رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أبويزيد البسطامي.. صاحب الشطحات!

أبويزيد البسطامي
أبويزيد البسطامي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"ليس العجب من حبي لك، وأنا عبد فقير، إنما العجب من حبك لي، وأنت ملك قدير".
صاحب هذه الكلمات؛ هو أبويزيد طيفور بن عيسى البِسطامِى، كان جده زرادشتيًا من أهل بسطام وأسلم، اسمه الفارسى بايزيد، وعرف كذلك باسم طيفور، وله إخوان هما آدم وعلى، وكانا من الزاهدين. لكن أبايزيد أجلّهم حالًا ومقامًا. وقد تتلمذ البسطامى على يدى شيخ المشايخ أبى الحسن الخرقانى، ومصطفى البكرى، شيخ الطريقة الخلوتية، حيث أعطاه عهد الطريقة النقشبندية.
لم يختلف العلماء والفقهاء والمتصوّفة على أحد في تاريخ التصوف الإسلامى أكثر من اختلافهم عليه. فثمة من نسب إليه شطحات تخرج من الملة، وثمة من تحدث له عن كرامات تخلب الألباب. لكنْ ثمة اتفاق على أنه هو من أسّس "الشطح" في التصوف، وفتح الباب واسعًا أمام الحلاج، ليأتى ويهذى ويصلب ويقتل.
ووصفه أبوالحسن الشاذلى بأن له صولة بل كلامه من أقوى ما تقرأ من كلام سادتنا الأولياء، رضى الله عنهم، وأسرعه تأثيرًا.
وأشهر ما يروى عن البسطامى قصته مع أحد القساوسة تقول: في يوم من الأيام ذهب الشيخ البسطامى لزيارة أحد أصدقائه النصارى، وهو جالس عنده في البيت عرض عليه النصرانى أن يذهب معه إلى الدير، فقال له: كيف لى أن أذهب إلى الدير وأنا مسلم وكل سوف يعرفنى.
قال له: لا عليك تخفى بلبس أعطيك إياها. فوافقه وذهب معه. ودخل إلى الدير، وكل هناك متجمع جالس ينتظر القسيس، ليلقى عليهم عظته. وعند الانتظار دخل القس، والكل صمت، وجلس على الكرسى الخاص به ولم يتكلم، فسألوه: ما بك يا أبانا لا تتحدث؟ قال: ما أنا بمتحدث حتى يخرج المحمدى من بينكم.
وتفاجأ الجميع بهذا الكلام وتساءلوا: كيف يجرؤ المحمدى على الدخول إلى هذا المكان، ورفعوا سيوفهم يريدون أن يفتكوا به، ولكن القس استوقفهم، وقال: لن يخرج حتى تعطوه الأمان، فخفضوا أسلحتهم. وقال له القس: اخرج عليك الأمان. قالوا: كيف عرفته؟ قال: إن أمة محمد معروفة وتلى قوله "سيماهم في وجوههم من أثر السجود".
فوقف الشيخ البسطامى ولم يخرج، فقال له القس: اخرج. قال ما أنا بخارج. فقال له: سوف نسمح لك أن تجلس معنا بشرط أن تجيب عن كل الأسئلة التي سوف نسألها لك، وإذا تعثرت بسؤال واحد سوف نقطع رأسك. فوافق البسطامى. فقال له القس:

- ما الواحد الذي لا ثانى له؟

قال: قل هو الله أحد.

- ما الاثنان اللذان لا ثالث لهما؟

قال: الليل والنهار.

ـ ما الثلاثة التي لا رابع لها؟

قال: أعذار موسى للخضر وهى: خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار.

- ما الأربعة التي لا خامس لها؟

قال: التوراة والزبور والإنجيل والقرآن الكريم.

- ما الخمسة التي لا سادس لها؟

قال: الصلوات الخمس.

- ما الست التي لا سابع لها؟

قال: هي الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض

فسأل القس: لماذا ختم الله بهذه الآية: "وما مسّنا من لغوب".

قال: لأن اليهود قالوا: إن الله لمّا خلق السموات والأرض في ستة أيام تعب فاستراح يوم السبت وهو اليوم السابع فرد عليهم بالآية السابقة.

