الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

داعش.. صفحة في سجل الجرائم الإنسانية

داعش .. صفحة في سجل
داعش .. صفحة في سجل الجرائم الإنسانية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جرائم ضد الإنسانية

آلاف الجرائم ترتكب حول العالم في حق الإنسانية، بدافع الإيمان بفكر ما أو الانتصار لمذهب معين، فكانت المحارق والإبادة الجماعية، وتفشي الأنظمة القمعية العنصرية، إضافة إلى الاضطهاد القائم على الأسس العقائدية، والعرقية والفكرية، التي أنكرها العالم فيما بعد واعتبرها المنصفون من دعاة السلام وصمة في تاريخ الشعوب التي قامت بتلك المجازر.

فعندما آمن هتلر إيمان لا يخالجه شك بفكرة الجنس الآري، واعتبره من أرقي الأجناس على وجه الأرض اتخد كل السبل ليثبت للعالم أن جنسه أنقى الأجناس، وأن العالم كله بين خيارين إما أن يكونوا عبيدًا له وإما القتل، وكان من بين هذه الجرائم محرقة "الهولوكوست" الشهيرة التي راح ضحيتها ملايين اليهود، بالإضافة للحرب التي غزا بها العالم وكبد البشرية خسارة ملايين الأرواح، من أجل الانتصار لعقيدته.

ولم يكن ما قام به هتلر مختلفًا كثيرًا عما قام به الإسبان تجاه الهنود الحمر السكان الأصليين للأمريكتين، ففور اكتشاف كريستوفر كولمبس، للقارة الأمريكية اتجه الإسبان إلى الأرض الجديدة الغنية بالذهب والمواد الخام والموارد الطبيعية، ليبنوا حضارتهم على جماجم الملايين من الهنود الحمر الذين قاموا بالتعامل معهم باعتبارهم أقل قيمة من الحيوانات، وربما الحيوانات كان لها نفع وفوائد أكثر منهم، فاستغل الإسبان التفوق في الآلة العسكرية للقضاء على الهنود الحمر بدون رحمة، حيث وصل عدد من تمت إبادتهم إلى أكثر من 100 مليون من الهنود الحمر سكان أمريكا الشمالية، وإبادة أكثر من 50 مليونًا من الهنود الحمر من سكان أمريكا الجنوبية، كما قاموا بتهجير 180 مليونًا من الأفارقة إلى أمريكا كعبيد، ومات 77% منهم في الطريق وقبروا في المحيط الأطلنطي، وعمل من تبقي "بالسخرة" تحت لهيب السياط التي كانت أكثر رحمة بهم من جلاديهم.


أما الإنجليز فقد استعمروا قارة أستراليا وعاثوا فيها فسادًا وقتلا وتدميرًا لأهلها وسكانها الأصليين، باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية فوصل عدد القتلى من السكان الأصليين لأكثر من 20 مليون قتيل، كما تعد "محاكم التفتيش" من أقسى الانتهاكات التي ارتكبت في حق البشرية والتي يذكرها التاريخ كلما ذكرت الإبادة الجماعية، أو التصفيات الجسدية على أساس المعتقدات الدينية، ففي عام 1523م صدر "بالأندلس" مرسوم يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه وإخراج كل من أبى التنصير، وعقاب كل من خالف الأمرين بالرق مدى الحياة، وفي 30 يناير 1608م قرر مجلس الدولة بالإجماع طرد الموريسكيين "مسلمي إسبانيا" من الأراضي الإسبانية.

وفي مايو 1611م صدر قرار للقضاء على المتخلفين من المسلمين في "بلنسيه"، يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة لكل من يأتي بمسلم حي وله الحق في استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم مقتول، ومن الجرائم الدولية في حق البشرية إلى الجرائم المحلية، والتي تمثلت في العمليات الإرهابية التي قامت بها الجماعات الإسلامية المتطرفة في مناطق مختلفة في مصر، حيث بشاعة التنظيم وقباحة التنفيذ ودموية النتيجة، وشرور المقصد، من هذه العمليات التي كانت لا تفرق بين طفل أو كهل، أو رجل أو مرأة، وكما قيل من قبل" الرصاصة عمياء أينما توجهها تتجه"، فشهدت مصر في تلك الفترة أعتى مواجهة لقوات الأمن المصرية وعناصر الجماعة الإسلامية الإرهابية التي روعت الآمنين وانتهكت الحقوق وتعدت على القوانين، وكانت النهاية هي القتل والاعتقال لهم، حتى تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي.


