الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

اللواء حسام سويلم يكتب: السيسي يستلهم روح العاشر من رمضان لمواجهة التحديات الحالية.. تبرع بنصف ثروته دعمًا للاقتصاد.. واقتحم ملف الدعم لإنقاذ البلاد

اللواء حسام سويلم
اللواء حسام سويلم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما سُئل المشير السيسي قبل انتخابه رئيسًا، عما إذا كان يملك عصا سحرية لمواجهة المشاكل المستعصية والمتفاقمة أمنيا واقتصاديا وسياسيا التي تواجهها مصر، أجاب: "نعم أملك عصا سحرية"، ثم قال" إنها الشعب المصري نفسه القادر بعون الله على فعل المستحيلات".

عندما قال السيسي ذلك، ثم أردف قوله بالفعل عندما تولى رئاسة الدولة، وواجه تحدى العجز في الميزانية بقراراته الاقتصادية الأخيرة، وتصعيد المواجهة الأمنية ضد جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها، ورفض أي تدخل في أحكام القضاء ردًا على الضغوط الخارجية، إنما كان السيسي في الواقع يستلهم روح حرب العاشر من رمضان / السادس من أكتوبر 1973، عندما واجهت مصر تحدي احتلال إسرائيل لسيناء باصرار وتصميم على إزالة هذا الاحتلال وبسرعة ومهما كانت التضحيات من أرواح ودماء وأموال، ومهما كانت المصاعب والعراقيل السياسية والعسكرية التي قد تحول دون تحقيق هذا الهدف وما أكثرها.
لماذا كانت حرب أكتوبر مجيدة ومفخرة لكل مصري؟
عندما نقول أن حرب أكتوبر كانت حربا مجيدة ومفخرة لكل مصري، فإن ذلك ليس كلام دعاية، بل له أساس وأسباب كثيرة اعترف بها العدو قبل الصديق، ذلك أنها كانت أول حرب هجومية تشنها مصر بمبادرة منها في مسلسل حروب الصراع العربي – الإسرائيلي، وما سبقها كانت حروب دفاعية وبمبادرة هجومية إسرائيلية، ولأن مصر اتخذت قرارها بالحرب رغم ارادة الدول العظمى التي رفضت مبدأ اللجوء للحرب لاستعادة الاراضي المحتلة من1 1967، ورغم الخلل القائم في الميزان العسكري لصالح إسرائيل، ناهيك عما كانت تحظى به إسرائيل من دعم سياسي واقتصادي مطلق من جانب الولايات المتحدة. هذا في حين اعتمدت مصر على نفسها وقواها الذاتية بعد المولى عز وجل، واطلق جيشها وشعبها صيحة "الله أكبر"، تلك الصيحة التي زلزلت أركان مكتب رئيسة وزراء إسرائيل (جولدامائير) قبل أن تزلزل تحصينات خط بارليف. وكانت منطلقات هذه الحرب تتمثل في استحالة بقاء الاحتلال وفرض الأمر الواقع وضرورة تحرير سيناء، وإسقاط نظرية الأمن الإسرائيلي، التي تفرض تحقيق الأمن عن طريق الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، وإقامة حدود آمنة جديدة لإسرائيل على الاراضي العربية، لذلك تم هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر على هذه الحدود الجديدة التي كانت تظنها آمنة، وخسرت عليها أكثر من 10000 جندي، كما لم ينفعها تمسكها بشرم الشيخ بعد أن أغلقت البحرية المصرية مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر فيوجه السفن الإسرائيلية، فضلا عن إسقاط مفهوم الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، إلى جانب أهمية استعادة ثقة الجندي المصري في نفسه وسلاحه وقادته، واستعادة ثقة الشعب المصري في قواته المسلحة.
ولقد واجهت مصر التحديات السياسية والعسكرية التي صادقت التخطيط والاعداد لهذه الحرب، على أساس مبدأ تلتزم به القوات المسلحة حتى اليوم، وهو أنه لا توجد مشكلة ليس لها حل، بدءًا باستيعاب دروس هزيمة 1967، وتلافي أسباب الهزيمة، وأولها ابعاد الجيش عن الانشغال بأي مهام سوى الاعداد والتحضير للحرب، والعمل كجيش محترف، ولذلك تم تغيير القيادات المسيسة، وتم بناء خط دفاعي قوى غرب القناة يكون ركيزة لعمليات الهجوم لتحرير سيناء فيما بعد، فضلا عن سرعة تعويض الخسائر البشرية والمادية، كما تم استغلال قدرات مصر الجيوبوليتكية خاصة في مجال القوة البشرية كما ونوعا، فزاد عدد الفرق من 4 فرق إلى 10 فرق، وتجنيد المؤهلات العليا، وبناء حائط الصواريخ المضادة لطائرات لتوفير الحماية للقوات البرية عندما يبدأ الهجوم، إلى جانب تكثيف التدريب على عمليات عبور القناة واقتحام خط بارليف على خط مماثل له أقيم في غرب جزيرة البلاح في القناة جنوب القنطرة.
