الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السلفية والحكم 3/3

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في منتصف السبعينيات بدأت الإرساليات التبشيرية بالسلفية الوهابية تأخذ مكانتها في الدعوة الإسلامية بمصر بعيدًا عن الأزهر ومدرسته التي كان يقودها آنذاك الشيخ الصوفي "عبدالحليم محمود" رائد مدرسة الإمام محمد عبده.. وفي ظل تأجج الصراع السياسي بين الإخوان والناصريين أخذت السلفية الوهابية تفرض نفوذها على كثير من البسطاء، فهي في ظاهرها بعيدة عن السياسة كما أنها تهتم بالتديّن المظهري، والشاب المصري البسيط الذي لم يجد دولة تدفعه للنجاح والتميز، ولم توفر له فرصة العمل المناسبة، آن له أن يتميز عن غيره بمظهر ينسبه للعلم والعلماء، بلحية كثة، وجلباب قصير، ورداء باكستاني، ومسواك يزين جيبه، ورفض لكل العادات التي عشنا بها وعليها بادّعاء أن هذه العادات بدعة وأنها لبدعيتها فهي في النار، وفي ذات الوقت بدأ نفوذ الأزهر يتراجع وانحسرت مدرسة الإمام "محمد عبده" وارتفع شأن دعاة السلفية الذين نجحوا في التغلغل للبسطاء عن طريق دروس أهوال يوم القيامة والجنة والنار، وقد استراح النظام الحاكم لهذه المدرسة لأنها كانت تحرم الخروج على الحاكم أو خلعه، وأن بيعة الحاكم لا يمكن نقضها مهما كان الحاكم ظالمًا. 
وقد كانت خطورة هؤلاء تكمن في قدرتهم على اجتذاب جماهير البسطاء وتلقينهم أفكارًا وهابية لا تتناسب مع المصريين وطبيعتهم، وهي في الأصل ذروة سنام التطرف، فأخذ الواحد منهم يفتي الناس بكل ما يعسر عليهم ويمنعهم من الأخذ بالرخص بل ويحرّم عليهم هذه الرخص، وقال بعضهم إننا بأخذنا الرخص كأننا نستهين بالرسول عليه الصلاة والسلام! وأحاط هؤلاء أنفسهم بسياج تحميهم من النقد والمراجعة فنشروا بين الناس أقوالاً قديمة تحذر بأن لحم العلماء مسموم وبالتالي لا يجوز معارضتهم، وأصبح نفوذ "ابن عثيمين" و"ابن باز" كبيرًا في مصر، وارتفع شأن "ناصر الألباني"، وسار على خطاهم الشيخ السلفي "أسامة عبدالعظيم" الذي خرج من تحت يديه رموز للسلفية الوهابية كان على رأسهم (الحويني ويعقوب وحسان) وغيرهم، وبهؤلاء توقفت آلة الاجتهاد وكأن الزمن لم يتحرك من عصر الصحابة والتابعين إلى الآن، وكان أول الأشياء التي وقفت عندها آلة الزمن السلفية، حيث لم تتقدم خطوة للأمام هي الاجتهادات للعصر الذي نعيشه، فحين اختلف بعض علماء المسلمين الكبار في شأن ولاية المرأة وولاية الأقباط اتجه رموز التسلف للرأي المرجوح وتركوا الرأي الراجح.
نفس الأمر بالنسبة للموسيقى التي حرَّمها الرأي السلفي الوهابي بل أصبحت مسألة التحريم هذه مزاجًا عامًا لجمهور السلفيين شبابهم بشيوخهم، وتقلصت مساحة الفنون عند المتسلفين فأصبح الرسم محرمًا إذا كان لشيء فيه روح، أما عن الصور الفوتوغرافية فقد قالوا عنها إنها مباحة للضرورة فقط وبشرط أن يكون موضوعها لا يشتمل على محرم كالسفور، وعن التماثيل شددوا على تحريمها بشكل مطلق‏.
وعلى نفس منوال التحريم حرموا تعاملات البنوك وانطلق رموز السلفية الوهابية إلى المساهمة في إنشاء بنوك إسلامية تسير على نفس نهج البنوك ذات الفائدة مع تغيير إسم الفائدة إلى عائد وكأن المشكلة كانت في الاسم! وكذلك التأمين على الحياة أصبح حرامًا وتم استبداله بنظام تم تسميته (التكافل الاجتماعي) والذي يعقد مقارنة بين الاثنين يجد أنهما (همّا همّا) والفارق فقط هو التسمية.
أما زكاة الفطر التي أجاز الإمام "أبوحنيفة" أن تكون مقدارًا من المال وتعود المصريون على إخراجها نقدًا إذا ببوصلة السلفيين تشترط أن تكون غلالاً ـ أرز أو عدس مثلاً ـ وأصبح المزاج العام لكل جمهور السلفيين يميل إلى "تغليل وتعديس" هذه الزكاة.
هذه هي الملامح العامة لفقه السلفيين ودينهم، تدخل فيها مسائل عدة في (فقه الزواج والطلاق وعدم إباحة الطلاق البدعي وعدم الاجتهاد لمسائل الزواج المستحدثة وتضييق مساحة الإجازة وتوسيع دائرة التحريم والكراهة) إلا إنهم كانوا في زمن مبارك أحباب النظام، يأتمرون بأمر الأجهزة الأمنية ويمتدحون الرئيس، فيقول الشيخ "حسان" في إحدى خطبه (إن مبارك كعمر بن عبدالعزيز) ويحرم "الحويني" المظاهرات ويعتبرها بدعة، ويشدد "فوزي السعيد" النكير على من يعارض مبارك أو يخرج في مظاهرة ضده، ولم يكن في أدبيات السلفيين وقتئذ أن يصلوا إلى الحكم بل إنهم كانوا ينتقدون الإخوان لخوضهم انتخابات البرلمان، وحرّم علماء السلفيين الأحزاب وقالوا إنها تؤدي إلى التفرقة والتشرذم في حين أن الله يقول (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا).
وحين قامت ثورة يناير أخذت الأمور تتغير، فارتفع نفوذ الشيخ "حسان" بشكل غير مسبوق، وتحالف السلفيون مع الإخوان وبدأت فكرة الوصول للحكم تخرج من المنطقة الخفية عند السلفيين إلى المنطقة الظاهرة، فكان حزب النور، وكان البرلمان وكانت المواقع المتعددة في السلطة التنفيذية، وحين انتهى نظام الإخوان أخذ السلفيون يتجملون تحت شعار "أنا لا أكذب ولكني أتجمل" وعلى نفس خطى الإخوان سار حزب النور، فخرج منهم شبيه عصام العريان الذي يحسن الحديث مع الرأي العام، وخرج منهم من يبدو في صورة المجتهد كما كان أبوالفتوح يظهر أمامنا، وهكذا دواليك، فهل نقع في مصيدة السلفيين كما وقعنا من قبل في مصيدة الإخوان؟
الأمم ليست كالأشخاص.. لذلك لا تقع في نفس الخطأ مرتين.