الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قانون الأحزاب السياسية في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

التطور التاريخي والتجارب الأخرى (3- 8 (

عرضنا في المقالين السابقين للتطور التاريخي - الاجتماعي لقانون الاحزاب في مصر، وذلك كمدخل نراه مهمًا وضروريًا في النظر إلى القانون الحالي جنبا إلى جنب مع ما سنعرض له في مقالات قادمة بإذن الله بخصوص مقارنة الوضع القانوني للأحزاب في مصر ببلدان مختلفة من حيث درجة التطور الديمقراطي، وقد فضلنا أن نمر بشكل مقتضب وموجز على المراحل الأولى من مراحل تأسيس الاحزاب في المقالين السابقين.. على ان نتوقف في هذا المقال بشيء من التفصيل عند المرحلة المهمة التي تبدأ بصدور القانون ٤٠ لسنة ٧٧ . 
يقع القانون " رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية وتعديلاته " فى ثلاثة أبواب: الأول يحمل عنوان: "الأحزاب السياسية"، والثالث يحمل عنوان: "أحكام ختامية ووقتية"، أما الباب الثانى، وهو أمر له دلالات كبيرة، فيحمل عنوان: "العقوبات!"
قبل أن نتطرق لمواد القانون ينبغى أن نشير إلى أن القانون تعرض لعدة تعديلات بالقانون رقم 36 لسنة 1979، والقانون رقم 144 لسنة 1980، والقانون رقم 30 لسنة 1981، والقانون رقم 156 لسنة 1981، والقانون رقم 108 لسنة 1992، والقانون رقم 177 لسنة 2005، وأخيراً القانون الحالى نفسه والذى صدر بمرسوم من المجلس العسكرى فى 28 مارس 2011 هو الآخر تعديلات على القانون 40 لسنة 1977، وقد تعمدنا أن نذكر هنا عدد التعديلات وتواريخها لكى نؤكد على وجود حالة من الارتباك التشريعى ( المتعمد؟!) تتسبب فى مثل هذه التعديلات المتلاحقة أو ربما تفسر هذا الإصرار على إجراء التعديلات تلو الأخرى، وتتجنب إصدار قانون جديد.
هذا وقد نص القانون وفقاً لآخر تعديلات جرت ما قبل ثورة 25 يناير على أنه يشترط لتأسيس أو استمرار أى حزب سياسى ما يلى :
عدم تعارض مبادئ الحزب أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه مع الدستور أو مقتضيات الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الديمقراطى.
عدم قيام الحزب فى مبادئه أو برامجه أو فى مباشرة نشاطه أو فى اختيار قياداته أو أعضائه على أساس دينى أو طبقى أو طائفى أو فئوى أو جغرافى أو إلى استغلال المشاعر الدينية أو التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العقيدة.
عدم قيام الحزب كفرع لحزب أو تنظيم سياسى أجنبى.
عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أى نوع من التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية.
علانية برامج الحزب وأهدافه وأساليبه وتنظيماته ووسائل ومصادر تمويله.
أن يكون للحزب برامج تمثل إضافة للحياة السياسية وفق أهداف وأساليب محددة.
أن يكون للحزب اسم يتمايز عن أسماء الأحزاب القائمة.
كما اشترط القانون وتعديلاته تقديم إخطار كتابى عن تأسيس الحزب إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية موقعاً عليه من ألف عضو على الأقل من أعضائه المؤسسين مصدقاً رسمياً على توقيعاتهم، على أن يكونوا من عشر محافظات على الأقل، وبما لا يقل عن خمسين عضواً من كل محافظة (المادة 7 من القانون 40 لسنة 1977، المعدلة بالقانون رقم 177 لسنة 2005).
وتشكلت لجنة شئون الأحزاب وفقاً للتعديل الذى أدخله القانون رقم 177 لسنة 2005 على نص المادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 من كل من: رئيس مجلس الشورى (رئيساً)، ووزير الداخلية (عضواً)، ووزير شئون مجلس الشعب (عضواً)، وثلاثة من بين الرؤساء السابقين للهيئات القضائية أو نوابهم من غير المنتمين إلى أى حزب سياسى (أعضاء)، وثلاثة من الشخصيات العامة غير المنتمين إلى أى حزب سياسى( أعضاء).
وتقدم إلى هذه اللجنة طلبات تأسيس الأحزاب.. فإذا ثبت لها مخالفة اى شرط من الشروط السابقة ترفض اللجنة قيام الحزب.. وللمؤسسين أن يلجأوا إلى محكمة خاصة تتضمن عدداً من الشخصيات العامة يعينهم وزير العدل للتظلم من قرار لجنة شئون الأحزاب برفض تأسيس الحزب.