كذلك تم ترشيد عملية صنع القرار السياسي للحرب، وذلك بمشاركة أجهزة سياسية وبحثية، وتحددة مهمة القوات المسلحة في حدود قدراتها العسكرية الفعلية، وجرى اعداد الدولة للحرب سياسيًا باستعادة علاقاتها التي كانت منقطعة مع الدول العربية الخليجية بسبب حرب اليمن، وتم بناء تحالف استراتيجي مع سوريا أجبر إسرائيل على أن تقاتل على جبهتين: سيناء في مصر، والجولان في سوريا في وقت واحد، كما وافقت اليمن على تواجد بحري مصري في باب المندب لاغلاقه في أمام السفن الإسرائيلية، فضلا عن المساعدات الاقتصادية التي قدمتها دول عربية لمصر، بل وأيضًا قوات عسكرية عربية من الجزائر والسودان والمغرب والكويت قدمت إلى مصر لتعزيز الاتزان الاستراتيجي في داخل مصر، وتعهدت السعودية باستخدام النفط كسلاح في الحرب بمنع تصديره إلى الدول التي تدعم إسرائيل في الحرب لاجبارها على وقف هذا الدعم، وأيضًا في إطار الاعداد السياسي للحرب، قامت المؤسسات السياسية والدبلوماسية في مصر بشرح القضية المصرية في المحافل الدولية، مما أدى إلى قطع علاقات دول آسيوية وأفريقية بإسرائيل، وابراز حق مصر في اللجوء للخيار العسكري بعد استنفاذ الجهود السياسية لدفع إسرائيل للانسحاب من الاراضي العربية المحتلة.
أما على صعيد اعداد الارض والاقتصاد والشعب للحرب، فقد تم ترحيل سكان مدن القناة لابعادهم عن نيرن الحرب، وإنشاء عشرات المطارات وأراضي الهبوط على اتساع أراضي الجمهورية وبناء حظائر حصينة للطائرات فيها، ونشر شبكة واسعة من مصدات الدفاع الجوي الصاروخية على طول الجبهة وبعمق حتى القاهرة وحولها وكذلك في المدن الرئيسية، ومد شبكة من الطرق بلغت 20000كم لتسهيل حركة القوات البرية من العمق إلى الجبهة، وبناء احتياطي إستراتيجي ضخم من الذخائر والوقود والمواد الغذائية والحبوب يكفي لخوض حرب لمدة 45 يومًا، كذلك إنشاء عدة مراكز قيادة وسيطرة إستراتيجية رئيسية وتبادلية وهيكلية لإدارة دفة الحرب، هذا إلى جانب الاستعداد لمواجهة الحرب النفسية للعدو والشائعات باظهار الحقائق وتجنب البيانات الزائفة وبما يحافظ على الروح المعنوية للشعب ويرفعها دائمًا، ويوحد الجبهة الداخلية مع للجيش.
وفي إطار المبدأ الذي تبنته القوات المسلحة بأنه لا يوجد مشكلة بدون حل، وحددت قيادة القوات المسلحة المشاكل التي يمكن أن تواجهها في هذه الحرب، خاصة على اصعدة التفوق الإسرائيلي في عناصر المخابرات، والقوات الجوية، والقوات المدرعة، فضلًا عن مشكلة المانع المائي المتمثل في قناة السويس وتحصن الاسرائيليين في خط بارليف، والساتر الترابي بارتفاع 20 مترًا ممتدًا بطول القناة وبه فتحات نابالم لاشعال مياه القناة بالنيران، وعليه مئات مرابض الدبابات لاحتلالها لاعاقة عمليات العبور، فضلا عن مشكلة كبيرة أخرى تمثلت في تواجد انساق من احتياطات مدرعة إسرائيلية متواجدة على أعماق تتفاوت بين 3 كجم إلى 80 كم على استعداد لشن هجمات مضادة لتدمير قواتنا التي تنجح في العبور وتتقدم داخل سيناء، وتم تحليل كل هذه العقبات واستكشاف نقاط القوة والضعف فيها والبدائل الممكنة لحلها، ونجحنا في ذلك إلى حد كبير بفضل الله. ففي مواجهة التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي المدعوم بالاستخبارات الأمريكية الجوية والقضائية، تبنينا خطة الخداع السياسي والإستراتيجي والتكتيكي لتضليل العدو عن نوايانا في الهجوم، وترسيخ الاعتقاد لديه بأننا جثة هامدة غير قابلة للحركة. وفي مواجهة الساتر الترابي المقام شرق القناة بارتفاع يصل إلى 20 مترا، تم استخدام مدافع المياه في فتح ثغرات في هذا المانع مكنت مدرعاتنا ومعداتنا الثقيلة من الانتقال إلى داخل سيناء في اقل من 6 ساعات ليلا. كما تم سد فتحات النابالم بالاسمنت وتلغيم مرابض الدبابات في هذا الساتر ليلة الهجوم. أما التفوق الجوي الإسرائيلي فقد تم تحييده بواسطة شبكة الدفاع الجوي الصاروخي التي اسقطت للعدو 120 طائرة حتى يوم 9 أكتوبر. وكذلك التفوق الإسرائيلي في المدرعات فقد تم تحييده بواسطة آلاف الصواريخ المضادة للدبابات التي دمرت له 450 دبابة حتى يوم 9 أكتوبر طبقا لاعتراف جولدامائير عندما صرخت لكيسنجر طالبة دعم أمريكي سريع لنجدة قاتها في سيناء المهددة بالابادة على أيدي الجيش المصري.
