع الأحوال ليست بديلاً لبذل كافة الجهود المحلية والوطنية التى يساهم فيها المصريون فى إنقاذ بلادهم، ثانى هذه المبادئ التى تنطوى عليها فكرة "صندوق تحيا مصر" هى فتح باب المشاركة أمام المصريين فى الداخل والخارج ومن كافة الفئات ومختلف شرائح الشعب فى بناء مستقبل مصر وتجاوز الأزمة الهيكلية التى تمر، وفى هذه المشاركة تتجلى فكرة الولاء والانتماء لهذا الوطن، أما ثالث هذه المبادئ فهو الاعتماد على الذات فى النهوض وتجاوز الأزمات وبناء المستقبل، فهذا الاعتماد على الذات هو حجر الزاوية فى أى خطة تنموية حقيقية تستجيب لحاجات الوطن والمواطنين، ومن المؤكد أن هذا التبرع وهذه المساهمة فى صندوق تحيا مصر تتوقف على موارد الشخص الطبيعى أو الاعتبارى وقدراته المادية على التبرع والمساهمة، بمعنى أنها لا تتطلب سقفاً محدداً لهذا التبرع، فالفكرة الأساسية والرمزية أن يتبرع كل مواطن بما يرى أنه فائض عن حاجاته الأساسية وفق ما يستطيع وحسب الظروف التى يمر بها.
وإذا سلمنا بأن ذلك هو جوهر الفكرة التى تقف وراء صندوق "تحيا مصر" أى الاعتماد على الذات والمشاركة الواسعة من قبل كافة المصريين، فإن هذه المبادئ تقتضى فى التطبيق الفعلى أن يكون هذا التبرع وتلك المساهمة نابعة من ضمير المواطن ووفق تقديره الخاص لطبيعة وحجم هذا التبرع أى يكون حراً فى تقدير هذه الأمور وأن ينتفى أى قيد على إرادته الحرة للمشاركة والإسهام والتبرع، من ناحية أخرى ألا يرتبط هذا التبرع أو ذلك الإسهام بأي ميزة تخص الشخص المتبرع ولا يترتب على تبرعه أي مزايا من أى نوع كان، فهو يتبرع لوطنه ولأبنائه وأحفاده الذين لهم الحق فى حياة كريمة، أى أن يكون الشخص المتبرع غير متميز عن الذين لم تمكنهم ظروفهم من التبرع، فالجميع سواء أمام الدولة والقانون ومن زاوية التقدير والاحترام.
بيد أن الأمر فى واقع كواقعنا ليس مجردا تماما، فالخوف أن تستخدم الدولة وأجهزتها البيروقراطية تلك الممارسات التى كانت تقوم بها فى الماضى أى ممارسة نوع من الإكراه المعنوى والمادى على المواطنين لدفعهم للتبرع وإرضاء حاجة المسئولين عن هذه الأجهزة للظهور أمام الرئيس والدولة بقدرتهم على جمع التبرعات لهذا الصندوق، وإذا ما حدث ذلك فإن الأهداف الأساسية التى ينشدها "الصندوق" تكون قد تعطلت وخرجت عن السياق الذى ينبغى أن تمر به أى المشاركة الحقيقية وتقدير المسئولية الوطنية وشق طريق جديد للنهوض والتنمية.
الدولة فى مصر وأجهزتها تعتبر أكبر صاحب عمل حيث يضم جهاز الدولة ما يقرب من السبعة ملايين موظف وعامل ولو استخدمت الدولة هيبتها وسلطتها فى دفع هؤلاء للتبرع خوفاً وطمعاً سنكون إزاء دولة تسلطية لا تحترم إرادة المواطنين ولا تقديرهم لظروفهم وتقرير الكيفية والطريقة التى يتبرعون بها.
المفروض والواجب أن تعمل الدولة على تأمين حرية المشاركة فى التبرع والإسهام وأن يكون ذلك اختباراً لقدرة المصريين على تحمل المسئولية وتقدير تبعاتها فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها مصر وأن تودع الدولة تلك الأساليب التى مارستها فى السابق والتى كانت تتسم بالتسلط والقهر ولا إكراه فى الصندوق.