الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المفسدون فى الأرض.. الموظفون فى مصر!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قد تبدو هذه العبارة قاسية بعض الشيء فى الحكم على طبقة الموظفين المصريين، لكن واقع الحال لأداء الموظف المصرى يجعل هذا الحكم يقترب كثيرا من الحقيقة، حيث لا يمكن الاعتماد على الاستثناءات الجيدة للقول بخطأ التعميم فى هذا الحكم .
أتصور أنه من الصعوبة بمكان أن تجد مواطنا مصريا لم يعان من الروتين والتعقيدات البيروقراطية، بل أكاد أزعم أن ارتفاع نسب الإصابة بأمراض ضغط الدم والسكرى قد يقف وراءها وكعامل أساسى طريقة تعامل الموظف مع المواطنين لا سيما فى الهيئات والمصالح ذات الطابع الخدمى .
شخصيا لم يصادفنى فى جميع المرات التى اضطررت فيها التعامل مع إحدى الهيئات أو الوزارات موظف مهتم بأداء مهام عمله طبقا لقواعد القانون ودائما ما كنت أضطر فى نهاية الأمر لمقابلة الشخص المسئول بصفتى صحفيا بعيدا عن كونى مواطنا له مصلحة أو حاجة، ثم إبداء التهديد بنشر فضائح تكاسل الموظفين وإهمالهم ورفعهم الدائم والدءوب لشعار( فوت علينا بكرة) حينها فقط تبدأ الأوراق والإجراءات فى التحرك .
وإذا كنت أضطر لاستخدام مهنتى فإن غيرى يضطر إلى دفع الرشوة، لأعترف أولا أن استخدامى لمهنتى أيضا أمر قد تشوبه عدم القانونية والشرعية، لكن ماذا تفعل والرشوة سارت عنوان كل من ضل طريق أخذ حقه أو استخراج بعض الأوراق، بل إن دار الإفتاء المصرية فى زمن الرئيس الأسبق حسنى مبارك أحلت دفع الرشوة إذا كنت لا تستهدف من ورائها أخذ شيء ليس من حقه، لتقتصر اللعنات على المرتشى الذى لا يؤنبه ضميره كثيرا بسبب ضعف راتبه فى مواجهة الأسعار التى لا تتوقف عن الارتفاع .
لا أحد ينكر أن هذا الوضع برمته فاسد، وأن تلك الفتوى عملت لا شك على تدعيم الفساد وتمكينه واستشرائه .
وينبغى على دار الإفتاء أن تعتذر عن مثل تلك الفتاوى المكرسة والمؤسسة لدولة الفساد وان تدعو المواطن لمقاومة الموظف المرتشى لا أن تحلل دور الراشى وإلا لحقتها هى الأخرى لعنات الرشوى .
ولما كانت الدولة المصرية ماضية للعب أدوارا أكثر حيوية فى عملية بناء الاقتصاد الوطنى من خلال تعظيم مساهمة الشركات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى دعمها لدور القطاع الخاص كشريك أساسى فى عملية التنمية سواء برءوس الأموال الكبيرة، أو عبر المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، فإن عليها أن تبدأ األا بتطهير هذه الفئة من كل ما شابها من عيوب تراكمت خلال العقود الماضية.
فليس صحيحا أن ضعف الرواتب هو السبب الوحيد وراء فساد الموظف وإهماله وتكاسله لأن نفس هذا الأداء القاتل نجده حتى داخل القطاعات والشركات المعروفة برواتبها المرتفعة نسبيا .
الأمر يا سادة يتلخص فى أن الموظف ضمن راتبه وحوافزه وأرباحه آخر العام فى كل الحالات حتى لو خسرت شركته، وطالما ضمن تلك المستحقات دون وجود منظومة رقابية صارمة وعملية تقييم دورية حقيقية غير فاسدة فما الذى يدفعه للعمل أصلا ناهيك عن تطوير أدائه .
هذه الطبقة استغلت اعتماد النظام السياسى منذ عهد الزعيم جمال عبد الناصر حتى الرئيس الأسبق حسنى مبارك عليها كونها إحدى ركائز الحكم، فهى فى الغالب من كانت تذهب إلى التصويت سواء إلى الاستفتاء أو الانتخاب كما أنها دائما من كان يفوز بعطايا الدولة.. ولأنها أدركت أن ثورة 25 يناير كانت توجب عليها دفع جزء من ثمن التغير، كان الموظفون أول من خرجوا فى مظاهرات فئوية بعد تنحى مبارك بأسبوعين تقريبا للمطالبة بامرين لا ثالث لهما رفع الرواتب، وتوريث وظائفهم لأبنائهم لم لا ومعظم المؤسسات الحكومية كانت أولوية التعيين فيها لأبناء العاملين بغض النظر عن كفاءتهم بل إن هذ الأمر صار عرفا له قوة القانون فى عدد كبير من الهيئات والشركات والوزارات .
الموظفون يتظاهرون إذا عجزت شركاتهم عن دفع أرباح آخر العام بسبب الخسائر الفادحة، بينما لم نسمع مرة واحدة أن نقابة عمالية أو مجموعة من الموظفين تقدموا بخطط وبرامج لتطوير وتحديث أدائهم وأداء مؤسساتهم (يعنى يريدون أكلها ولعة كما يقول المثل الشعبى).
