الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بالفيديو والصور.. محرر البوابة نيوز "متسول" في شوارع ومترو العاصمة.. الإشارات موزعة بالتساوي على "الشحاتين" والباعة الجائلين.. و"ذل نفسك" تكسب ثروة بـ"طريقة سهلة"

محرر البوابة نيوز
محرر البوابة نيوز "متسول" في شوارع ومترو العاصمة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ بدء الخليقة، والتسول يعد إحدى المهن التي يمتهنها كل من يرغب في الكسب السهل والسريع، لا يهم الصورة التي سيظهر بها أو طريقة استعطاف الآخرين عن طريق إذلال نفسه وفقدان آدميته، ولكن المال أصبح أهم من كل ذلك.

ولعل من اللافت للنظر هو تطور تلك المهنة في الأعوام القليلة الماضية بصورة ملحوظة حيث كان المعتاد في القدم هو أن يرتدى الإنسان ملابس ممزقة ولا يهتم بمنظره بل يتركه يسوء أكثر فأكثر مع بعض الدعوات المعتادة "ربنا يزيدك من نعيمه، حاجه لله" وغيرها من كلمات الاستعطاف ولكن الآن أصبحت هذه الطريقة هي للمبتدئين وتندرج تحت مسمى "الشحاتة الكلاسيكية"، ليتطور الأمر بعدها إلى أسلوب جديد وهو "الشحاتة الرومانسية".

هذا النوع هو باختصار يظهر لك دائما وأنت بصحبت خطيبتك والتي من الممكن أن يكتشف فيما بعد أنها أختك وليست خطيبتك ولكنه دائما يعد أكثر حنكة عن ذويه من الشحاتين لأنه يختار دائما فريسته وهي في مواقف محرجة، من الصعب أن ترفض أن تعطيه من أموالها ولو جزءا صغيرا كى يذهب، ليحدث تطورا في المهنة أكثر من ذي قبل، ويظهر نوعان جديدان أولهما "الشحاتة الصامتة"، طفل يجلس ويبكي على كارتونة بيض مكسورة، والنوع التالي هي "الشحاتة الفخمة"، وهى من أكثر الانواع التي انتشرت مؤخرا حيث يقابلك شخص يظهر على شكله أنه من الطبقة الغنية ويقولك لك في صوت خافت "معلش انا بس محرج من حضرتك اصلى نسيت فلوسى في البيت ومحتاج بس 2 جنيه أروّح بيهم"، وغيرها من الأحاديث.

ثم ظهرت "الشحاتة المجتهدة" وهى أن يجلس الطفل أمامه عدد من المناديل وكشكول صغير وكتاب ليظهر وكأنه يذاكر دروسه في الشارع فيستعطف الكثير من المارة رغم أنك لو دققت النظر جيدا في هذا الكشكول الذي أمامه ستجد كلمات ليس لها معنى، ومن ثم ظهرت أنواع كثيرة مثل "شحاتة المعاقين وشحاتة المرضى وذوى الاحتياجات الخاصة" وأخيرا الشحاتة بالأطفال ومازالت المهنة في تطور مستمر.


ومع بداية أيام العيد قررنا في "البوابة نيوز" أن نخوض تلك التجربة بالتسول في إحدى الإشارات وداخل عربات المترو، لنتعرف على هذا العالم من الداخل أكثر، لتبدأ رحلتنا من أمام نزلة الدقي الخاصة بكوبري أكتوبر، حيث كنت أنا وصديقي ياسين وكنت أنا أرتدى جلبابا وأحمل في يدى الفوطة الخاصة بمسح زجاجات السيارات وفجأة ظهر لنا أحد المتسولين المسئولين عن المنطقة، ولم يتحدث لنا بكلمة واحدة ولكنه أشار لنا بإصبعه بأن نغادر المنطقة فورا، ولم تمر ثوانٍ معدودة حتى ظهرت بعض الشخصيات في أماكن متفرقة لنعلم أنهم "مالكو المنطقة".

على الفور غادرنا واتجهنا إلى الإشارة المتواجدة بالقرب من ميدان لبنان كان ياسين يحمل الموبايل الذي سيقوم بتصويري به ولكننا حاولنا ولم نتمكن بسبب تواجد "أصحاب" الإشارة هناك، وأقصد من كلمة أصحاب الإشارة الباعة المالكين لها، فلكل بائع إشارة يملكها لا يمكن لغيره أن يتعدى عليها وفى النهاية الأمر كله في يد معلم واحد يقوم بتوزيع تلك المناطق عليهم.