ويبقي السؤال المهم وهو بيت القصيد هنا متى ستتوقف، الدولة الإسلامية في العراق والشام المسماة "داعش"، عن جرائمها التي ترتكبها في حق المسلمين والإنسانية، باعتبارها تتحرك بدافع ديني ومعتقد قائم على أساس عقائدي، لذلك تحلل لنفسها كل ما تقوم به من انتهاكات وجرائم، وتراه تقربًا إلى الله وزلفى، في الوقت الذي قدمت فيه كل الحكومات التي قامت بانتهاكات وجرائم حرب اعتذارها للمجتمع الدولي والإنسانية بأسرها بعد أن اكتشفت خطأها، فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه تنظيم "داعش" الذي يقوم بأبشع الجرائم تحت ستار الجهاد في سبيل الله ــ والله مما يفعلون براء ــ يعتذر عن جرائمه وما بدر منه من انتهاكات في حق الإنسانية؟!

المجازر ضد الإنسانية ليست حكرا على المتطرفين المسلمين وحدهم الذين لا يمثلون الإسلام بالطبع ولم تكن يوما من الأيام تصرفا رسميا جمعيا لهم، ولكنها تنسحب أيضا على غيرهم من المتطرفين ولكن بشكل أكثر بشاعة، والتاريخ وحده يكشف الكثير من التوجهات الرسمية لدول وكيانات رسمية مارست الوحشية الحيوانية بكل عنف ضد الإنسانية كما سبق وأوضحنا.


الهولوكوست..

الهولوكوست أو "محرقة اليهود" هو لفظ أُطلق في وصف عمليات الإبادة الجماعية لليهود على يد السلطة الألمانية النازية بقيادة أدولف هتلر إبان الحرب العالمية الثانية، والتي وصفها النازيون بـ "الحل النهائي للمسألة اليهودية"، وكلمة "هولوكوست" تعني "الحرق".

وتقدر أعداد ضحايا الإبادة النازية بـ 5 إلى 6 ملايين وفقًا لأقصى التقديرات، ليسوا كلهم من اليهود بل شملوا قوميات أخرى كالغجر والسلافيون "قومية روسية الأصل تسكن منطقة البلقان" والبولنديون والأفارقة وجماعة شهود يهوه "إحدى طوائف المسيحية"، إضافة إلى بعض الأجناس الذين اعتبرهم النازيون طبقة تحت البشر كالمجرمين والمثليين جنسيًّا والمعاقين بدنيًّا وذهنيًّا، إضافة إلى حاملي الأيديولوجيات السياسية التي صُنِّفت كمعادية للنازية كالشيوعية والليبرالية، إذن فالعداء الألماني للعالم كان قوامه على أساس معتقد عرقي، نابع من شعوره بدونية العالم من حولة وهذا ما دفع هتلر إلى محابة العالم في الحرب العالمية الثانية التي بلغ عدد ضحاياها أكثر من 45 مليون شخص.

بدأت معاداة اليهود بالظهور في ألمانيا في القرن التاسع عشر، وانتشرت العداوة لهم بسبب الأزمة الاقتصادية التي اتًّهِموا بإثارتها، فألقى الألمان اللوم على المصرفيين اليهود، وتم تأسيس عدة أحزاب معادية للسامية، ومعاداة السامية هو مصطلح يقصد به معاداة اليهود كمجموعة عرقية ودينية، وتم إطلاق المصطلح لأول مرة من قبل الباحث الألماني "فيلهم مار" لوصف العداء لليهود في أوروبا الوسطى في القرن التاسع عشر، وبرزت معاداة السامية في أوساط النازيين، وكانت دافعًا من أجل التوصل إلى "الحل النهائي للمسألة اليهودية"، وجاء ذلك عن طريق الاضطهاد والإبادة ليهود أوروبا، مصطلح "الحل النهائي" الذي يُشير إلى خطة الخلاص من اليهود نهائيًّا وبلا رجعة، ظهر للمرة الأولى في مؤتمر وانسي الذي عُقِد في برلين عام 1942م، إبان مناقشة الرغبة في التخلّص من اليهود في أوروبا من قبل مسئولين ألمان.


النازية وإبادة اليهود في ألمانيا

وفي نهاية القرن التاسع عشر، بدأ النازيون في النظر لأنفسهم على أنهم أعلى بني البشر، وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، بلغت معاداة السامية أقصاها، وإثر الارتفاع المتصاعد للحزب النازي، تم تعيين هتلر مستشارًا لألمانيا في يناير 1933م، وبدأ في وضع أسس الدولة النازية على ضوء مبادئه العنصرية والاستبدادية.

