الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قانون الأحزاب السياسية في مصر .. التطور التاريخي والتجارب الأخرى (ا- ٨)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مدخل
لا يمكن لنا أن نقدم أى رؤية تحليلية أ ونقدية لقانون الأحزاب فى مصر بدون النظر إليه، ومنذ صدور أول قانون، فى سياق تطوره التاريخى، وهذه النظرة إلى التطور التاريخى للقانون نفسه هى التى ستدفعنا أيضاً إلى النظر لهذا القانون باعتباره أولا وقبل أي شيء آخر انعكاسا للتطورات السياسية والاجتماعية - الاقتصادية التى مرت بالبلاد منذ ظهور الأحزاب والقوانين المنظمة لها، وحتى صدور آخر قانون، أ وبالدقة آخر تعديلات على القانون، فهذه النظرة التاريخية - الاجتماعية، وهى ما سنحاول أن نقوم به هنا، هى التى ستمكننا من تقييم القانون الحالي أ وبالأحرى هي التي ستوضح لنا ما إذا كان القانون الحالى يسير فى اتجاه تعزيز الإتاحة للمجموعات والاتجاهات السياسية للتبلور والتحزب أم أن هذا القانون خطوة تضع عقبات وعراقيل أمام هذا الاتجاه الذي نرجوه لتطور الحياة السياسية.
بطبيعة الحال لن نتطرق هنا بالتفصيل إلى بدايات صدور التشريعات والقوانين الخاصة بالأحزاب فى مصر، وإنما سنكتفى بالمرور السريع عليها لكى نتوقف بعد ذلك بشىء من التفصيل عند هذه التشريعات والقوانين منذ 1976، أ وبالدقة منذ القانون رقم 40 لسنة 1977 وحتى الآن، وعلى صعيد آخر، وحتى لا نقدم ملاحظاتنا على آخر تعديلات على القانون 40، وه ولا يزال القانون الساري، وفقاً لإطار مرجعى تاريخى - اجتماعي فقط، وتاريخنا، كما ه ومعروف لم يعرف ازدهارا للديمقراطية فى العقود الستة الماضية، فإننا أيضاً سنحاول أن نقارن بين القانون الحالى، وبين القوانين ذات الصلة فى عدد من بلدان ما يعرف بالديمقراطيات الناشئة، كما سنحاول أن نقارنه أيضاً بالقوانين فى بعض بلدان الديمقراطيات العريقة، لعل ذلك يكشف لنا جوانب القوة والضعف فى القانون الحالى.


أولاً: الإطار التاريخى-الاجتماعى لقوانين الأحزاب السياسية فى مصر:
يعتبر الكثيرون أن التعددية السياسية، ووجود الأحزاب، وكذا مستوى هذه الأحزاب، من حيث القوة أ والضعف، مؤشراً على حالة النظام السياسى، ودرجة تطوره فى أية دولة، فالأحزاب تلعب دوراً هاماً فى عملية الممارسة الديمقراطية، وتعميق المشاركة السياسية للمواطنين، وهذا الدور، الذى يمكن أن تلعبه الأحزاب، يرتبط بالقوانين التى تنظم عملية تأسيس الأحزاب، وكذا إطار ممارسة وحركة هذه الاحزاب، كما أنه يرتبط أيضاً بالمناخ السياسى والاجتماعى - الاقتصادى أيضاً بصفة عامة، وبالمناخ الديمقراطى بصفة خاصة، وبالذات ما يتعلق بالقوانين المنظمة للحريات العامة والخاصة والانتخابات العامة والمحليات... إلى آخر هذه الحزمة من القوانين التى تشكل فى مجملها ما يوصف بالمجال العام الذى تتحرك فيه الأحزاب وغيرها من مؤسسات ومنظمات المجتمع المدنى.
