الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

دور الشباب والحركات الاحتجاجية الجديدة في ثورة 25 يناير

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


مسميات كثيرة يمكن أن توصف بها ثورة 25 يناير، ولكن ربما يكون الوصف الأكثر دلالة هو أنها ثورة شعبية مدنية. بمعنى آخر، أنها ثورة “,”تحتية“,”، أي لم تفرض من أعلى السلم السياسي أو الاجتماعي، وإنما قامت بها فئات مجتمعية وطبقية وجيلية عابرة للخلفيات الاجتماعية والتعليمية والدينية، ومتجاوزة للتباينات السياسية والأيديولوجية والفكرية.

وصراحةً لا تأخذ الثورة مسماها من حجم ما تقوم به فقط، وإنما أيضًا من تنوع وتعدد من يشارك في القيام بها. لذا فهي لم تكن ثورة نخبوية أو جهوية أو فئوية، وإنما هي ثورة شعبية، بالمعنى السوسيولوجي وليس السياسي.

فهي لم تكن ثورة “,”شعبوية“,” أو فوضوية غير منضبطة، وإنما كانت ثورة متزنة ملتزمة بأهدافها وواضحة في سلوكها الجمعي ومتسقة في إستراتيجياتها وتحركاتها الميدانية. أما كونها مدنية فلأنها كشفت عن الحضور الراقي للمكون الإنساني والأخلاقي في الشخصية المصرية.

إن الزخم الذي صاحب الثورة المصرية لم يأت من فقط كونها قامت ضد واحد من أكثر الأنظمة العربية سلطوية وديكتاتورية فحسب، وإنما أيضًا كونها حافظت على سلميتها ومدنيتها منذ يومها الأول من جهة، وعلى صلابتها وصمودها حتى إنجاز هدفها الرئيس وهو خلع نظام مبارك.( )

وتتناول هذه الورقة البحثية بإيجاز شديد ثلاث نقاط رئيسية، هي: أولاً: خريطة الحركات الاحتجاجية الشبابية التي دعت إلى ثورة 25 يناير، وكيف نظمت هذه الحركات نفسها ودعوتها للثورة.

ثانيًا: كيف كانت العلاقة بين هذه الحركات عقب الثورة؛ من حيث التنظيم والقيادة وبناء التحالفات الجديدة المنبثقة عن الثورة.

ثالثًا: هل الشباب الذين نظموا الثورة يمثلون حركات احتجاجية اجتماعية؟ أم أنهم نشطاء اجتماعيون غير منظمين؟

§ منهجية وتقسيم الدراسة:

تستخدم الدراسة نظرية الحركات الاجتماعية وما تطرحه من افتراضات؛ بهدف فهم واستكشاف أبعاد تجربة الحركات الاجتماعية الشبابية في القيام بثورة 25 يناير. فمن جانبه يعرف سيدني تارو الحركة الاجتماعية بأنها: “,”شكل من أشكال العمل الجماعي القائم على أساس أهداف مشتركة وتضامن اجتماعي، وهي تمارس تفاعلاً متواصلاً مع النخب والمعادين لها والسلطات الحاكمة“,”.( )

أما دوج مكادام ( McAdam )، فقد طور نموذج العملية السياسية ليفسر ظهور وتطور الحركات الاجتماعية، واعتبر أن هناك ثلاثة مكونات أساسية لفهم ودراسة الحركات الاجتماعية، وهي: طبيعة الفرص السياسية السانحة التي تنبثق من التغيرات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بمؤسسات الحكم، وطبيعة المؤسسات والتنظيمات التي تطورها الحركة الاجتماعية، وأخيرًا المعتقدات والتصورات الثقافية والفكرية التي توحد بين أنصار الحركة الاجتماعية.( )

ويمكن تعريف الحركات الاحتجاجية بأنها تلك التنظيمات التي تسعى إلى الاعتراض على مجموعة من السياسات العامة التي تنفذها الدولة أو تقوم بها السلطات المؤسسية، والتي تستخدم الاحتجاج كآلية رئيسية لإيصال مطالبها، سواء بشكل سلمي أو عنيف. وبهذا المعنى، فإنها تختلف عن الأحزاب السياسية التي تسعى للوصول إلى الحكم من خلال الانتخابات، وتتشابه مع جماعات الضغط التي تستهدف التأثير على قضية معينة. ولا تقتصر هذه الحركات على المجال السياسي فحسب، بل تتعدد أوجه نشاطها ومجالات عملها لتشمل مجموعة متنوعة من الاهتمامات، سواء على المستوى المحلي أو المستوى العالمي، من قبيل تمكين المرأة، وتحسين وضع الفئات المهمشة اقتصاديًّا واجتماعيًّا، والاحتجاج على غياب العدالة في النظام الاقتصادي العالمي، والدعوة إلى السلام العالمي ووقف الحروب.( )

ويمكن التمييز -حسب الوسائل المستخدمة للاحتجاج- بين نوعين من الحركات: حركات احتجاجية تعتمد على وسائل تقليدية مثل كتابة الخطابات والالتماسات وسياسة المقاطعة، وحركات حديثة وجدت في ساحة الإنترنت مجالاً خصبًا لتنشيط عملها من خلال تطوير هذه الآليات التقليدية، واستحداث حملات للبريد الإلكتروني للدعوة لأنشطتها، إضافة إلى استخدامها للتقنيات التي أتاحتها الشبكات الاجتماعية الجديدة للوصول إلى أكبر عدد من المستفيدين.( )

وبهذا التعريف هل نستطيع أن نطلق على الحركات التي شهدتها مصر قبل وبعد ثورة 25 يناير حركات احتجاجية اجتماعية منظمة، أم أنها حركات عشوائية قادتها الصدفة إلى القيام بثورة تحدث عنها العالم أجمع.

تكشف محاولة تطبيق نظرية الحركات الاجتماعية في الواقع المصري عن بعض الجوانب المهمة في تجربة حركة الاحتجاج في ثورة 25 يناير، حيث تساعدنا في الإجابة على بعض التساؤلات المهمة، وبالإضافة إلى استخدام الباحث لنظرية الحركات الاجتماعية للتعرف على ما جرى بميدان التحرير قبل وأثناء وبعد الثورة، فإن الباحث سيلجأ إلى أداة المقابَلة؛ للتعرف على السياق العام، وتفسير بعض الأحداث المهمة التي وقعت أثناء الاعتصامات والتظاهرات بجميع أنحاء مصر، وليس التحرير فقط، مثل: من قام بالتنسيق وتنظيم الائتلافات الشبابية التي زاد عددها عن 130 ائتلافًا، ومن قام بترتيب اللقاءات التي تمت بين المسئولين في نظام مبارك والشباب ومنظماته المختلفة؟

كما يتناول الباحث نظرية الحرمان النسبي ( Relative Deprivation )، ونظرية شبكة علاقات الفاعل ( Actor Network Theory )، التي تعد بمثابة إطار نظري لدراسة العمليات الاجتماعية – التكنولوجية؛ لمعرفة كيف استطاع الشباب حشد الجماهير، خاصة تلك التي ليس لها علاقة بالسياسة، للقيام بالثورة واستخدام وسائل التكنولوجيا لبناء شبكات فاعلة بينهم، والتي سرعان ما تحولت إلى إحدى وسائل الحشد والتعبئة السياسية للشباب.

فعلى أرض الواقع، حددت مجموعات الشبان عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، والتي من أشهرها مجموعة “,”كلنا خالد سعيد“,” و“,”شبكة رصد“,”، 25 يناير للتظاهر ليوافق عيد الشرطة التي لها تاريخ حافل ومظلم لدى المصريين عامة. وقامت هذه الحركات منذ عام ونصف ببدء توعية أبناء المحافظات ليقوموا بعمل احتجاجات على سوء الأوضاع في مصر، والتخلص من النظام، وسوء معاملة الشرطة للشعب.( )

§ أولاً: الحركات الاحتجاجية الشبابية التي دعت للثورة

شهدت الحياة السياسية المصرية منذ عام 2004 ظهور العديد من حركات الاحتجاج أو التجمعات السياسية التي جعلت من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية أسلوبًا أساسيًّا للعمل. وكان يلاحظ على هذه الحركات أنها كانت تنقسم إلى نوعين:

أولاً: حركات احتجاجية نخبوية من حيث التأسيس والعضوية والنشاط . وهذا ينطبق على الحركات التالية: (كفاية، الحملة الشعبية من أجل التغيير، الحملة المصرية ضد التوريث «ما يحكمش»، التجمع الوطني للتحول الديمقراطي، صحفيون من أجل التغيير، محامون من أجل التغيير، جماعة المهندسين الديمقراطيين، مصريون من أجل انتخابات حرة ونزيهة، ائتلاف المصريين من أجل التغيير، والحملة المصرية ضد التوريث، جماعة العمل الوطني)، كل هذه الحركات توحدت أهدافها، لكنها تخبطت كثيرًا، ووجد الانشقاق أحيانًا طريقًا إلى صفوفها. كما أن عدد مؤسسيها محدود جدًّا، ويكاد يكون متطابقًا؛ لأنها نفس الأسماء المؤسسة في كل حركة تقريبًا. وكان انتماء الشباب لهذه الحركات محدود وصغير، وربما يرجع ذلك إلى سطوة كبار المثقفين ومؤسسي هذه الحركات على ها بشكل كبير، وفي ظل سيطرة الكبار على هذه الحركات وجد الشباب ضالته للتعبير عن رأيه، والتشبيك مع بعضه البعض عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة (المدونات والفيس بوك والتوتير)؛ لذا بدأ يشكل الحركات الخاصة به.

