الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

داعش.. مواقع تغلق.. وهاكر ينضم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إحساس الرأى العام الغربى إزاء وحشية وهمجية داعش، ومناظر الرؤوس المقطوعة (التى طالت – مؤخرا – الصحفى چيمس فولى) هو الذى يحرك الأحداث – الآن – فى مواجهة تلك الجماعة على المستوى الدولى.
وأجزم أنه يمثل قوة الضغط الأساسية التى دفعت الحكومة الأمريكية ونظيراتها الغربية والأوروبية إلى اتخاذ مواقف متشددة ضد إرهاب "داعش" ومسلكها الاجرامى المجنون، وهى المواقف التى بدأت من الإدانة الصوتية عبر البيانات والتصريحات، وانتهت بغارات الطائرات (إف – إيه- 18) و(الطائرات بدون طيار).
أمريكا والغرب يطاردون – فى اللحظة الراهنة – فرانكشتاين أو الوحش الذى قاموا بتخليقه وتصنيعه فى المعمل.. أعنى داعش، لينضم إلى مجموعة الوحوش التى أطلقتها أمريكا (مسعورة) على العالم كله فى العقود الماضية، والتى – عادة – طبقا للعقليات الهمجية التى تركب أدمغة أفراد تلك المنظمات الإرهابية ما تخرج على سادتها وصانعيها وتستدير لتعقرهم فى خبل متوحش حقيقى.
أمريكا أخرجت أبى بكر البغدادى (أمير داعش) من السجن، وأطلقته ليقتل أبى مصعب الزرقاوى، ويصبح هو نجم الشاشة الأول فى مشهد ظهور داعش ثم تحولها إلى (دولة الخلافة) التى أصبح فيها أبو بكر البغدادى أميرا تبايعه جماعات الإرهاب فى كل مكان، وبما أثار غيرة وغضب الوحوش الأخرى التى قامت أمريكا بتصنيعها فى العقود السابقة وعلى رأسها القاعدة وزعيمها أيمن الظواهرى.
حين استولت داعش على مساحات شاسعة تبلغ نصف العراق وثلث سوريا، وحددت موقع دولتها فى الرقة والحسكة ودير الزور ومنيج والبوكمال فى سوريا، والانبار وصلاح الدين ونينوى فى العراق.
لم تنبس أمريكا ببنت شفاه فى مواجهة الاختراق السريع الذى قامت به داعش فى العراق وسوريا ومحاولتها اختراق لبنان عند عرسال، لأن الولايات المتحدة كانت تستخدم داعش لترويع السعودية ودول الخليج، ولكى تصبح رقما فى العملية السياسية اللبنانية يتصدى لنفوذ وتأثير حزب الله (الشيعى)، وتفرض بعدا (امنيا) على التضاغط السياسى الطبيعى فى لبنان، التى تأخرت فيها الانتخابات الرئاسية لأكثر من ثلاثة أشهر بعد موعدها الطبيعى.
ولكن أمريكا لم تتحرك ضد داعش، إلا حين تقدم هذا التنظيم صوب أربيل فى كردستان، وكما نعلم فإن كردستان خط أحمر لأن لها وضع خاص منذ الغزو الامريكى للعراق 2003، وقد صارت فضاء مفتوحا للاستثمار الاسرائيلى فى السياحة والبترول، ولأنها مرتع لشراكة غربية، يقوم فيها الأكراد ببيع بترول كركوك العراقى إلى تركيا (وبالذات شركة بوتاس) فتقوم بنقله إلى ميناء چيهان التركى، أو ميناء عسقلان الاسرائيلى.. رغم أن البترول – طبقا للدستور العراقى – ثروة سيادية لا يجوز بيعها أو التصرف فيها إلا بإذن الحكومة المركزية فى بغداد.
كان تقدم داعش نحو كردستان عبورا للروبيكون (نهير صغير فى شمال ايطاليا عبره يوليوس قيصر عام 49 ق. م وأشعل الحرب الأهلية ودخل روما وبات سيدا لها.. وعبور الروبيكون يطلق على من يتخذ قرارا خطيرا لا رجعة فيه).. ومن ثم قررت واشنطن ضرب داعش بعد أن أبلغت رسالتها لدول الخليج، وبعد أن استخدمت ذلك التنظيم المجنون فى تخويف إيران، وإنهاء حكم المالكى الذى كان يطمح فى ولاية ثالثة، وتعيين حيدر العبادى، الذى قبل بفكرة ائتلاف المذاهب والطوائف داخل مجلس الوزراء.
أمريكا – هنا أيضا – كانت تعاقب المالكى الذى رفض توقيع إعلان مبادئ مع الولايات المتحدة عام 2006 لتوصيف العلاقات مع واشنطن فى المستقبل، كما رفض تفكيك وحل الميليشيات الشيعية التابعة لها، وهو ما قوبل برفضه، الأمر الذى أثار امتعاض چيمس چيفرى نائب مستشار الأمن القومى الامريكى.
نهايته.. لانت إيران وهرولت لخدمة سيدها الامريكى الذى خفف الحصار عليها بعد اتفاق چنيف بين طهران ودول (5+1).. قللت إيران دعمها لحزب الله وكتائب أبى الفضل العباس وقبلت على لسان على شمخانى سكرتير مجلس الأمن القومى، وعلى لسان المرجع الشيعى الأعلى على السيستانى، رحيل المالكى، بعد أن كان مرشد الثورة الأعلى على خامنئى يرفض ذلك – تماما – قبل شهرين.
يعنى داعش حقق أهداف أمريكا السياسية فى المنطقة بالإضافة إلى نشر الفوضى، وإنهاك النظم الوطنية وتفكيكها بما يؤدى إلى مزيد من الفوضى، وهو ما يحقق – أكثر من أى عامل آخر – أمن إسرائيل.
