السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المواطن المصري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنتابني الرغبة أحيانًا أن أهمس في آذان المصريين جميعًا، بل أكاد أشق عن صدورهم لغرس القيم والمبادئ التي فقدناها على مر الأعوام الماضية وعشناها في ظل الفوضى تحت اسم الحرية والعدالة الاجتماعية التي حطمت كل الحواجز الأخلاقية بين طبقات المجتمع وفئاته ليصبح الشكل العام للمواطنة ذو رؤية ضبابية يصعب فيها التعايش في دولة ذات تاريخ عريق.
وتصيبني أحيانًا حالات من الإحباط حين أرى حياتنا تعمها الفوضى نعيشها لحظة بلحظة، وأكاد أفقد توازني حين أشعر أنه لا أمل في التغيير مع هذا الكم الهائل من الانفلات الذي لا حدود له، خاصة إذا كان من يمسك لجامها مجموعة النخب والمثقفين المفترض فيهم الأخذ باليد لبر الأمان.
فعلى صعيد الشارع المصري نرى التجاوزات المرورية بلغت أقصى حدودها ولم تعد هناك أي فكرة عن حرمة الطريق الذي نملكه جميعًا كمواطنين، ونجد المقاهي تفترش الطرقات دون مراعاة لحق المشاة الذين بالكاد يجدون ممرًا لهم، أضف إلى هذا التلوث السمعي والبصري من ألفاظ تخدش الحياء على الطرقات، وتراكم أكوام القمامة أمام المبانى والمحال وكأن الوطن تم اختزاله في مساحة لا تتجاوز عدة أمتار تفترش لكسب الرزق.
أما على الصعيد الإعلامي فلقد أصبح منبرًا للإسفاف وتصفية الحسابات والصراعات الشخصية، ناهيك عمن هم موجهون من قبل أطراف خارجية لإشعال الفتن داخل المجتمع المصري الذي أصبح على شفا حفرة من الانهيار إن لم يسترد قواه للنهوض بالوطن دون توقف، ففي كل شبر فوضى وانفلات أخلاقي ومجتمعي لا محالة من بتره، ليحل محله مجموعة القيم والمبادئ لنعيش كما نحلم.
أين القوى الناعمة التي لها التأثير الأخطر في المجتمع، لقد أصبحت مثلها مثل الباعة الجائلين يملأون شاشات التلفاز للتكسب دون ترك أي بصمة مؤثرة سوى بصمات الانحراف والانحلال.
فالعظيمة اللبنانية الفنانة ماجدة الرومي أقامت حفلًا ذهب ريعه لصندوق تحيا مصر، دعمًا للاقتصاد المصري ولم نجد بالمقابل أي مبادرة من فنان أو إعلامي مصري متميز لدعم اقتصاد مصر عبر هذا الصندوق من باب العرفان بجميل الوطن.. أين هي تلك النخب المصرية التي أصبحت لا تجيد إلا الصراخ والسباب والرقص وشد أنفاس الدخان بالداخل بينما نجد آخرين من النخب يعملون خارج الوطن بكثير من الإبداع العلمي.
لقد أصبح المجتمع مهلهلًا ينتقد نفسه دون أي محاولة لتعديل مساره الاجتماعي والثقافي.. لماذا لم يعد لدينا قدوة يحتذى بها إعلاميًا، فالمذيعة الشهيرة الأمريكية أوبرا وينفري التي قدمت لبلدها وغيرها من خلال برامجها الكثير والكثير من المصالح الاجتماعية المادية والمعنوية كنموذج إعلامي يحتذى به.
أما على الصعيد الطبي الذي أصبح بؤرة من الإهمال وتباطؤ الإجراءات التي يدفع المريض حياته ثمنًا لكل هذه التجاوزات ممن هم مفترض فيهم العلم والرحمة.. حتى الدواء المخفف لآلام المرضى أصبح مصابًا بالغش، فها هو نقيب الصيادلة يخرج على شاشات التلفاز منذ أيام ويبشرنا عن المصيبة الكبرى في غش صناعة الأدوية التي تؤدي للموت البطىء للمريض وضعف أساليب الردع أمام المكاسب الهائلة التي يحصل عليها من الغش في الإنتاج، أين العقاب والثواب؟، وأين القانون؟ بل أين المجتمع الذي سمح لتلك المهازل أن تخترق حياته الصحية والنفسية والاجتماعية، فكل الإعلام بأنواعه السمعي والبصري يكشف لنا جميع التجاوزات الموجودة بالمجتمع ولا نجد أي ردة فعل قانوني مما يفرز مواطنًا مستهترًا غير معني بما يحدث حوله، فيفتقد وطنيته وانتماءه، رغم أن القانون هو المسئول الأول والأخير عن كل هذ التجاوزات بالتساهل والاستهتار إلا أن المواطن مشارك بشكل مباشر في كل ما يحدث من المشكلات، لم يعد أمامنا سوى حل أوحد لانتشالنا مما نحن فيه من الانفلات والفوضى إلا وهو الردع والحسم بالقانون عملًا بالتوازي بغرس كل ماهو تحت مسمى المبادئ والقيم.
أما أن نترك هكذا نعيش كالدواب فالفوضى ستسود المجتمع وسيأتي يوم لا ينفع فيه الندم إذا وصل الوطن إلى مرحلة الانهيار النهائي.
إن دورة التغيير للمجتمع المصري تحتاج لسرعة شديدة للحاق بما فاتنا من التقدم والتحضر وتوعية الأجيال توعية قوية وراقية للنهوض بالوطن يدًا بيد مع المسئولين حتى وإن وصل الأمر بتوقف التعليم الرسمي لمدة عام بهدف استعادة المواطن وتأهيله ليصبح قادرًا على العطاء لنفسه ولوطنه.