لم نجد حلا سوى القيام بالحديث مع ذلك الشاب وأخبرناه بأننا صحفيون ونقوم بعمل تحقيق صحفى، وسأقوم أنا بالتسول ولن نجلس في الإشارة كثيرا وما سنجمعه من مال لن نأخذه وسنتركه له، في النهاية وافق بعد أن تناقشنا سويا ولكنه اتفق معنا أن نقوم بالتصوير في الجهة المقابلة لهم كي لا يظهر هو ومن معه من متسولات في الصورة والسبب كان بين كلماته حين قال لى نصا "ماينفعش نطلع في الصورة أصل انا وغيري جيرانهم وأهل منطقتهم ما يعرفوش إننا شغالين كده فاحنا هنتإذى لو طلعنا بالشكل ده"، اتفقنا سويا على هذا الطلب ووقف ياسين على الرصيف يحمل الكاميرا ليلتقط لى عددا من الصور دون أن يشعر المارة وكنت أنا كلما وقفت الإشارة أذهب لأمسح زجاج السيارات لأرى بنفسي رد فعل المواطنين.


وقفت الإشارة في المرة الأولى وبدأت أنا أسير باتجاه السيارات وتكررت العملية نحو 4 مرات، كنت أرى تجاهلا من عدد كبير من السائقين، وكانوا حينما يرونى من بعيد أتجه ناحيتهم يقوم صاحب السيارة بالإشارة لى من الداخل بعدم الاقتراب من زجاج سيارته، وحين كنت اقترب ولا انصاع لكلامه كان منهم من يتجاهلني تماما ولا يكلف نفسه النظر إلىّ، والبعض الآخر يصر على رفضه لما أقوم به بإشارات يده.

ظللنا هكذا نحو ثلث ساعه ولم يعطني أحد شيئا سوى شخص واحد فقط هو من قام بمد يده من فتحة الشباك الصغيرة ليضع في يدى قبل أن أمسح له الزجاج "ثلاث جنيهات ونصف" واستمر الحال هكذا ولم يعيرني أي شخص أي اهتمام، في الوقت نفسه كانت تقف سيدتان تبيعان المناديل ولكن من خلفى كى لا تظهر أي منهما في الفيديو، ولاحظت أيضا أنهما لم تتحصلا على الكثير من الأموال.

انتهيت وشكرت المتواجدين على تعاونهم معنا وأعطيتهم الثلاث جنيهات ونصف كما اتفقنا وذهبت أنا وياسين صديقى إلى المترو لتبدأ المغامرة الثانية وأسلوب جديد وهو "الشحاتة الصامتة"، حيث كنت قد كتبت ورقة بخط يدي وطبعتها أكثر من مرة لأقوم بتوزيعها على الركاب في المترو كما اعتاد الكثير منا على رؤية مثل تلك الطرق وكتبت فيها باختصار أننى أعول أهلي ووالدى متوفي وانا أعمل في مصنع بلاط ولكن المرتب لا يكفينا ووالدتي مريضة وكبيرة في السن لا يمكنها المساهمة معي بأي عمل يدر علينا الأموال وبالفعل بدأنا من خط العباسية.


وصل المترو إلى المحطة وبدأ الجميع في الصعود ليجلس كل منهم وترتسم على وجهه ملامح البؤس والهم، بدأت أنا أوزع تلك الأوراق ولكن لم يلق لي أحد بالا، كان شغلى الشاغل ألا يراني أحد الباعة وتكون مشكلة كبيرة ولهذا السبب وقع اختيارى على خط العباسية لعدم وصول الباعة فيه بصوره مكثفة كالخطين الآخرين سواء كان خط الجيزة أو المرج.

كررنا العملية ولم أجنِ سوى الفراغ ففى ظل هذا الغلاء والظروف العصيبة لا تنتظر أحدا أن يساعد بالمال أبدا، وقفت عند باب المترو لأنتظر الوصول إلى المحطة وإذ بشاب قام بوضع يده على كتفي لانتبه له، سرعان ما التفت له وابتسمت وظننتها فرجت ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن فقد قام ليعطينى ورقة من ورقاتى التي وزعتها كنت نسيتها معه ولم أتذكرها وابتسم ثم عاد مكانه من جديد.

ولعل ما لفت انتباهي هو خوف الباعه والمتسولين من الدخول إلى خط العباسية خوفا من تواجد الأمن رغم  أننى دخلت ولم يسألني أحد عما فعلت فمنذ أن دخلت المترو من محطة الدقي مرورا بالعتبة لأنزل إلى خط العباسية لم يسألني أحد عما فعلت إلى أن خرجت.

لينتهى اليوم بذلك حيث قمت أنا بتغيير ملابسي بعد أن قمت بتجربة التسول بنفسي لأرى حقيقة ما كنا نعرفه عن تقسيم المناطق لدى الباعة وعن طريقة استعطافهم وكسبهم للأموال بطريقة سهلة ولكن كان ثمنها فقدان آدميته وإذلاله أمام غيره من المواطنين.