اما احتياطيات العدو المدرعة المتواجدة في الخلف، ومن أجل تعطيل وعرقلة قيامها بهجمات مضادة، فقد تم تكليف وحدات القوات الخاصة بعلميات إنزال جوي في المناطق الاستراتيجية على محاور تقدمها لعرقلة تقدمها، على الأقل لمدة 8 ساعات حتى تتمكن وحدات المهندسين من إقامة الكباري وعبور الدابات إلى شرق القناة، ومن أجل تشتيت جهود القوات الإسرائيلية على أكبر مواجهة ممكنة، تم التخطيط لاقامة خمس رئيس كباري شرق القناة وعلى امتدادها من بورسعيد وحتى ميناء الاديبية جنوب السويس، كل بقوة فرقة مشاة مدعمة بلواء مدرع وكتيبة صواريخ مضادة للدبابات، على أن يتواجد خلفهم غرب القناة ثلاث فرق مدرعة وميكانيكية، وفي العمق الإستراتيجي 2 فرقة ميكانيكية.
كما تم اختيار التوقيت المناسب من حيث الشهر واليوم والساعة التي يبدأ فيها عبور القوات للقناة بما يحقق الخداع وتنفيذ الذربة الجوية والتمهيد النيراني وعبور المشاة واقتحام خط بارليف قبل آخر ضوء، وعبور المعدات الثقيلة ليلا.
وفي التوقيتات المحددة في الخطة، وتحت صيحات الله أكبر، تم تنفيذ الضربة الجوية ضد أهداف العدو في العمق بقوة 212 طائرة مقاتلة، والتمهيد النيراني بـ 2000 مدفع ولواء صواريخ أرض أرض لمدة 55 دقيقة. وتحت ستر هذا التمهيد النيراني تم فتح 85 ممر في الساتر الترابي، ثم اقتحام قناة السويس بواسط 2500 قارب في موجات متتالية بلغت 12 موجة، وسبقتها مجموعات اقتناص الدبابات، وبدء اقتحام مواقع خط بارليف، وبعد ساعتين من بدء العبور بدأت الإعلام المصرية ترتفع فوق حصون خط بارليف التي أخذت تتساقط في أيدي قواتنا، وخلال 6 ساعات كان لنا 80000 جندي شرق القناة، والاستيلاء على 15 موقعًا من تحصينات خط بارليف، وتدمير 60 دبابة وإسقاط 27 طائرة للعدو. وفي الليل تم انشاء الكباري الثقيلة وعبور الدبابات والمدافع والمعدات الثقيلة وفي صباح يوم 7 أكتوبر كانت قواتنا شرق القناة مستعدة لصد هجمات العدو المضادة، والتقدم شرقا لتحقيق المهمة بالاستيلاء على خط بارليف بعمق 20 كم والدفاع عليه. وفي يوم 8 أكتوبر أصدرت القيادة الإسرائيلية أوامرها لقواتها بالانسحاب من مواقعها شرق القناة، وكانت خسائرها حتى يوم 9 أكتوبر 450 دبابة و120 طائرة طبقا لاعتراف جولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل.
تحديات اليوم وحاجتنا لروح أكتوبر لمواجهتها
إن التحديات الأمنية التي تواجهها مصر على الاصعدة المختلفة اليوم أخطر بكثير من تلك التي كنا نواجهها في حرب العاشر من رمضان / 6 أكتوبر، ففي حرب أكتوبر كان الشعب المصري كله موحدًا وراء قيادته السياسية وجيشه، كما كان العدو محددًا من حيث الهوية الإسرائيلية فقط، وأيضًا من حيث مكان المواجهة الذي كان منحصرًا في سيناء ومنطقة القناة، وكان جميع المصريون على قلب رجل واحد متمثلًا في قيادته السياسية، لهم وجهة واحدة هي هزيمة العدو الإسرائيلي واستعادة سيناء، حتى أن دفاتر أقسام الشرطة أثناء حرب أكتوبر لم تحرر جريمة واحدة، بل إن عتاة المجرمين في مدن الصعيد قدموا أنفسهم لأقسام الشرطة عارضين مساعدتهم حتى تنتهي الحرب. أما اليوم – فللأسف الشديد وبسبب جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها من أحزاب متأسلمة، قسّموا المجتمع المصري لأول مرة في تاريخه إلى قسمين أحدهما مسلمين في نظرهم هم التابعون لهذه الجماعات، أما باقي الشعب المصري – بما فيهم الاغلبية المسلمة – كفار لمجرد أنهم لا يتبعون هذه الجماعات، ومن ثم استحلوا حرماتهم من أرواح ودماء وأعراض وثروات، وكفَّروا ايضًا الدولة المصرية نفسها، بل وكانت جماعة الإخوان خلال السنة السوداء التي حكموا فيها مصر على استعداد للتفريط في أراضي مصرية – تشمل مساحة 750كم2 – في سيناء لصالح حركة حماس إخوانية الهوى، والتنازل عن حلايب وشلاتين لصالح نظام حكم البشير الإخواني في السودان، ومنطقة السلوم وحتى مطروح لصالح إخوان ليبيا، ناهيك عن التنازل لقطر لإدارة محور قناة السويس. كما تحالفت جماعة الإخوان الإرهابية مع عدائيات لمصر في الدائرة الإقليمية.. مثل إيران وتركيا، وكذلك عدائيات في الدائرة الدولية في أمريكا وأوربا، وصلت إلى حد تحريض الولايات المتحدة على قطع مساعداتها العسكرية (1.3 مليار دولار) عن مصر، وكذلك الأمر بالنسبة للدول الأوروبية، بل وبلغ حد الخيانة دعوة جماعة الإخوان للولايات المتحدة لانزال قواتها في مصر واحتلالها، وهو الأمر الذي ترتب عليه تدفق الارهابيين والسلاح والأموال والمؤامرات والتكليفات من الخارج لكوادر الإخوان في مصر لتفجير الموقف في الداخل أمام النظام الجديد الذي ولد عقب ثورة 30 يونيو، واختاره الشعب المصري بارادة حرة كاملة لكي يحكمه.