 ويمكننا القول بصفة عامة إن للأحزاب السياسية، في مصر، جذورا عميقة فى التاريخ الحديث، حيث ظهرت البدايات الأولى للحياة الحزبية المصرية مع بدايات نضج عملية التحديث في نهاية القرن التاسع عشر، ووصلت إلى ذروتها بعد ذلك خلال النصف الأول من القرن العشرين، ثم عادت للازدهار بعد ذلك، بعد ثورة 25 يناير، ويمكننا القول إن الأحزاب السياسية في مصر مرت عبر خمس مراحل: أولها يمكننا أن نطلق عليها مرحلة التأسيس، وهي المرحلة التى سبقت ثورة 1919، والثانية مرحلة النضج والتبلور، وهي المرحلة التى تلت ثورة 1919، واستمرت حتى عام 1952، وتلى ذلك المرحلة الثالثة، وهي مرحلة التنظيم السياسى الواحد، والتي استمرت من عام 1953، حتى عام 1976 حيث بدأت بعد ذلك المرحلة الرابعة، مرحلة التعددية الحزبية المقيدة، التى بدأت مع ظهور المنابر داخل الاتحاد الاشتراكى، ثم صدور قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 واستمرت حتى قيام ثورة 25 يناير عام 2011، وهى الثورة التى أعقبتها، المرحلة الخامسة، وهى المرحلة المستمرة حتى الآن، والتي يمكننا أن نسميها مرحلة إعادة تأسيس وبناء الأحزاب السياسية .
يعتقد بعض الباحثين أن الدولة في مصر هي التي تحكمت في عملية وجود الأحزاب أو إلغائها، ويستندون في ذلك إلى نجاح الدولة في إلغاء الأحزاب عام 53 ثم قيام الدولة نفسها عام 76 بإعلان المنابر كتمهيد لإصدار قانون يسمح بوجود الأحزاب بعد ذلك بعام واحد، وفي المقابل نرى نحن أن عملية التحزب كانت تسبق العملية الحزبية على الدوام، أو بصياغة أخرى فإن إرهاصات أو بدايات أو مقدمات وجود الأحزاب كانت على الدوام سابقة على عملية وجود الأحزاب نفسها سواء من الناحية الواقعية أو القانونية، وكانت التطورات السياسية المرتبطة بالتطورات الاقتصادية - الاجتماعية تشكل المقومات أو تسبب الأسباب للتحزب، فمثلا كان لتأسيس مجلس شورى النواب عام 1866- رغم كونه كياناً استشارياً – دور فى تطور الحياة السياسية، وتهيئة الأجواء للتفكير فى العمل الحزبى، وهكذا ظهر الحزب الوطنى الذى أنشأه أحمد عرابى عام 1879، وهو الحزب الذي يعتبره البعض أول الأحزاب السياسية فى تاريخ مصر الحديث، فى حين يرى البعض الآخر أن هذا التنظيم لم يكن سوى تكتل أو مجموعة شبه حزبية أو ما قبل حزبية إذا صح التعبير، وقد انتهى الوجود العملى لهذا الحزب بانكسار الثورة العرابية لتطوى بذلك صفحة هذا الحزب من خريطة الحياة السياسية المصرية، وجدير بالذكر هنا أن ظهور مجلس شورى القوانين نفسه كان ثمرة الإصلاحات التحديثية التي عرفتها مصر في عصري سعيد وإسماعيل، والحزب الوطني بهذا المعنى أيضاً هو ثمرة هذه الإصلاحات مثلما هو ثمرة الثورة العرابية التي تعد هي نفسها نتيجة ما ألم بالمجتمع المصري من تطورات وتغيرات طوال عهدي سعيد وإسماعيل
بعد ذلك شهدت مصر تطورات اقتصادية وسياسية تحديثية متنوعة قام بها اللورد كرومر في سياق عملية التحديث الضرورية للبنى الاقتصادية - الاجتماعية، وهي العملية التي كانت تستهدف تمكين الاستعمار الإنجليزي من الاستفادة من وجوده في مصر، وقد أدت هذه التطورات إلى تهيئة الأوضاع في مصر لظهور خمسة أحزاب أو ربما خمس مجموعات شبه حزبية أو ما قبل حزبية، هي بالتحديد الحزب الوطنى الحر والذى سُمى فيما بعد بحزب الأحرار، والحزب الجمهورى المصرى، وحزب الأمة الذى تزعمه أحمد لطفى السيد، وحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية بزعامة الشيخ على يوسف، صاحب جريدة "المؤيد"، والحزب الوطنى وقد تزعمه مصطفى كامل.