الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سجن النسا.. عمل فني جميل لولا المط والتطويل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من وسط كم كبير من المسلسلات الدرامية التى تتصف بالرمضانية جاء مسلسل (سجن النسا) فى المقدمة، لما يتمتع به من توفر الإجادة والإجتهاد والجدية فى معظم عناصره الفنية .. ولكونه حظى بعدد كبير من صانعيه ممن يتسمون بالتميز فى أغلب ماقدموه من قبل فى اعمالهم – كل فى تخصصه –

** والمسلسل مأخوذ عن مسرحية ( سجن النساء) للكاتبة القديرة ( فتحية العسال) رحمها الله، وهى مسرحية مستوحاة من تجربتها وهى فى محبوسة لرفضها إتفاقية كامب ديفيد مع العدو الصهيوني، وقامت بكتابتها داخل السجن.. وقد عرضت المسرحية على خشبة المسرح القومى واخرجها عادل هاشم وقامت ببطولتها الفنانة ماجدة الخطيب..

** والمسلسل من بطولة الرائعة المتميزة الفنانة ( نيللى كريم).. هذه الممثلة التى تثبت يوما بعد يوم ومع كل عمل جديد مدى تمتعها بقدرات وامكانيات وموهبة فريدة وعالية تميزها عن الكثيرات من ممثلات جيلها.. فهى ممثلة ذات ملامح هادئة طيبة جميلة ، لكنها لم تقع فريسة لملامحها هذه لتحصرها فى نمط معين ومحدد من الأدوار.. لكنها استطاعت تطويع ملامحها لتكون أدوات وعوامل مساعدة لها فى النجاح فى تقديم ( الشخصية) التى تقدمها مهما كانت بعيدة..
واعترف أننى فى بداية المسلسل أدهشنى اختيار المخرجة كاملة أبوذكرى لنيللى كريم لتلعب دور سجانه، لما فى الأذهان من صورة نمطية للسجانة القاسية الملامح، القبيحة الوجه، الضخمة فى بنايانها الجسمانى.. ونيللي كريم عكس ذلك تماما..
ثم واذا بنيللي تفاجئنى وتدهشنى وتسعدني وهى الممثلة الجميلة ذات الملامح الرقيقة الطيبة والجسد الصغير الرهيف والصوت الهادئ، اذا بها ورغم عن هذا تؤدى دور السجانة بشكل متميز ومقنع اكثر من السجانات الاخريات الموجودات معها فى المسلسل واللائي تم اختيارهن بمقاييس الصورة النمطية للسجانات وتتفوق عليهن جميعا..

ومن قبل تفوقت ( نيللي كريم ) تفوقا كبيرا وهى تلعب شخصية ذات فى مسلسل ( ذات) المأخوذ عن رواية( بنت إسمها ذات ) للكاتب الكبير ( صنع الله ابراهيم )..
لكن نيللي كريم فى سجن النسا فى شخصية ( غالية ) تفوقت على نفسها فى كل السابق لها من أدوار، تفوقت وأجادت وهى تتنقل فى نفس الشخصية الواحدة (غالية) بين الابنة التى فقدت أمها واضطرت أن تعمل سجانة، كأمها حتى لاتفقد السكن.. ثم هى نفسها الفتاة التى تحب وتعرف جيدا عيوب وبشاعة نفس وأخلاق حبيبها لكنها تستمر تحبه وتضحى من أجله.. ثم تجد نفسها فى لحظة متهمة بالقتل..
وفى مشهد يعد من أبرع وأروع ماقدم فى هذا السياق فى تاريخ المسلسلات تواجه نيللي كريم تهمة القتل بشكل جديد عما عاهدناه من قبل.. فلا صراخ ولا عويل ولا بكاء هيستيري.. بل دموع منسالة فى صمت من عينين جميلتين مذعورتين مذهولتين حزينتين، وتعبيرات وجه هى مزيج من الم ووجع من خيانة الحبيب وخيانة الصديقة، ومن صدمة وهلع واستسلام تام للقدر..
كل هذا يتم بصمت وهدوء ودون كلمات لتصبح التعبيرات هى الكلمة المتحدثة بكل براعة وتمكن من نيللى القديرة..
ثم هى نفسها السجينة والمحكوم عليها بالحبس فى جريمة لم ترتكبها والتى تحمل جنينا فى داخلها ، ثم طفلا تعرف جيدا انها سوف تحرم منه بمجرد أن يصل إلى السنتين من عمره كما تقول قوانين السجن التى لاترحم أما ولاطفلا !!