ويكفينا في هذا الصدد شهادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال: «لولا السيسي لواجهت مصر مصير أفغانستان والعراق وليبيا».
السيسي يستلهم في قراره روح أكتوبر
رغم أنه لم يشارك في حرب أكتوبر حيث لم يكن قد التحق بالجيش بعد، إلا أن السيسي طوال فترة عمله بالجيش كان حريصا على دراسة واستيعاب دروس وخبرات هذه الحرب، وكيف واجهت القيادات السياسية والعسكرية آنذاك المشاكل والصعوبات العديدة سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، وكيف تغلبت عليها بروح قبول التحدي والايمان بالله وبنصره لخير أجناد الأرض كما سمّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد الأخذ بكل أسباب التغلب على هذه المشاكل والصعوبات – وكانت أولى التحديات التي واجهت السيسي وهو وزير الدفاع، محاولات جماعة الإخوان الهيمنة على مفاصل الحكم في مصر، والزحف نحو الشرطة والجيش لاختراقهما، وقد واجه هذا التحدي بنفس الأسلوب الذي اتبعه السادات عندما حاول بالوسائل السياسية إقناع إسرائيل بالانسحاب من سيناء، فأظهر السيسي لقادة الإخوان خطورة سياساتهم وممارساتهم في أخونة أجهزة ومؤسسات الدولة، وحمى الجيش من محاولات اختراقه، وأعطاهم الفرصة تلو الفرصة للتجاوب مع مطالب الشعب الذي عبّر في أكثر من موقف وبأكثر من أسلوب ووسيلة رفضه لنظام حكم الإخوان ورئيسه، ولكنهم عندما تعنَّتوا، واستخفوا بتحذيراته السياسية وانذاراته، أقدم على اقتحام المشكلة عنوة، كما اقتحم الجيش في 6 أكتوبر القناة وخط بارليف عنوة، واعتقل قادة الإخوان وكوادرهم الرئيسية، وأعلن مع الرموز السياسية والدينية والثورية في الدولة خريطة المستقبل لعودة مصر إلى الطريق الديمقراطي الحقيقي والصحيح ونجح السيسي في تنفيذ خريطة المستقبل بوضع دستور جديد والاستفتاء عليه، ثم انتخاب رئيس جديد للدولة في ظل مناخ ديموقراطي شفاف شهد بنزاهتها جميع الهيئات والمؤسسات الدولية التي راقبت العملية الانتخابية. وكما نجح الجيش المصري في حرب أكتوبر في التصدي للهجمات المضادة التي شنتها القوات الإسرائيلية ضد الخمس رءوس كباري التي تم إنشائها شرق القناة، تصدى السيسي بواسطة قوات الشرطة ومن ورائها الجيش لمحاولات الإخوان إجراء اعتصامات وتظاهرات حاشدة في جميع أنحاء مصر، وأمكن لهم بفضل الله تصفيتها جميعا، واجهاض محاولات الإخوان إعادة عقارب الساعة إلى الفوضى الأمنية التي حلت بمصر عقب ثورة يناير، وأمكن لجهاز الشرطة أن يحافظ على توازنه رغم الضربات الشديدة التي وُجِّهت له من قبل جماعة الإخوان على كل صعيد مصر، ورغم الخسائر البشرية والمادية التي لحقت به، فقد استعاد المبادأة وبدأ في توجيه ضربات استباقية أجهضت العديد من المحاولات الإرهابية لجماعة الإخوان وحلفائها التي استهدفت تخريب مصر، وأن يحافظ على أمن وأمان الشعب المصري.