ثانيًا: الحركات الشبابية ، والتي تتسم بأن قياداتها ومنظميها وأعضاءها كلهم من الشباب. وقد لعبت هذه الحركات الدور الرئيسي في ثورة 25 يناير، من حيث الدعوة للتظاهر يوم 25 يناير ضد أعمال العنف والتعذيب التي مارستها الشرطة، وضد الحكم بقانون الطوارئ. وقد استطاع شباب ائتلاف الثورة الذي ضم تكتلات صغيرة جدًّا تمكنت من تكوين شبكات تواصل بفضل الكمبيوتر والفيس بوك وغيرهما، واستطاعت أن تخدع أمن الدولة وجواسيس الداخلية، كما ظهر في هيئات حملت اسم خالد سعيد، و6 إبريل، وكفاية... إلخ، وجاء الدكتور البرادعي دفعة كبرى لها إلى الأمام، بعد أن اكتملت مؤامرة توريث الحكم.( )

من جانبه يرى محمد القصاص، عضو ائتلاف الثورة، بأن أهم الحركات الاحتجاجية التي دعت ونظمت ثورة “,”25 يناير“,”، تتمثل في حركة “,”كفاية“,”، و“,”حركة 6 إبريل“,”، و“,”حركة العدالة والحرية“,”، و“,”الجمعية الوطنية للتغيير“,”، بالتنسيق مع بعض شباب الإخوان، الذين أبدوا استعداداتهم المشاركة في الثورة منذ اليوم الأول.( )

أما أحمد محمد عبد الجواد محمد، فيؤكد على أنه لا يستطيع أحد أن يفرد حصرًا وافيًّا لكل الحركات التي شاركت بشكل قوي في الدعوة لمظاهرات 25 يناير، والتي تعتبر شعلة ثورة 25 يناير العظيمة. ولكن يمكن حصر الحركات التي قامت بالتنسيق فيما بينها في الترتيب لتلك المظاهرات، وكنت جزءًا من هذا التنسيق ممثلاً بشكل غير رسمي عن الإخوان المسلمين.

وهذه الحركات هي (حركة 6 إبريل، شباب الإخوان المسلمين، الحملة الشعبية لدعم البرادعي «معًا سنغير»، حركة العدالة والحرية، شباب حزب الجبهة، والعديد من المدونين والمستقلين)، وذلك بالتنسيق مع صفحة «كلنا خالد سعيد» وصفحة شبكة رصد. وفي يوم 25 يناير نجح النشطاء في دعوة العديد من شباب الألتراس لناديي الأهلي والزمالك وشاركوا بقوة في المظاهرات.( )

ومن ناحيته يؤكد أحمد ماهر، منسق حركة شباب 6 إبريل، أن الدعوة للتظاهر يوم 25 يناير كانت دعوة دورية تطلقها حركة شباب 6 إبريل كل عام منذ عام 2009. وفي ديسمبر 2010 أطلقت 6 إبريل الدعوة لتنظيم عيد البلطجية في 25 يناير 2011 أمام وزارة الداخلية. ولكن في يناير 2011 أطلقت صفحة “,”كلنا خالد سعيد“,”، بالتنسيق مع حركة 6 إبريل، الدعوة ليوم 25 يناير بعد نجاح الثورة التونسية.

ومع الحماس الشديد عند الشباب تم دعوة باقي المجموعات الشبابية للمشاركة في التنظيم وهم: (شباب 6 إبريل، حملة دعم البرادعي، شباب حزب الجبهة الديمقراطية، تيار التجديد الاشتراكي، شباب الإخوان المسلمين بصوره منفصلة عن الجماعة).( )

واللافت أن الحوار مع أحمد ماهر يظهر أنه ليس كان في أذهان الحركات الاحتجاجية القيام بالثورة، ولكن القيام بمظاهرات عادية أو اعتيادية ضد تجاوزات الشرطة؛ مما يفسر لنا التأثير الإيجابي الكبير للثورة في تونس على الثورة المصرية.

ويتفق إلى حد كبير مع أحمد ماهر الناشط عبد المنعم إمام، منسق المحافظات في الحملة الشعبية لدعم البرادعي، على الحركات الاحتجاجية التي قامت بالثورة والدعوة لها. وأكد على حدوث تنسيق بين جروب “,”كلنا خالد سعيد“,” و “,”6 إبريل“,” و“,”حملة البرادعي“,”، التي كان لها دور كبير، حيث دعت القوى الاحتجاجية الثلاث للثورة قبل 25 يناير، خاصة بعد نجاح ثورة تونس، وقد تم طرح سؤال على صفحة خالد سعيد: “,”هل نقدر نعملها زي تونس؟“,”، وكان ذلك بالاتفاق بين وائل غنيم وعدد من قيادات 6 إبريل وآخرين.( )

ويضيف أحمد كامل البحيري، من الشباب الناصري، إلى ما سبق: حملة طرق الأبواب، الحرية والعدالة، الحركة الشعبية الديمقراطية، وحركة حشد، وحملة حمدين صباحي.( )

ومما سبق يمكن القول إن أهم الحركات الاحتجاجية التي دعت إلى ثورة 25 يناير تتمثل في كل من: (صفحة “,”كلنا خالد سعيد“,”، وشبكة رصد، حركة 6 إبريل، وكفاية، وحركة العدالة والحرية، والجمعية الوطنية للتغيير، وشباب الإخوان، وشباب أحزاب الجبهة الديمقراطية والتجمع والغد والكرامة).( )

1. حركة شباب من أجل التغيير: تأسست في فبراير 2005 تحت مظلة حركة كفاية، وذلك بعد شهرين من أول مظاهرة نظمتها كفاية في ديسمبر 2004 أمام دار القضاء العالي. وقد نشأت الحركة بمبادرة مجموعة من شباب حركة كفاية الذين نشطوا في مرحلة سابقة في إطار الحملة الشعبية لدعم الانتفاضة والحركات المناوئة للحرب على العراق. وضمت مجموعة المؤسسين شبابًا ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة مثل حزب العمل، والغد، والكرامة، والوسط، والاشتراكيين الثوريين، بالإضافة إلى عدد من المستقلين.( )

وفي الواقع لم يبرز لهذا الحركة دور كبير في الثورة كتنظيم، ولكن كان لأعضائها دور كبير في المشاركة في المظاهرات التي اندلعت في 25 يناير بشكل منفرد، خاصة بعد انفراط عقد الحركة، وعاد نشطاء الحركة إلى أحزابهم وتياراتهم الأساسية.

2. حركة تضامن: ضمت نشطاء من حزب العمل، والغد، ومن الاشتراكيين الثوريين وبعض المستقلين. ولكن نشطاء الغد والعمل خرجوا بعد فترة قصيرة من تأسيس الحركة، واتجهوا نحو تأسيس حركة بديلة وهي حركة 6 إبريل. وبخروج مجموعتي الغد والعمل، اقتصرت عضوية حركة تضامن على نشطاء من اليسار ارتبط معظمهم بمجموعة الاشتراكيين الثورين. وقد تأسست حركة تضامن بهدف التضامن مع الحركات ذات الطابع القاعدي والمطلبي التي أسسها عمال وموظفون وفلاحون، وذلك من خلال توفير الدعم القانوني والإعلامي لهذه الحركات، والعمل على التشبيك بين الحركات المطلبية المختلفة وتبادل الخبرات فيما بينها.( )

3. حركة شباب “,”6 إبريل“,” : ظهرت وسط بيئة سياسية تتسم بالسيولة الشديدة، من ترهل نظام الحكم، وعجز الأحزاب السياسية والحركات الاحتجاجية الأخرى، ( ) وكان للظروف الاقتصادية –التي ظهرت فيها 6 إبريل- الأثر الأكبر في تعميق الاستقطاب بين الحركات الاحتجاجية المختلفة، على نحو انعكس في إحجام الشباب عن المشاركة السياسية في الانتخابات العامة، وانعزال غالبيتهم عن قضايا الشأن العام، واللجوء إلى عالم افتراضي يستجيب لمختلف احتياجاتهم ورغباتهم، دون وجود ضابط أو رقيب أو سلطة مركزية توجههم أو تراقبهم.( )

ويمكن اعتبار 6 إبريل من أهم المجموعات التي نقلت الاهتمام بشبكة الفيس بوك من كونها ظاهرة الكترونية مقصورة على الشباب إلى ظاهرة مجتمعية وسياسية تثير اهتمام الباحثين وفضول المواطنين، وذلك بفضل ارتباطها بالدعوة إلى تنظيم إضرابات عامة ووقفات احتجاجية خلال عامي 2008 و2009. وشباب 6 إبريل في معظمهم لا ينتمون إلى تيارات أو أحزب سياسية، ووصل عددهم في المجموعة على فيس بوك عشية الإضراب إلى 70 ألف عضو. وتحرص الحركة على عدم تبني أيديولوجية معينة؛ حفاظًا على التنوع داخلها، كما يقول أعضاؤها.

