الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مانديلا.. رمز النضال والعفو

مانديلا.. رمز النضال
مانديلا.. رمز النضال والعفو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ذكرى المناضل العظيم

يحتفل العالم اليوم 18 يوليو، باليوم الدولي لـ"نيلسون مانديلا" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني من نوفمبر عام 2009 اعترافا بإسهاماته في تحقيق السلام والحرية في العالم وهو يوافق أيضا ذكرى ميلاده.
ويأتي الاحتفال هذا العام وقد رحل هذا الزعيم منذ عدة أشهر حيث بكته الإنسانية كلها، لقد كان نسخة فريدة لم تتكرر كثيرا في تاريخ البشر، فإذا كان الرؤساء يحلمون بالزعامة ولكن الزعماء لا تعنيهم الرئاسة هذا ما أكده الزعيم نيلسون مانديلا.. فقد ترك رئاسة جنوب أفريقيا باختياره بعد فترة رئاسة واحدة من عام 1994 وحتى 1999، رافضًا الاستمرار وتاركًا لأجيال أخرى أحق بأن تحكم، ولكنه ظل زعيمًا حقيقيًا لبلاده وللعالم كرجل عاش من أجل مبادئ الحب والتسامح والحرية والكرامة والديمقراطية.

مولد مانديلا وطفولته

ولد مانديلا في 18 يوليو 1918، في قرية مفيتزو بمقاطعة أوماتاتا، بإقليم ترانسكاي في جنوب أفريقيا سمي "روليهلاهلا"، والذي يعني "نازع الأغصان من الشجر" أو بالعامية "المشاكس"، وفي السنوات اللاحقة أصبح يعرف باسم عشيرته، ماديبا أحد أجداده من جهة والده، نجوبنجوكا، كان حاكمًا لشعب "تيمبو" في أراضي ترانسكاي بمقاطعة كيب الشرقية الحديثة في جنوب أفريقيا هذا الملك، كان له ابن اسمه "مانديلا" هو جد نيلسون ومصدر لقبه لأن مانديلا لم يكن سوى طفل الملك من زوجة من عشيرة أكزيبا، أو ما يسمى بـ "الفرع الأيسر"، فكان غير مؤهلًا ليرث العرش ولكنه أعتبر مستشار الورثة الملكيين ومع ذلك، كان والده، غادلا هنري مفاكانيسوا، زعيمًا محليًا ومستشارًا للملك، تم تعيينه في المنصب في عام 1915، بعد أن اتهم مجلس حكام أبيض سلفه بالفساد في عام 1926، أقيل غادلا أيضًا من منصبه بتهمة الفساد، قيل لنيلسون إنه فقد وظيفته بسبب وقوفه ضده في مطالب المجلس غير المعقولة، كان محب للإله "كاماتا"، كان "غادلا" متزوج من أربع نسوة، ولديه 4 أولاد و9 بنات، يعيشون في قرى مختلفة، وكانت والدة نيلسون "نوسيكا فاني" الزوجة الثالثة، وهي ابنة "انكيداما" الفرع الأيمن وعضوة في أمامبفو عشيرة كوسا.

السنوات الأولى في حياة مانديلا

في سنواته الأولى، هيمنت على حياته "العادات والطقوس والمحرمات" شب مانديلا مع اثنين من إخوته في مسكن والدته بقرية، وكان يرعى قطعان الماشية صبي ويمضي معظم الوقت في الخارج مع أولاد آخرين كان والداه أميين، ولكن والدته التي اعتنقت المسيحية أرسلته إلى المدرسة الميثودية المحلية وهو بعمر سبع سنوات، عمد كميثودي، وأعطى معلم مانديلا به اسما إنجليزيا هو "نيلسون" كاسم أول عندما كان مانديلا في التاسعة من عمره، قدم أبوه للعيش معهم في كونو، حيث توفي بمرض لم يشخص، ويعتقد مانديلا أنه من أمراض الرئة قال في وقت لاحق إنه ورث من والده "التمرد بفخر" و"إحساس عنيد بالعدالة".