وعندما حاولت جماعة الإخوان تكرار ما تعودت عليه من مماسة الخيانة مع العدو الخارجي عبر تاريخها، فقد حاولت أيضًا بعد طردها من الحكم بفعل ثورة 30 يونيو أن تعتمد على القوى الاجنبية في المحيطين الاقليمي – مثل تركيا وإيران وقطر وحماس – والدولي – مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – للقضاء على ثورة 30 يونيو والنظام الجديد في مصر، واعادة الجماعة إلى حكم مصر من جديد، وذلك بالضغط من خلال إيقاف المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. وكما رفض السادات إبان حرب أكتوبر ضغوط الاتحاد السوفيتي وإمتناعه عن تلبية احتياجات مصر التسليحية عشية هذه الحرب، واعتمد الجيش على مصادر أخرى آنذاك لتلبية احتياجاته، بل وطرد المستشارين السوفييت في مصر عام 1972، واجه السيسي نفس تحدي قطع المساعدات الأمريكية والاوربية عن مصر بنفس الروح التي حركت السادات عام 1973، فقرر السيسي تنويع مصادر السلاح وعدم الاعتماد فقط على التسليح الأمريكي، وقام بزيارة روسيا وعقد مباحثات مباشرة مع الرئيس بوتين لتنفيذ صفقات أسلحة حديثة تحتاجها مصر للمحافظة على كفاءة قواتها المسلحة ومواجهة حرب الإرهاب، الأمر الذي شكل مفاجأة كبرى لواشنطن وحلفائها في أوروبا، وأجبرهم على إعادة ترتيب سياساتهم تجاه مصر.
وكما نجح السادات عشية حرب أكتوبر في إعادة التعاون والثقة والتلاحم مع أشقاء مصر في الدائرة العربية، وكانوا سندًا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا لمصر أثناء هذه الحرب، قام السيسي حتى من قبل توليه الرئاسة بدعم أواصر التعاون والتنسيق السياسي والأمني والاقتصادي مع الدول العربية الشقيقة – خاصة الخليجية – التي ساعدت مصر جديًا في حل مشكلاتها الاقتصادية خاصة اختناقات الوقود والغاز وتآكل احتياطي العملة الحرة، حيث أنشأت جسرًا بحريًا لامداد مصر بالوقود والغاز، كما قدمت لمصر مليارات الدولارات من المنح والقروض الميسرة الأمر الذي مكن مصر من اعادة بناء احتياطها من العملة الحرة مرة أخرى، وتمكينها من استيراد احتياجاتها الأساسية من الخارج، فضلًا عن الوفاء بالتزامات ديونها الخارجية في مواعيدها، بل وقام عاهل السعودية الملك عبدالله بدعوة دول العالم إلى مؤتمر دولي للمانحين – اعيد تسميته بعد ذلك ليكون للاستثمار والتنمية بأمل الحصول منه على 60 مليار دولار.
وعندما واجه السيسي بعد توليه الرئاسة عجز الميزانية الجديدة، وتفاقم الدين الداخلي والخارجي، وبنفس روح أكتوبر اقتحم المشاكل والعقبات وعدم ترحيلها. فرفض التصديق على الميزانية وواجه التحدي باقحام الشعب بكل فئاته في المشكلة، أولا من خلال توعيته بحجم المشكلة وابعادها وخطورتها، خاصة على الاجيال القادمة بفعل تفاقم الديون وفوائدها ثم باشراك كل المصريين في حلها بدءًا من رجال الأعمال والاثرياء وحتى عامة الشعب، وأعلن حتمية رفع الدعم تدريجيا والذي يستنزف حجما كبيرًا من الميزانية، ثم بدء بنفسه بالتنازل عن نصف راتبه وثروته، وأنشأ صندوقا خاصا للتبرعات من أجل مصر، واجتمع مع رجال الأعمال والصحافة والإعلام وطالبهم بالمشاركة في حملته لإنقاذ اقتصاد مصر، واستجاب له الكثيرون في الداخل والخارج، وشعر الجميع بأن الاقتصاد المصري بدء يستعيد عافيته، خاصة مع عودة السياحة، وتشغيل المصانع المعطلة، واستئناف المشروعات الإستراتيجية مثل تعمير سيناء وتوشكى وغيرهما، هذا بينما الحرب ضد الإرهاب ومنظماته دائرة على قدم وساق في جميع أنحاء مصر، والتي سعت إلى عرقلة المسيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسيسي، فلم يسمح السيسي للحرب الدائرة ضد الإرهاب أن تعرقل مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي التي انطلق فيها بقوة منذ اليوم التالي لتوليه السلطة.
وعندما حاولت بعض الفئات – مثل التجار والسائقين الجشعين – رفع الأسعار، تحدى السيسي ذلك ورفض الاستجابة لابتزازهم، ولجأ إلى استخدام ما ينتجه جهاز الخدمة الوطنية بالجيش من منتجات غذائية لتقديمها للشعب على نطاق واسع من خلال منافذ بيع بأسعار زهيدة، وأوتوبيسات الجيش لمواجهة إضراب السائقين، وكلف أجهزة الدولة بالاشراف على ضبط الأسعار في الأسواق، الأمر الذي أجبر التجار والسائقين على الالتزام بما وضعته الحكومة من أسعار.