4. حركة “,”حشد“,”: هي ثاني الحركات الاحتجاجية الشبابية التي ولدت بعد حركة “,”6 أبريل“,”، وهي حركة راديكالية تتبنى المنهج “,”اللينيني والإستاليني“,”، بمعنى تكوين الخلايا النائمة، والانقضاض بعد التغلغل داخل المجتمع؛ ولذلك فهذا الجناح أو التيار يتبنى فكرة التنظيم أولاً ثم الحركة. كما تعد أحد أجنحة منظمة “,”الاشتراكيون الثوريون“,”، والتي انشقت على نفسها مطلع عام 2010 إلى جناحين، الأول الذي كون حركة “,”حشد“,”، والثاني الذي شكل ما عرف باسم “,”تيار التجديد الاشتراكي“,”، وكان السبب الرئيسي في انشقاق منظمة “,”الاشتراكيون الثوريون“,” هو الخلاف الحاد حول نظرية التنظيم أولاً ثم الحركة أو الحركة أولاً ثم التنظيم.

وأعلنت حركة حشد عن نفسها في فبراير 2010، إلا أن أول ظهور رسمي لها في الشارع كان في الأول من مايو من ذات العام بعد تبني الحركة لمظاهرة “,”عابدين“,”، التي حشدت لها على نطاق واسع، والتي رفعت شعار “,”والله لن نورث بعد اليوم“,”، استلهامًا من الشعار الذي رفعه أحمد عرابي ضد الإنجليز. وقد شارك أعضاء “,”حشد“,” في مظاهرة “,”25 يناير“,” بشكل فردي، ولكن سرعان ما ألقت بثقلها في المشاركة منذ يوم 27 يناير.

5. حركة “,”العدالة والحرية“,”: نشأة حركة “,”العدالة والحرية“,” في 21 يوليو 2010، وكان لها حضور قوي في الشارع، حيث نظمت الحركة أول مظاهرة في 23 يوليو، وتبعها مظاهرتان في 25 و26 يوليو من ذات الشهر. وتعد من أقوى الحركات الشبابية وأكثرها تماسكًا؛ حيث لم يظهر بداخلها أي حالة انشقاق بعد الثورة؛ وذلك لأنها خليط من الليبراليين واليساريين ومجموعة كبيرة من الناشطين المستقلين؛ وهو ما أدى إلى تماسك الحركة حتى الآن رغم الانشقاقات التي ظهرت في الحركات الاحتجاجية الأخرى.( )

وقد ولدت الحركة من رحم “,”تيار التجديد الاشتراكي“,”، الجناح الثاني لمنظمة “,”الاشتراكيون الثوريون“,”، التيار المؤمن بضرورة الحركة ثم التنظيم، ويرجع إيمان هذا التيار بهذا المبدأ من منطلق قناعة هذا التيار بالتوجه “,”التوروتسكي“,”، بمعنى استمرار الحالة الثورية وأن الثورة مستمرة.

وكان الهدف من حركة “,”العدالة والحرية“,”، القفز على أخطاء منظمة “,”الاشتراكيون الثوريون“,” والعمل على دمج أكبر كتلة تحرك من مختلف التوجهات، وكان هذا السبب وراء تسمية الحركة باسم “,”العدالة والحرية“,”، وهو قائم على فكرة الحرية والديمقراطية، التي يؤمن بها كل التيارات والتوجهات، وكذلك العدالة، وهو مبدأ لا يختلف على ه أحد، وإن كان اشتراكيًّا، ولكن يوجد له نظير في مختلف التوجهات.

6. مجموعة “,”كلنا خالد سعيد“,”: نشأت هذه المجموعة، بعد مقتل الشاب خالد سعيد، في 6 يونيو عام 2010،( ) بعد أن تم تعذيبه حتى الموت على أيدي الشرطة؛ مما أثار احتجاجات واسعة، مثلت بدورها تمهيدًا هامًّا لاندلاع الثورة.( ) ولم تكن قضية خالد سعيد قضية تعذيب، وإنما هي اغتيال مواطن تمسك بحقه في معرفة أسباب الإصرار على تفتيشه والتحقق من شخصيته من جانب رجال الأمن، الذين يفترضون أن تحقق المواطن من احترامهم للقانون هو من قبيل مقاومة السلطات، والذي يتطلب مسح المواطن من الوجود.( )

وفي الواقع، ظهرت صفحة «كلنا خالد سعيد» يوم 9 يوليو على موقع الـ“,”فيسبوك“,”، واجتذبت هذه الصفحة ما يزيد على 14 ألف شخص خلال 4 أيام من ميلادها. وقد أجمع شباب النشطاء على جعل صفحة “,”كلنا خالد سعيد“,”، الصفحة الرئيسة للدعوة إلى الفعاليات؛ لكونها تضم عددًا كبيرًا من الشباب المتحمس من غير النشطاء. وتضم مجموعة “,”كلنا خالد سعيد“,” أعضاء من اللجنة التنسيقية لشباب الجمعية الوطنية للتغير، وحركة شباب من أجل العدالة والحرية، وحركة 6 إبريل.( ) وينتمي معظم شباب صفحة “,”كلنا خالد سعيد“,”، إلى مستويات طبقية مختلفة، إلا أنه ليس لهم أي توجه أيديولوجي، حتى قادة هذه المجموعات.

7. الحملة الشعبية لدعم البرادعي: تكونت الحملة في وقت سابق على الجمعية الوطنية للتغيير؛ حيث تشكلت الحملة مع مطلع فبراير 2009.( ) وكانت مظاهرات 6 إبريل 2010 علامة فارقة في تاريخ الحملة؛ حيث تبنت الحملة دعوة حركة “,”6 إبريل“,”، كما ألقت بثقلها في الشارع في هذا اليوم، وتعرض أعضاؤها، وخاصة الشباب، إلى ملاحقة أمنية غير مسبوقة.( ) وقد دب الخلاف بين أعضاء الحملة أيضًا يوم 6 إبريل 2010؛ بسبب اختلاف الرؤى في أولوية الحركة؛ حيث رأى الفريق القيادي في الحملة ضرورة العمل على التحرك في الشارع بشكل محسوب، وعدم النزول إلا في وجود قيادات ثقيلة من عينة الدكتور محمد البرادعي؛ لإعطاء النزول زخمًا سياسيًّا؛ للحفاظ على أعضاء الحملة، وتحجيم الضغط الأمني على هم قدر الإمكان.

إلا أن الفريق الثاني، وكان معظمه من شاب الحملة، تبنى وجهة نظر مغايرة، تتمثل في الشعار الذي رفعوه وهو “,”الشارع لنا“,”. وظلت الحملة الشعبية في السير على هذا الخط، المشاركة في الفعاليات المختلفة، وعدم إعطاء تعليمات لأعضاء الحملة بالنزول، وترك مسئولية المشاركة في المظاهرات لرؤية كل شخص حسب ظروفه، وهو ما يفسر لنا مشاركة العديد من أعضاء الحملة في المظاهرات بشكل شخصي، رغم عدم تبني الحملة لدعوة هذه المظاهرات. إلا أن هذا الموقف لم يستمر، وجاء يوم “,”25 يناير“,”؛ لتعلن الحملة عن مشاركتها وبقوة في ذلك اليوم وبكامل كادرها.

8. رابطة دعم البرادعي: ولدت رابطة دعم البرادعي من رحم الحملة الشعبية لدعم البرادعي بعد الانشقاق الذي ظهر في صفوف الحملة في إبريل 2010، إلا أن تكوين الرابطة والإعلان عنها تم في يونيو من ذات العام بعد وصول الطرفين إلى طريق مسدود، خاصة مع احتجاج أعضاء الرابطة على سياسة اتخاذ القرار داخل الحملة، والذي رأوه يتم بشكل فوقي غير ديمقراطي بحجة أن الوقت غير ملائم لجعل جميع القرارات تحت بصر وسمع جميع الأعضاء؛ لتقليص المساحة التي قد يستغلها الأمن لشق صفوف الحملة. وكان أعضاء الحملة أكثر الشباب تعرضًا للاعتقال أثناء حملة توزيع البيانات التي تطالب بالمشاركة في مظاهرات “,”25 يناير“,”؛ وذلك لعدم امتلاك أعضاء الحملة خبرة أعضاء حركة “,”6 إبريل“,”، وعدم امتلاكهم لحنكة وقدرة أعضاء حركة “,”العدالة والحرية“,”، على خداع الأمن.