وقد قال هتلر كتابه "كفاحي" هناك مؤامرة يهودية للسيطرة على العالم، نتج عنها تحالف القوى الرأسمالية اليهودية مع القوى الاشتراكية البلشفية، لم يتوان في القضاء عليهم، هم وكل من حالفهم، وبدأت السلطات الألمانية القضاء على اليهود العاملين في الوكالات الحكومية ومرافق الدولة من خلال قانون الخدمة المدنية، وتم مقاطعة المحال اليهودية، وتم إصدار أكثر من 2000 قانون ومرسوم ضدهم.

حدث ذلك بعد إقرار قانون التمكين الذي نقل البرلمان الألماني بموجبه السلطة التشريعية إلى مجلس الوزراء برئاسة هتلر، والذي بمقتضاه أصبح الحزب النازي هو الحزب السياسي الوحيد الذي يحق له العمل في ألمانيا، أما باقي الأطراف فتم حظرها من قبل الحكومة.


المحرقة

تم سجن عشرات الآلاف من اليهود في معسكرات الاعتقال، والتي وُصفت بمعسكرات الموت، وفٌرضت عليهم الغرامات، وصودرت أموالهم وممتلكاتهم وتم تدمير أغلبها، وكان يتم تلقين الأطفال في المدارس أن اليهود هم أدنى عرقًا، وأنهم يمثلون خطرًا جديًّا على الشعب الألماني لسعيهم للهيمنة على العالم، وبدأ اليهود في الهجرة من ألمانيا بأعداد كبيرة، وقام النازيون بترحيل اليهود في المناطق الخاضعة للسيطرة الألمانية، وبعد احتلال بولندا عام 1939م، لم يعد تهجير 3 ملايين من اليهود البولنديين ممكنًا، وأدى ذلك إلى البحث عن خطط أخرى لـ"حل المسألة اليهودية"، وتم حصر اليهود في أماكن خاصة بهم من قبل الألمان، ووقعوا تحت عمليات أعمال السخرة والتجويع وعمليات الإعدام العشوائي أحيانًا، وتم إخلاء مناطق كاملة من اليهود ورُفعت شعارات "خالي من اليهود"، وفي عام 1941 تم قتل أعداد كبيرة من اليهود، وبدأت عمليات إعدام جماعية في معسكرات الإبادة في بولندا التي كان فيها 6 معسكرات إبادة أو موت، فبعد الوصول للمعسكر لم يكن يُتوقَع أن يعيش المعتقل فيه لمدة أكثر من 24 ساعة، وعرف النازيون الإبادة الجماعية من خلال عمليات إبادة المعوقين والمشوهين الذين قرروا إبادتهم بالحقن والتجويع إلى جانب إطلاق النار الجماعي، حتى وصل الأمر إلى غرف الغاز والقتل من خلال غاز أول أكسيد الكربون.

لذلك تعد "الهولوكوست" أشهر وأبشع الجرائم التي ارتكبت في حق البشرية في التاريخ الحديث، على يد الألمان، بغض النظر عن الاعداد الحقيقية التي حرقت، والملابسات التي شهدتها الواقعة والشكل الدعائي الذي اتخذه اليهود، إبان فترة الاضطهاد التي شهدوها في ألمانيا، إلا أن الواقعة تبقي كجريمة ارتكبت في حق فصيل من البشر، وتم اعتبارها نوع من أنواع الإبادة الجماعية.


الاعتذار الألماني ودفع التعويضات

اعترفت ألمانيا بخطاها في حق اليهود والعالم، وأن ما قامت به يعد من أبشع الجرائم في حق الإنسانية، ولذلك تم توقيع اتفاقية لوكسمبورغ أو اتفاقية دفع التعويضات الألمانية هي اتفاقية بين دولة إسرائيل وجمهورية ألمانيا الاتحادية تم التوقيع عليها في سبتمبر 1952 والتزمت ألمانيا فيها بدفع تعويضات لليهود الناجين من الهولوكوست ولدولة إسرائيل باعتبارها الدولة التي ترث حقوق الضحايا اليهود والتي تعتني بتأهيل أغلبية الناجين اليهود. في إطار هذه الاتفاقية دفعت جمهورية ألمانيا الاتحادية لدولة إسرائيل ما يقدر بـ 3 مليارات مارك ألماني غربي في غضون 12 عاما ما بين عام 1953 و1965، كذلك التزمت حكومة ألمانية بدفع معاش شهري لكل يهودي أينما كان، إذا أثبت تعرضه لمطاردة الحكم النازي في أوربا منذ 1933 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

فحينما وقعت الاتفاقية كانت الجمهورية الاتحادية مكونة من محافظات ألمانيا الغربية فقط، ولذلك نصت الاتفاقية على دفع ثلثين من مبلغ التعويضات، بينما ألقيت مسئولية دفع الثلث الباقي على الجمهورية الألمانية الديمقراطية، أي ألمانيا الشرقية، ولم يتم دفع باقي المبلغ إلا بعد إعادة توحيد ألمانيا في 1991 إذ رفضت ألمانيا الشرقية الانضمام إلى الاتفاقية.

