الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رصيف القاهرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كثيرا ما سمعنا ورأينا بأعيننا حملات متكررة من أجل تحرير الارصفة لتصبح طريقا للمشاة، ولكن بعد ساعات فقط من قيام تلك الحملات بدورها " ترجع ريما لعادتها القديمة " وعندما أصرت الحكومة على تنفيذ قرارها بإخلاء منطقة وسط البلد ونقل الباعة الجائلين إلى منطقة الترجمان، رأينا اصطياد البعض في الماء العكر مرة بحجة ندرة المشترين في المنطقة التي تم نقل الباعة إليها وهذا البعض الذي اعتاد على الصراخ واللطم ذهب بكل تحد ليتظاهر ويغلق الطرق، وكأننا فرغنا من إرهاب المحظورة لننتقل إلى ارهاب الجائلين وكأن العشوائية صارت قدراً محتوماً على هذا البلد.. تجد من يدافع عنها ومن يعتبرها حقا لابد من التمسك به إلى الابد. 
وتناسى الصارخون أن المزايدة في الشأن الحضاري لا محل لها من الإعراب، ونرى في كل عواصم العالم كيف يكون القانون سيداً وسيفاً على رقبة الجميع، يوازن بين الحق والواجب، أما الفوضى المقصودة التي تحلو لكثير من الوجوه التي نمت في سنوات الفساد ففي ظني أنه لا مكان لها في دولة ما بعد 30 يونيه، والبدائل في موضوع الباعة الجائلين متوفرة، سواء باستثمار طاقة هؤلاء الباعة في أعمال حقيقية منتجة بعيداً عن فهلوة البيع والشراء أو تصميم أسواق حضارية بعيدة عن مناطق الزحام تضم مرافق تسويقية وترفيهية متنوعة بحيث تصبح مقصدا لزيارة آلاف الاسر الباحثة عن التسوق والترفيه ومصدرا لرزق آلاف أخرى من الباعة واصحاب المحلات.

وإذا كان ملف الباعة الجائلين شائكاً كما رأينا، نتساءل الآن عن مصير ملف عشرات المقاهي التي أغلقت عدداً من اجمل الشوارع في المحمية التاريخية الرائعة المعروفة بوسط البلد، وادت الى وجود ظاهرة جديدة لا يمكنك ان تدرك فيها أبدا من الذي يضحك على المواطن ويسرق منه الطريق فهل هو صاحب مقهى لا تزيد مساحته على ثلاثة أمتار عرض في ثلاثة طول ونجح بشكل ما في أن يحتل شارعاً بكامله، أم أن هناك جهات اخرى تواطأت وتسترت على سرقة واحتلال الطريق العام في مناطق حيوية تضم منشآت رئيسية كالبنوك وغيرها، رغم اننا نعرف أن من أراد الاستثمار في تقديم خدمة المشروبات عليه أن يوفر من حر ماله المساحة اللائقة لاستقبال زبائنه، أما أن يستعرض مخالفاً القوانين مثل قانون المحليات والبيئة والدفاع المدني فهذا لا يحدث إلا في جمهوريات الموز، عندما تغيب الدولة وينتصر الفرد.
عندما تسير على ارصفة شوارع وسط البلد التي تم تحريرها من الباعة الجائلين تستمتع بمشهد شوارع من حولك بدأت تكتسب تدريجيا ملامح حضارية حلمنا بها لسنوات طويلة لكن اكتمال واستمرار هذا المشهد الحضاري يتطلب ابتكار حلول أعمق لما نواجهه من مشاكل متعددة بما في ذلك مشكلة الباعة الجائلين.. فلسنا ضد مصالح البسطاء والمجتهدين ولكننا ضد تجاوز القوانين، فالتجاوز هو بداية الطريق نحو الهزيمة ونحو تدمير أي مشروع حضاري تحاول دولتنا الجديدة بناءه من أجل مستقبل أبنائنا.. وانا مثل الكثيرين ممن تعاطفوا لسنوات مع الباعة الجائلين لكن حين استفحلت المشكلة لتصبح احتلالا مرعبا للأرصفة والطريق ادركنا ان الوضع لم يعد من الممكن ان يستمر مهما بلغت درجة تعاطفنا ورحبنا بشدة بإخلاء الطريق لكن في الوقت نفسه لابد أن ندرك أن قضية الباعة الجائلين التي تتقاطع عندها عشرات الاسباب بدءا من استفحال البطالة وحتى الغياب التام لدور الدولة طوال اربعين عاما هي قضية تحتاج إلى حلول مبتكرة تمثل نقاط التقاء تجمع بين ملايين المتعطلين عن العمل وبين الدولة ومشروعاتنا القومية الجديدة.. حلول تحد من الاقتصاد العشوائي غير المنتج القائم على الفهلوة والتجاوز عن الصالح العام في سبيل المصالح الفردية.