وفي المجمل، هذه الحركات هي التي أشعلت ثورة 25 يناير، والمشترك بينهم هو الإيمان بالديمقراطية والتعددية، والدعوة إلى بناء الدولة المدنية العصرية، والطموح إلى مواكبة الحضارة ومتغيراتها، ولعل المأزق المخيف أن الكتلة الساحقة من مشعلي الثورة لا يجمعهم تنظيم أو توجه واحد؛ وهو ما يتيح للأقلية المنظمة أن تعلو أصواتها وتبرز شعاراتها، فيهيئون لاختلاس نتائج الثورة وسرقة ثمارها المشربة بالدماء النبيلة.( )









ثانيًا: من الدعوة إلى التحالف والتنظيم داخل الميدان

ستحاول الدراسة في هذا الجزء الإجابة على عدة تساؤلات، منها على سبيل المثال كيف تمت الدعوة للثورة؟ وما هى الطريقة التى من خلالها إدارة التحالفات بين الحركات الاحتجاجية القديمة الجديدة المنبثقة عن الثورة؟ وكيف تعاملات هذه الكيانات مع غياب القيادة الموحدة؟

1- كيف تم تنظيم الدعوة للثورة من قبل الحركات الاجتماعية والعلاقة بينهم؟

ترجم الكثير من الشباب الدعوة إلى القيام بمظاهرات 25 يناير من الفضاء الاليكترونى إلى النزول على أرض الواقع وخاصة أولئك الشباب المنتمى إلى حركات اجتماعية. ومما سبق، يمكن القول أنه من رحم ثورة شباب 25 يناير وأيام الاعتصام في ميدان التحرير، خرجت مجموعة من الكيانات والائتلافات الشبابية، التى تشكلت من أيدلوجيات وتيارات مختلفة من أقصى اليمين لأقصى اليسار، لكنها توحدت على أهداف محددة وموحدة نسبيا طيلة المرحلة الانتقالية التى تمر بالبلاد، وتتمثل في ممارسة الضغط الشعبى لتحقيق كامل أهداف الثورة بعد النجاح في إسقاط رأس النظام، والحفاظ على مكتسبات الثورة، ووجد الشباب الممثلون في هذه الكيانات والائتلافات في الشارع قبل وخلال ثورة 25 يناير متنفسا جديدا لممارسة الديمقراطية والتعبير عن احتجاجاتهم خاصة مع الفراغ التنظيمى والسياسى الذى عاشته مصر قبل الثورة، وبعد أن كانوا أسرى مواقع التواصل الاجتماعى على الإنترنت سواء فيس بوك أو تويتر.

ومن جانبه أكد عبد المنعم أمام، أنه يشعر بالحيرة في تحديد من هو مصدر الدعوة وأنه مجهول حتى الآن. ففي حركة 6 أبريل، ومنذ سنتين، كانت تصدر دعوة للاحتجاج يوم 25 يناير، لكن من قال إن يوم 25 يناير الماضى هو يوم ثورة فهو مجهول حتى الآن. أما أحمد ماهر، فيؤكد أن حركة 6 أبريل لديها انتشار واسع على الإنترنت، وكان له دور مؤثر في نشر الدعوة للثورة خاصة وأن للحركة أفرع في 24 محافظة وتعمل بطريقة لا مركزية. ويوم الثورة خرج شباب الحركة بصورة مفاجئة قبل الموعد المعلن للتظاهرات وركزت مجهودها في المناطق الشعبية قبل الذهاب للميادين الرئيسية في المحافظات المختلفة. وفي القاهره بدأ شباب الحركة في الخروج للتظاهر بـ 4 مجموعات وبصورة مفاجئة من المناطق الشعبية.( )

وفي الواقع، تجاوب بعض شباب الإخوان مع دعوة الأطراف المختلفة إلى النزول إلى الشارع يوم “,”25 يناير“,”، ولكن كان هناك قرار بمعارضة المشاركة من مكتب الإرشاد وتم اتخاذ قرار في الأمانة العامة لقسم الطلبة بالجماعة برفع توصية إلى مكتب الإرشاد للسماح لأعضاء القسم بالمشاركة بغض النظر عن مشاركة باقي أطياف الجماعة على غرار ما حدث في مظاهرة “,”6 أبريل-2011 إلا أن المشرف على القسم الدكتور محمود أبو زيد عضو مكتب الإرشاد رفض هذا بناء على قرار مكتب الإرشاد وبعدها عَقد عدد من شباب الجماعة لقاء بالدكتور عصام العريان تم خلاله التوصل إلى حل وسط يقوم على عدم مشاركة الجماعة في مظاهرات يوم “,”25 يناير“,”، مع إعطاء الحق لكل شخص المشاركة إذا أراد هو بصفته وليس باسم الجماعة.( ) وقام شباب الإخوان بعمل جروب مغلق لشباب الإخوان على الفيس بوك باسم “,”كلمة حق“,” وتم دعوة كل الشباب الذين يرغبون في المشاركة في المظاهرة لإبلاغهم بالترتيبات الغير معلنة. وتم التنسيق مع باقي الحركات لخروج مظاهرة قوية من شارع جامعة الدول العربية وحتى لا يتمكن الأمن من قمع هذه المظاهرة في بدايتها تم الاتفاق على خروج نواة المظاهرة من منطقة شعبية قريبة من شارع جامعة الدول وكانت منطقة ناهيا بإمبابة، وبالفعل طافت المظاهرة هذه المنطقة ونجحت في ضم الآلاف من الشباب من منطقة ناهيا وخرجت إلى شارع جامعة الدول العربية بقوة ولم تنجح قوات الأمن في فضها وانضم إليها الآلاف من الشباب الذين كانوا منتظرين في الشارع بناء على الدعوة المعلنة. ونجحت هذه المظاهرة في اختراق شوارع الجيزة وكافة الحواجز الأمنية حتى تمكنت من دخول ميدان التحرير. وبعد الدخول إلى التحرير وفض المتظاهرين بالقوة الساعة الثانية عشر مساء تفتت المظاهرة إلى أربع مظاهرات قوية جابت إنحاء منطقة وسط البلد وشبرا حتى بزوغ الفجر وانضم إليها الآلاف من الشباب. وتم ترتيب مظاهرات أخري يومي 26 و27 في مناطق شعبية لضمان احتشاد الشباب والترتيب ليوم 28 جمعة الغضب. وبعد إعلان جماعة الإخوان المشاركة في يوم 28 (جمعة الغضب) تم التنسيق مع مسئولي المكاتب الإدارية ومسئولي المناطق في الإخوان وذلك لإعلامهم بأماكن التظاهرات الخمس التي تم ترتيبها للخروج من أماكن مختلفة وذلك بعد إعلان أكثر من 20 مكان آخر وهمي على صفحة كلنا خالد سعيد لتشتيت الأمن. وبالفعل خرجت المظاهرات من خمس أماكن حيوية من الهرم والمهندسين ودار السلام ومدينة نصر وشبرا. ونجحت المظاهرات في الدخول والاعتصام في ميدان التحرير. وقد استمر التنسيق بين كافة الحركات إثناء الاعتصام إلى حين الإعلان عن ائتلاف شباب الثورة وكان أول جهة تعلن عن نفسها وعن دعوتها لأول مليونية في ميدان التحرير الثلاثاء 1 فبراير وكان شباب الإخوان المسلمين جزء رئيسي في الائتلاف.( )



أما بالنسبة لاتحاد شباب الثورة، فقد خرج من رحم الثورة وعلى الرغم من ذلك فقد شارك عدد كبير من أعضاءه وأنصار الذين كانوا ينتمون إلى حركات احتجاجية قبل الثورة في الدعوة لها وطبع توزيع المنشورات، كما استخدموا الفيس بوك لنشر الدعوة في الفضاء الاليكتروني.( ) أما حملة دعم حمدين صباحى رئيساً للجمهورية، فقد قامت بالدعوة على صفحتها للمظاهرات وقامت بإصدار بيان ووزع في الشارع وقد تمت الدعوة للتجمع في دوران شبرا.( ) أما حملة دعم البرادعى ورابطة البرادعى للتغيير، كانت الدعوة فيها للثورة بالأساس على الإنترنت والفيس بوك، وهذا بجانب تنظيم لقاءات في المحافظات وعمل توعية في الشارع واستقطاب النشطاء أثناء جمع التوقيعات.( )

أما دعوة حركة 6 أبريل للتظاهر يوم 25 يناير 2011 كانت مختلفا حيث دعت كل القوى السياسية للمشاركة، وهنا كانت المفارقة ففي الوقت الذى استجابت فيه القوى الاجتماعية الشبابية فورا للدعوة، ظلت العديد من القوى السياسية والأحزاب خاصة الرئيسية منها، مثل الوفد والناصرى والتجمع، وجماعة الإخوان المسلمين تترقب ما يحدث عن بعد، حتى تيقن لهم في يوم 27 يناير أنها ثورة بالفعل، ومن ثم قفزت هذه القوى على ها وبدأت تشارك فيها وتتحدث كأنها هى التى قامت بها ونضالت من أجلها. بل في الواقع رفضت هذه الأحزاب منذ البداية الدعوة للتظاهر وأكدت على أنها لن تشارك في مظاهرات 25 يناير لأنه يوم عيد وطنى ولا يصح المظاهرات فيه. وقامت حركة 6 أبريل بتوزيع عدد كبير من المنشورات، حوالى نصف مليون منشور، وتركزت في المناطق العشوائية. )

