السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

حين تبكي العيون من دون أن تدمع.. فاعلم أن الزمن هو الذي يبكي

حين تبكى العيون من
حين تبكى العيون من دون أن تدمع فإعلم أن الزمن هو الذي يبكى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أغلقت كاميرتي، ووقفت من مكاني بعد أن كنت جاثيا على ركبتي، ولا يدور حولى سوى الصمت وصوت بكائها، لم تكن هي التي بكت بل كان الزمن هو الذي يبكي عبر كل تلك الجسور التي حفرها على ملامحها التي لن أنساها طوال حياتي، استمرت في البكاء وكانوا يقولون لها "خلاص يا أم سامح" ولكنها استمرت في البكاء الذي كان صوته يتشبث في عروق رقبتها وهو يخرج وكأنه رافضا ذلك الخروج، ولم تخرج من عينيها دمعه واحدة رغم حرقة البكاء وهذا لأنه قد جفت عينيها من كثرة الأسى الذي لاقته من أولادها الثلاثه الذي وصل بهم الحد إلى أن تجف عينها من الرؤيه، لأجد نفسي أقف أمام مسنة ضريره تجلس لتنتظر لحظة موتها وتدفع ثمن جريمة إنجابها لثلاثة أولاد لعبت بهم الدنيا وخلع منهم جذور النخوه وأصبحوا رجالا بالاسم فقط.

" اتفضل ياحبيبي.. مرحبا يا روحى.. اقعد يا روحى اقعد.. يألف مرحبا يا روحي" بتلك الكلمات البسيطه استقبلتنى الحاجه عدلية حين أخبروها من في دار المسنين أننى أريد أن أتحدث معها وأخبرونى بأنها كفيفة.
وقفت وابتسمت، رغم أنها لن ترى ابتسامتى ولكنى كنت متأكدا أنها ستشعر بتلك الابتسامه، وسألتها أسئلة كثيرة متفرقه لتكن إجابتها كالآتي: "أنا اسمى الحاجه عدلية.. من الجيزة يا حبيبي.. عندي 75 سنه.. أنا جيت هنا من قريب أصلى ماخلفتش بنات"
تلك الجمله الأخيره التي استوقفنا الحديث عندها وقلت دون أن أشعر: "كان نفسك في بنات؟؟" ولكن إجابتها كانت غير الطبيعي، فلم تقل لي " آه كان نفسي" ولكن قالت: "ربنا ما ادانيش يا روحي".
بعد مرور دقائق من الصمت ابتسمت ولكن كان من الصعب أن أرى ابتسامتها وسط كل تلك النقوش التي خط بها الزمن على ملامحها وقالت "نفسي" وصمتت قليلا فكانت لا تعرف ماذا تريد ثم قالت "نفسي في كل حاجة، نفسي أروح عمرة، حد يجي معايا وأروح عمره " كنت اتوقع أنها تريد أن تذهب إلى أولادها ولكنا شعرت أن الله أرحم بكثير مما أنجبت بطنها.
وأكملت قائله "عندى 3 صبيان كل واحد مشغول في حياته وشغله، ونسوان ولادي ماحدش فيهم بيشلني وإنت يابنى عارف الواحد مش بيبقى ليه حكم على مراته" وأكملت جملتها ليست بالكلمات ولكن بالبكاء الذي سلف ذكره.
وقفت وحاولت تهدئتها ولكن الموقف كان أكثر ما كنت أتوقع وبات السؤال في ذهنى إلى اليوم "هل ما زالت الصوره الأخيرة لأولادها الثلاثه التي حفرت في عينهيا قبل أن تفقد بصرها محفوره في ذهنها إلى الآن! قد ترى أن السؤال بسيطا ولا معنى له ولكن لمثل تلك الإنسانه له العديد من المعاني.
لم أستطع البقاء وكنت أرغب في الرحيل نهائيا من الدار قبل أن أكمل عملى، وحين اخبروها بأننى قد انتهيت وسأرحل قالت لى ببساطتها " مع السلامه يا روحى، ربنا يكفيك من الشر انت واللي زيك، ويستر عليك طريقك، وينجحك على طول "هكذا شعرت بأنني خجول منها وخجول لأننى طاوعت نفسي أن أجعل منها ماده إعلامية لأنال إعجاب كل من حولي وترددت كثيرا قبل أن أنشر ولكني نشرت لأجل أن أقول للكثير" دول البركة إلى إحنا عايشين بيها في الدنيا بالرغم من إننا ما نستحقهاش".
خرجت من غرفتها التي كان بها اثنان آخران وأخرجاها خلفى لتجلس في الصالة مع باقى المسنين وفجأه قالت لهم وهى تبكي: "أنا والله بحبكوا" وعادت لتبكى مره أخرى بوجه مسنة وقلب طفلة تفتقد العطف.