الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الذين آمنوا ..والذين الحدوا..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اتجه مؤخرا بعض الفضائيات والصحف إلى مناقشة ما اسموها ظاهرة الإلحاد، وكانت السطحية والتفاهه القاسم المشترك بين معظم المعالجات لهذه القضية.
إحدى المذيعات المصابة بالشيزوفرينيا استضافت فى برنامجها السقيم نماذج لملحدين جاءت بهم لتقول فقط إنها مسلمة ومتدينة وموحدة بالله (وأنت ياملحد وحش وياى عليك)، وبالطبع حدث ولا حرج عن المستوى المتدنى والمتخلف لمجمل الحوار.
أما الصحف فمصيبتها أكبر، حيث استعانت كالعادة بأساتذة فى جامعة الأزهر وشيوخ معممين فى رأئ ليسوا أفضل حالًا من المذيعة المفتعلة، فقد راحوا يسبون الشباب الذى ألحد، معتبرين أن ظاهرة الإلحاد موضة غربية وتقليعة أجنبية ارتداها بعض الشباب كما يرتدى "الجينز" فقط ليبرر ويحلل لنفسه فجوره وفسوقه وانحلاله الأخلاقى وانجرافه وراء شهواته ونزواته، خاصة من أدمن منهم الخمر والمخدرات والنساء والعياذ بالله.
أولئك الذين آمنوا وظنوا أنفسهم أعلى وأفضل من أولئك الذين ألحدوا، وهم لا يعلمون أنهم كانوا ربما سببا رئيسيا من الأسباب التى دفعت بعض الشباب إلى الإلحاد.
الإلحاد عند هؤلاء الشباب فى حقيقته ليس سوى نوعا من الاحتجاج العنيف والرفض لمنظومة قيم هذا المجتمع الذى أضحى التناقد عنوانه الرئيسى، وكفرا بما قدمه أولئك الذين آمنوا من مفاهيم ومعالجه وتناول للدين.
وظنى أن مثل تلك المعالجات السطحية والساذجة التى تعتبر جنوح بعض الشباب إلى الإلحاد تقليدا اعمى للغرب، إنما تؤكد للذين ألحدوا صحة موقفهم، لا سيما إذا كان الحديث منسوبا لعلماء الأزهر الشريف وهم أبعد ما يكون عن صفة العالم.
جاهل كل من يعتقد أن الشباب الملحد أراد فقط، تبرير السهرات الحمراء والمجون مع الفاتنات والسكر على قارعة الطريق، لذلك ينبغى أن تتغير النظرة لشبابنا هذا وإن تطرف فى جنوحه وبدلاً من أن ننشغل بالدفاع عن قضية وجود الله وإثبات صحتها علينا أن نفكر جديا فى طبيعة الخطاب الدينى المقدم والذى يترجم فى حقيقة الامر الدين ويجسده للناس من خلال مايحمله هذا الخطاب من قيم ومفاهيم.
وينبغى أن ننتبه إلى هذا التناقض الذى صرنا نعيشه ونعايشه كل يوم، فبينما نعلى فى أحاديثنا من شأن الأخلاق وقيمة الضمير ننحط فى سلوكنا ضاربين عرض الحائط بكل ما حملته ألسنتنا من كلمات تعبر عن قيم الشرف والصدق والنزاهة.

الشباب الذى ألحد فى واقع الأمر يمثل النخبة المفكرة فى هذه الأمة وهو أفضل وأعقل من أولئك الذين آمنوا وراحوا يسبونه بالكفر والمجون، لأنه ببساطة أعمل عقله فيما قدم له من مفاهيم وتصورات عن الدين فوجدها أفكارا عفنة قدمت فى معون ضحل.
لماذا لا نتأمل البيئة القيمية والدينية التى نشأ وتربى وترعرع عليها هذا الشباب، انظروا إلى الخطاب الدينى الصادر فى الفضاء العام، ألا تلاحظون كيف سيطر عليه خطاب جماعات الإسلام السياسى، الا يكيفينا دليل أن ينشغل الازهر بجلالته وعظمته بما اعتبرها قضية الثعبان الأقرع، ألم تحلل دار الإفتاء يوما دفع الرشوة إذا كنت تريد فقط الحصول على حقك لتقتصر اللعنات على المرتشى دون الراشى، الم يُكَفّر عالم جليل ومجدد كبير فى الفكر الإسلامى مثل د نصر حامد أبوزيد من قبل المؤسسة الرسمية ولم تستطع جامعته حماية مستقبلة العلمى وتقاعست الدولة عن حماية أسرته؟! ألم يبشر الخطاب الدينى المسلمين بملائكة سيحاربون مع صدام حسين ضد قوات حلف الأطلنطى ثم سقطت بغداد؟! ألم يعد فقهاء الإخوان وشيوخهم وبعضهم من أساتذة الأزهر أنصارهم من المعتصمين فى رابعة والنهضة بنصر من الله مبين، وادعوا أن جبريل حل بينهم وغيرها من الخزعبلات ثم كان ماكان؟! ألسنا من نصف أنفسنا بالشعب المتدين الذى لاتخلو مساجده وكنائسه من العباد التوابين بينما لا مكان للصدق فى معاملاتنا؟! , من منا لم يشك من الموظف الذى عرقل مصالحه لأنه لم يدفع المعلوم، ومن الصنائعى والحرفى الذى غش فى بناء البيت أو غصلاح السيارة ومن التاجر الذى يرفع الاسعار (بمزاج مزاجه) ورجل الأعمال الذى لا يرضى إلا بـ700% ربحا ومن المدرس الذى أجبر تلاميذه على الدرس الخصوصى، ومن الطبيب الذى سرق كلية أو أهمل فى مريضه، أو رفض علاجه وإنقاذ حياته لأنه لا يملك ثمنها؟!.

أجهل من أبى جهل كل ساب أو لاعن لهذا الشباب وعليه أولا أن ينزع القشة التى فى عينه وينظر هذا العالم المعمم كيف قدم لنا الدين.
ليست كارثة أو حتى مشكلة أن يلحد بعض الشباب، فالجنوح والشطط هو سمت الشباب ولابد من يوم يعقل فيه الحقيقة لكن كارثتنا تبقى فى أولئك الذين آمنوا وظنوا أنفسهم حماة الدين، فليس ثمة أمل فى مثلهم فهم على السطحية والجهل قد جبلوا، والأمل كل الأمل فى علماء ومجددين يرفعون راية التنوير ويعنون كلمة العقل على النقل الذى جعل كثيرا من المعممين مجرد حملة أسفار لا يعونها.