** ( برافوو) أكثر من مرة لنيللى كريم.. حقا لقد صنعتى لنفسك طريقا مختلفا ووصلتى الى القمة بلامنازع بين ممثلات جيلك.. وحقا انك بهذا الدور قد خرجتى بنفسك تماما من ( حدوتة ) الممثلات اللائى يعتمدن على المكياج الصارخ وتسريحات الشعر المزعجة للعين، وعلى الملابس المبالغ فيها والبعيدة عن الطبيعية فى الشخصية، وعلى ( عوجة ) اللسان فى الحديث بلهجتهن المصرية ( المستحدثة) ..
انت بقدراتك فقط اجدت وتفوقت.. بلا مكياج، بل على العكس لقد تعمد المكياج اخفاء معظم جمال ملامحك ( لكنك ظللت جميلة ).. وتفوقت بملابس ثابتة – تقريبا - لسجانة ثم سجينة وبنطق سليم طبيعى للهجتك المصرية الطبيعية..

** وبالطبع تضافرا القدرات والتمكن الكبير لنيللي كريم مع وجود مخرجة متميزة هى ( كاملة أبو ذكرى )..

و( كاملة أبو ذكرى) مخرجة صاحبة بصمات متميزة ولافتة فى السنيما المصرية منها على سبيل المثال لاالحصر فيلم ( واحد صفر) الفيلم الحاصد لأكثر من 40 جائزة ، ومنها فيلم ( ملك وكتابة )..
لكننا هنا أمام مخرجة سنيما اختارت أن تكون مخرجة لعمل تلفزيونى مأخوذ عن نص مسرحي .. وهنا يكون حجم التحدى كبيرا.. ونجحت كاملة أبو ذكرى تماما كمخرجة فى هذا التحدى.. نجحت منذ البداية وهى تختار ممثليها..
وتكون مفاجأة كاملة ابوذكرى لنا وهى تقدم ممثلين شاهدناهم من قبل وكأننا لم نرهم ابدا .. فممثلة مثل (سلوى عثمان) وهى ممثلة تمثل منذ سنوات طوال ، لكن احد لم يكتشفها كما فعلت كاملة ابو ذكرى التى جعلت من سلوى عثمان بطلة فى دور ليس هو بالبطولة لكنه اصبح بطولة، بتعاون جميل تمثل فى قيادة وتوجيهات من كاملة أبو ذكرى، مع حرفية وقدرات وطاقات جاءت مفاجئة من سلوى عثمان، ولم نرها فى سلوى من قبل، فأتت كاملة واخرجتها وفجرتها من داخل سلوى ..
وقدمت لنا سلوى أداء رائعا فى دور سيعيد اكتشاف سلوى عثمان ويعد خطوة جديدة على طريق جديد مختلف لها..

وكما نجحت كاملة فى تفجير الطاقات والقدرات المدفونة لدى الممثلين القدامى فعلت كاملة نفس الشئ ونجحت فيه بجدارة مع الممثلين الجدد او غير المعروفين.. فقدمت كاملة ابوذكرى هذه المخرجة التى تكد وتبحث وتأخذ كل شئ بجدية، مجموعة من الممثلين غير المعروفين فجعلت منهم نجوما.. كما الممثلة ليلى عز العرب السجينة فى قضية اموال عامة والتى تنطق العربية ( مكسر ) وتخلط الكلمات الانجليزية فى حديثها، والممثلة ماجدة منير التى قامت بدور والدة درة، هذه الممثلة الغير معروفة ابدعت فى دورها .. ونسرين امين التى قامت بدور السجينة زينات التى كانت تقوم بتجميل وتزيين السجينات هى ممثلة واعدة تتميز بأسلوب اداء طبيعى سلسل.. والممثل احمد داوود فى دور صابر، ودنيا ماهر فى دور حياة كانت بارعة، والممثلة المعروفة حنان يوسف ولكن فى، كذلك الفنان سعيد الصالح فى دور الحاج راضي اكتشاف جديد لكاملة أبو ذكرى .. وغير هؤلاء عدد كبير اخر من ممثلين التقطت وفجرت كاملة أبو ذكرى المدفون داخلهم من قدرات وموهبة وفجرتها واستطاعت فعلا أن تمتعنا باكتشفاتها وأن تجعلنا نرفع لها كمخرجة القبعة..