أما عن تنظيم العلاقة مع الحركات الاحتجاجية الأخرى قبل الثورة، فيؤكد القصاص، بأن شباب الإخوان ارتبط بعلاقات جيدة بنظراؤهم من الشباب في الحركات الاحتجاجية المختلفة في “,”6 أبريل“,”، و“,”العدالة والحرية“,”، وغيرها من خلال المظاهرات واللقاءات والندوات وتكوين حملات لدعم مرشحين بعينهم خلال انتخابات مجلس شعب 2010 وتطورت العلاقة عبر شبكة الفيس بوك، وهو ما ترتب على ه تفاعل شباب الإخوان مع الدعوات للمشاركة في الثورة يو “,”25 يناير“,”، وفي الاجتماعات التنسيقية بين شباب الحركات الاحتجاجية المختلفة لتحديد أماكن المظاهرات وخط سيرها وموعد انطلاقها كان يشارك مندوبين من شباب الإخوان في هذه الاجتماعات بشكل متواصل وتم عقد لقاءين أو ثلاثة حضر فيهم ممثلين لشباب الإخوان لتنسيق التحركات والاتفاق على الشعارات التي سيتم رفعها إلى جانب توحيد المطالب والاتفاق على حد أدنى يُرضي جميع الأطراف.( ) ومن جانبه أكد أحمد ماهر بأن 6 أبريل على علاقة طيبة مع الحركات الشبابية الأخرى قبل الثورة وبعدها وكان هناك عدة أنشطة مشتركة خاصة مع الجمعية الوطنية للتغيير التى كانت 6 أبريل جزء رئيسى منها.( ) واتفق أحمد محمد عبد الجواد مع القصاص وماهر في وصف العلاقات بين الحركات المختلفة بأنها كانت طيبة نتيجة مشاركتهم بشكل دوري في كل الفعاليات السياسية سوءا من خلال مشاركة قسم الطلاب الذي كانوا مشرفين على ه أو من خلال مشاركتهم الفردية. وكان يجمع كل الشباب حلم واحد في استعادة مصر لحريتها وكرامتها.( ) أما أعضاء اتحاد شباب الثورة فقد قاموا قبل الثورة بالتنسيق مع الحركات احتجاجية الأخرى من خلال انتمائهم الحزبية ومن خلال حركاتهم التي كانت موجودة قبل الثورة.( )

ومن ناحيته أكد عبد المنعم أمام بأن كان للحملة أنصار في 20 محافظة مثل السويس وبور سعيد وبنى سويف والمحلة والبحيرة والإسكندرية والإسماعيلية ..الخ. وكان هناك تركيز شديد على هذه المحافظات، وذلك لأسباب خاصة بكل محافظة، وكان هناك حشد ضخم للشباب وتم طباعة وتوزيع منشورات وأوراق تحض على القيام بثورة يوم 25 يناير. وقد حدث تنسيق بين بعض الحركات في المحافظات أثناء وقبل الثور، فعلى سبيل المثال حدث تنسيق بين ثلاث حركات (كلنا خالد سعيد، 6 أبريل، وحملة البرادعى) يوم الأداء بالتصويت في انتخابات 2010، ورفعوا شعار أعمل “,”دوشة“,” في الشارع أو البيوت بكلاكس عربية أو تخبيط على الأوانى وحدث هذا في 14 محافظة ونجحت التجربة تماماً. وقبل مظاهرات 25 يناير حدث تنسيق بين الثلاث حركات مرة أخرى، في تحديد أماكن المظاهرات ونقاط التجمع في المحافظات خاصة في المحلة والقاهرة ودمنهور وإسكندرية والسويس. وانضم للتنسيق في بعض المحافظات شباب الإخوان خاصة في المحلة بعدما اعتراض بعض قيادات الإخوان ولكن تدخل الدكتور سعد الكتاتنى سهل موضوع التنسيق معهم. وعلى الرغم من ذلك، يوم 28 وما يعرف باسم “,”جمعة الغضب“,” لم يحدث تنسيق بين القوى وكانت التجمعات أكبر بكثير من التنسيق بين الحركات الاحتجاجية المختلفة فإعداد المتظاهرين كانت كبيرة جدا وغير متوقعة على الإطلاق من جانب الحركات الاحتجاجية. وكانت محاولات التنسيق بعد تجمع مئات الألوف في ميدان التحرير وكانت المحاولات حينئذ هى محاولات التوجيه والنصح بالبقاء في الميدان. وقد تمت إدارة الميدان (محاولات التنسيق والتنظيم) من خلال غرفة عمليات خلف المنصة الرئيسية أو الإذاعة الرئيسية التى كان يمسك بزمامها الإخوان، وتكونت هذه الغرفة من جماعة الإخوان المسلمين والجمعية الوطنية للتغيير وحملة البرادعى وبعض الشباب المستقلين وبعض الرموز الوطنية من اليسار على وجه التحديد، وقد تمت أيضا إدارة موقعة الجمل من خلال هذه الغرفة، كما قامت هذه الغرفة في التحكم في التصريحات الإعلامية التى كانت تتم خلال هذه الفترة. والجدير بالذكر أن غرفة العمليات هذه قامت بدور كبير في حماية بث قناة الجزيرة وتأمين مداخل ومخارج الميدان. كما كانت هناك غرفة أخرى تم تشكيلها بمعرفة ممدوح حمزة وكان فيها شباب ائتلاف الثورة والائتلافات الجديدة الأخرى و6 أبريل. وكان للنخبة والرموز السياسية أماكن آخر يلتقون فيها مثل عيادة الدكتور عبد الجليل مصطفي في باب اللوق (المجاور لميدان التحرير) وكانت عبارة عن غرفة عمليات أخرى لكل من ( د. عبد الجليل ويحيى عبد الهادى ود. محمد البلتاجى وأحمد دراج ود. عصام العريان والمستشار الخضيرى ود. محمد أبو الغار وعلاء الإسوانى وكمال خليل، وآخرون من الرموز الوطنية) وكانت تتم من خلال هذه الغرفة الإدارة السياسية والتنظيمية للثورة خاصة مسألة الإعاشة.( )

وعلى الرغم من المحاولات التنظيمية المختلفة، فقد كان هناك خلاف يدب بين لحظة وأخرى بين الائتلافات الجديدة خاصة عند التفاوض مع النظام، ومن ثم كان الخلاف سياسياً وليس تنظيمياً وكانت القيادات الوطنية تتدخل أيضا لحسمه.( ) وذهب تيار آخر من الشباب بأنه كان هناك تنسيق قبل الثورة عن طريق اللقاءات والاجتماعات المتواصلة للوصول إلى صيغة مشتركة وحد أدنى من المطالب وتلك اللقاءات كانت قبل الثورة بأسبوعيين( ) خاصة بين الحملة وحركة 6 أبريل وذلك حتى يوم 6 أبريل 2010، ولكن راب الصدع بينهما بعد أحداث 6 أبريل 2010 وبيان عبد الرحمن يوسف باسم الحملة، وبخصوص الرابطة كان هناك تنسيق من أحد منسقي العمل في الرابطة بحضور دائم لاجتماعات الموسعة المتعلقة في 6 أبريل. وعاد التنسيق من جديد مع جميع الحركات بلا استثناء بشكل واضح أثناء الشهر الأخير قبل الثورة في فاعليات مسيرة إمبابة، وتلاها التنسيق ليوم 25 يناير في اجتماع موسع لكافة الحركات الاحتجاجية التي أعلنت نزولها يوم 25 يناير.( )

أما تنظيم الميدان والعلاقة مع الحركات الاحتجاجية الأخرى أثناء الثورة؟ فيرى القصاص أنه من الكذب الإدعاء بأن فصيل بعينه هو الذي أشرف على عملية تأمين الميدان أو تحمل مسؤوليته وحده خلال الفترة ما بين “,”28 يناير - 11 فبراير“,”، فكان الجميع يعمل ويسعى للتنسيق مع الأطراف الأخرى، إلا العلاقة بين شباب الإخوان وباقى الحركات الاحتجاجية أو المستقلين التى تتصف بالقوة، حيث تعود العلاقة ببعض شباب الحركات الاحتجاجية إلى أواخر التسعينات وكان هناك تنسيق بين شباب الإخوان وبين الحركات الاحتجاجية الرئيسية التي دعت إلى الثورة وانعكس ذلك بتجلي خلال التعاون في تأمين الميدان وإنشاء أول إذاعة داخلية في الميدان وتوفير مستلزمات الاعتصام من بطاطين وخيم وغيرها إلى جانب مواد الغذاء، ويشار إلى أن ما سهل عملية التعاون بين الشباب هو وحدة المطلب.( ) وتأسيس ائتلاف شباب الثورة في ميدان التحرير أثناء الاعتصام ساهم في شكل قوي في تنظيم العلاقة بل وترتيب كافة الفعاليات، بل وساهم الائتلاف في تشكيل ما سمي بجبهة دعم الثورة وكان اقتراحا من الائتلاف بتأسيس هذه الجبهة على أن تضم حوالي 40 شخصية عامة ورمز منهم 13 من الشباب. ولكن لم يقدر لهذه التجربة النجاح بسبب اختلاف الرموز على معايير وآليات وأسس اختيار الشخصيات الـ 40 في ظل الظروف والضغوط الكبيرة من الشباب على استمرار الثورة والخوف من أن يسبب اختار أشخاص دون غيرهم من الانقسام بين القوى المشاركة في الثورة. واستمر التنسيق والترتيب من خلال الائتلاف طوال مدة الاعتصام وحتى بعد التنحي إلى تاريخه، وبعد التنحي بدأ بعض الشباب في الإعلان وتأسيس بعض الكيانات وحتى يتم ترتيب وتنسيق كل الجهود تم العمل على تأسيس ما سمي باللجنة التنسيقية لجماهير الثورة والتي ضمت اغلب الائتلافات والكيانات التي أعلنت عن نفسها في ذلك الحين مثل ائتلاف شباب الثورة و مجلس أمناء الثورة والجمعية الوطنية للتغيير وتحالف ثوار مصر.( )