أثارت الاتفاقية معارضة شديدة في إسرائيل خاصة من قبل الحركات الصهيونية اليمينية برئاسة "مناحيم بيجن"، والتي اعتبرتها تحقيرا لذكرى ضحايا النازية. أما الحكومة الإسرائيلية برئاسة "دافيد بن غوريون" فبررت الاتفاقية بالوضع الاقتصادي الخطير الذي تعرضت له إسرائيل في السنوات الأولى بعد تأسيسها وبضرورة تحسين مستوى حياة الناجين اليهود. من الناحية الدولية فتحت الاتفاقية الباب أمام تطبيع العلاقات بين ألمانية الغربية وإسرائيل، ويسرت على ألمانيا استعادة مكانتها في المجتمع الدولي.


التطهير العرقي للهنود الحمر

كما يعتبر اجتياح الإسبان لأمريكا وقتل الهنود الحمر السكان الأصليين – دون الدخول في الأسباب والدوافع الدينية – من أكبر الجرائم التي شهدتها البشرية، فبناء دولة ديمقراطية على أسس علمية كان على رءوس وجثث الملايين من البشر، وكان وقتها لا توجد مواثيق أو محاكم دولية تدين ما يحدث للهنود الحمر، بالإضافة لعدم وجود وسائل إعلام تكشف بشاعة المجازر والاجتياح الذي تقوم به فرق الإسبان "الأمريكان حاليًا"، تجاه الهنود الحمر السكان الأصليين للقارة المكتشفة حديثًا والتي تطفوا فوق كنوز من الذهب، والمعادن، والموارد الطبيعية التي ستحولهم إلى أكبر بدل متقدم على مستوي العالم، إن هم تخلصوا من السكان الأصليين، وقد كان، إنها لمهزلة كبرى أن يُقام تمثال "الحرية" على جثث وجماجم عشرات الملايين من البشر تمت إبادتهم جماعيًا بشكل لم يحدث مثله لحيوانات الغابات، بل لو حدث معشار هذه الإبادة أو 1% منها فقط ضد الحيوانات، لأقامت جمعيات الرفق بالحيوان في الغرب الدنيا ولم تقعدها !! أما إبادة مائة مليون هندي أحمر فهو أمر "يؤسف له"، ولكن نظرًا لحاجة الأمريكان للأيدي العاملة بنظام السخرة لاستغلال الثروات التي ورثوها عن الهنود عدلوا عن جزء من ‏استراتيجيتهم في القتل، بالإبادة عن طريق نظام السخرة للهنود. ‏

ففي عام 1846 احتلت جيوش الأمريكان كاليفورنيا وتقول الإحصائيات أنهم تمكنوا من إبادة 80 % من هنود كاليفورنيا ‏بالسخرة حيث نشط بجانب ذلك التجارة بالأطفال والنساء. ‏

وفي عام 1830 سن الكونجرس الأمريكي قانون ترحيل الهنود قصرًا وأصبح من حق المستعمر الأمريكي أن يطرد الهندي ‏من أرضه ويقتله إذا أراد، ويومها حصدت قوات الجيش النظامي الأمريكي من لم يمت من 5 شعوب هندية كاملة ‏‏(الشيروكي – والشوكتو – والشيسكومسو – والكريك – والسيميتول ) بعد تهجيرهم قصرًا إلى مناطق موبؤة بالكوليرا.‏

وفي حملة 1776 على هنود الشيروكي تم إحراق المدن التي يقطنها الهنود وأتلفت المحاصيل الزراعية ومن بقى من هنود الشيروكي ‏إلى الغابات ليقتلوا، ولم تمض ثلاث سنوات حتى أصدر جورج واشنطن أوامره للجنود بأن يحيلوا مساكن هنود الأوروكو ‏إلى خراب ومحوها من على وجه الأرض، ولذلك أطلق هنود السينيكا على أبى الجمهورية الأمريكية " جورج واشنطن " ‏اسم " هدام المدن " فبموجب أوامره تم تدمير 28 مدينة من أصل 30 مدينة كاملة لهنود السينيكا وحدهم من البحيرات ‏الكبرى شمالًا وحتى نهر الموهوك وفي فترة قياسية لا تزيد عن خمس سنوات، وهذه ما تم أيضًا بمدن الموهوك، ‏والأنونداغا، والكايوغا، حتى أن أحد زعماء الأروكوا قال لجورج واشنطن ذات لقاء في عام 1792 "عندما يذكر أسمك ‏تلتفت نساؤنا وراءهن مذعورات وتشحب وجوههن، أما أطفالنا فإنهم يتلببون بأعناق أمهاتهم من الخوف. ‏

