الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مبادرات الرئيس والتخطيط ومأزق رجال الأعمال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ثمة إصرار لدى البعض على إدارة المرحلة التي نجتازها بنفس أدوات وطرق تفكير مراحلنا السابقة، وينتظرون رغم ذلك نتائج مختلفة، على الرغم من المتغيرات المتلاحقة التي فرضت نفسها على المشهد، بعضها بفعل الحراك الثوري في موجتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وبعضها بتأثير القفزات المتتالية والمتسارعة في تقنيات التواصل والمعرفة، وبعضها تفرضه التغيرات المناخية بفعل ظاهرة الاحتباس الحراري والتي دفعت بنا إلى حزام البلاد الحارة، وبعضها يرتبط باختلالات الفعل السياسي عبر أنظمة غاربة اقترفها كل أطراف المعادلة السياسية والتي تركت ندوباً وآثاراً سلبية في الشارع اقتصاداً وقيماً وسلوكاً.

وتقفز إلى ذهني جملة وردت في حوار ممتد بين نفر من سلفيي اليهود وبين السيد المسيح، يصلح أن نحسبه حوارا بين الجمود والثورة؛ حسمه بقوله (ليس أحد يضع رقعة من ثوب جديد على ثوب عتيق وإلا فالجديد يشقه والعتيق لا توافقه الرقعة التي من الجديد) ظني أنه كان يؤسس للمعاصرة، والقراءة النقدية لكثير مما استقر موروثاً وحسب من الثوابت.

في أقل من شهر يصحو المصريون على مبادرات متتالية من السيد الرئيس تمارس نوعاً من العصف الذهني وتقدم حلولاً خارج الصندوق ممكنة وهادئة وهادفة وبسيطة، وتدعو لتبنى تفعيل ملكة الابتكار، عندما تؤدي أول حكومة في ولايته اليمين الدستورية في السابعة صباحاً فهي لا تؤكد فقط على الانضباط وإنما تشير إلى قيمة الوقت الذى يحسب في العلوم الاقتصادية أحد عناصر الإنتاج وإدارته الذكية تؤدي إلى خفض تكلفة المنتج، وتشير إلى تعامل جديد مع ظاهرة ارتفاع الحرارة التي تسيطر على أكثر من ثلثي العام، وتتطلب إعادة التفكير في جدول العمل وتوزيعه بشكل جديد، يقدم حلولاً لكثير من أزماتنا وعلى رأسها أزمة الطاقة، والإفادة الحقيقية من الشروق المبكر للشمس، وربما بفعل التنسيق بين جداول العمل نخلخل أزمة الازدحام والمرور ونخفف الضغط العصبي على الناس وينعكس هذا بالضرورة على السلوك والعلاقات الإنسانية ونكون أكثر قبولاً لعودة منظومة قيمنا التي جرفتها العشوائية وثقافة الزحام.
وحين بادر الرئيس بإعلان تنازله عن نصف راتبه ونصف ممتلكاته، كان يحفز إحياء قيمة التكافل الاجتماعي كقيمة مصرية يدركها كل من عاش الأزمنة الجميلة، والتي ترجمتها أمثلتنا الشعبية المخزون الثقافي الشعبي، فضلاً عن كونها قيمة دينية بارزة وأصيلة، وهى لا تتوقف عند حث الأغنياء ورجال الأعمال على الاقتداء به أخلاقياً، أو ممالأة، وإنما يجنبهم تداعيات زيادة الفجوة الطبقية بينهم وبين الفقراء والمعوزين، والمرشحة لانفجار عشوائي تسعى إليه وتغذيه بعض من القوى المناوئة للتصحيح وتقاوم الخروج إلى دائرة التنمية، ولا يصلح لتجسير هذه الفجوة تدخل الدولة بشكل سافر كان لنا معه تجربة حفلت بالاختلالات ولم يكتب لها البقاء على امتداد خريطة العالم، لكن هذا لا يمنع لجوء الدولة إلى حزمة من الإجراءات البديلة والتي تطرحها بعض الدراسات التي تتبنى طريقاً ثالثاً، أو تدعو لتبني نسق الديمقراطية الاجتماعية، الرافضة لليبرالية التقليدية وتوحش الرأسمالية التي تفتقر للبعد الاجتماعي الصحيح والحقيقي والفاعل.

وظني أن الهدف يتجاوز إدارة حملة "تبرعات" فهي تجربة لم يكتب لها النجاح على مدى عقود ممتدة وعبر أنظمة متعددة، تحولت في أغلبها إلى فعل احتفالي تتبادل فيه السلطة والمال رسائل الغزل المشوب بالمصالح، ثم لا تفضى إلى فعل مؤثر على الأرض. ولا أعتقد أن هذا ما ذهبت إليه مبادرة الرئيس، فهو يسعى لبعث الحياة في نسق العمل التطوعي وتعميق الانتماء الوطني لدى الرأسمالية المصرية الوطنية، وتفكيك حالة الاحتقان الطبقي ومقاومة الكراهية التي تترجم غالباً في أفعال عنف مجتمعي داخل الأسرة وداخل الحى وعبر العلاقات اليومية الحياتية.

لعل ذلك يفرض علينا أن يدار صندوق التبرعات المخصص لمشاركات رجال الأعمال وفق تخطيط قومي يحدد المشاريع الخدمية والإنتاجية المستهدفة، المواقع والنوعيات، والتي تصب فيها الأموال المجمعة، حتى لا تتحول إلى أعمال عشوائية تعانى من الشيخوخة المبكرة، وتتحول إلى احتفالية دعائية. وحسماً لهذا يصدر عن الصندوق بيان أسبوعي عما يتلقاه قيمة ومصدراً. 
الخطر أن نحسب هذه المبادرات حلولاً نهائية لمعضلات الاقتصاد والعجز في الموازنة واختلالات الموارد والمصروفات، هي مبادرات تحفيزية تطلق الطاقات البشرية نحو إعادة التوافق المجتمعي لكنها تحتاج إلى إعادة الاعتبار لقيمة وفعل ونسق "التخطيط" الذى يمثل الخطوة الأولى والركيزة الأساسية في كل علوم الإدارة، سعياً لتحقيق أهداف محددة، في ضوء الإمكانات المتاحة، وتطوير الأداء ورفع كفاءة العنصر البشرى تدريباً وتعليماً، وعبر منظومة متابعة متطورة وحازمة وشفافة، تحكمها حزمة من الضوابط القانونية الملزمة والجادة، ثم التقييم المستدام قياساً على المستهدف، والتقويم المتتابع بصلاحيات متجاوزة ارتباكات الموروث البيروقراطي غير المدرك لمتغيرات العصر، والإفادة في كل هذا من معطيات تقنيات الإدارة وثورة الاتصالات وفق الإدارة الحديثة، والتي تفرض علينا جسارة اقتحام التعاطي القائم والعتيق والذى ما زال محكوماً بالطرق التقليدية التى تجاوزها الزمن.

ويبقى أن نفكر في حلول ابتكارية ليس فقط في مجال الصناعة وإنما قبله في مجالي الزراعة والثروة المائية، والتصنيع الزراعي، هل يعقل أن نعاني من اختلالات غذائية ونحن نملك سواحل بحرية ونيلية تمتد لآلاف الكيلومترات وأراضي خصبة ومستصلحة، أليست هي أولى بالتخطيط والتطوير ومراجعة القوانين المقيدة لانطلاقها، والتفاعل الحقيقي بين الدولة ورجال الأعمال والشباب وفق رؤية واضحة وأهداف قابلة للتحقق.