ويؤكد أحمد ماهر بأن ائتلاف شباب الثورة تكون من 5 حركات احتجاجية وقوى سياسية ومستقلين في البداية ثم تم توسيعه بعد ذلك ليضم ممثلين عن أحزاب سياسية بحيث يكون لكل فصيل سياسى عضوين فيه، وعندما يحدث خلاف حول أى قضية كانت يتم الاحتكام إلى التصويت لحسمه. وبعد فترة من تكوين الائتلاف حدثت حالة من الفوضى وظهرت عشرات الائتلافات، مما جعل حركة 6 أبريل تخرج من الائتلاف في أبريل 2011 وأصبحت تتعامل مع التحالفات طبقا للواقع الجديد ولم يعد لها أى علاقة بائتلاف شباب الثورة.( ) واللافت أنه إثناء الثورة تكوين اتحاد شباب داخل ميدان التحرير وكان هناك تعاون كبير من الحركات التي كانت موجودة قبل الثورة والحركات التي بدأت تتكون داخل الميدان.( ) ويرى فريقا من الشباب بأن ثورة 25 يناير كانت ليست في حاجة إلى لأن الحركات جميعها قد ذابت في ميادين التحرير وفي كافة محافظات مصر، حيث كان الهدف واضحا ومحدد ألا وهو “,”إسقاط النظام الفاسد كاملا“,”.( )

لابد من القول أنه على الرغم من تباين نتائج الدراسات النظرية حول العدد الأمثل للتواصل على مجموعات الفيس بوك وإشكالية العلاقة مع المجتمع الواقعي،( ) إلا أن هناك مؤشرات دالة على نجاح كوادر الحركات الاحتجاجية على الإنترنت في الاستفادة من صلاتهم بالمجتمع المحيط في جذب مزيد من الأعضاء للفضاء الالكتروني سواء كجمهور متلقي لهذه الأفكار والأطروحات، أو كمشاركين نشطين في بلورتها وصياغتها وترجمتها إلى أنشطة على أرض الواقع. ويتوازى مع عملية التجنيد قيام الحركات الاحتجاجية ببلورة أنفسها في مجموعات تنظيمية تعتمد على المؤيدين الفعليين لأفكار الحركة كما يتضح من مقدار المساهمة في الأنشطة المنفذة على مواقع الحركة الالكترونية ومدى التنسيق الفعلي مع مديريها أو منظميها الأصليين.( ) ويلاحظ أن عملية التعبئة التي تقوم بها الحركات الاحتجاجية على الإنترنت تشترك مع الحركات الاحتجاجية التقليدية في الرغبة في توسيع فئات المحتجين، حيث يرصد روبرت هيبرمان ( Robert Huberman ) أن العنصر المحوري في نجاح التظاهرات في مدينتي ليبزج وبرلين التي قادت إلى سقوط ألمانيا الشرقية في نوفمبر 1989 هو التنوع الشديد في نوعية المتظاهرين مما أتاح الفرصة للأشخاص ذوي الأصول المحافظة للانضمام والمشاركة بفعالية على خلاف الثوريين الذين يتخذون قرار المشاركة بناء على معايير سيولة الأحداث وعدم استقرار النظام السياسي.( ) والجدير بالقول، تنطبق هذه الجوانب النظرية لأوجه عمل وتنظيم الاحتجاجات السياسية على شبكة الإنترنت على سلسلة الإضرابات والوقفات الاحتجاجية التي دعت إليها مجموعات الشباب التى قام بثورة 25 يناير. أن ما حدث بمصر يوم 25 يناير 2011 يُعد بكل المقاييس تحولاً غير مسبوقاً في أنماط التفكير السياسى العقلانى سواء تجاه القدرة على إمكانية التنبؤ السياسى بتلك الثورة الشعبية التى كانت بمثابة مفاجأة للجميع بدون استثناء، أو حتى حدود التعامل الرسمى مع شرائح المجتمع المصرى التى خرجت للشوارع مطالبة بالتغيير السياسي، بمعنى أنه تم التعامل مع مطالب الجموع الغفيرة في الميادين المختلفة -من قبل النظام- باستخفاف شديد وسطحية دون قراءة المشهد السياسى بواقعية، ولم يتم أخذ هذه المطالب بجدية حيث أكد جميع المسئولين في الحكومة والحزب الوطنى بأن مصر ليست تونس، وهو بالمناسبة ما أكد على ه قادة ليبيا وسوريا بأن بلدانهم ليس مصر وتونس، وتم التعامل مع الأزمة بدرجة كبيرة جدا من الغباء السياسى، وهو من حسن حظ الشعوب العربية التى قامت بها الثورات. كما تعامل النظام مع المظاهرات عن طريق الأمن فقط ولجأ إلى الوسائل السياسية متأخراً، بعد أن توحدت مطالب الثوار في مطلب واحد “,”رحيل النظام“,”. فالرهان على الشارع المصري، الذى غاب بشكل كلى عن مشاهد التنبؤ السياسى بالتغيير الراديكالى داخل مصر، بعد أن تم احتواء المؤسسات والنخب السياسية والثقافية، قابله رهان آخر على تدمير الدولة بمؤسساتها وشعبها كنوع من الاستجابة المصلحية من قبل نخبة الحزب الوطني، من أجل العودة بالأمور إلى ما قبل 25 يناير، مستغلة سيطرتها على المؤسسات الحكومية والدولة البيروقراطية. ولفهم ما حدث بعد الثورة مباشرة، يمكن النظر إلى معادلة بسيطة وسهلة للتغيير السياسي، بتكلفة مجتمعية تبدو بسيطة قياساً لتكلفة تحمل الفساد والاستبداد السياسى. ومن ثم يمكن تحديد الخطوات التى سارت على ها تلك الحركات الاحتجاجية حسب المراحل التالية، وهى مراحل متتابعة تفضى في النهاية للتغيير المنشود. ( )

1- المرحلة الأولى، بدت أهمية وجود نواة صلبة تدعو للتغيير، وتتواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعى بالإنترنت وتحديداً Face book & You Tube بقصد الحشد والتعبئة ومحاولة إيصال صوت وصورة حركة الاحتجاج للعالم الخارجي. ونجاح تلك الآلية في التواصل الاجتماعى وعمليات الحشد والتعبئة ضد السلطة، شجعت الحركات المطالبة للتغيير بالانتباه لها، فشهد هذا الفضاء أوسع مشاركاته أثناء وبعد 25 يناير.



شكل معادلة التغيير طبقا للثورة المصرية













2- المرحلة الثانية، بدت أهمية اختيار توقيت يحمل مدلولات معنوية يكون حافزاً على نجاح خطة الحشد والتعبئة ضد النظام. فكما اختار المصريون يوم 25 يناير عنواناً لثورتهم، وهو عيد الشرطة التى عاثت في الأرض فسادا وتعذيبا لجميع المصريين. وتأتى أهمية التمركز في بؤرة مكانية تكون نواة ليس لاستمرار الثورة فحسب، وإنما أيضاً من أجل استمرار عمليات الحشد والتعبئة ضد النظام. حيث تحول ميدان التحرير إلى بؤرة إشعاع لحركة الاحتجاج وجذب المتظاهرين، واستمر المتظاهرون في “,”جمعات المليونية“,”، فقد كانت هناك يوم 1 مارس “,”جمعة الغضب“,”، وقبلها “,”جمعة الرحيل“,”.. وهكذا.

3- المرحلة الثالثة، ضرورة التوحد حول شعار واحد للتغيير أو مطالب واضحة ومحددة المعالم. وفي ثورة 25 يناير تمحورت المطالب السياسية حول هدف واحد وهو رحيل النظام عن بكرة أبيه.

4- في المرحلة الأخيرة، النجاح في صهر التناقضات العقائدية والسياسية في بوتقة واحدة تظهر قوة الشارع في مواجهة السلطة السياسية. فقد نجحت الثورة المصرية ليس في إدخال شباب لم يتعود على الممارسة السياسية قبل 25 يناير فحسب، وإنما أيضاً في تذويب التباينات الفكرية والعقائدية بل والدينية بين فئات الشعب المصري، بحيث كانت تلك العملية بما أحدثته من استقطاب متزايد لشرائح وقوى جديدة لدعم الثورة، بمثابة البيئة الحاضنة لها في مواجهة بطش وعنف التعامل الأمنى للسلطة معها، وذلك باستثناء بعض الحوادث المدبرة من قبل بعض القوى التى كان من مصالحتها اجهاض الثورة وحدوث ثورة مضادة. فالنواة الصلبة التى قادت ثورة التغيير في مصر كانت صغيرة نسبياً، وكان من الممكن القضاء على ها بسهولة ولولا هذا الالتفاف من البيئة التى احتضنت الثورة. وتدريجياً بدأ النظام يفقد الشارع بعدما انضمت للمتظاهرين ليس شرائح وفئات الشعب العادية فحسب، وإنما أيضاً النقابات المهنية والعمالية، بحيث تحولت دعوة التغيير إلى ثورة حقيقية.

