الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سيدي الرئيس.. المعاقون ليسوا جماعة من المرضى!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما من شك أن مشهد تنصيب الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي على عرش المحروسة كان بمثابة إعلان عن استقرار الدولة المصرية باكتمال أحد أهم أركانها، وجاءت كل تفاصيل المشهد مؤكدة قوة الدولة الجديدة وسعيها نحو الرسوخ على أساس متين لا يفت عضضه تآمر المتآمرين وحقد الحاقدين .
المشهد يؤكد أيضا أننا بصدد إرادة جادة وفولاذية من أجل بناء دولة لا يأتيها الوهن من بين يديها وخلفها .
كفرعون يؤمن بحضارة وطنه وماض نحو إرساء سفينته على شاطئ الديمقراطية بَدَا الرئيس عبد الفتاح السيسي، سواء أثناء أدائه القسم أو في كلمته أمام الرؤساء والوفود العربية والأجنبية، أو في خطابه المطول لشعبه في قصر القبة.
بالمناسبة الفرعون ليس رمز الاستبداد والاستعباد كما حاول الإسلاميون تشويهه طويلا، فهو من بنى وأسس لحضارة الـ 7 آلاف عام، لكنها نظم الحكم التي تختلف طبائعها وطرائقها عبر الأزمان .
ولأن السيسي واحد من هؤلاء الذين تبعث فيهم أرواح أجدادهم ليواصلوا السير على درب الحضارة، وهو ما تجسد جليّا في وعيه بقضية الهوية المصرية، أذكره أن أجداده الفراعين كانوا لا يتعاملون مع المعاقين كجماعة من المرضى العاجزين، وتشهد رسوم المعابد وبعض البرديات أن العميان كانوا يشتغلون بالحقول ممسكين بالشادوف، وكانوا من العازفين والمرتلين داخل المعابد، أما الأقزام فكانوا خير حراس على قصور الأميرات والمجوهرات، بل إن الملك الفرعون سبتاح كان من المعاقين حركيّا .
للأسف لم يشر الرئيس السيسي في خطابه إلى دور ذوي الإعاقة في عملية بناء الوطن وصناعة المستقبل على نحو ما أشار لدور المرأة والشباب، واكتفى بذكرهم عند الحديث عن تطوير مستوى الخدمات الصحية والطبية وتوفيرها لذوي الاحتياجات الخاصة كما قال نصّا .
الملاحظ أن أحاديث الرئيس السيسي لم تقترب كثيرا من ذوي الإعاقة حتى أثناء فترة الدعاية الانتخابية رغم ما ورد بشأنهم في دستور 2014 من مواد تضمن تمكينهم من كافة حقوقهم وواجباتهم، الملاحظ أيضا أن الرئيس استخدم مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة الذي ألغي بمجرد توقيع مصر على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في العام 2008 وتم استبداله بمصطلح ذوي الإعاقة المستخدم في الدستور المصري حاليا .
أخشى ما أخشاه أن نظل نحن المعاقين في نظر دولة 30 يونيو جماعة من المرضى لا تحتاج سوى الرعاية الطبية كما كانت تتعامل دولة مبارك ومن بعدها عزبة مرسي .
سيدي الرئيس.. ذوو الإعاقة ليسوا مصابين بنوع من الفيروسات أو حتى الأمراض المزمنة، ومنهم الحرفي (الصنايعي الشاطر) ومنهم الأستاذ الجامعي، والمهندس والمحامي والطبيب والمدرس والفنان ومبرمج الكمبيوتر.
هل تعلم سيدي الرئيس أن في محافظة الشرقية فتاة من فئة (الداون سندرو) المعروفة بالمنغولية اسمها رانيا صالح من أبرع مبرمجي الكمبيوتر في مصر، وقد حازت جوائز محلية ودولية، وأن لها آلافًا من زملائها في الإعاقة الذهنية بتصنيفاتها المختلفة حازوا ميداليات ذهبية في كل الرياضات من بينها الفروسية والسباحة والهوكي، ملحوظة (رانيا صنيعة والدها الكهربائي عم صالح الذي نجح في اكتشاف موهبتها وتعليمها بعيدًا عن وزارة التربية والتعليم ).