وفي إطار تنفيذ مخطط متوسط المدى لنهوض بالبنية الأساسية، وإصلاح ما تهدم منها، بدء السيسي حتى من قبل توليه الرئاسة وأثناء توليه وزارة الدفاع بعدة مشروعات يساهم فيها الجيش، أبرزها إنشاء مليون مسكن خلال 5 سنوات بالتعاون مع دولة الإمارات، والقضاء على العشوائيات وبناء مدن سكنية جديدة بديلة عنها، إلى جانب المساعدة على حل مشكلة أبناء الشوارع بتجميعهم وتأهيلهم مهنيًا في معسكرات تحت إشراف الجيش. وبعد توليه الرئاسة أولى السيسي أهمية لبناء مدن جديدة ومنها عاصمة جديدة للدول على طريق مصر – السويس على مسافة 60 كم من السويس بدءًا من عام 2016، وعلى المدى القصير – وبجانب مشروع المليون مسكن – قرَّر بناء 10.000 وحدة سكنية لمتوسطي الدخل بمساحة 110م – 150م بجانب وحدات صغيرة والبدء فورًا في انشاء 14 طريقا جديدًا دفعة واحدة بطول 4000كم، مع اعطاء اهتمام للصعيد في مشروعات التنمية، واقامة محطات طاقة جديدة مع تنوع مصادر الطاقة لتشمل محطات للطاقة الشمسية والمائية وغيرها. والى جانب مشروعات البنية الأساسية والتي شملت الصرف الصحي ومياه الشرب، اهتم السيسي بتنفيذ مشروعات تهم المواطن وتحسن من حياته، وهو ما تمثل في المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. هذا إلى جانب قرارات بالحد الأدنى للأجور والأقصى للدخول، ورفع الضرائب على الاغنياء، وأيضا جار إعداد قوانين لرفع الضرائب على العقارات وعلى الدخول الطفيلية والريعية، ونقل السلع الغذائية في الأسواق من المنتج للمستهلك بعيدًا عن السماسرة والوسطاء.
وإدراكًا من السيسي لأهمية تحقيق الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء في الغذاء، أدلى السيسي وحكومته اهتماما باستصلاح الاراضي بدءًا باستصلاح مليون فدان من إجمالي 4 مليون فدان مستهدف استصلاحها، غلى جانب من شبكات المترو لتغطي كل احياء العاصمة، مع ربطها بالمدن الجديدة حول القاهرة بدءًا من مدينة 10 رمضان. وقد حرص السيسي على أن يكون صريحًا في أحاديثه ووعوده للشعب المصري، فصارحهم ولم يخف عليهم حقيقة مهمة وهي أن المصريين لن يشعروا بحقيقة جدوى وثمار كل هذه المشروعات إلا بعد عامين.
وفي خضم هذه المواجهات، أصر السيسي على إعادة هيكلة الدولة، وترميم ما خُرِّب منها في السنوات الماضية، وأن يعيد لها هيبتها، مع إعطاء اهتمام خاص للقضاء على الفساد الذي استشرى في مؤسساتها، بنفس روح القضاء على الإرهاب. وذلك من خلال تفعيل تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية، واستبعاد العناصر الفاسدة، ومحاكمة الفاسدين وعدم التستر عليهم ايا كانت مواقعهم. هذا مع المحافظة على استقلالية القضاء وعدم التدخل في أحكامه رغم الضغوط الخارجية والداخلية والحرص على سرعة الفصل في القضايا لتحقيق مبدأ العدالة الناجزة، إلى جانب القضاء على روح التسيب والإهمال في الجهاز الحكومي، واعادة الانضباط اليه والى الشارع المصري، مع اعطاء الاسوة والقدوة بنفسه عندما بدء العمل من السابعة صباحا، ومعه رئيس الحكومة والوزراء، والتواجد دائما في الشارع لحل مشاكل الجماهير، والوقوف على واقع المشاكل في كل مرافق الدولة والعمل على حلها على الأرض وليس في المكاتب، وهكذا اختار السيسي وحكومته منهج المواجهة المباشرة للمشكلات بدلًا من منهج التأجيل القاتل للاجيال المقبلة. فقد اختار السيسي وحكومته إجراء الجراحة بدلا من اعطاء المسكنات للمشاكل، خاصة للاقتصاد المصري المريض، وقد احتاج هذا الاختبار الصعب من جانب السياسي أن يضع خطط علمية وواقعية قصيرة وطويلة الامد للإصلاح، والاستفادة من العقول والخبرات المصرية المبعثرة في الخارج وتستفيد منها الدول الاخرى وليس مصر.
