الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

.. وعادت دولة مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاءت الانتخابات بالحق، تلك التي كانوا فيها يمترون، وعادت مصر مرة أخرى بعد أن كاد لها من كاد وتآمر عليها من تآمر، وبعد أن ظنوا أنهم نجحوا في تغييبها من قائمة الحضارة العالمية وقعت الواقعة يا سادة، وطالما أنها وقعت فليس لوقعتها كاذبة، ونجح المواطن "عبد الفتاح السيسي" وأصبح رئيسًا للجمهورية، هذا هو الرئيس السادس لمصر والذي به نعبر إلى "الجمهورية الثانية"، وأظنك أيها السيد القارئ ستظن أنني أخطأت في العد، فوفقًا للعداد الرئاسي يعتبر الرئيس عبد الفتاح السيسي هو الرئيس السابع لا السادس، ولكنني لم أقع في أي خطأ تعدادي، فالأخ محمد مرسي لا يمكن إدراجه في لائحة رؤساء مصر، بل كان مجرد "فاصل ونعود" ولقد عدنا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولله الحمد والمنة.
لم ينتخب الشعب عبد الفتاح السيسي رئيسًا للجمهورية بهذه الأغلبية لأن برنامجه يتفوق على برنامج منافسه، ففي بلادنا لا نتوقف كثيرًا في اللحظات الفارقة للأمة على البرامج، ولكننا نتوقف عند الشخصيات، ونذهب إليها، ونستشرف ملكاتها وإمكانياتها، ونبحث فيها عن كنوزها المخفية فنستخرجها لكي يصبح صاحبها زعيمًا أسطوريًا، هكذا فعلنا عبر تاريخنا الحديث مع الوالي محمد علي ومع مصطفى كامل، وسعد زغلول، ومصطفى النحاس، وجمال عبد الناصر، ولذلك فإن عبد الفتاح السيسي لم يتقدم هو للشعب مخاطبًا إياه كي ينتخبه لرئاسة الجمهورية، ولكن العكس هو الذي كان، فقد ذهب الشعب إلى عبد الفتاح السيسي وكلفه بالترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وهذا من الأمور النادرة في تاريخ الشعوب، لم تحدث في تاريخ مصر إلا مع قادة عسكريين ثلاثة هم سيف الدين قطز الذي كان يواجه التتار، ومحمد علي الذي كان قائدًا ألبانيًا واجه مع المصريين الحملة الفرنسية، ثم مؤخرًا عبد الفتاح السيسي الذي واجه مع الشعب المصري تتار الإخوان خوارج الأمة، الذين كان الأمريكان يحركونهم لتقسيم مصر والقضاء عليها قضاءً تامًا.
ورغم الشعبية الجارفة لعبد الفتاح السيسي إلا أنه واجه حربًا شرسة، فالإخوان اعتبروه عدوهم الأكبر، ألم يكن هو السيف الأكبر الذي أطاح بأحلامهم وأمانيهم، كما أن الأمريكان خصصوا أجهزة متخصصة لشن حرب إعلامية ضده، وقد تحركت هذه الأجهزة من خلال جمعيات مدنية، وقنوات فضائية، وشخصيات سياسية تربت على موائد أمريكا ونما جسدها من الهامبورجر، ولكن "الشيف" الأمريكي لم ينجح بطبخته الفاسدة في إفساد صلابة الجسد المصري الصحيح، كما لم يستطع التأثير على حِدة "السيف" المصري المسمى عبد الفتاح السيسي، لذلك بنجاح السيسي تنفس الشعب المصري الصعداء، وخرج بالملايين إلى الشوارع والميادين يعبر عن فرحته الأسطورية بدخول مصر إلى عهد الجمهورية الثانية، وألقى الشعب على عاتق المشير عبد الفتاح السيسي مسئولية ضخمة، فأمام مصر تحديات خطيرة في الداخل والخارج، وأهم ملف يجب أن يبدأ به الرئيس عهده هو ملف الأمن، فالرهان الذي تراهن عليه الجماعة الإرهابية هو ضرب الجهاز الأمني ليسهل عليهم بعد ذلك إثارة حالة من الفوضى العارمة، ومع إقرارنا بأن وزارة الداخلية حاولت بقدر إمكانياتها أن تحاصر الإرهاب وتعيد الأمن والأمان للوطن، إلا أنه لا يمكن أن نقول إنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، فما زالت هناك العديد من أوجه القصور، وإذا كنا نتفهم أن عدم إقالة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم في الفترات السابقة خاصة بعد الحالات التي يوجه فيها الإرهاب ضربات مؤلمة للشعب المصري ولجهاز الشرطة، خاصة أنه لو تمت إقالته في السابق لكان ذلك بمثابة إقرار من الدولة بهزيمة وزارة الداخلية أمام الإرهاب، وهو أمر غير صحيح إلا أن دعايات الإرهاب الرخيصة تمرست على بث الشائعات من أجل التأثير على نفسية الشعب.
وغني عن البيان أن ترتيب الملف الأمني تدخل فيه أبعاد أخرى، فمازالت المشاكل القديمة المتعلقة بالبحث الجنائي وطرقه وأساليبه كما هي، بل إن الأجهزة العتيقة التي تخلص منها العالم فيما يتعلق بالأدلة الجنائية مازالت تعمل بشكل متهالك في مصر، الأمر الذي يجعل جهات البحث الجنائي تعتمد على توسيع دائرة الاشتباه، واستخدام طرق غير قانونية للوصول إلى المجرمين يدخل فيها انتهاك حقوق الإنسان والتعذيب البدني، وهو أمر من شأنه إن استمر أن يؤثر بشكل كبير على شعبية وشرعية أي نظام جديد، لذلك فإن أمر الأمن لا يقتصر فقط على تغيير وزير الداخلية أو تغيير بعض قيادات الشرطة، ورغم أن هذا التغيير من الأمور المطلوبة إلا أن الوزير الجديد والقيادات الجديدة يجب أن تضع نُصب عينيها وضع خريطة أمنية جديدة لمصر تعتمد على الوسائل العلمية وتواجه الفساد بكل قوة.
فإذا استطاع الرئيس إدارة هذا الملف والمشاركة في وضع خريطته وخطته فإنه سيسهل عليه إدارة باقي الملفات، فاستعادة الأمن الحقيقي ستعيد السياحة لأوجها وستعطي الفرصة للرئيس لجعل مصر أكبر دولة في العالم جذبًا للسياح، كما أن ملف الأمن هو الذي سيفتح الباب أمام الاستثمارات المالية الأجنبية، فالقاعدة الذهبية تقول: حيثما يكون الأمن يكون الاستثمار، وحيثما تكون قوة الأمن تكون قوة الاستثمار.