ومضى الأباء المؤسسون جميعًا على خطى جورج واشنطن فحتى توماس جفرسون الملقب برسول الحرية الأمريكية ‏وكاتب وثيقة استقلالها، أمر وزير دفاعه بأن يواجه الهنود الذين يواجهون التوسع الأمريكي بالبلطة وأن لا يضع هذه البلطة ‏حتى يفنيهم فقال له " نعم إنهم قد يقتلون أفرادًا منًا، ولكننا سنفنهم ونمحو آثارهم من الأرض ".‏

وعام 1633 كان هنود النارغنستس قد تعرضوا لحرب بالجدري حيث قدم إليهم الأمريكان هدايا مسمومة بجراثيم الجدري ‏وعندما أقام الهنود محاكمة للكابتين جون أولدام بتهمة القتل الجماعي وأعدموه، انتقمت أمريكا بإبادة هنود النارغنستس عام ‏‏1637 بحرب الجراثيم.‏

وفي عام 1636 تظهر أول وثيقة تثبت استخدام الأمريكان للسلاح الجرثومي عمدًا، وقد كتب القائد الإنجليزي العام اللورد ‏‏" جفرى أمهرست " إلى هنرى بواكيه " يطلب منه أن يجرى مفاوضات مع الهنود ويقدم لهم بطانيات مسمومة بالجدري ‏وأجاب بواكيه "سأحاول جاهدًا أن اسمهم بعض الأغطية الملوثة التي سأهديهم بها وسأخذ الاحتياطات اللازمة حتى ‏لا أصاب بالمرض".‏

وببطاطين ومناديل تم تلويثها في مستشفى الجدري انتشر الوباء بين أربعة شعوب هندية هم: "الأوتاوا - ينيغو – والمايامى ‏الينى وناييه"، وأتى على أكثر من مئة ألف طفل وشيخ وامرأة وشاب، ولطالما وصفت وثيقة "أمهرست" بأنها " حجر ‏رشيد" الحرب الجرثومية، وهنا وثيقة تتحدث عن إهداء أغطية مسمومة بالجدري لهنود " المندان" في فورك كلارك وقد ‏نقلت هذه الأغطية إلى ضحاياها في 20 يونيو 1837 من حجر عسكري لمرض الجدري في سان لويس على متن ‏قارب اسمه " القديس بطرس " فحصدت كذلك في أقل من سنة واحدة مائة ألف طفل وشيخ وامرأة وشاب (وهذه أقل ‏التقديرات تواضعًا لعدد الضحايا، وبعد نحو 15 سنة كانت كل الولايات المتحدة تتساءل عن أفضل وسيلة للقضاء على ‏هنود كالفورنيا، فمع الاستيلاء على هذه الولاية الواسعة من المكسيك وجدت أمريكا نفسها أمام مهمة جديدة وصفتها إحدى ‏صحف سان فرانسيسكوا كما يلى: ‏

"(إن الهنود هنا جاهزون للذبح ـ وللقتل بالبنادق أو بالجدري... وهذا ما يتم الآن فعلًا "، وفي تلك الفترة كان تسميم الهنود ‏بجراثيم الجدري خطة منظمة تمارسها الدول وبعض الشركات التجارية المختصة، ويتسلى بها المستوطنون في حفلات ‏تسلية وصفتها مقالة افتتاحية في "سان فرنسيسكو بيلتن"، "بأنها تستخدم الجراثيم من أجل الإبادة المطلقة لهذا الجنس اللعين ".


إبادة وطمس الحضارة الهنود الحمر

دأبت هوليود على هدم حضارة الهنود الحمر وطمس معالمها عبر تصويرها بالوحشية والهمجية والدموية القائمة على التمثيل ‏بالإنسان الأبيض الذي أتى يعلمهم الحضارة، وكل هذه محض افتراء على الحضارة الهندية التي استقبلت الإنسان الأبيض ‏وأنقذته من الموت المحدق وعلمته زراعة الأرض وعمارتها وكيفية استغلال ثروات الطبيعة في البلاد الهندية.‏