مانديلا المتدين
كان مانديلا يتردد على الكنيسة كل يوم أحد مع الأوصياء، حتى أصبحت للمسيحية مكانة خاصة في حياته، التحق بمدرسة البعثة الميثودية الواقعة بجانب القصر، حيث درس اللغة الإنجليزية وكوسا والتاريخ والجغرافيا فأحب التاريخ الأفريقي، من خلال استماعه إلى حكايات الزوار المسنين إلى القصر، وتأثر بالخطاب المعادي للإمبريالية، الزعيم وفي وقتها كان يعتبر المستعمرين الأوروبيين محسنين، وليسوا ظالمين، بعمر 16 سنة، سافر مع جستيس والعديد من الأولاد الآخرين إلى تايهالارها للخضوع لطقوس الختان وهو رمز لانتقالهم من الطفولة إلى الرجولة، وبعد اتمام الطقوس، سمي بـ"داليبهونجا".

رحلة النضال

لقد تمثلت المعجزة التي حققها مانديلا في أن نقل بلاده إلى عصر الحرية، والمساواة بطريقة ديمقراطية سليمة، بينما كانت جنوب أفريقيا مرشحة، وبقوة للدخول في نفقٍ مظلم من الحرب الأهلية وبحور من الدم والعنف والخراب.
كما تجسدت بطولة مانديلا في تحويل بلده لمجتمع يقوم على التفرقة العنصرية، وأسوأ درجات العبودية وإزهاق الكرامة الإنسانية إلى مجتمع حر يسود فيه الاحترام بين الجميع ويتمتع الأسود والأبيض معًا بحقوق وواجبات متساوية.
وقال عنه المراقبون: "يصعب اختيار إنجازات مانديلا ومساهماته في النضال من أجل الحرية إنه رمز التواضع وإنكار الذات"، لقد كان مانديلا مناضلا من أجل الحرية، وسجينًا وسياسيًا ومحاميًا وصانعًا للسلام ورئيسًا لجنوب أفريقيا، وإذا قال فعل ولا بد أن يصدقه الأخرون".
كما حياة نيلسون مانديلا، الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1993، ملحمة من ملاحم النضال في القرن العشرين ونموذج حي لقوة الإرادة والتصميم، أمضى أكثر من ربع قرن من الزمان في سجون التمييز العنصري ولكنه لم ينكسر ولم يتراجع لأنه يؤمن بقضية كرس لها عمره، وظل مدافعًا عن حرية شعب وليس حرية مواطن، ورغم العروض التي تلقاها من السلطات المستبدة للإفراج عنه مقابل أن يدين المقاومة المسلحة ضد البيض فإنه رفضها جميعًا، مؤكدًا أنه يطالب بحرية شعبه وليس الإفراج عنه.

مانديلا الأسطورة
حصل مانديلا على ليسانس الحقوق بعد فترة دراسية مضطربة وعمل محاميًا وحين مارس المحاماة وقرأ القضايا والمرافعات والأحكام وازداد إحساس المرارة لديه أمام ألوان الظلم والقهر والاستبداد التي تعرض لها السود في جنوب أفريقيا أمام التمييز العنصري البغيض.
ولهذا انضم مانديلا إلى حزب المجلس الوطني الأفريقي المعارض للتمييز العنصري ولعب دورًا حاسمًا في تحويل الحزب إلى حركة جماهيرية شاملة لمختلف فئات السود.
وفي عام 1952 بدأ الحزب ما عرف بحملة التحدي، وكان مانديلا مشرفًا عليها ودعا الناس إلى مقاومة قوانين التمييز العنصري فصدر حكم بالسجن ضده مع وقف التنفيذ ومنعته الحكومة من مغادرة جوهانسبرج وأمضى تلك الفترة في إعداد خطة حولت فروع الحزب إلى خلايا للمقاومة السرية.