- وما الثمانية التي لا تاسع لها؟

فقال له حملة العرش.

- وما المعجزات التسع؟

فقال له: معجزات موسى وهى: اليد والعصا والطمس والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنون.

- وما العشرة التي تقبل الزيادة؟

فقال: قال تعالى: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".

- وما الأحد عشر؟

فقال إخوة يوسف عليه السلام.

- وما المعجزة المكونة من اثنى عشر أمرًا؟

فقال: "وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا".

- وما الثلاثة عشر؟

قال: إخوة يوسف وأمه وأبيه.

- ما هو الشىء الذي تنفس ولا روح فيه؟

قال له: "والصبح إذا تنفس" أي أضاء.

- ومن هو الذي سار به قبره؟

قال: يونس عليه السلام.

- من هم الذين صدقوا ودخلوا النار؟

قال: اقرأ قوله تعالى:"وقالت اليهود ليست النصارى على شىء وقالت النصارى ليست اليهود على شىء وهم يتلون الكتاب".

- ما الشىء الذي خلقه الله وأنكره؟

قال: "إن أنكر الأصوات لصوت الحمير".

- ومن هم الذين كذبوا ودخلوا الجنة؟

قال: إخوة يوسف عليه السلام عندما قالوا أكله الذئب.

- ما هي الأشياء التي خلقها الله وليس لها أب أو أم؟

قال: الملائكة.

- ما هي الشجرة المكونة من 12 غصنًا في كل غصن 30 ورقة وفى كل ورقة 5 ثمرات، ثلاث منها في الظل، واثنتان في الشمس؟

قال: هي السنة فيها 12 شهر، في الشهر 30 يومًا، في اليوم 5 صلوات، ثلاث في الليل واثنتان في النهار.

قال أبويزيد للقس: إنى سائلك سؤالًا واحدًا فقط، فأجبنى عنه.

قال: ما هو؟

- ما هو مفتاح الجنة؟

فوجم القس وظل جامدًا.

فقال له أصحابه: سألته كل هذه الأسئلة وأجابك عنها ويسألك سؤالًا واحدًا ولم تجبه؟

فقال: إنى يا أبنائى خائف منكم.

فقالوا أجبه ولا تخـف.