التمثيل بجثث الهنود وسلخ فروة رأسهم ‏

لقد ارتكب الإنسان الأمريكي والإنجليزي الأبيض جريمة سلخ فروة الرأس في كل حروبه ضد الهندي وذلك على النقيض مما ‏تروج له هوليود والرسميون والإعلاميون واكادميو التاريخ المنتصر، فقد رصدت السلطات الإستعمارية مكافأة لمن يقتل ‏هنديا ويأتي برأسه، ثم أكتفت بعد ذلك بسلخ فروة الرأس، إلا في بعض المناسبات التي تريد التأكد فيها من هوية الضحية ‏، ولعل أقدم مكافأة على فروة الرأس بدلًا من كل الجمجمة تعود إلى عام 1664، وفي 12 سبتمبر من ذلك العام، ‏حيث رصدت المحكمة العامة في مستعمرة ماسوسيتش مكافأة مختلفة لكل من يأتي بفروة رأس هندي مهما كان عمره أو ‏جنسه وتختلف المكافأت بحسب مقام الصياد، 50 جنيهًا إسترلينيًا للمستوطن العادي، و20 جنيهًا لرجل الميليشا العادي، ‏و10 جنيهات للجندي، ثم تغيرت التعريفة في عام 1704 فأصبحت مئة جنيه لكل فروة رأس.

ومع تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليدًا مؤسساتيًا رسميًا فعند استعراض الجنود أمام وليم ‏هاريسون "الرئيس الأمريكي فيما بعد" بعد انتصار 1811م على الهنود التمثيل بالضحايا ثم جاء الدور على الزعيم الهندي ‏‏"تكوميسه" وهنا تزاحم صيادوا الهنود والتذكارات على انتهاب ما يستطيعون سلخه من جلد هذه الزعيم الهندي أو فروة ‏رأسه، ويروى جون سغدن في كتابه عن "تيكوميسه" كيف شرط الجنود المنتشون سلخ جلد الزعيم الهندي ممن ظهره ‏حتى فخذه.‏

وكان الرئيس أندرو جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولار من عشاق التمثيل بالجثث وكان يأمر بحساب عدد ‏قتلاه بإحصاء أنوفهم المجدوعة وآذانهم المصلومة، وقد رعى بنفسه حفلة التمثيل بالجثث لـ 800 هندي يتقدمهم الزعيم ‏‏"مسكوجى"، وقام بهذا القائد الأمريكي جون شفنغنتون وهو من أعظم أبطال التاريخ الأمريكي وهناك الآن أكثر ‏من مدينة وموقع تاريخي تخليدًا لذكره ولشعاره الشهير "اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم، لا تتركوا صغيرًا أو كبيرًا، فالقمل ‏لا يفقس إلا من بيوض القمل".‏

بل إن الأمر وصل كما يقول الجندي الأمريكي " أشبري" لقد وصل حد التمثيل بفروج النساء ويتباهى الرجل بكثرة فروج النساء ‏التي تزين قبعته وكان البعض يعلقها على عيدان أمام منزله.‏

ثم أكتشف أحد صيادي الهنود أمكانية استخدام الأعضاء الذكرية للهنود كأكياس للتبغ، ثم تطورت الفكرة المثيرة من هواية ‏فردية للصيادين إلى صناعة رائجة وصار الناس يتهادونه في الأعياد والمناسبات، ولم تدم هذه الصناعة طويلًا بسبب قلة ‏عدد الهنود حيث وصلوا في عام 1900 إلى ربع مليون.‏ ما أبشع هذه الجرائم التي لا تنتمي إلى الإنسانية بأي شكل من الأشكال.

 

الاعتراف بإبادة الهنود الحمر

ورغم كل هذا اعترف "بنديكت" بابا الفاتيكان بارتكاب أسلافه لجرائم بشعة في الأميركتين خلال القرن الخامس عشر وما بعده ضد السكان الأصليين من الهنود الحمر ثم الافارقة السود الذين تم استعبادهم وتسخيرهم، ورغم اعترافه هذا، فقد رفض الاعتذار عن تلك الجرائم التي لم ينكرها !!! وهو ما جعل "هوجو شافيز" رئيس فنزويلا- يشن هجومًا لاذعًا على البابا قال شافيز فيه: إن البابا يكذب بادعائه أنهم نشروا المسيحية في الأميركتين بالسلام والمحبة، في حين كانت "بنادق البيض الغزاة تحصد السكان الأصليين بالملايين.



الإبادة الجماعية لسكان أستراليا الأصليين

يكشف كتاب "حرب قذرة" للكاتب الاسترالي "كليف تور نبل" وحشية المستعمر الإنجليزي في احتلاله لجزيرة تسمانيا إحدى جزر القارة الاسترالية وإبادة أهلها أبان القرن التاسع عشر.