** ثم نأت إلى الممثلة القديرة (سلوى خطاب) وهى قديرة بالفعل، وأن كانت أمتعتنا بأدائها المتميز فى العديد من أدوراها السينمائية والتلفزيونية السابقة، إلا أن تاجرة المخدرات سلوى خطاب فى سجن النسا، تفوقت على نفسها فى تقديم شخصية ذات ابعاد انسانية مختلفة ومتناقضة، ونجحت أن تجعلنا نحن المتلقين نصدق أن هذه الأبعاد المتناقضة فى الشخصية ممكن أن تجتمع سويا.. فتاجرة المخدرات هى نفسها الإنسانة التى تتمتع بقدر عال من الإنسانية الطيبة، وهى الزوجة العاشقة لزوجها الى درجة
( شيل ) التهمة عنه والسجن بدلا منه وليس إجبارا او اضطرارا – كما المعتاد - ولكنه العشق جعلها ترتضى الحبس بدلا عنه.. وهى ايضا تاجرة المخدرات خفيفة الظل التى لاتغفل الانثى داخلها ، وليست القاسية المتجهمة الغليظة الصوت..
جعلتنا البارعة (سلوى خطاب) نصدقها فى كل ابعاد الشخصية بمختلف تناقضاتها، وفرحنا بسلوى خطاب فى دور صعب فى تركيبته، وسعدنا بها فى دور جديد مميز ناجح يضاف إلى نجاحات وتميز سابق لها..

** وعن الموسيقى المصاحبة فى العمل لأجد من الكلمات مايتناسب مع جمالها وامتياز اختيارها.. أقول فقط أن الموسيقى جاءت مبهرة مبهرة..

** تصميم التيتر جاء جميلا جديدا.. بالصورة الخلفية الباهتة التى جاءت قرأتى لها: انها تعبير عن عالم السجن المهمش الباهت بكل مافيه من احداث لايشعر بها سوى اصحاب عالم السجن، وفى الخلفية تبدو حشرات صغيرة تطير هنا وهناك، أو كأنها حشرات زاحفة تزحف وتقفز بعشوائية، خوفا أو فى محاولة ايجاد مكان ما وسط عالم يأخذ منهم موقفا لمجرد انهم اصحاب سوابق .. ثم هذه النبتة الوارفة فى وسط الصورة والتى كأنها تقول، إنه ووسط الحبس والظلم والقهر وعالم الجريمة ورغم التهميش والمهمشين إلا أن الأمل فى الحياة يظل باقيا..

