الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

شوشة ينتهي من "سور ثلجي في الصحراء"

الروائي محمد سليم
الروائي محمد سليم شوشة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتهى الروائي محمد سليم شوشة، من أحدث رواياته "سور ثلجي في الصحراء"، وهي رواية تكاد تكون تسجيلية لفترة ما بعد عبدالناصر ولكن بشكل رمزي وترصد أزمة نفسية لشخصية وريث أحد رجال الأعمال العصاميين في منطقة شمال الصعيد.
وفيما يلي مقتطفات من الرواية:
"في الظلام يكمن الموت.. يختبئ في كل ركن، ويرصد الفريسة من داخل الجدران ليرعبها فقط... في حلقه مرارة الخوف من الموت ومرارة الوحدة.. لم يبلع ريقه ظنا أنه أصبح مادة سامة يجب تفلها بأسرع ما يمكن، مضى سريعا في الظلام باتجاه الحمام بصق ريقه ومضمض فمه جيدا، ونظر باتجاه الديتول مفكرا في شربه أو مضمضة فمه به حتى يزيل مرارته. تكاسل عن تشغيل المولد متلذذا بالظلام الذي بدأ يفرض سطوته على كل شىء. جلس على كنبة الأنتريه متلمسا بعض الإضاءة من شاشة الموبايل الذي فاجأه بنفاد طاقته، اليوم لم يذق أي طعام من الصباح، يكاد ينفد شحنه مثل الموبايل، اتجه في بطء وحذر ناحية البوفيه ليشعل إحدى الشموع الكبيرة المنتصبة فوقه، أربع شمعات من الحجم الكبير، واحدة أو اثنان منها معطرة، أشعلها جميعا، فانتشر النور ساحبا عطرا خفيفا وراءه... ليصل إلى حجرة المولدات الكهربائية عليه أن يخرج من باب المطبخ في جناحه على يسار المدخل.. المطبخ كبير جدا، يقترب من مساحة حجرة النوم. يشعر ببعض الغباء لأنه جعل حجرة النوم عادية وليست متسعة بما يكفى، كان يجب عليه أن يجعلها عشرة أمتار حتى يشعر أنها ليست قبرا، وأنها توازى المزرعة، أو يشعر أنه نائم في خلاء المزرعة أو على الدكة تحت شجرات المانجو.. فتح الثلاجة فلم تضيء.. تلمس بأصابعه معلبات العصير وأخرج واحدة فتحها، وشرب بنهم، تناثرت بعض القطرات على جلبابه الأبيض وشعر ببرودتها على صدره.. مدته علبة العصير بالاطمئنان والرغبة في الاسترخاء. اتجه إلى غرفة النوم وتمدد على بطنه دافنا رأسه في الوسادة.. إضاءة خفيفة متسللة من الصالة إلى حجرة النوم عبر الباب يرى فيها شبحه بصعوبة.. حركة وأنفاس وراءه، خطوات متسللة مترددة في اختيار التوقيت المناسب للدخول إليه، يتكاسل عن رفع وجهه المدفون في الوسادة ويتمنى أن يكون مدفونا بحق في مدفنه الأبدي.. لامبالاة غريبة تهيمن على كل جسده، وعامل المصنع مازال يتحرك في الصالة ويتلصص عليه، سوف يأتى وينبطح عليه.. سيمتطي جسده الشائخ. بدأ جسده يتحلل في تراب النوم تدريجيا، ويشعر أنه مقدم على الخلود. قبل الغرق التام في النوم تنتابه رعشة أو الأحرى انتفاضة كبيرة، كأن عقله ينازع الغياب الذي يهزمه ويسيطر عليه تماما ويتحرر من كل ماضيه".