وقد عايش راوي المأساة.. خضم أحداث هذه الحرب القذرة وتتبع ملابسات هذه الإبادة خلال

75 سنة، حيث ينتمي "الشاهد المؤلف" ترو نبل إلى الجيل الثاني من المستعمرين الإنجليز الذين رأوا بأعينهم عنصرية الرجل الأبيض مدعي الحضارة والمدنية.

ويكشف "ترونبل" عبر صفحات قصته عن المخططات الإرهابية والوحشية التي استخدمها المستعمر الإنجليزي في إبادة سكان الجزيرة الأصليين، وحلل ترو نبل الدوافع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي دفعت الإنجليز لاستعمار هذه الجزيرة وإبادة سكانها الأصليين باستخدام أخس وأحط الأساليب وأشدها بربرية.

فقد ارتكب الإنجليز تحت شعار تصدير المدنية الغربية أبشع الجرائم، أقلها نشر الأمراض وأحداث المجاعات ونشر الفساد من خمور ودعارة حتى تقتل في كل نفس القدرة على المقاومة.

كان هذا هو حال أهل جزيرة تسمانيا الأصليين على يد أسوأ أنواع المجرمين الإنجليز الذين ضاقت بهم سجون إنجلترا مثلما حدث لقبائل الهنود الحمر- والتي ذكرناها سلفًا- في "الأريزونا" حين تعرضوا للطرد والإبادة من قبل الشركات متعددة الجنسيات بالتحالف مع "الإمبرياليين" الجدد خلال نشأة الولايات المتحدة الأمريكية.


اعتذار وندم الحكومة الاسترالية

ومع هذا قدم رئيس وزراء استراليا " كيفن راد" عام 2008 اعتذارا رسميا نيابة عن الحكومة والبرلمان والشعب الأسترالي إلى سكان أستراليا الأصليين على الإساءات والإذلال والمهانات والمذابح التي تعرضوا لها عقب وصول الإنسان الأبيض إلى شواطئ القارة في عام 1788. وفي كلمته التي ألقاها رئيس الوزراء الأسترالي وقدم خلالها اعتذاره الرسمي وعد بالعمل على عدم تكرار أخطاء الماضي كما أنه عبر عن أملة بتوحيد الأمة عن طريق المصالحة الوطنية بين السكان الأصليين وبقية الشعب الأسترالي. وقدم أيضا زعيم حزب المعارضة الفيدرالي نيابة عن حزبه اعتذارا رسميا وفي نفس الوقت قبل عرض رئيس الوزراء بالمشاركة معه في رئاسة لجنة تعمل من أجل رفع المعاناة عن السكان الأصليين وحل مشاكلهم.


محاكم التفتيش

ومن إبادة السكان الأصلين لأستراليا، إلى إبادة المسلمين في الأندلس، حيث محاكم التفتيش التي قتلت وشردت وعذبت مئات الآلاف، فلم لم ترحم وحشية محاكم التفتيش طفلًا أو شيخًا أو امرأة، وتمثل محاكم التفتيش أحد أسوأ فصول التاريخ الغربي دموية، حيث امتدت وحشيتها المفرطة لتطال المسيحيين أيضًا فيما بعد.. ولذلك كان من الطبيعي ألا يتوقف المؤرخون والمستشرقون الغربيون عندها إلا نادرًا في محاولة منهم لتجاوز وقائعها السوداء، بل نجدهم في حالات أخرى كثيرة يحاولون وضع التبريرات لها بادعاء أنها كانت أخطاء غير مقصودة ارتكبها القساوسة في محاولتهم للحفاظ على المسيحية بعد خروج المسلمين من الأندلس، فنجد مثلًا المستشرق البريطاني "وول سميث" يعلن أن الكنيسة ليست مسئولة مباشرة عن الجرائم التي ارتكبت عبر محاكم التفتيش، ولكن كان على رجال الدين المسيحي في إسبانيا أن يخوضوا معركة ضد الوجود الإسلامي بعد خروج العرب من إسبانيا، فاضطروا إلى محاكم التفتيش التي تمادى القائمون عليها في تصرفاتهم فيما بعد.