** ثم نأت إلى أهم عناصر العمل الدرامى وهو عنصر السيناريو والحوار.. ورغم أن الحوار لكاتبة حوار متميزة فى اعمال سابقة وهى (مريم ناعوم) إلا أنها كانت النقطة السلبية البارزة فى العمل..
فمريم ورغم تميزها السابق وقعت فى فخ يعرف انه الفخ القاتل لأى عمل درامى.. وهو المط والتطويل واقحام شخصيات بلامبرر درامى لخلق مساحة زمنية اطول بأى شكل حتى لو جاء هذا على حساب العمل!!..
أيضا من الأمور القاتلة لأى عمل درامى أن يصنع مؤلف الحوار ما يسمى بالقماشة الدرامية الطويلة ( كأنها أمتار) لأحد نجوم العمل أو لأكثر من نجم، والأمتار هنا تكون فى شكل حلقات زائدة تتسم بالملل والإعادة والتكرار فى المشاهد والاحداث، مكررة فيها نفس الشخوص متكرر فيها نفس العبارات والجمل الحوارية الممطوطة فى مشاهد مملة ممجوجة..
وهذا مافعلته مريم من اجل الممثلة (درة) التى صنعت لها تسعة حلقات بالتمام والكمال مكدسة بمشاهد وهى داخل الكباريه مع بنات خالتها (بنات الليل) والرجلين - نفس الرجلين - والجميع لايفعلون شيئا سوى (عب) الخمر والقاء النكات السخيفة الثقيلة الظل ، والضحكات الفجة المصطنعة.. كل هذا حتى تعطى للمثلة درة مساحة درامية مقحمة - قبل دخولها السجن - مساحة ليس لها اى اهمية للعمل وعدم وجودها لن يخل به.. بل العكس فإن هذه الاطالة والمط جاء على حساب العمل سلبيا بشكل واضح..
نفس الشئ ينطبق على شخصية الخادمة التى تقوم بأدائها ( روبي ) – ولابد من القول ان روبي ادت الشخصية بشكل جيد يتناسب مع الشخصية كما هى مكتوبة –
وان كنت لاافهم وحتى الآن ماهى ضرورة وجود شخصية الخادمة من الأساس؟! وبماذ يضيف الى العمل الدرامى هذه الأسرة الأولى التى عملت كخادمة لديهم، والتى لم يكن لها اى مبرر درامى من الاصل ؟! .. إلا إذا كان لمجرد اعطاء مجموعة ممثلين ادوارا تمثيلية والسلام ( الزوجة الثرية وزوجها الثري وشلة أصدقائهم).. ثم وفجأة ينتهى وجود هذه الاسرة وتنتقل روبي لاسرة مختلفة.. وكلتا الأسرتين تتسمان بالغرابة والفجاجة سواء فى التغرب أو فى التبسط !!..
** هذا اسمه حشو !!
ولاحجة لمريم ناعوم فى أن العمل مأخوذ عن مسرحية ، وطبيعة الدراما المسرحي تختلف عن الأعمال الدرامية أو التلفزيونية.. حيث الدراما المسرحية محدودة الشخوص وتتسم بوحدة الزمان والمكان، وأنها اضطرت الى خلق شخوص جديدة والى إضافة احداث لم تكن فى المسرحية لطبيعة العمل التلفزيوني.. فهنا سيكون الرد على حجتها بأن الإطالة والمط يختلف عن إضافة الشخوص والأحداث، كما أن الشخوص التى تضاف لابد أن يكون لوجودها المبرر الدرامى وإلا أصبح الأمر اقحاما و نقطة ضعف جسيمة تضر بالعمل مهما كان متميزا.. وليست القضية قضية ابراز أن هناك ظاهرة تحرش للسيدات فى المواصلات العامة ويدفعهن الخوف والخجل للصمت والاستسلام.. وأن هناك نساء نشالات محترفات يقمن بإعالة ازواجهن المتنطعين.. وأن هناك مجتمعا ثريا متغرب لايعرف سوى السهر والسكر.. يقابله مجتمع فقير لايجد الحل الا فى احتراف الدعارة طمعا فى الثراء .. وأن الأم والأب يقومان بإدارة شئون بناتهما
( الدعارية).. أنه حشو زائد لكل سلبيات المجتمع يامريم صعب لكل هذا الكم وضعه فى عمل واحد..!!
كما أنه ليس فرضا ولاهو قانونا أن يكون العمل التلفزيونى من 30 حلقة، وكان يمكن الإكتفاء بـ 15 حلقة بدلا من هذا المط والتطويل فى الحوار والملل والرتابة فى السيناريو فى عمل فى مجمله جميلا ومميزا.. وعن نفسي أقيمه بأنه العمل الافضل وسط زحمة الاعمال الدرامية الرمضانية لهذا العام، التى فيها الطالح اكثر من الصالح..
** وتحية للعمل ولصناعة كل بقدر أدائه وجهده ..

** ملاحظة (خارج السياق):
ليت قانون السجن الخاص بحضانة الامهات السجينات لاطفالهن يتم تعديله.. ويترك الطفل مع امه حتى 4 سنوات.. مع مافي هذا من تحفظات بشأن ( بيئة السجن) التى سيعيش فيها الطفل.. ولكن لهذا حلول ممكن أن تناقش ..