قال: مفتاح الجنة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

شطحات البسطامي..
اشتهر البسطامى بالشطحات، وينسب الشعرانى إلى أبى يزيد البسطامى شطحات عدة، منها قوله: "كان لا يخطر بقلبى شىءٌ إلا أخبرنى به".
وقد اعتقد الصوفية في البسطامى ما هو خارق للعادة، وما ليس إلا للخالق العظيم، وما لا يصدر إلا عن شاطح أو مريض نفسى. فقال بعضهم إن البسطامى قتل نملة خطأ فنفخ فيها فأحياها خوفًا من المطالبة. وينقلون أنه كان يكلم الله تعالى: أوقفنى الحق بين يديه وقال: يا أبايزيد بأى شىء جئتنى؟ قلت: بالزهد بالدنيا قال: إنما مقدار الدنيا عندى جناح بعوضة ففيم زهدت؟ قلت: إلهى أستغفرك جئتك بالتوكل عليك. قال: ألم أكن ثقة في ما ضمنت لك. قلت: أستغفرك جئتك بك أو قال: بالافتقار إليك. فقال: عند ذلك قبلناك.
ونظرًا إلى هذه الشطحات المنسوبة للبسطامى فإن كثيرًا من العلماء خطأه وجعل ذلك من أكبر البدع، وأنها تدل على اعتقاد فاسد كامن في القلب.
وكان أبوحامد الغزالى لا يصحح هذه الشطحات، ويرى أنها فهمت خطأ، ولذا يقول في "إحياء علوم الدين": وأما أبويزيد البسطامى رحمه الله فلا يصح عنه ما يحكى وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز وجل في كلام يردده في نفسه، كما لو سمع وهو يقول: "إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى"، فإنه ما كان ينبغى أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية.
وثمة من يقول إن ما ورد بشأن البسطامى في كتاب "لطائف المنن" المنسوب لابن عطاء الإسكندرى، هو كلام مدسوس عليه. فالبسطامى لا يمكن أن يقول: "خضت بحرًا وقفت الأنبياء بساحله" فهذا كلام ظاهر البطلان فيه رفع لمقام أبى يزيد فوق مقام الأنبياء. كذلك لا يمكنه أن يشطح ويقول: "سبحانى ما أعظم شانى" أو يقول: "أنا ‏الحق"، فالمعروف عنه أنه كان من المتمسكين بآداب السنة النبوية، حالًا وقولًا وفعلًا.
وثمة واقعة تبرهن ذلك، فقد كان في زمن البسطامى رجل مشهور بالورع والزهد فقال يومًا أبويزيد البسطامى لأصحابه: قوموا بنا ننظر إلى الرجل الذي شهر نفسه بالولاية فذهبوا معه، فلما خرج الرجل من منزله ودخل مسجده تفل نحو القبلة فقال أبويزيد: قوموا بنا ننصرف من غير أن نسلم فإن هذا الرجل ليس بمأمون على أدب من آداب الشريعة التي أدب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه من مقامات الأولياء الصديقين.‏
وقال أبويزيد عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئًا أشد علىًّ من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لتعبت، واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد.
وقد سئل البسطامى ما علامة العارف؟ قال: أن لا يفتر من ذكره، ولا يمل من حقه، ولا يستأنس بغيره.
ويروى العباس بن حمزة قائلًا: صليت خلف أبى يزيد البسطامى الظهر، فلما أراد أن يرفع يديه ليكبر لم يقدر إجلالًا لاسم الله، وارتعدت فرائصه حتى كنت أسمع تقعقع عظامه، فهالنى ذلك.
وثمة قصة تبيّن بره بوالدته، يرويها هو قائلًا: طلبت أمى ماء فجئتها فوجدتها نائمة فقمت أنظر يقظتها فلما استيقظت قالت أين الماء فأعطيتها الكوز، وقد كان سال الماء على أصبعى فجمد عليها الماء من شدة البرد، فلما أخذت الكوز انسلخ جلد أصبعى فسال الدم فقالت ما هذا فأخبرتها قالت اللهم إنى راضية عنه فارضَ عنه.
وخرج البسطامى إلى الجامع يوم الجمعة في الشتاء فزلقت رجله فمسك بجدار بيت فذهب إلى صاحبه فإذا هو مجوسى فقال له: قد استمسكت بجدارك فاجعلنى في حل قال أو في دينكم هذا الاحتياط قلت نعم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وقد مات سنة إحدى وستين، وقيل: سنة أربع وستين ومائتين، عن ثلاث وسبعين سنة، ويقال إنه دفن في بسطام، لكن بات له أربعون مقامًا في بلاد شتى.

من أقواله
النفس تنظر إلى الدنيا، والروح تنظر إلى العقبي، والمعرفة تنظر إلى المولى، فمن غلبت نفسه عليه فهو من الهالكين، ومن غلبت روحه عليه فهو من المجتهدين، ومن غلبت معرفته عليه فهو من المتقين.
من عرف الله بُهت، ولم يتفرغ إلى الكلام. من عرف الله فإنه يزهد في كل شئ يشغله عنه.
إذا جاء حبٌّ الله يغلب كل شىء، لاحلاوة للدنيا، لا حلاوة للآخرة، الحلاوة حلاوة الرحمن.
أحبب أولياء الله ليحبوك، فإن الله ينظر إلى قلوب أوليائه، فلعله أن ينظر إلى اسمك في قلب وليه، فيغفر لك.
هذا فرحي بك وأنا أخافك، فكيف فرحي بك إذا أمنتك ؟
العابد يعبده بالحال والعارف الواصل يعبده في الحال.
لا يعرف نفسه من صحبته شهوته.
الدنيا للعامٌة، والآخرة للخاصة، فمن أراد أن يكون من الخاصة فحكمه أن لا يشارك العامٌة في دنياهم، وإنما جعلت الدنيا مرآة الآخرة، فمن نظر منها إلى الآخرة نجا، ومن شغل بها عن الآخرة هلك وأظلمَ مرآته.
إالهي لا تجعلني عالمًا ولا زاهدًا ولامتقربًا، فإن أهَّلتني فأهَّلني لشويء من أشيائك.