وفي خضم مواجهة هذه المشكلات لم يغفل السيسي عن مواجهة مشكلات أمنية وسياسية حيوية، مثل مشكلة سد النهضة في إثيوبيا، حيث لم يتردد في الاجتماع برئيس إثيوبيا على هامش مؤتمر الوحدة الأفريقية، وبحث معه المشكلة بعمق واتفقا على ضرورة حلها من خلال المفاوضات الثلاثية مع السودان بما يحقق لمصر الحصول على حاجتها من المياه، ومصلحة إثيوبيا في الحصول على الطاقة، وكان لنجاح النظام الجديد في مصر في الحرب على الإرهاب، ودعم الدول العربية له، الاثر في إستعادة مصر لدورها الرائد في أفريقيا بعد أن سعت جماعة الإخوان الخائنة إلى عزلها إفريقيا – كما قام السيسي بزيارة الجزائر مستعيدًا العلاقات الطيبة القديمة بين البلدين، مما كان له أثر في تلبية الجزائر لمطالب مصر من الغاز. وبنفس الروح قام السيسي بزيارة السودان لتأكيد حاجة البلدين للتعاون الوثيق في المجالات الأمنية والمائية والاقتصادية، رغم إدراكه أن نظام البشير نظام إخواني، ولكن كانت زيارته للخرطوم بمثابة اعادة الوعي لنظام البشير بخطورة تحدي الارادة المصرية الرافضة لجماعة الإخوان، وخطورة استمرار نظام البشير في دعم هذه الجماعة والاستجابة لمخططات تنظيمها الدولي.
رؤية تحليلية
عندما لخص الرئيس السيسي في لقائه الأخير مع رؤساء تحرير الصحف المصرية الموقف السياسي في مصر بأننا في حرب داعيا إياهم وكل طوائف الشعب إلى مساندته، قائلًا "اعينوني بقوة" إنما كان يعني التأكيد على حقيقة أن مصر تخوض أكثر من حرب وعلى أكثر من جبهة في الداخل والخراج وفي وقت واحد، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ المصري كله، وحتى الدول المجاورة لمصر في المنطقة، فانها تخوض حربا محدودة ضد عدو واحد ومحدد، ولكن نحن في مصر نواجه حروبا ضروسة في الداخل والخارج تشكل إستباحة كاملة لا يمكن تصورها. ففي الداخل تخوض مصر حروبا ضد جماعة الإخوان الإرهابية والقاعدة وداعش وأنصار بيت المقدس وأجناد الأرض والبلطجية، أما على حدود مصر الخارجية فهناك فلتان أمني وتهريب أسلحة وذخائر وأموال على الحدود مع السودان وغزة وليبيا فوق الارض وتحت الارض ومن البحر، ناهيك عن الدعم القطري والتركي الذي يُقدم بلا حدود لجماعة الإخوان وحلفائها، من أجل إعادة هذه الجماعة للحكم أو إشراكها فيه بإدماجها في الحياة السياسية مجددًا، وذلك رغم كل حوادث العنف والإرهاب التي تورطوا في إرتكابها – هذا بخلاف المؤامرات الإسرائيلية – الأمريكية لانهاك مصر وادخالها في دوامة الفوضى والأزمات الاقتصادية، ناهيك عن إثيوبيا وسد النهضة.. وباختصار فإن أعداء مصر الكثيرين في الداخل والخارج متحفزون، وهذا جزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش عام 2003 لاعادة تقسيم المنطقة على اسس عرقية وطائفية وقبلية، من خلال اساليب الفوضى الخلاقة، ووسيلة أمريكا في ذلك الاعتماد على جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها من التنظيمات الدينية المتطرفة، ورغم نجاح مصر بفضل الله بعد ثورة 30 يونيو في تفشيل هذا المخطط، إلا إن اصحابه ومنفذوه مستمرون فيه بهدف أولى ومباشر وهو كسر الارادة المصرية التي تعوق تحقيق هذا المشروع.
وإذا كان السيسي قد اعتبر نفسه مستدعى لمهمة وطنية أشبه بالحرب، جعلته يترفع عن بعض الأمور التي تعتبر من اساسيات العمل السياسي في الدولة، معلنا أنه لا يسعى إلى مكسب سياسي، أو المحافظة على رصيده الشعبي خوفا من التآكل، أو تسجيل بطولات وهمية. فهذا أبعد ما يكون عن أهدافه وآماله، خاصة الطبقات الفقيرة المعوزة منه التي لم تحصل على الحد الأدنى من حقوقها المشروعة في العيش الكريم لسنوات طويلة ماضية، مراعيا في كل سلوكه إرضاء الله ورسوله أولا والشعب المصري ثانيا، لذلك يحرص السيسي على مخاطبة الرأي العام من آن لآخر، ليس فقط من أجل إعلامه بأبعاد الموقف الصعب الذي تواجهه مصر، بل ليطالب الشعب بكل فئاته وطوائفه أن يتحملوا المسئولية معه، ويشاركوه ويعينونه بقوة على تحمل المسئوليات الجسام الملقاة على عاتقه، كل على قدر طاقته. لذلك عندما طالب رجال الأعمال بالتبرع بمائة مليار دولار من أجل صندوق دعم الاقتصاد المصري، لم يكن ذلك خارج طاقتهم بعد كل ما حققوه من مكاسب مادية طوال السنوات الماضية بفضل ما حصلوا عليه من الوطن من أموال وأراضي وتسهيلات، وأنه آن الأوان ليردوا جزءًا من جميل الوطن عليهم، ولكن للاسف لم يقدم رجال الأعمال لمصر سوى خمسة مليارات جنيه فقط لا تشكل سوى نصف بالمائة من المبلغ المطلوب، هذا رغم أن السيسي طمأنهم بأن لا عودة لسياسة التأميم والقطاع العام، وأن المجال مفتوح أمام القطاع الخاص واستئناف أنشطته الاستثمارية، وأن المجالات كثيرة والفرص متعددة لذلك، بل إن بيانات وزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات تشير إلى أن كثيرًا من رجال الأعمال لم يسددوا الضرائب المستحقة عليهم والتي تقدر ما بين 70 – 100 مليار جنيه وبما يشكل خذلانا لدعوة السيسي ولآمال الشعب المصري، والسؤال اليوم على لسان كل مواطن هجر: إذا لم يساهم رجال الأعمال في إنقاذ سفينة الوطن الآن فمتى يتحركون؟!