الاعتذار عن محاكم التفتيش

لقسوة ما واجه العرب من انتهاكات تمثلت في محاكم التفتيش، لم تستطع السنوات أن تزيله من ذاكرة التاريخ العالمي، لم تعد الكنيسة قادرة على تجاهل مسئوليتها المباشرة عن الفظائع التي ارتكبت بحق العرب والمسلمين وغير المسلمين، من خلال تلك المحاكم الدموية، وقبل بداية الألفية الجديدة قدمت مجموعة مكونة من 30 مؤرخًا من مختلف أنحاء العالم مشروع قرار إلى البابا بولس الثاني حول إمكان اعتذار الكنيسة الكاثوليكية عن محاكم التفتيش وجرائمها بحق المسلمين، وجاء مشروع المؤرخين الغربيين آنذاك من بين التحضيرات النصرانية لاستقبال الألفية الثالثة للميلاد، وكان الفاتيكان قد نظم مجموعات عمل من أجل دراسة إمكان اعتذار البابا للمسلمين عن الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش في إسبانيا، وفي صلاة الأحد 12 مارس عام 2000م، اعترف البابا "يوحنا بولس الثالث" بأن الكنيسة قد ارتكبت عبر محاكم التفتيش ذنوبًا وأخطاء بحق الآخرين خلال الألفي سنة الماضية، وبأن أتباعها ارتكبوا أخطاء أخرى باسم الدفاع عن الإيمان، وطلب أمام الملأ الصفح والغفران من الله.


عنف الجماعات الإسلامية

ومن الجرائم الدولية في حق البشرية إلى الجرائم المحلية، والتي تمثلت في العمليات الإرهابية التي قامت بها الجماعات الإسلامية في مناطق مختلفة في مصر، حيث بشاعة التنظيم وقباحة التنفيذ ودموية النتيجة، وشرور المقصد، من هذه العمليات التي كانت لا تفرق بين طفل أو كهل، أو رجل أو مرأة، وكما قيل من قبل" الرصاصة عمياء أينما توجهها تتجه"، فشهدت مصر في تلك الفترة أعتى مواجهة لقوات الأمن المصرية وعناصر الجماعة الإسلامية الإرهابية التي روعت الامنين وانتهكت الحقوق وتعدت على القوانين، وكانت النهاية هي القتل والاعتقال لهم، حتى تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي، وتعود الأجواء المصرية إلى الاستقرار مرة أخرى، ولكن هذا لا ينفي حاله العداء التي خلفتها تلك الجماعات الإرهابية بين أبناء الشعب المصري وبين تلك الجماعات التي تدعي باطلا حملها لواء الإسلام، كما تدعى باطلا أنها تقوم بجهاد وفق ما أمر الله، ناسية أن الجهاد يكون ضد أعداء الوطن والدين، وأن رصاصاتها تقتل أبناء الوطن وتزيدهم مقتًا عند أبناء الدين.

ندم الجماعات الإسلامية

وقد أعلنت القيادات التاريخية لتنظيم الجماعة الإسلامية عام 2002 في حوار اجراه معهم الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد في سجن العقرب الشديد الحراسة، أنهم أعدوا خطاب اعتذار إلى الشعب المصري عن الجرائم التي ارتكبوها في حقه طوال العشرين عاما الماضية، كما سيعلنون أنهم يتحملون مسئولية الأفكار الخاطئة التي انتشرت بين شباب الجماعة الإسلامية حول الموقف من الدولة والمجتمع والحاكم والأقباط وقضايا الالتزام بالزي الإسلامي والحسبة.


"داعش".. مسيرة إجرام

وبهذه الاعترافات والاعتذار يتبين لنا مدى جثامة الأفعال الإجرامية التي قامت بها الحكومات، ضد العديد من الشعوب حول العالم، وتبين لنا كيف استطاعت تلك الدول أن تبني حضارتها وامجادها على جماجم مئات الآلاف من البشر، ولولا عظم تلك الجرائم لما كان الاعتذار والندم عليها، وهنا نعيد السؤال مرة أخرى، هل لـ "داعش" أن تنتبه لخطورة ما تقوم به من جرائم ضد المسلمين والإنسانية؟ أما أنها ستستمر على خطوات الشيطان إلى أن تصل إلى وقت لن ينفع فيه الندم أو الاعتذار؟ وهل يملكون الشجاعة الأدبية والاعتراف بالحق الذي يجعلهم يتقدمون للمسلمين بالاعتذار إذا ما توقفوا عن أعمالهم الإجرامية؟ التاريخ لا يرحم من لا يرحم، والعالم اجمع ينظر إلى "داعش" على أنهم جزء ممن يمثلون الإسلام وهذه نظرة مغلوطة، تخلوا من الموضوعية، لن يكون سؤالنا، متي تعتذر داعش عن جرائمها ضد المسلمين؟ ولكن السؤال هو: متي تتوقف "داعش" عن جرائمها ضد المسلمين؟ وهل سيكون هناك رادع يوقف مسيرتها تجاه مزيد من الدمار والدم والحقد والفساد؟ وهل يقبل اعتذارها يومًا ما إن تقدمت باعتذار؟