جاء في كتاب علو الهمة لفضيلة الشيخ محمد إسماعيل المقدم حفظه الله تعالى: وحكى الشيخ ابن ظفر المكي، أن أبا يزيد طيفور بن عيسى البسطامي -رحمه الله- لما تَحَفَّظَ: "يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلًا".
قال لأبيه: "يا أبت من الذي يقول الله تعالى له هذا؟ "، قال: "يا بني ذلك النبي"، قال: "يا أبت مالك لا تصنع كما صنع - صلى الله عليه وسلم -؟ "، قال: "يا بني! إن قيام الليل خُصص به - صلى الله عليه وسلم - وبافتراضه دون أمته"، فسكت عنه.
فلما تحفظ قوله سبحانه: "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك" قال: "يا أبت إني أسمع أن طائفة كانوا يقومون الليل، فمن هذه الطائفة؟ "، قال: "يا بني! أولئك الصحابة رضي الله عنهم"، قال: "يا أبت: فأي خير في ترك ما عمله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟ "، قال: "صدقت يا بني".
فكان أبوه بعد ذلك يقوم من الليل ويصلي، فاستيقظ أبو يزيد ليلة فإذا أبوه يصلي، فقال: "يا أبت: علِّمني كيف أتطهر وأصلي معك"، فقال أبوه: "يا بني ارقد فإنك صغير بعدُ"، قال: يا أبت: إذا كان يومُ يصدر الناس أشتاتًا لِيُرَوْا أعمالهم أقول لربي: إني قلت لأبي: كيف أتطهر لأصلي معك؟ فأبى، وقال لي: "ارقد، فإنك صغير بعد"، أتحب هذا؟، فقال له أبوه: "لا والله يا بني ما أحب هذا"، وعَلَّمه فكان يصلي معه.
قيل له: إنك تمر في الهواء - فقال: وأي أعجوبة في هذا ؟ وهذا طير يأكل الميتة، يمر في الهواء، والمؤمن أشرف من الطير.
ما زلت أسوق نفسي إلى لله وهي تبكي، حتى سقتها وهي تضحك.
دلَّني على عمل أتقرب به إلى ربي!"، فقال: "أحبب أولياء الله ليحبوك، فأن الله ينظر إلى قلوب أوليائه، فلعله أن ينظر إلى اسمك في قلب وليه، فيغفر لك."
وقال أبو تراب: "سألته عن الفقير، هل له وصف" فقال: "نعم!، لا يملك شيئًا، ولا يملكه شيء
قال أبواليزيد: جلست ليلة في المحراب، فمددت رجلى. فهتف بى هاتف: يا أبا يزيد! من يجالس الملوك ينبغي أن يجالسهم بحسن الأدب.

وقال: لم أزل ثلاثين سنة كلما أردت أن أذكر الله أتمضمض وأغسل لسانى إجلالًا لله أن أذكر.

وقد بلغ به التواضع وإنكار الذات إلى أن يقول: ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر. وهنا يقول أيضًا: أشد المحجوبين عن الله ثلاثة بثلاثة، أولهم: الزاهد بزهده، والثانى: العابد بعبادته، والثالث: العالم بعلمه. ثم قال: مسكين الزاهد، لو علم أن الله عز وجل سمى الدنيا كلها قليلًا فكم ملك من الدنيا؟ وفى كم زهد مما ملك؟ وأما العابد فلو رأى منة الله عليه في العبادة عرف عبادته في المنة، وأما العالم فلو علم أن جميع ما أبدى الله عز وجل من العلم سطر واحد من اللوح المحفوظ فكم علم هذا العالم من ذلك السطر؟ وكم عمل مما علم؟

وكان يقول: الناس كلهم يهربون من الحساب ويتجافون عنه، وأنا أسأل الله تعالى أن يحاسبنى فقيل له: لم؟ قال: لعله أن يقول لى فيما بين ذلك: يا عبدى، فأقول: لبيك. فقوله لى: عبدى أعجب إلى من الدنيا وما فيها. ثم بعد ذلك يفعل بى ما يشاء.