وكان التحديد الدقيق لأسلوب المواجهة وهو الأسلوب السلمى الإيجابى، وليس السلمى السلبى على طريقة غاندى، بحيث استجاب هذا الأسلوب لثقافة عالمية ترفض العنف، والإرهاب، وتؤكد على حقوق الإنسان. ما يؤكد هذا الوعى أيضا التكتيكات الدقيقة التى اتبعها شباب الثورة، سواء في أسلوب الدعوة إلى التجمع، إلى جانب طبيعة الأنشطة الثورية التى وقعت في ميدان التحرير.

2- كيف إدارة الحركات الثورية الجديدة عملية التنظيم وإدارة التحالفات في ظل غياب قيادة موحدة للثورة؟

للأجابة على هذا السؤال، يمكننا استخدام نظرية شبكة علاقات الفاعل Actor Network Theory ، التى ظهرت في منتصف الثمانينيات في أعمال كل من برونو لاتور، وميشيل كالون، وهذه النظرية بمثابة إطار نظرى لدراسة العمليات الاجتماعية – التكنولوجية الجمعية. وطبقا لهذه النظرية فإن الفاعلين أنفسهم ينمون ويتطورون في إطار شبكات علاقات، حيث إنهم يكونون مجموعة من شبكات العلاقات القادرة على التداخل مع الشبكات الأخرى المتعددة، وهو ما تم بالفعل من خلال تكوين مجموعة مختلفة مثل: “,”كلنا خالد سعيد“,” و 6 أبريل وشباب حزب الجبهة وشباب الجمعية الوطنية للتغيير وشباب الإخوان. وقد ترجم هؤلاء الشباب هذه النظرية على أرض الواقع حيث قاموا ببناء شبكة علاقات جديدة بعمل سلسلة من العمليات والأنشطة المشتركة (التظاهرات). وطبقا لهذه النظرية ثمة ارتباط بين حلقات هذه السلسلة بما يجعل شبكة العلاقات محدودة ومتغيرة وممكنة. بمعنى أن الآرتباط والعلاقات المباشر بين الشباب أو المجموعات الشبابية المختلفة سهل على هم إدارة التحالفات والتنسيق وتعويض غياب القيادة. وطبقا لهذه النظرية فإن شبكة العلاقات الجديدة بين شباب ثورة 25 يناير اكتسبت القوة الداخلية والتماسك والاتساق (الاستقرار) والتنظيم (العناصر المتجاورة) في ظل غياب القيادة، وتم منع الفاعلين من اتباع ميولهم الشخصية (لكى يصبحون أقوياء)، وقامت شبكة العلاقات الجديدة بتجنيد الآخرين لأهداف الشبكة، واستخدام مؤهلات الفاعلين ودوافعهم، وزيادة فائدتها وأهميتها الوظيفية.( ) وبتطبيق هذه النظرية على ثورة 25 يناير يمكننا القول أن شباب الحركات الاحتجاجية المختلفة تغلب على غياب القائد للثورة عن طريق الاستقرار والتوحد داخل حركاتهم أثناء الثورة والتربيط والتنسيق مع باقى الحركات. لذا يمكن القول إن ثورة 25 يناير التى أشعل نارها مجموعات من شباب هى ثورة بلا قائد، انضمت إلى صفوفها على الفور جماهير غفيرة بلا قيادة موحدة. ثورة انطلقت من الفضاء المعلوماتى الذى تسبح في مجاله الشبكة العنكبوتية ونعنى شبكة الإنترنت، بكل أدوات اتصالها المستحدثة وأهمها على الإطلاق المدونات والفيس بوك والتويتر. غير أنها ولو أن التخطيط لها تم في الفضاء المعلوماتى، إلا أنها انطلقت كالسهم إلى المجتمع الواقعى بعد أن حددت التاريخ والمكان.( )

فلا شك في أن ثورة 25 يناير، التى صنعتها الجماهير الغفيرة، لم تكن لها قيادة أو مشروع واضح المعالم، ثم إنها فرضت نفسها وسط فراغ سياسى مخيم، لذلك كان طبيعيا أن تشكل التجمعات والائتلافات في وقت لاحق وتتسابق لملء ذلك الفراغ، وبسبب التردد والبطء النسبى في اتخاذ القرارات من جانب المجلس العسكرى، فقد زادت أهمية تلك التجمعات التى تحولت إلى عنصر ضاغط كان له أثره الفعال في إنجاز بعض الخطوات المهمة التى جاءت ملبية لمطالب الذين خرجوا يوم 25 يناير، بالتالى فإن من الظلم البين الإدعاء بأن التجمعات والائتلافات لم تفعل شيئا، لأنها أدت دورا مهما، إلا أنها لا ينبغى أن توضع كلها في سلة واحدة، حيث فيها الأصيل والدخيل والبرىء وغير البرىء والحقيقى والوهمى، هذه التمايزات تسوغ لنا أن نتحفظ على تعميم كلمة “,”الثوار“,” على الجميع كى لا يساء استخدامها أو ابتذالها. فثمة علامات استفهام كثيرة حول بعض تلك الائتلافات وجهات الاتفاق على ها، ويؤكد البعض إن شخصا واحدا شكل خمسة ائتلافات بأسماء مختلفة، كلها ثورية، ولست متأكدا مما قيل عن أن بعض الأجهزة شكلت ائتلافات أخرى لخدمة أغراضها، ولأن الميدان مفتوح أمام الجميع فليس مستغربا أن يحاول كل صاحب مصلحة مشروعة أو غير مشروعة، أن يثبت حضورا من خلال ائتلاف يعبر عنه وخيمة ينصبها يقيمها في قلب الميدان. ( )

وأثناء الثورة، لا يستطيع أحد أن يجزم بأن ميدان التحرير كان به قيادة تحركه أو تنسق بين الجموع الغفيرة التى كان يشهدها يومياً وكان السؤال المطروح في الميدان خلال الفترة الأولى من الثورة، ماذا يجب فعله؟ أو ما هى الخطوة المقبلة؟ وكانت الإجابة من بعض النشطاء هى أولا أن الاعتصام في الميدان يشكل قوة ضغط كبيرة جداً لا يمكن تجاهلها، لذلك كان لابد من الصمود بالميدان. ثانيا أن الناس هى التى صنعت الثورة، وسوف يحافظون على ها، أى أن القرار في النهاية سيكون لجموع الشعب.( )

ويعتقد محمد القصاص بأن هناك خطأ شائع بين الباحثين بشأن مسألة غياب القيادة، فالقيادة التى بحث عنها الشعب المصرى الذي خرج للإطاحة بنظام حكم دكتاتور، هى قيادة جديدة لم يعرفها الشعب من قبل، وتتمثل في القيادة الجماعية وهو ما تحقق في الائتلاف فليس هناك حق “,”فيتو“,” لأحد يصادر به حق آخر ولكن الحق للجميع في طرح رؤيته وبالمناسبة هذه الرؤية تكون في الأساس رؤية الجهة المتمثلة في الحزب أو الحركات الاحتجاجية التي خولته حق حضور اجتماعات الائتلاف. فعلى سبيل المثال قبل أن يذهب أى عضو في الائتلاف إلى الاجتماع يقوم باستطلاع الحركة أو الجهة التى خولته في التحدث باسمها. كما يؤكد القصاص بأن غياب القيادة كان ميزة وليس عيبا، وذلك وصفت ثورة “,”25 يناير“,” بأنها ثورة الشعب المصري التي ليس لها زعيم ولا يستطيع أن يزعم أحد لنفسه الفضل في احتقار الثورة. ولكن المشكلة في غياب مسألة القيادة أنها تتطلب مجهود مضاعف للتنسيق بين الفصائل المختلفة التي لعبت دور في إنجاح الثورة.( ) وقد تعامل اتحاد شباب الثورة مع مشكلة غياب القيادة عن طريق التوافق داخل الاتحاد بأن يتم تدوير المناصب وتكوين مكتب تنفيذي للاتحاد يعبر عن سياسته لحين إجراء انتخابات داخلية، وفقا للائحة الاتحاد مع إنشاء هيكل تنفيذى للاتحاد داخل كل محافظة. ( )

ويرى فريقا من الشباب، أنه من أفضل ثمار ثورة 25 يناير أنها لم تكن لها قيادة واحدة تنظم أمورها، ويبدو أن الشباب استشعروا أنهم قادرين على صناعة مستقبلهم بأيديهم بعيدا عن رمزية الرموز وسيطرتهم والتي لم تفلح في السنوات الماضية في انتشال مصر من كبوتها. ولكن لم يمنع ذلك الشباب وخاصة من خلال الائتلاف من مشاورة العديد من الرموز الوطنية المخلصة والتي لم تألوا جهدا في دعم الشباب بالنصائح والرؤى طوال فترة الاعتصام وما بعد التنحي وكان الشباب حريصون تماما على تلك العلاقة والاستفادة من آراء الرموز والقيادات المختلفة. أما بخصوص شباب الإخوان فكانوا على تواصل مستمر منذ أول لحظة وقام وفد من الشباب بالتواصل مع مكتب الإرشاد من يوم 25 يناير وحتى آخر لحظة لإعلامهم بالتفاصيل وبالترتيبات.( )