وكان من سلطة لجنة شئون الأحزاب أن توقف نشاط الأحزاب السياسية وتوقف إصدار الصحف الحزبية وتوصى بحل الأحزاب السياسية فى حالة مخالفة هذه الشروط.
وإجمالاً فإن القانون 40 لسنة 1977 بكل تعديلاته وضع قيودا متنوعة على تأسيس الأحزاب أبرزها وضع شروط غامضة ويمكن تفسيرها فى غير صالح الحزب، مثل عدم تعارض مبادئ الحزب مع مقتنيات الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الديمقراطى وأن يكون للحزب برامج تمثل إضافة للحياة السياسية، أما القيد الحقيقى الذى لم يكن منه فكاكاً فكان لجنة شئون الأحزاب التى جاءت أغلبيتها من الحكومة وتمتعت هذه اللجنة خلال هذه المرحلة بسلطة تكاد تكون مطلقة فى الرقابة والهيمنة على الأحزاب القائمة، من خلال قدرتها على تجميد نشاط أى حزب لأجل غير مسمى، وحظر نشاطه، وإلغائه فى بعض الحالات، ورفضت اللجنة أكثر من 70 طلباً لتأسيس الأحزاب، وخاصةً الليبرالية المعارضة منذ صدور القانون عام 1977 وحتى تعديلات 2011.
ونص القانون فى باب العقوبات على معاقبة كل من يخالف هذا القانون بالسجن لمدة تصل إلى خمسة وعشرين سنة وغرامات مالية كبيرة.
ولم يقتصر هذا الإطار التشريعى المنظم للأحزاب على هذه القيود بل هناك أيضاً عدد كبير من القوانين صدرت خلال السنوات التى تلت قيام الأحزاب وصدور هذا القانون تتضمن قيوداً إضافية تحرم الأحزاب من النشاط السياسى الجماهيرى، وتضع هذه التشريعات المنظمات النقابية والجماهيرية والجمعيات.. إلخ تحت وصاية الدولة والأجهزة الإدارية.
تأسس خلال هذه المرحلة 24 حزباً، من بينها ثلاث تحولت من منابر إلى أحزاب هى بالتحديد: حزب مصر العربى الاشتراكى (1977)، وحزب الأحرار الاشتراكيين (1977)، وحزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى (1977)، وسمحت اللجنة لعشرة أحزاب منها: الحزب الوطنى الديمقراطى(1978)، الذى أسسه رئيس الجمهورية بنفسه لكى يكون الحزب الحاكم الجديد، حزب الوفد الجديد (1978)، الذى سمحت الدولة بتأسيسه لاعتبارات متنوعة من بينها موازنات وتوازنات إقليمية ودولية، وحزب العمل الاشتراكى (1978)، وهو الحزب الذى ساعد على تأسيسه السادات لكى يكون الحزب الرئيسى الثانى وفقاً للنمط الأمريكى الذى كان السادات يحلم باستنساخه فى مصر، وحزب الوفاق القومى (2000)، وحزب الغد (2004)، الذى ترأسه أيمن نور وكانت الدولة تعتقد أنه من الممكن أن يلعب أدواراً مُحددة تكشف جانبا منها عندما رشح أيمن نور نفسه لانتخابات الرئاسة بعد تأسيس الحزب بعام واحد، وحزب الجبهة الديمقراطية (2007)، والذى ترأسه أسامة الغزالى حرب، وهو الحزب الذى اعتبر تأسيسه إشارة لانفراج ديمقراطى ممكن، وقيل وقتها إن هناك من نصح وأقنع حسنى مبارك بالسماح ببعض الأحزاب الجديدة من بينها الوسط والجبهة الديمقراطية، لكن النظام تراجع فى اللحظات الأخيرة ولم يسمح إلا للجبهة الديمقراطية .
بالإضافة إلى الأحزاب السابقة وافقت لجنة الأحزاب على أربعة أحزاب أخرى يمكن اعتبارها من الأحزاب الكرتونية التى أضيف إليها تسعة أحزاب كرتونية أخرى بمقتضى أحكام القضاء، بالإضافة إلى حزبى العربى الناصرى ومصر الفتاة الجديد، حيث لعب الأول دور الحزب الناصرى الرئيسى، والثانى قام ببعض الأدوار المعارضة القومية عندما تولى مصطفى بكرى رئاسة تحرير صحيفته فى فترة معينة.
ويتضح مما تقدم أن الدولة تحكمت إلى حد كبير، ووفقاً لحساباتها، فى السماح لبعض الأحزاب ورفض بعضها الآخر، ولم تسمح إلا لأحزاب بعينها فى لحظات بعينها لأداء وظائف أو شغل مساحات تراها الدولة شاغرة.