السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

اتفاق "المائة عام سايكس بيكو"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى عام 1916 وقع "مارك سايكس وجورج فرانسوا بيكو" مذكرة تفاهم بين المملكة المتحدة البريطانية وفرنسا لتقسيم النفوذ في المشرق العربي، سوريا الكبرى وفلسطين والعراق وتجاهل الحلفاء – بريطانيا وفرنسا- وعودهم للعرب بعد مشاركتهم في الحرب العالمية الأولى وبعد انتهائها، ولم يعلم العرب بمضمون هذه المذكرة المعروفة باتفاق سايكس بيكو والتى حددت مصير المشرق العربي بعيداً عن مشاركة أهله ومواطنيه، إلا بعد قيام الثورة البلشفية فى عام 1917 وإعلان الحكومة السوفيتية بنود هذا الاتفاق لفضح القوى الاستعمارية ومشاركه قيصر روسيا قبل الثورة.
استرشد هذا الاتفاق بتحقيق المصالح الاستعمارية على حساب شعوب المشرق العربي، وتجاهل طبيعة التداخل الثقافي والجغرافي والبشري والطائفي بين أقطار المشرق العربي، وتأهله لأن يكون وحدة جغرافية متجانسة، ومنذ توقيع هذا الاتفاق والعلم به من قبل شعوب المشرق العربي ظل بندا ثابتاً في التاريخ العربي والقومي وحظي بتنديد وإدانة شاملة استمرت إلى ما يقرب المائة عام.
ورغم ذلك فقد صمد هذا الاتفاق وحظت البلدان الناتجة عنه باعتراف المجتمع الدولي والإقليمى، وأصبحت جميعها أعضاء في الهيئات الدولية والإقليمية كدول مستقلة ذات سيادة، وذلك باستثناء فلسطين التى خضعت للانتداب البريطاني الذي تواطأ مع الصهيونية بقيام دولة إسرائيل العنصرية في قلب العالم العربي.
ومع تأكيد صمود سايكس بيكو طيلة هذه السنين فإنه لم يتمكن من قطع الروابط الثقافية واللغوية والقومية بين الدول والشعوب التي طالها مضمون هذا الاتفاق، بل تطلعت كغيرها من البلدان العربية للوحدة والتكامل العربي في ظل المعوقات التى تعترض طريق هذه الوحدة وهذا التكامل.
ورغم استحقاق سايكس بيكو الإدانة والاستنكار ضمن سياق الممارسات الاستعمارية في هذه الحقبة، إلا أنها ستظل ببعض الأسس والمعايير القانونية والسياسية، ومارست الشعوب والدول التي خضعت للاتفاق العديد من الحريات وظهرت فيها العديد من الرموز القومية والتحررية ورسخت سلطات الانتداب والاستعمار أسس الإدارة الحديثة والتشريعات التي بقيت جزءا لا يتجزأ من دولة ما بعد الاستقلال الوطنية.
تمكنت حركة وتنظيم داعش (تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام.
من إزالة بعض معالم الحدود وعلاماتها بين سوريا والعراق والعراق والأردن، وتمكنت كذلك من السيطرة على بعض المناطق والأقاليم في العراق وسوريا، وذلك لأن داعش لا تعترف بهذه الحدود، حدود الدول الوطنية وتسعى إلى إقامة إمارة إسلامية تتجاوز الحدود الراهنة، بيد أن هذه الإمارة تعود بالمنطقة إلى عصور مضت ولن تعود لأنها باختصار لا تنتمي للزمن الحديث بل هي خارج هذا الزمان، بل وتناصبه العداء، فهي إمارة تمثل الشر والفوضى وحكم السيف والنار والحديد، لا تقيم وزناً لحقوق الكائن الإنساني، سواء المختلف أو المتفق مع توجهاتها ما لم يعلن الخضوع الكامل والاستلاب المعنوي والفعلي.
هذه إمارة بلا مستقبل لأنها مرفوضة إقليمياً ودولياً، وتفتح الباب للفوضى والطائفية والعنف والقتل خارج القانون، ولا يكفي تجاوزها وعدم اعترافها لحدود سايكس بيكو لقبولها، لأن تجاوز هذه الحدود يقتضي تعزيز أسس الدولة الوطنية الحديثة، دولة كل المواطنين ودولة سيادة القانون وتحرير السياسة من العوامل الدينية والمذهبية، والفصل بين المجال العام والمجال الاعتقادى الدينى، وفضلاً عن ذلك فإن تجاوز حدود سايكس بيكو يمر عبر تبني سياسات وخلق فضاءات اقتصادية وسياسية وثقافية تمهد للتكامل والاندماج والاختيار الحر والمشاركة الفعالة من قبل الشعوب والمواطنين، أي أن يكون هذا التجاوز لحدود سايكس بيكو عبر الإرادة الحرة والواعية والاختيار الرشيد من قبل الحاكمين والمحكومين والمواطنين، ومن ثم ستبقى حدود سايكس بيكو أفضل بكثير من تجاوزها الطائفى المذهبى الإرهابى الذى يدفع بالمنطقة إلى إخراج أسوأ ما فيها ويفقدها القدرة على صنع تاريخ جديد يتلاءم مع الأوضاع الدولية الإقليمية الراهنة.