الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

رمضان الذي ذكرني بغضب الكتاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذكريات رمضان لا تنتهي، مثلي عاش رمضان طفلا وصبيا وشابا ورجلا وكهلا،  بقي لي منه ساعة الإفطار التي كانت لها ذكريات جميلة حقا وذكريات مؤلمة حين تكون بعيدا عن أهلك أو في بلد غريب، حاولت منذ ثلاثة أعوام تقريبا أن أكتب عن بعض ذكريات ساعة الإفطار حكايات قصصية نشرتها في صحيفة "اليوم السابع" ثم في كتاب منذ عامين يحمل عنوان "حكايات ساعة الإفطار". طبعا أضيفت إليها حكايات من تأليفي كما تغيرت في الوقائع مشاهد كثيرة.. وسأحدثكم اليوم عن شيء من معاناة الكاتب. لن أتحدث عن كل الحكايات لكن سأتحدث عن حكاية واحدة هي الحكاية رقم ثلاثين. هي حكاية متخيلة لم يحدث منها شيء في الحياة ولا يمكن أن يحدث لأن مكان أحداثها في الجنة. كنت مثل غيري لا يعرف هل رمضان سيكون تسعة وعشرين يوما أم سيكون ثلاثين يوما. انتهيت من الحكاية التاسعة والعشرين التي أرسلتها كالعادة في الحكايات السابقة قبل موعد نشرها بثلاثة أيام. وكنت تعبت ولا أجد شيئا أكتبه ولا أتذكر شيئا آخر غير ما كتبت عنه ولا أجد القدرة على إبداع شيء جديد، ظللت يوما بليله أفكر.. ثم ابتسمت من فكرة بسيطة جدا رأيتها حلا، ماذا يحدث لو قابلت التسعة وعشرين الشخصية التي كتبت حكاياتها؟ ماذا سيحدث حقا؟ وجدتها وجدتها.. صحت سعيدا وكتبت الحكاية، وهي عن الباب يدق فيجد الكاتب البواب يقول له: إن هناك أشخاصا كثيرين يريدون الصعود إليك وأشكالهم غريبة نساء ورجالا ويرتدون ملابس غريبة ليست من عصرنا فالنساء يرتدين الجيب والمايكرو جيب والرجال يرتدون الجينز حقا لكن يطلقون شعرهم بشكل غريب.. الكاتب ابتسم واعتبر البواب يهذي وأغلق الباب ليستدير فيجد الصالة بها هؤلاء الذين تحدث عنهم البواب، من أنتم؟ فيقولون له: إننا شخصياتك التي كتبت عنها تسعة وعشرين حكاية جئنا نشكرك ونأخذك معنا إلى الجنة التي نعيش فيها بعد أن متنا وتفطر اليوم هناك، وبالفعل وجد نفسه هناك ورآهم فجأة عراة إلا من ورقة التوت سعداء جدا فقال لهم، إنه لن يستطيع الاستمرار، هو كاتب ولا يستطيع الحياة في مجتمع مثالي ولا بد أن يعيدوه إلى الأرض، لن أكمل بقية الحكاية، لقد أعادوه حقا لكن يظل السؤال هل الكاتب لا يستطيع أن يعيش في مجتمع مثالي حقا؟ هذه حقيقة والإجابة نعم، فالكاتب دائما غير متوافق مع المجتمع والرواية والقصة مثلا ما هي إلا مجتمع آخر أو حياة أخرى موازية يبتدعها بشخصيات مجازية، بمعنى غير حقيقية لن تترك الرواية وتمشي على الأرض بيننا. وهذه مشكلة الكتاب الموهوبين في كل العصور،  غير الموهوبين يتفقون مع ما حولهم حتى إن انتقدوه ما داموا يكتبون بلغة مباشرة سطحية.. تتحول أعمالهم إلى مقالات رأي ونميمة عن بشر أحياء. وعلى طول التاريخ لن تجد أبدا كاتبا حقيقيا متوافقا مع من وما حوله، ومن ثم وصف الكتاب بالجنون مغالاة لكنه جنون جميل لا يؤذي أحدا بذاته لأن الشخصيات التي تجسد هذا الجنون ليست حقيقية، كما أن الكاتب حين يستمر في إبداعه ممارسا جنونه لن يؤذي حتى نفسه، يؤذي نفسه لو توقف عن الكتابة أو لو وصل عدم اتفاقه مع المجتمع إلى درجة لا يحتملها إلا بالانتحار، وهذا رغم أنه قليل حدث لبعض الكتاب بشكل مباشر مثل هيمينجواي وماياكوفسكي وغيرهما أو بغير مباشر كما حدث مع نجيب سرور عليه رحمة الله الذي ترك نفسه للشراب يدمر كبده، ومن ثم فالذين يلومون الكتاب على عدم رضاهم هم الجهلاء حتى لو كانوا سياسيين كبار، لا تنتظروا من الكتاب رضاء حتى لو سكتوا فسيكتبون في سخط على طول الزمان أو على أقل تقدير في غضب  لا يقفز من الكتابة الجميلة بوضوح.