الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

محمد نجيب.. رئيس جمهورية سقط سهوًا

محمد نجيب
محمد نجيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبقي التاريخ هو الشاهد فقط على حياة البعض من السياسيين والقادة الكبار الذين سقطوا سهوًا، أو قصدًا، من دوائر الاهتمام والضوء وكتب المدارس ومن قائمة العظماء والرؤساء ، اللواء محمد نجيب واحد من هؤلاء .

عاش نجيب في صمت ورحل في صمت، وبين مراحل حياته المختلفة ساهم في تغيير مصر .

إن الحقيقة التي ربما ينكرها البعض ولا يمكن طمسها، أنه أول رئيس لجمهورية مصر العربية. نجيب عاش حياته حزينًا وتوفي بشكل مأساوي، أسس للديمقراطية وحاربه العسكر الذين استنجدوا به أثناء ثورة يوليو 1952، كثير من المفارقات والصدف لعبت دورًا في حياة هذا الرجل الذي ولد 1901 بالسودان، لأب مصري وأم مصرية سودانية المنشأ .

التحق نجيب بالكلية الحربية في القاهرة وتخرج فيها عام 1918، وكان أول ضابط في الجيش المصري يحصل على ليسانس الحقوق، ودبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929 ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1931، وبدأ في إعداد رسالة الدكتوراه ولكن طبيعة عمله العسكري وكثرة تنقلاته حالتا دون إتمامها .

كانت بداية معرفة محمد نجيب على المستوى الشعبي أثناء مشاركته في حرب 1948، ورغم أن رتبته كانت في ذلك الوقت "عميد" إلا أنه أصيب 7 مرات في هذه الحرب، لم يسجل منها سوى ثلاثة إصابات خطيرة حسب ما أورده في مذكراته ''كنت رئيسًا لمصر''.

كانت الإصابة الثالثة والأخيرة في معركة ''التبة 86'' في ديسمبر 1948، وكانت الأخطر، وأصيب خلالها بالرصاص أثناء محاولته إنقاذ أحد جنوده بعد أن تعطلت دباباته، وكانت إصابته شديدة حيث استقرت الرصاصات على بعد سنتيمترات من قلبه فأعلن الأطباء نبأ استشهاده، إلا أن المفاجأة كانت لحظة دخول اليوزباشي صلاح الدين شريف لإلقاء نظرة الوداع على جسده فنزع الغطاء وسقطت دمعة على وجه محمد نجيب، وتحققت المعجزة فقد تحركت عيناه فجأة فأدرك الأطباء أنه لايزال على قيد الحياة فأسرعوا لإسعافه وكتبت له الحياة مرة أخرى.

رقي بعدها إلى رتبة اللواء في ديسمبر 1950، واصطدم بالملك فاروق حينما طلب منه ترقية حسين سرى وكيل سلاح الحدود الذى يرأسه محمد نجيب فرفض، فغضب الملك منه وقام بتعيين حسين سرى مديرا لسلاح الحدود بدلا منه، وعين محمد نجيب مديرا لسلاح المشاة، وانتخب رئيسا لمجلس إدارة نادى الضباط في 1 يناير 1952 بأغلبية الأصوات، ولكن الملك فاروق أمر بحل المجلس، ثم شارك في ثورة 23 يوليو 1952 التي قامت بها حركة الضباط الأحرار بل كان واجهتها أمام الشعب، وكان هو أحد أهم أسباب نجاح الثورة نظرًا لخبرته السياسية إضافة إلى خلفيته العسكرية ومعرفة الناس به، فكان برتبة لواء، أما باقي الضباط الأحرار، فلم يتجاوز أكبرهم سنًا رتبة بكباشي .