سيدي الرئيس.. إن في مصر رسامًا وفنانًا تشكيليّا أعمى اسمه أحمد ناجي!!
لذوي الإعاقة حقوق في التعليم والصحة والعمل والخدمات الاجتماعية، لكنهم لا يطالبون باستثناء فيها، إنما في تساوي فرصتهم مع أقرانهم من غير المعاقين فقط، ولا نطالب بهذه الحقوق إلا لنتمكن من أداء ما علينا من واجبات تجاه الوطن بدءًا من المشاركة في عملية التنوير وصولًا إلى المشاركة السياسية الفعالة .
أتعلم سيدي الرئيس أن نحو ثلاثة ملايين أصم في مصر لا يجيدون القراءة والكتابة، حتى من أتم تعليمه الثانوي الفني، وأنهم محرومون من أبسط حقوقهم المعرفية والثقافية، وأنهم يجهلون الكثير من القيم الاجتماعية، ولا يعرفون عن تاريخ مصر وربما ثورتيها في يناير ويونيو إلا الملتبس والمشوه، لذلك هم لا يعرفون كيف يؤدون ما عليهم من واجب، سواء من عمل أو المشاركة الاجتماعية والسياسية، وقد أغضب الكثيرون منهم عدم وجود مترجم للغة الإشارة أثناء خطابك في قصر القبة .
سيدي الرئيس، أتعلم أن الجماعة الإرهابية وغيرها من التنظيمات التكفيرية كانت تستغل الإعاقة والفقر والجهل من خلال ما تسمى بجمعياتها الخيرية لتوجيه أصوات المعاقين وأسرهم، وأنهم ينشطون الآن أكثر لاستغلال هذه الشريحة المقدر عددها بـ 12 مليون مواطن مصري من ذوي الإعاقة، لا سيما أن معظم أسرهم وذويهم تعاني العوز .
هذه مجرد همسة عتاب لرئيس أظنه ينصت إذا سمع، ومع ذلك ليس كل اللوم عليه، فقد التقى أثناء حملته الانتخابية بعدد من موظفي المجلس القومي لشئون الإعاقة، ويبدو أنهم لم يهتموا بإعداد ملفات جادة وموضوعية تخص قضية الإعاقة ربما شغلهم أكثر لقاء المشير الذي تعلقت ملايين القلوب بحبه، ومع ذلك لا يزال في الوقت متسع لتنصت سيدي الرئيس للعلماء والخبراء المتخصصين في المجال، والذين ليسوا بالضرورة من المعاقين، وإن كانت هناك بعض أسماء شاركت في وضع الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ووضع استراتيجية وطنية لذوي الإعاقة في عدد من الدول العربية، وعلى رأس هذه الأسماء دكتورة هبة هجرس، وهى امرأة ذات إعاقة حركية، والدكتور عبد الحميد كابش، والدكتور علاء سبيع، وهما ليسا من ذوي الإعاقة، وهذه مجرد أمثلة لأسماء كبيرة وكثيرة لم يتح لها المجال بعد لتقديم خبراتهم داخل وطنهم .
بعض الحركات والتجمعات أصدرت بيانات صحفية اعترضت فيها على قصر ذكر المعاقين في خطاب الرئيس عند الحديث عن تطوير الخدمات الطبية، ومنها مبادرة صوت واحد لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي تضم عددًا من الخبراء والباحثين والعاملين في المجال .
سيدي الرئيس، ذوو الإعاقة قادرون على المشاركة والإنجاز، فلا تنظر إليهم كأصحاب حاجات حتى لا يكونوا عبئًا على الوطن.