الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيحات التجديد الدينى (34)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ويبدو أن التجديد عند أحمد أمين أصبح معركة وهواية فحتى اللغة حاول تجديدها بهدف جعلها قادرة على التلاؤم مع العصر وعلى التخاطب مع متوسطى الثقافة ويحكى فى "فيض الخاطر" عن حالة التعقيد الذى يكمن فى البناء اللغوى وقواعد النحو والصرف، وذلك البون الشاسع بين الفصحى والعامية، فخاض تجربة تجديدية لتحرير اللغة العربية من إسار الماضى باصطناع "لغة خالية من الإعراب ، وخالية من الألفاظ الضخمة وتستعمل الألفاظ العامية التى هى أيضاً عربية وإن كانت يجب تجريدها حرفشة العامية" فتقول "لا أحب" بدلاً من ما أحبش. وتقوم على تسكين آخر الكلمات كلها من غير إعراب فتكون وسطاً بين العامية والفصحى [فيض الخاطر – الجزء السادس – صـ77] وتسهيلاً لشرح هذه الفكرة ألف قاموساً كاملاً يبحث فى استخدامات التعابير والكلمات [أحمد أمين - قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية]، إنها ذات المحاولة التى تحدث بها طه حسين زميله فى معركة التجديد. وكان أحمد أمين تجديدياً فى مختلف مناحى الفكر والرأى والموقف الاجتماعى، فالإنسان عنده كائن يتشكل عبر مجتمع وهو نتاج لمجتمعه "وما أنا إلا نتيجة حتمية لكل ما مر على وعلى آبائى من أحداث" [حياتى – صـ6]. ويقول بأعلى صوت "فكل إنسان يجب أن يكون حراً، وكل إنسان يجب أن يشعر بالمسئولية"، وعلى المجتمع "أن يفسح مجال الحرية، وفرص التعليم والصحة والشغل للجميع"، ولا بد أن تتاح للإنسان "الفرصة فى تطوير ملكاته بعيدا عن مظاهر الكبت الاجتماعى" [فيض الخاطر – الجزء الأول – صـ83] والطبيعة "فى جملتها ديمقراطية لا أرستقراطية ، فلا أرستقراطية إلا فى الإنسان الكاذب" [المرجع السابق – صـ106]، "فما أسعد الأمة التى تقلد الطبيعة فى ديمقراطيتها واعتدالها" [صـ109] وحرية الكسب "يجب ألا تجور على مصالح الإنسان المعذب والفقير البائس والطبقة التى تشقى لحساب الطبقة التى تتقلب فى النعيم" [الجزء الثانى – صـ32] وهو يدعو إلى تعليم عصرى حديث فليس من حق أي أمة عربية أن تعلم أبناءها على نمط التعليم فى القرون الوسطى، ولا أن تضع مناهج يكون مثلها الأعلى حياة العرب فى العهدين الأموى والعباسى" [الجزء الثامن – صـ177] إنه يرفض ما عانى منه من تعليم فى أروقة الأزهر ويرفض الكتاتيب، فالكتاتيب تعلم الصبية الحفظ مجرد الحفظ دون فهم، "والأزهر يجب ألا يكون تكية ينتسب إليها الطالب فى أوقات الفراغ ويجب ألا يظل جارياً وفق أساليب القرون الوسطى" [الجزء التاسع – صـ131] ولا حل لمشكلة الأزهر إلا بضمه نهائياً للجامعة وإخضاع مناهجه كلها للمنهج العلمى الحديث" [المرجع السابق] وتمتد ليبرالية أحمد أمين وتجديديته إلى ساحة المرأة "فإذا لم ترتق المرأة وما لم تتحرر، وما لم تتعلم لم يكن أمل كبير فى جيل صالح جديد" [الجزء الثامن – صـ76] وهو يؤكد "رغم أن المرأة بطبعها أكثر محافظة على العادات والتقاليد من الرجل إلا أنها أحسن تقديراً للواقع وأوسع آمالاً" [الجزء الأول – صـ262]، وهو يؤيد السفور وخلع الحجاب "لأنه علامة على زوال الفرق بين المرأة والرجل ، وليس مجرد كشف للوجه وذهاب لدور السينما"، لكن أحمد أمين يحاذر من أن يصبح "مناضلاً" فى معركة تصادمية تقتاده إلى التصادم مع السلطة، قد يتصادم مع كاتب أو صحفى أما أن يتصادم مع حاكم أو نظام فلا، وهو يعترف فى "فيض الخاطر" أنه رغم علاقاته بالسياسة والسياسيين لم يسمح لنفسه بالاشتغال بالسياسة ويقول: "لقد اتجهت إلى العلم لأن طريقه غير محفوف بالأشواك، ولأننى أخاف التعذيب والسجن والشنق" لكن ذلك لا يعنى أنه أحنى رأسه، هو فقط تجنب الصدام المؤدى إلى صدام مع النظام والحاكم لكنه وفى أحيان ما أكره كما يقول على الصدام "مع أكبر الرجال عقلاً وأوسعهم شهرة وأعظمهم قدرة" بما أدى إلى حرمانه من موقع الأستاذية فى كلية الحقوق" [الجزء التاسع – صـ197]، كما أنه هاجم وبشكل متباعد عن الزمن الذى يعيش فيه حاكماً فى الماضى أو حاكماً بشكل عام "فحكام الشرق الإسلامى لهم كل الثروة وكل العظمة وللشعوب كل الفقر والجهل، وهم يأبون إلا الخضوع لشهواتهم فمن نادى بمجلس شورى اتهم بمحاربة السلطان والحض على الثورة والعبث بالنظام، وعلاقاتهم ببعضهم بعضاً مبنية على التناحر ومناصرة الأعداء، يلعن بعضهم بعضاً ويتبادلون الاتهامات بالخيانة والإجرام والسرقة"، أما الحكام المسلمون القدامى فيهاجمهم هجوماً شديداً "والخلافة الحقة لم تعمر طويلاً.. ثلاثون عاماً فقط وبعدها أتى عضوض قائم على الصراع القبلى أكثر ما هو قائم على الغايات الأخلاقية"، كل ذلك فى الهوامش والمتون الأخلاقية والديمقراطية والعدل الاجتماعى. 
فماذا عن التجديد الدينى؟.