في 18 يونيو 1953 تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وسقوط أسرة محمد علي التي تولت عرش مصر قرابة 150 عامًا وأصبح محمد نجيب رئيسا للجمهورية، والوزراء في الوقت نفسه، وهكذا بدأت مصر مرحلة سياسية جديدة، إلا أن الخلافات عرفت طريقها لتصنع الشقاق بين الضباط الأحرار ومحمد نجيب الذي أراد عودة الجيش إلى ثكناته، وأن يتفرغ لحماية الحدود، ويسلم البلاد إلى سلطة مدنية بطريقة ديمقراطية، فكان أول خلاف بين نجيب وضباط القيادة حول محكمة الثورة التي تشكلت لمحاكمة زعماء العهد الملكي، ثم حدث خلاف ثانٍ بعد صدور نشرة باعتقال بعض الزعماء السياسيين، وكان من بينهم مصطفى النحاس، فرفض نجيب اعتقال النحاس باشا، لكنه فوجئ بعد توقيع الكشف بإضافة اسم النحاس إلى قائمة المتهمين .

وبالفعل قدم نجيب استقالته إلى مجلس قيادة الثورة في فبراير 1954، بعد أشهر قليلة من توليه الحكم، بسبب خلافات واتهامات بينه وبين مجلس قيادة الثورة. وتصور مذكراته أنه حينما أذيع بيان إقالته على الملأ خرجت الجماهير تحتج عليه وانهالت البرقيات على المجلس والصحف ترفض الاستقالة، واندلعت المظاهرات التلقائية في القاهرة والأقاليم لمدة 3 أيام تؤيد نجيب وكانت الجماهير تطالب بعودته لإدارة البلاد.

واستجاب نجيب لرغبة الجماهير وتدارك خطورة الموقف خاصة أن البلاد كانت على ''شفا'' حرب أهلية، وعاد رئيسًا محمولًا على الاعناق في 27 فبراير 1954، وعلى حسب المؤرخين، فإن أعضاء مجلس قيادة الثورة، تربصوا له بعد تأكدهم من محاولته إرجاعهم إلى ثكناتهم العسكرية، وعودة الحياة النيابية وحرمانهم من المزايا التي اكتسبوها داخل المجتمع المدني، فعزله مجلس قيادة الثورة في 14 نوفمبر من العام ذاته، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية مع أسرته في فيلا بالسيدة زينب بعيدا عن الحياة السياسية لمدة 30 عامًا، مع منعه من الخروج أو مقابلة أي شخص من خارج أسرته، حتى إنه ظل لسنوات عديدة يغسل ملابسه بنفسه، وشطبوا اسمه من كتب التاريخ والكتب المدرسية.

ووصف نجيب في مذكراته هذا المشهد، خارجا من مكتبه وفي يده المصحف، وحزنه على الطريقة التي خرج بها، فلم تؤد له التحية العسكرية، ولم يطلق ''البروجي'' لتحيته، وقارن اللواء نجيب بين وداعه للملك الذي أطلق له 21 طلقة، وبين وداعٍ لا يليق بما قدمه للثورة والوطن.

عاش الرئيس الأول للجمهورية، حياة صعبة بعد عزله ووفاة ولديه وتجاهل الناس له، إلى أن أطلق الرئيس السادات عام 1971 سراحه وتحديدا في 21 إبريل 1983 ، فيما أمر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بتخصيص فيلا في حي القبة بمنطقة قصر القبة بالقاهرة، لإقامة محمد نجيب، بعدما صار مهددًا بالطرد من قصر زينب الوكيل نتيجة لحكم المحكمة لمصلحة ورثتها الذين كانوا يطالبون بالقصر.

كانت هواية ''نجيب'' طوال سنوات الإقامة الجبرية في المرج تربية القطط والكلاب، هكذا حكى في مذكراته، واعتبر القطط والكلاب أكثر وفاء من البشر، وحينما توفي أحد كلابه دفنه في الحديقة وكتب على القبر: هنا يرقد أعز أصدقائي.

نسى المصريون ''نجيب'' أو تناسوه إلى أن توفى بعد حياة صعبة لم يطقها، وصعدت روحه إلى بارئها في 28 أغسطس 1984 بعد دخوله في غيبوبة بمستشفى المعادي العسكري بالقاهرة .
رحل نجيب وترك لنا اسمه على محطة المترو بمنطقة عابدين، وبقى السؤال في ذكرى وفاته الـ30 : ''ألم يحن الوقت ليحصل نجيب " الرئيس" على حقه؟ .. ومعا نقرأ له الفاتحة وندعو له بالرحمة والفردوس الأعلى ... آآآآآآآآمين .