على الدولة أن تعيد النظر فى برامج إصلاح وهيكلة الجهاز الإدارى والتنفيذى وألا تنظر إليه باعتباره جراجا للبطالة المقنعة وللمجاملات والمحسوبيات أو بابا من أبواب فعل الخير، ويكفينى هنا مثل واحد فإن طبقا لقانون تأهيل المعاقين رقم 39 لسنة 1976 تلتزم الدوله بتعيين 5% من إجمالى العاملين من ذوى الإعاقة، صحيح أنها لم تستوف النسبة بعد، لكن يأس من تصديقها وسأفترض أنها استوفت النسبة القانونية كما تقول ليصبح عدد ذوى الإعاقة من إجمالى الموظفين فى الدولة بهيئاتها ووزاراتها وشركاتها المملوكة لها نحو 300 ألف شخص باعتبار أن إجمالى عدد موظفي الحكومة يقترب من 6 ملايين مواطن هؤلاء الموظفين من ذوى الإعاقة لم يتم تشغيلهم إنما يطلب إليهم البقاء فى منازلهم والمجىء بمقر أعمالهم آخر الشهر لتقاضى رواتبهم بدعوى أنهم عاجزون غير قادرين على العمل ليصابوا بالإضافة لإعاقتهم الجسدية بإعاقات نفسية جديدة نتيجة كبت طاقتهم وحبسهم داخل منازلهم حيث يصبحون فريسة للاكتئاب .
تخيلوا الحكومة تعطل 300 ألف شخص وتمنحهم رواتب دون عمل .
المنظومة كلها تعمل على صناعة موظف فاسد كسول مهمل والاستثناء هنا يثبت القاعدة بل إن الموظف الجيد قد لا يصمد طويلا.. فالطوفان أعلى من طاقة احتماله.. وظنى أن هذه المنظومة الفاسدة هى السبب فى بيع بعض شركات القطاع العام بأقل من قيمتها الحقيقية فالبائع أصلا موظف فاسد بطبيعة تكوينه الوظيفى لم لا وقد تربى على بضعة مقولات مثل (على أد فلوسهم، وده مال عام يعنى مالوش صاحب، واللى يلاقى دلع وميدلعش يبقى حرام عليه، بالإضافة إلى القاعدة الذهبية شيلنى واشيلك ).
فى رائي تمثل البيروقراطية المصرية عبئا على عملية التنمية لا يقل خطورة عن عبء الإرهاب، بل إن التخلص منه ربما يكون التحدى الأصعب ولا يمكن لقاطرة التنمية أن تمضى دون التخفيف من هذا العبء بعدة إجراءات متوازية ومتواكبة بدءا من تطبيق مبدأ الثواب والعقاب وصولا إلى إعادة الهيكلة بإدخال أحدث برامج وتطوير وتحديث هذه المنظومة بشريا وفنيا وتكنولوجيا فإن بدون إصلاحها ستظل عملية الاستثمار مهددة بحيتان الفساد وأقصد هنا تحديدا الاستثمار الصغير فى المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فربما يجد المستثمر الكبير طريقة توصله لصانع القرار لكن صاحب المصنع أو الورشة أو المزرعة الصغيرة هو من يضطر يوميا لدفع الرشاوى لموظفى المحليات على نحو قد يدفعه للاستغناء عن بعض عمالته ومن أين سيدفع يومية العامل وإتاوة الموظف .
إن إصلاح حال الموظف المصرى وإعادة هيكلة أوضاعه طبقا لمنظومة قيمية وأخلاقية وقانونية لن يفيد فقط فى دفع عملية التنمية الاقتصادية إلى الأمام إنما أيضا سيعمل على استعادة هيبة الدولة واحترامها لدى بقية السكان من المواطنين وهم الأغلبية الساحقة، فقد لعب الموظف الفاسد والمرتشى والكسول دورا لا يقل خطورة عن الدور الذى لعبته الجماعة الإرهابية وأذنابها فى عملية هدم مؤسسات الدولة، كما حاولت الجماعة ويحاول أنصارها هدم صورة مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء، وهى المحاولات التى باءت بالفشل، لعب الموظف المصرى دورًا أساسيًا ولو كان بدون قصد أو سوء نية فى عملية هدم باقى مؤسسات ممثلة فى جهازه الحكومى بجميع قطاعاته الخدمية والإدارية والإنتاجية وذلك من خلال عدم احترامه للقانون والتعامل مع المواطن خارج إطاره مما أشعر المواطن لسنوات طويلة ليس فقط بغياب الدولة وإنما أيضا بعدم احترامها للقانون إن كانت موجودة وهو ما رسخ لدى المواطن صورة ذهنية عن الدولة أو الحكومة بوصفها أكبر منتهك وخارق لسلطة القانون ودعائم هذه الصورة كثيرة تبدأ بعدم امتثال كبار المسئولين من وزراء ومحافظين بأحكام القضاء وتنتهى عند فرض موظف صغير بالحى إتاوة على أصحاب المقاهى والورش ومحال البقالة.
هل أدركتم الآن كيف أن المفسدين فى الأرض هم الموظفين فى مصر؟!