الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

السيد الرئيس.. إليك أشكو هَم الغلابة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
والهم عند الغلابة سيدي الرئيس ليس فقط هما ماديا بقدر ما هو هم معنوي..
عندما جاء قرار رفع الدعم عن (البنزين) وتأثرت أسعار المواصلات وأسعار السلع وارتفعت، كان الغلابة بطبيعة الحال هم أكثر من تأثروا بهذا سلبيا.. لكن الغلابة– وهذه هى المفاجأة- كان رد فعلهم جميلا ونبيلا وراضيا.. لم يحتجوا ولم يغضبوا ولم يرفضوا، بل استوعبوا الأمر وأدركوا أن مصر تمر بأزمة ومحنة، وأن واجبهم التضحية من أجلها.. فارتضوا ما حدث برقي ونبل.
وهذا الرد فعل قد يكون غريبا فى العادة، إلا أنه ليس بالغريب على شعب مصر، وليس بالجديد على بسطاء شعب مصر، على شعب مصر ( الحقيقي ) كما أحب دائما أن اسميهم، فطالما قدم البسطاء لمصر كل ما طلب منهم تقديمه دون انتظارا لأخذ، وطالما ضحوا وقدموا النموذج الأمثل فى التضحيات.. ولنا فى التاريخ خير النماذج والأمثلة الكثيرة.
ولكن سيدي الرئيس ليس معنى أن الغلابة قد ارتضوا التضحيات مقابل أن تخطو مصر خطواتها إلى الأمام على طريق التنمية وإصلاح ما أفسده حكمين متتالين.. حكم مبارك ثم حكم الإخوان، ليأتي بعدها غد أفضل حاملا لهم العوض عما لاقوه وعانوه من قسوة عيش، ونضال مستمر مع الحياة منذ لحظة صحوهم وحتى لحظة خلودهم إلى النوم.. ليس معنى هذا الرضاء والارتضاء وقبول التضحيات منهم أن نضغط أكثر على مواضع الألم لديهم.. وأن ننكئ فى كل لحظة جروحهم التى احتضنوها داخلهم وارتضوها فى انتظار مرور المحنة وقدوم زمن الشفاء.. لكن من الواجب والمفروض علينا مراعاة همومهم المعنوية والحرص على عدم إيذائهم وقهرهم معنويا.

** هل لنا أن نتخيل نحن من كان حظنا أن نعيش داخل بيوتنا المتوفر فيها كل سبل الراحة والرفاهية، ومن كان حظنا أن ما نريده وما نتمناه يصبح متوفرا دون ادنى قدر من عناء .. هل لنا ان نتخيل حال الاخرين الذين يعيشون الحرمان فى اغلب اوقات حياتهم ، وعدم التحقق لأغلب متطلباتهم حتى البسيط جدا منها؟
هل لنا أن نتخيل سيدى الرئيس ساكنى القبور الذين يضعون رءوسهم فوق قبور تضم أجساد موتى، وأطفالهم يتعايشون مع الموت معايشة لصيقة منذ لحظة ميلادهم.. هل لنا أن نتخيل مثل هؤلاء الذين تعفرهم أتربة تحمل رائحة الموت وهم يجلسون على الأرض يشاهدون إعلانا تليفزيونيا يتحدث عن معاناة أصحاب ( الكلب ) مع كلبهم الذى لا يجد المساحة المناسبة ليجرى ويرتع سعيدا بجريه ، وكيف أن الحل قد أصبح متاحا مع مايقدمه أصحاب الإعلان لأصحاب ( الكلب ) من سكن فى ( كومبوند ) جديد فيه المساحات الواسعة الخضراء بالأفدنة ، لكي يمرح فيها ( الكلب ) ويجرى بين ربوعها أشواطا وأشواطا سعيدا منطلقا؟!
هل لنا أن نتخيل كيف تكون مشاعر الأب والأم وهما يجلسان مستندان على حائط لحد، وأجساد اطفالهم الصغيرة النحيلة راقدة فوق تراب مختلط برفات موتى ، والكلب امامهم يجرى ويسعى منشرحا فرحا وسط الخضرة والازهار والنباتات وامامه المياه الزرقاء وسط البحيرة الصناعية تتلألأ بإنعكاسات الاضواء المبهرة صانعة لوحة جمالية وكأنها الجنة ؟! ..
هل لنا ان نتخيل قدر الألم المعنوى داخل هؤلاء ومدى القهر والوجع ؟؟

** اجبنى بالله عليك سيدي الرئيس .. كيف ببلد يسكن فيه ناس من اهله داخل المقابر ،.. ويعيش اخرون فى عشش مصنوعة من صفيح او كرتون مقوى فى مناطق عشوائية .. ويعيش اخرون فى داخل تجويفات ( طبيعية ) فى مناطق صخرية إتخذوا منها مايشبه غرف ، يعيشون داخلها ويدخلونها منحنين الأظهر ، ويقضون حوائجهم فيها فى علب من صفيح .. ( وانا قد زرت هذه المناطق مرارا وتكرارا واعلم جيدا انها لاتمت للحياة البشرية بأى صلة ) .. كيف ببلد اوصل حكامها شعبها على مدار سنين ان يعيشوا مثل هذا الحياة غير الادمية .. وفى نفس الوقت تبث مثل هذا الإعلانات المستفزة للمشاعر عبر شاشات فضائيات مصرية يملكها رجال اعمال مصريون من طبقة المليارديرات ، وتقتحم هذا الإعلانات حياة هؤلاء الفقراء البؤساء وتزيدهم قهرا ووجعا وتمزقا ؟!!