وقد حقق السيسي هذه الإنجازات المشرفة – بفضل الله – خلال شهر ونصف من رئاسته، وبفضل ثقة وحب المصريين له، وهذا ما جعل المصريين يقبلون بتقديم تضحيات في مجال إزالة الدعم عن الطاقة ورفع أسعار السلع، لانهم يجدون في السيسي الاسوة والقدوة الحسنة، والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة التي تتفق ومصالحهم، ولذلك فإن طموحات المصريين في السيسي لا تنتهي، ولكن يجب أن نعترف بضعف التسويق السياسي والإعلامي لما حققه السيسي وحكومته من إنجازات خلال هذه الفترة القصيرة منذ تنصيبه. ولذلك فإن الأمر يلزم ضرورة اتخاذ إجراءات موسعة تحافظ على الصورة الذهنية للرئيس عند شعبه، خاصة بعد أن اقتحم السيسي (عش الدبابير) الذي يضم المفسدين ومحترفي جمع المال الحرام والمتاجرين بأقوات الشعب والغشاشين والمدلسين، ناهيك عن الارهابيين والمتاجرين بالدين والدم ومؤيديهم وداعميهم في الداخل والخارج. وتشمل هذه الإجراءات القضاء على حالة السيولة في الشارع والتي تحتاج إلى حوار مستمر بين الرئيس أو من يمثله والناس بصفة مستمرة لدعم توجهات مؤيديه والرد على الشائعات والمتربصين، وصياغة منظومة وعي جديدة، لأن هذا هو السلاح الاهم في المرحلة الحالية لمواجهة مؤامرات الداخل والخارج وتربص ومؤامرات الحاقدين والانهزاميين والمُحبطين، وإذا كانت حرب أكتوبر 73 أثبتت وأكدت أيضًا أن المصريين صاروا أكثر وعيًا وإدراكًا بحقائق الأمور، بل هم خط الدفاع الأول عن الدولة، ولكنهم يحتاجون دوما لمن يروون عطشهم بالمعلومات الحقيقية والايجابيات ويعطهم الامل دائمًا في غد مشرق، وألا يتركونهم فريسة للتشويش والأكاذيب، وهذه المسئولية الأولى لوسائل الإعلام والثقافة والنخبة السياسية تجاه مصر وشعبها.
وإذا كنا بصدد الحديث عن الرئيس السيسي وانجازاته، فإنها ينبغي علينا ألا نغفل دور الخلفية التي جاء منها السيسي وهي المؤسسة العسكرية، والتي كان لها دور وتأثير كبير في صياغة شخصية السسي وثقافته السياسية والأمنية، فضلا عما قام به الجيش المصري من دور فاعل ومشرف منذ ثورة يناير ثم عقب ثورة 30 يونيو وحتى اليوم من أجل الحفاظ على مصالح المصريين وحماية حرماتهم في مواجهة الإرهاب الغاشم، فضلا عن تسهيل حياة المصريين وازالة المعوقات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تعيق نهوض مصر من كبوتها، خاصة أن أعداء مصر في الداخل والخارج سعوا إلى تشويه صورة الجيش المصري في أذهان المصريين ولكن شعب مصر كما كان سندًا لجيشه في حرب أكتوبر 73، فقد أثبت هذا الشعب العظيم مساندته لجيشه أيضا بعد ثورة 30 يونيو وكان التفاعل الكيماوي بينهم عظيما ومستمرًا، وكان للسيسي نفسه دور وخطة لتحسين صورة الجيش لدى الرأي العام منذ توليه وزارة الدفاع وحتى اليوم، وهو ما يفرض بالتالي على وسائل الإعلام تعظيم صورة الجيش وابراز إنجازاته في كل مجالات العمل الأمني والاقتصادي والاجتماعي، وان كان الجيش ليس في حاجة لدعاية أو ترويج بما يقدمه من خدمات شعبية في حين يقتصر دور جيوش الدول الأخرى على النطاق العسكري والجبهة الخارجية فقط، إلا إن الجيش المصري يعتقد أن ما يقدمه من خدمات عامة للشعب هو من صميم واجباته إلا إن متطلبات الأمن القومي تفرض على المؤسسات السياسية والإعلامية والثقافية توثيق ودعم العلاقات بين المصريين وجيشهم، بل أن ذلك من صميم متطلبات الأمن القومي الشامل.