الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإعلام والمزاج العام للمصريين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قام الباحث الدكتور عبدالعزيز السيد عبدالعزيز، أستاذ ورئيس قسم الإعلام بكلية الآداب في قنا بجامعة جنوب الوادي، بإعداد دراسة مهمة هي الأولى من نوعها في الأدبيات المصرية والعربية، وهي تُعني ببحث دور الصحافة المصرية في إدارة المِزاج العام للجمهور المصري نحو تيارات الإسلام السياسي في الفترة التي حمكت فيه جماعة الإخوان المسلمين ورئيسها الدولة المصرية.
ولعل أهمية هذه الدراسة تكمن في أن الباحث استطاع أن يُمسك بتلابيب الشخصية المصرية التي تقودها الحالة المِزاجية والعاطفية في تشكيل آرائها ومواقفها تجاه المعطيات شديدة التغير على الساحة السياسية، وأكبر إشكاليات هذه النوعية من الشخصية القومية أنها لا تستقر على حال، وسرعان ماتتحمس لتيار أو شخص ، ولكنها أيضاً سرعان ما يفتر حماسها، أو ربما ينقلب موقفها إلى النقيض تماماً.
وتؤكد أدبيات الاتصال السياسي أن هناك شبكة من العلاقات الديناميكية والتبادلية بين وسائل الإعلام والسلطة السياسية وبين طبيعة الحركات الاجتماعية والتيارات السياسية فى المجتمع، وتتخذ هذه الشبكة أكثر من علاقة واتجاه في تفاعلاتها بحسب طبيعة وبنية النظام الاجتماعي والسياسي وبحسب رؤية النخب الحاكمة لحجم وتأثير تلك الحركات والتيارات ومدى ما تمثله على الساحة السياسية.
إلا أن هذه العلاقات والتفاعلات تغيرت بدرجة كبيرة بعد 25 يناير 2011، حيث صعدت تيارات سياسية وتراجعت أخرى، ولعل الصعود الأبرز كان لتيارات الإسلام السياسي -خاصة جماعة الإخوان المسلمين، والسلفيين، وقد أدى ذلك إلى زيادة حضورها على مستوى معالجات الصحف المصرية بشكل كبير.
وتعد دراسة المزاج العام Public Mood فى هذه الحالة مهمة، لأنها توضح مدى رضا الناس أو سخطها أو حبها أو كرهها لما هو مقدم لها أو ما تقدمه الحكومات أو الأحزاب أو التيارات لها. وتلعب الصحف ووسائل الإعلام دوراً فى بناء وإدارة الحالة المزاجية للجمهور، حيث تؤثر التغطية الصحفية المكثفة على المعايير التى يبني عليها الأفراد تقييماتهم وتصوراتهم نحو أداء الحكومات، الرؤساء، البرامج والسياسات.. إلخ.
ومن ثم فإن التعرض لنوعيات معينة من المعالجات والمضامين التى تقدمها الصحف ووسائل الإعلام لجماهيرها تؤدى إلى بناء وتشكيل تقييمات أو اتجاهات إما إيجابية أو سلبية لديهم وتؤثر بدرجة رئيسية على المزاج العام السائد فيما بينهم فى النهاية.
ونظراً لأن المزاج العام يعتبر مزيجاً معقداً من العمليات الشعورية والمعرفية والحالة النفسية ورد الفعل السلوكى لأفراد المجتمع، فقد تدفع الحالة المزاجية العامة الجمهور إلى التعرض لقضايا ومضامين إعلامية بعينها أو قد يؤدى التعرض المكثف للمضامين السلبية إلى التأثير سلباً فى المزاج العام وفى الحالتين تلعب الصحف دوراً فى إدارة المزاج العام لجمهورها نحو القضايا والموضوعات التى تثيرها وما يرتبط بها.
واستهدفت الدراسة بشكل رئيس التعرف على طبيعة العلاقة بين حجم ودرجة التعرض للصحف المصرية وانعكاساته على المزاج العام للجمهور المصري نحو تيارات الإسلام السياسي.
تمثلت الحالات الشعورية المكونة للمزاج العام نحو تيارات الإسلام السياسي في الصحف المصرية لدى عينة الجمهور المصري كما يلي:
* جاءت مكونات المزاج العام فيما يتعلق بالقضايا الإيجابية المثارة عن تيارات الإسلام السياسى فى الصحف المصرية تميل إلى المزاج السلبى حيث جاء الشعور بالانزعاج والقلق بنسبة 38.7%، والإحباط بنسبة 36.7٪، والغضب بنسبة 23.2%، فالسخط بنسبة 20.2٪، ثم تلاها الإجابات المكونة للحالات الشعورية المزاجية الإيجابية حيث تمثلت فى الانبساط بنسبة 18.7%، ثم التفاؤل والسعادة بنسبة 17.2%، ثم الاطمئنان وراحة البال بنسبة 16%، وأخيراً الابتهاج والسرور بنسبة 13.7%.
* جاءت مكونات المزاج العام فيما يتعلق بالقضايا السلبية المثارة عن تيارات الإسلام السياسى فى الصحف المصرية تميل إلى المزاج العام السلبى بدرجة أكبر، وتمثلت هذه الحالات إلى أقصى حد فى الإحباط بنسبة 54٪، والغضب بنسبة 51%، والسخط السياسي والشعبي بنسبة 48.2%، ثم الانزعاج مما يحدث بنسبة 44.2%، في حين تراجعت المكونات الإيجابية التى تشكل المزاج العام إلى أقصى حد حيث تمثلت فى التفاؤل والسعادة بنسبة ١8%، ثم الانبساط بنسبة 8.7%، ثم الابتهاج بنسبة 6.5%، ثم الاطمئنان بنسبة 2.7%.
* تشير البيانات السابقة إلى سيطرة المكون الشعورى السلبي العام على بيئة المزاج العام لعينة الجمهور المصري، سواء على مستوى القضايا الإيجابية أو السلبية المثارة عن تيارات الإسلام السياسى مما يوضح بدرجة أو بأخرى تغير المزاج العام نحو تلك التيارات وهو ما يمكن أن يعود إلى طبيعة معالجات الصحف ووسائل الإعلام الأخرى التي قامت بنقل وتقديم كافة الأخبار والموضوعات والقضايا عن تلك التيارات منذ صعودها على الساحة السياسية المصرية بعد 25 يناير 2011 وتصدرها المشهد السياسي، خاصة وأن أداءها كان عكس التوقعات الجماهيرية التي كانت سائدة عنها قبل ثورة يناير.
ويمكن تفسير زيادة درجة حالة المزاج السلبى العام حتى مع القضايا الإيجابية المثارة وفقاً لما ذهب إليه البعض، بأن حالة المزاج العام السائد فى أى لحظة ترتبط بطبيعة التصورات المأمولة أو المتوقعة وارتفاع درجتها، وعلى مستوى الواقع الفعلى تأتي كل السلوكيات والتصرفات بعكسها تماماً، الأمر الذي يمكن أن ينطبق بدرجة أو أخرى على تيارات الإسلام السياسي.