** بالله عليك سيدي الرئيس اجبني .. كيف بأسر هم الاغلبية من هذا الشعب يجلسون فى شهر رمضان على الأرض وامامهم فطورهم الذين سوف يتناولونه بعد صيام .. وفطورهم بالكثير يكون .. طبق من المكرونة ( الملونة ) بملعقة من الصلصة ، وطبق اخر من البذنجان المقلي او البطاطس المحمرة وقد يكون هناك طبق من الطرشي او عيدان من الجرجير ( وهذا هو كثيرهم ) .. وغيرهم قد يكتفون بالفول والطعمية لقلة الحيلة وليس زهدا .. واغلبهم لا يذوقون اللحم الا صدفة وعن طريق صدقة تأتيهم من الاغنياء .. كيف بهؤلاء وحولهم اطفالهم يجلسون وعيونهم تراقب كاميرا الإعلان التلفزيون وهى تجول وتستعرض متنقلة بين ( السرافيس ) المختلفة العامرة بكل اصناف اللحوم والطيور والطواجن والخضراوات والمشويات والمحمرات والحلويات بكل انواعها .. كلها فوق مائدة تستعرضها الكاميرا يزيد طولها عن العشرة امتار .. وصوت الاعلان يخرق اذانهم وهو يعدد ويذكر اسماء الاصناف والمؤكلات !! .. كيف بشعور هؤلاء من اباء وامهات واطفال امام هذه القسوة اللاإنسانية التى تقتحم عليهم حياتهم القاسية من الاصل بدون اعلانات ، لكنهم بها راضون وقانعون ؟؟!! ..
الا يكفيهم ماكتبه لهم القدر من عوز وفقر حتى نزيد القسوة بقسوة مضاعفة بهذه الاعلانات السخيفة المستفزة التى لالون لها ولاطعم الا لون التوحش الإنساني ، وطعم العلقم الذى تصدره قلوب اصحاب هذه الإعلانات وأصحاب هذة الفضائيات الخالية من اى قدر من الرحمة والإنسانية ؟!

** السيد الرئيس .. اعلم ان همومك شديدة ، وان اعبائك بحجم تلال .. ولكنى اعرف ان لديك مستشاريين يجب وكما ذكرت فى مقالتى الاسبوع الماضى ان يعملون بعقول وقلوب كما ( الرادار ) يلتقطون تفاصيل التفاصيل .. واعتقد ان ماذكرته الان هو جزء من دور هؤلاء المستشارون .. والسؤال :
الم ينتبه هؤلاء المستشارون الى هذا ؟ .. الم يستوقفهم ؟ .. الم يجدوا فيه استفزازا مضاعفا لمشاعر الناس البسيطة القانعة الراضية ؟ .. الم يجدوا فيه خطرا على رصيد حبك عند الناس البسيطة من شعب مصر ( الحقيقي ) الذين ارتضوا قراراتك الاخيرة راضيين مقتنعين بصدقك معهم وانك تطلب منهم التضحية الوقتية وليست الدائمة ، وذلك من اجل غد اقل قسوة واقل معاناة ؟! ..
** ماذا يفعل هؤلاء المستشارون وماهو دورهم اذا لم يكن فيه مساحة لقراءة التفاصيل التى قد تتوه عن الاذهان ولكنها لايجب ان تتوه عنهم ، فهم وبحكم المسمى الوظيفي ، هم مستشاريك فى كل شئ ، وعليهم ان يكونوا منتبهين لكل شئ ، وخصوصا مايتعلق بشعب قد عانى كثيرا لاكثر من اربعين عاما لم يهتم بهم الحاكم ، ولم يشعر بقهرهم .. لكنك وكما تحدثت مع هذ الشعب - منذ البداية - كنت شاعرا بهم متألما لهم واعدا اياهم بحياة مختلفة يكون لهم فيها العوض عما عاشوه من قهر وظلم ومعاناة .. وهم بوعدك راضون ..
واذا كان العوض عن القهر المادى ممكن ان ينتظر .. فما علاقة القهر المعنوي بالانتظار ؟ وكيف يسمح بوجود قهر معنوي من الاساس ؟ !

** السيد الرئيس .. انا اصدق جدا الرحمة والانسانية التى تبدو فى عينيك ونظراتك وانت تتحدث .. وانت تلتقى باسر الشهداء وتقبل رؤسهم .. وانت تسلم على جنود بسطاء من جيش مصر تحتضنهم بعينيك .. وانت تسلم شهادات تخرج طلبة صغار السن يقفون امامك وهم على بدايات طريقهم فى ان يكونوا من حماة مصر ، تشد على اياديهم بحب وابوة قبل ان تكون رئيسا او عسكريا ..
نعم انا اصدق الرحمة والانسانية فيك ..
ولذلك أكتب لك أشكو إليك هَم الغلابة (المعنوى).. ارجوك اعط أوامرك بوقف هذه الإعلانات التلفزيونية التى لا تتناسب مع حالة الأغلبية من شعب مصر.. والتى تستفز الحجر.. والتى ليس فيها أدنى قدر من إنسانية ولا من رحمة!!