رحلة خلف الأسوار

في عام 1961 تم القبض على مانديلا بتهمة مغادرة البلاد بطريقة غير قانونية إلى الجزائر لترتيب دورات تدريبية لأفراد الجناح العسكري في الحزب وبدأت أطول رحلة في السجون قضاها مانديلا في سجن جزيرة روبن، وتولى الدفاع عن نفسه ومن كلماته المأثورة يقول: "أثناء محاكمتي دخلت قاعة المحكمة بملابس "الكوسا" المصنوعة من جلد النمر، وقد اخترت هذا الزي لأبرز المعنى الرمزي لكوني رجلا أفريقيا يحاكم في محكمة للرجل الأبيض وكنت أحمل على كتفي تاريخ قومي وثقافاتهم، وكنت على يقين أن ظهوري بذلك الزي سيخيف السلطة من ثقافة أفريقيا وحضارتها"، وبهذه الكلمات أكد مانديلا أنه يستحق أن تكون حياته مصدر إلهام للمظلومين في سائر الأرض.
وطالت سنوات السجن على مانديلا والعالم كله يطالب بالإفراج عنه وكان من المستحيل أمام صرخات العالم أن يبقى السجين خلف القضبان وكان من الصعب أن تصر سلطات الطغيان في جنوب أفريقيا وبعد 27 عامًا على بقاء مانديلا سجينا كان قرار الإفراج عنه يوم 11 فبراير 1990.

عودة الحرية والروح
يصف مانديلا لحظات خروجه من السجن في مذكراته "رحلتى نحو الحرية" بقوله: " رغم أني كنت أبلغ من العمر 71 عامًا وقت خروجي من السجن فإنني شعرت بأني ولدت من جديد".
ووقف أمام شعبه مطالبًا بوقف الصراع المسلح والمضي نحو مجتمع حر جديد، وعارضت بعض فئات شعبه هذا التوجه فقال لهم مقولته الشهيرة "ابحثوا عن زعيم آخر إذا كان رأي مانديلا لا يرضيكم".
وبدأت مرحلة جديدة في حياة مانديلا عنوانها "ترسيخ قيم القيم النضالية والمساواة وحكم القانون" وفي عام 1994 انتخب كأول رئيس أسود للبلاد وخلال فترة حكمه شهدت جنوب أفريقيا انتقالًا كبيرًا من حكم الأقلية الأغلبية ووضع حجر الأساس لمسيرة بلده خلال الأعوام التالية ليتخلى عن رئاسة الحزب عام 1997 ويرفض ترشيح نفسه مرة ثانية لرئاسة البلاد ليحل محله "ثابو مبيكي" وخلفه الرئيس "جاكوب زوما".
لقد كان مانديلا قادرا على أن يبقى في السلطة سنوات، ولكنه رأى أن سلطانه الحقيقي هو قلوب الملايين من أبناء وطنه والمليارات في كل العالم التي وجدت فيه القدوة والنموذج ثائرًا وسجينًا ومقاتلًا وصاحب قرار، واستمر مانديلا بعد تقاعده يقوم بدوره من خلال الجمعيات، والحركات المنادية بحقوق الإنسان حول العالم، ثم قرر التقاعد وترك الحياة العامة حيث أكد أنه لا يجد مكانًا أجمل من البيت مع أحفاده.

مانديلا الرحيم

لقد استحق مانديلا أن يصفه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه شخصية شامخة وشجاعة فقد ظل لسنوات يحارب من اضطهدوه وبعد ذلك غفر لهم، فهو رجل عادي لا يملك المال ولا السلطة ولكنه حقق أشياء غير عادية.
إن الأسلوب الأمثل في رأي المراقبين لتكريم مانديلا السير على دربه، وإكمال رسالته فإذا انتهت حياة مانديلا فما زالت القيم التي عاش من أجلها تتطلب الدفاع عنها فالعالم الآن يموج بالصراعات والحروب التي لا تحتاج إلى مانديلا فقط بل إلى ألف مانديلا، وليت العالم يقتدي بنيلسون مانديلا كي ينتشر ويستقر السلام.