كما اضطرت واشنطن ودول الغرب إلى مواجهة داعش، بما أشاعته داعش نفسها، عبر ما اسميه (الدعاية السلبية) من خلال ترويج المشاهد المفرطة فى وحشيتها وبشاعتها ونشر ثقافة الرؤوس المقطوعة حتى بين أطفال داعش، وترويج أخبار وعمليات سبى نساء الايزيدية قرب جبل سنجار، وبيع الواحدة منهن بمائة دولار فى لوحة كفكاوية سوداء، تومئ – فجأة – إلى قدرة تلك الجماعة المخبولة على سحبنا من القرن الواحد والعشرين الميلادى، إلى القرن الثالث الهجرى.
كل تلك المشاهد وذيوعها كان سببا فى إعلان واشنطن والغرب حربهم على (داعش) حتى يغسلوا أياديهم من مسئولياتهم المباشرة فى خلق ذلك الكيان المتوحش الذى استخدموه حتى استنفذ أغراضه وصار ورقة محروقة.
ولا أدرى – حقيقة – ما إذا كانت مواقع (الفيس بوك) و(تويتر) تحركت (فى إطار الحرب على داعش) من تلقاء نفسها، أم بدفع حكومى أو مخابراتى (يتلبس – فى العادة – أسبابها وبواعثها).. ولكننى أمام مواجهة كشفت لى – بتوافقات محاسن الصدف – عن طريقة داعش فى نشر أخباره السياسية، وشعاراته وكذا عرض ونشر أعمال العنف التى يقومون بها بهدف إحكام سيطرتهم، من خلال تخويف وترويع أكبر عدد من الأشخاص، ولإعطاء الانطباع بأن تلك الجماعات لا يمكن وقفها.
ولقد اتخذت "تويتر" قرارا بإغلاق مائة حساب يخصون منتسبين أو متعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية.
ومن المعروف أن قواعد "تويتر" لا تتضمن إغلاق أو حظر أى حساب لأن صاحبه يعبر عن دعمه لجماعة إرهابية أو متطرفة، ولكن شروط الحظر تهديد علنى بالعنف وتنطبق تلك الحالة – بالقطع – على داعش.
ومن جانبه أغلق "فيس بوك" – منذ شهور عدة صفحات تقوم بتسويق منتجات تروج لتنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش)، وكانت مخصصة لبيع منتجات خاصة بذلك التنظيم من قمصان وملابس تحمل شعارها وصور إرهابييها فضلا عن خط موضة تم إطلاقه من تركيا (لاحظ العلاقة القذرة بين تلك الدولة وكل ما يتعلق بالإرهاب).. وقد بررت إدارة "فيس بوك" إغلاق الموقع بأنه يحرض على الكراهية وهذا ما تحظره إدارة "فيس بوك".. يعنى إدارتى "تويتر" و"فيس بوك" اكتشفتا – فجأة – أن داعش (تهدد بالعنف) و(تحرض على الكراهية) بعد سنوات من ظهور ذلك التنظيم.
وكشفت تلك التطورات المفعمة بالملابسات، عن وجود متجر فعلى فى تركيا يقوم بالتجارة فى منتجات داعش بالإضافة إلى منتجات ترتبط بفصائل أخرى مثل (النصرة) و(طالبان).. مرة أخرى تركيا تقوم بتلك الأدوار، وتقوم لأمريكا بدور السافل المساعد.. وتقوم إندونيسيا بتصنيع تلك المنتجات، وهى تلعب تلك الأدوار لمن يدفع أكثر، كما فعلت عند إنتاجها حذاء يحمل (والعياذ بالله) لفظ الجلالة، بعد انتشار موجة كراهية الإسلام بالولايات المتحدة فى أعقاب حادث 11 سبتمبر.
ولكننا – من جانب آخر – نعرف أن إندونيسيا هى أحد معاقل التطرف والإرهاب، ومن ثم فإن قيامها بتصنيع تلك المنتجات، يأتى فى إطارها المعروف من دعم الجماعات المتطرفة.
إذن وضعت تلك الحوادث أيادينا على دور مواقع "فيس بوك" و"تويتر" فى تجنيد المتطرفين، ونشر شعاراتهم وسياساتهم، وتخويف خصومهم.
وهناك جانب آخر كشفت عنه واقعة ذات صلة – مؤخرا – وهى الاحتفال الضخم لتنظيم داعش بانضمام "الهاكر" البريطانى (الباكستانى الأصل) جنيد حسين - 20 عاما – إلى داعش وهو المعروف بمهارته الشديدة فى اختراق مواقع الشخصيات الشهيرة (وصولا إلى رئيس وزراء بريطانيا) وكذا حسابات البنوك والمؤسسات الأمنية، وقد نقلت داعش صيدها الثمين الجديد إلى سوريا لكى تستخدمه فى تدريب عناصرها ومنتسبيها على اختراق المواقع، وحسابات البنوك وتحويلها إلى حسابات مخصصة لدعم "الدولة الإسلامية".. وبما يطلعنا – كذلك – على تطور أساليب عمل التنظيمات الإرهابية، وهو – ربما – يعطى بعض الوجاهة لرأى ظهر فى ساحة الحدث هو أن إبقاء حسابات داعش مفتوحة يتيح مراقبتها.
داعش خطر كبير، وكان قرار الولايات المتحدة بمواجهته مناسبة لتكتشف مدى تطور أساليب المنظمة الإرهابية التى ظلت تعمل بسماح مخابراتى امريكى وأوروبى لسنوات، ولم يبدآ "فيس بوك" و"تويتر" مواجهتها إلا حين قررت واشنطن ورفيقاتها تصفية عميلها المحروق (تنظيم داعش).