وبعد تكوين الائتلافات لم تتبلور قيادة موحدة أيضا للثورة مما جعل بعض الرموز تلعب دورا في مسألة التنسيق بين الكيانات المختلفة، مثل الدكتور عبد الجليل مصطفي الذى لعب دورا كبيرا في تنسيق وإدارات التحالفات بين كل القوى السياسية خاصة البرلمان الشعبى والحملة وغيرها. فقد كان يعمل على تجميل المطالب من الائتلافات المختلفة لعمل توافق على ها خاصة بعد محاولات النيل من سمعة وائل غنيم ومصطفي النجار وعبد الرحمن يوسف بأنهم عملاء للنظام بعد محاولات النظام والحكومة أجراء مقابلات والتفاوض مع الشباب. وقد حدث حالة من حالات الاستقطاب الشديدة بين الشباب وبدأت توجه السبب إليهم وإلى بعض الرموز. لذلك أقترح البعض عمل لجنة من 4 أو 5 أشخاص من الشخصيات العامة والمحببة للشباب ليتحدثوا باسم الثورة، خاصة بعد غياب قيادة موحدة للثورة، ولكن رفض الشباب خاصة من استطاعوا تكوين ائتلافات خاصة بهم. ومن اللافت للنظر دخول الإخوان في كل الائتلافات والاتحادات، ومن ثم تحقق لهم السيطرة ومعرفة ما يجرى في أغلب الاتحادات مع أبراز شباب الجماعة وقياداتها خاصة بعد أن حاولت بعض القوى من مشاركتهم في الثورة.( )

ويرى فريقا آخر من الشباب، بأنه لم تكن هناك قيادة محددة لثورة 25 يناير، وذلك لعدة أسباب الأول بأن المعارضة في ظل النظام السابق لم تفق في أى يوما من الأيام على قيادة تنسيقة موحدة. ثانيا لم يظهر في مصر شخصية استطاعت جذب الناس حولها ومن ثم لم توجد شخصية كاريزمية من فترة طويلة.( ) ثالثا كان يتم التعامل في الميدان عن طريق التجربة والخطأ.( ) ومن ثم يرى بعض الشباب بأن غياب مسألة القيادة الموحدة كان من أكبر المشكلات التى واجهت الثورة مما أدى إلى فشل الكثير من التنسيقات التى كانت تتم بين الحركات والقوى المختلفة في الميدان.( ) ولتلافي هذه المشكلة اتفق الشباب على آلية التصويت لحسم الكثير من القرارات والخلافات في الرؤى ووجهات النظر.( )

وعلى العكس تماما، ذهب بعض الشباب إلى أن غياب القيادة لم يمثل مشكلة على الإطلاق خاصة أثناء الثورة، وذلك لأن المطالب كانت موحده بشكل كبير في الميدان وكانت متمثلة في شعار “,”أرحل أرحل“,” أو الرحيل وإسقاط النظام. أما بعد رحيل مبارك فقد بدأت المشكلة تظهر على السطح، وتتجسد في من يملك حق التعبير عن القوى الثورية مجتمعة.( )

ثالثا: هل يمثل الشباب حركات احتجاجية أم نشطاء اجتماعيين

في الحقيقة، وصفت ثورة 25 يناير بأنها ثورة الشباب، وذلك بسبب الدور الذى لعبته قوى شبابية في الدعوة والإعداد والحشد لفعاليات الثورة، والمشاركة الواسعة للفئات الشبابية، وأيضا بسبب الجهود التى بذلتها حركات احتجاجية شبابية عديدة خلال السنوات القليلة السابقة على الثورة والتى ساهمت في إيجاد مناخ موات لحدوثها. ومن وجهة نظر بعض الشباب المشارك والمفجر للثورة حول ماذا كان الشباب الذى قام بالثورة من شباب الحركات الاحتجاجية أم نشطاء اجتماعيين غير منظمين، فقد انقسموا إلى ثلاث اتجاهات: الفريق الأول من الشباب(  ) يرى أن الشباب الذى قام بالثورة هم من النشطاء الاجتماعيين وأن نسبة الحركات الاحتجاجية والإخوان والقوى الشبابية الأخرى لم تتجاوز 20% على الأكثر، والتى وصلت إلى 25% على أقصى حدود يوم موقعة الجمل، والتى تمت إدارتها من قبل خيمة في وسط ميدان التحرير حيث حدث اتصال بكل الناس في الائتلافات المختلفة خاصة المحافظات والتى تم قطعت الاتصالات والمواصلات عنها حيث جاءت مشاركين من محافظة القليوبية مشيا على الأقدام.( ) وفي المليونية الأولى، يوم 1 فبراير، كانت تركيبة الميدان تراوحت بين حوالى 10% من الإخوان المسلمين، وحوالى 5% من الناشطين السياسيين، والحركات الاحتجاجية المختلفة، والأحزاب. معنى ذلك أن حوالى 80% من الموجودين في الميدان شباب غير مسيس، أناس لا غرض، ولا قائد لهم، وليس تحركهم سوى غريزة المصرى في العزة والكرامة.( ) ويؤكد هذا الفريق بأن الائتلافات التى تشكلت أثناء وبعد الثورة سيطر على ها أعضاء الحركات الاحتجاجية فقط وبعض المستقلين، خاصة ائتلاف شباب الثورة، الذى ضم ممثلين عن حركات احتجاجية منظمة مثل “,”6 أبريل“,”، وحركات احتجاجية أيدولوجية مثل “,”العدالة والحرية“,”، وفصيل مثل شباب “,”الإخوان المسلمين“,”، كما يوجد نشطاء سياسيين مستقلين غير منتمين إلى حزب أو تيار سياسي جمع بينهم الاحتجاج على أوضاع البلاد السياسية والمعيشية ومن أمثال هؤلاء الشباب ناصر عبد الحميد وعبد الرحمن فارس وغيرهم من الشباب. ويرى هذا الفريق إن الثورة ولدت من رحم جيل كان حلمه التغيير وليس الإصلاح بعضهم ينتمى لحركات احتجاجية وظل بعضهم يعمل من داخل الأحزاب في حين اكتفي البعض الآخر بالعمل كمستقلين.( )

أما الفريق الثانى، فيذهب إلى أن المشاركين في القيام وتنظيم الثورة هم خليط من شباب ونشطاء اجتماعيين غير مسيسين وشباب يمثلون حركات اجتماعية وسياسية مختلفة،( ) تفاعل مع الدعوات وشارك بشكل فاعل في الثورة وفي كل فعالياتها. وقد ظهر على السطح الشباب المسيس فقط بناءا على خبراته وعلاقاته بالإعلام، لكن ذلك لا يمنع من أن العديد، بل السواد الأعظم من الشباب الفاعل هو شباب مصري مخلص محب لوطنه ولبلده ضحى بنفسه في سبيل نجاح هذه الثورة. والدليل الأكبر على ذلك بأن أغلب شهداء ومصابى الثورة الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل انتشال مصر من كبوتها واستعادتها لحريتها وكرامتها كانوا من الشباب المستقل وغير المنتمى إلى حركات احتجاجية أو حزبية.( )

في حين يذهب الفريق الثالث إلى أن من نظم الثورة وفجرها هى حركات احتجاجية واجتماعية سياسية موجودة فعلا على أرض الواقع قبل الثورة،( ) ولها هيكلها التنظيمي على أرض وفي الفضاء الاليكترونى، وتحمل شباب الحركات الاحتجاجية العبء الأكبر في الدعوة والقيام بالثورة. أما المنضمين بعد ذلك للثورة فأغلبهم أشخاص عاديين انضموا للثورة فقط ولم يتحملوا نفس العبء الذى قامت بها الحركات الاحتجاجية.( )

ويلفت بعض الشباب النظر إلى أنه نظرا للطبيعة التى اتسمت بها الثورة المصرية من غياب القيادة والتنظيم فإن عدد كبير من النشطاء الاجتماعيين الذين شاركوا في الثورة كان يتم تنظيمهم بشكل تلقائى خاصة عندما يشعر الجميع بأن الثورة في خطر.( )

ومن وجهة نظر الباحث المتواضعة، يمكن القول أن ثورة 25 يناير لم تكن حكرا على الشباب فقط، حيث شاركت فيها جميع فئات الشعب المصرى، إلا أن الشباب كانوا هم وقودها والقوة المحركة لها. وهناك مجموعات شبابية أخرى مختلفة ليس لها صلة مباشرة بالعمل السياسي ولكنها شاركت في الأحداث، سواء بموافقة قادتهم أو بدونها، مثل الطلاب السلفيين، وشباب الأقباط، والاتحاد الطلابي الحر. وظهرت خلال أحداث ثورة يناير أيضا مجموعات كبيرة من الناشطين المستقلين مثل وائل غنيم وعبد الرحمن فارس وأحمد دومة وغيرهم. ولا يفوتنا في هذا المضمار الإشارة إلى أن ثورة يناير قد أتاحت للشباب والناشطين المصريين خارج البلاد القيام بدور بارز في إنجاح تلك الثورة. فعندما قررت السلطات عزل مصر عن العالم خلال الأيام الأولى للثورة من خلال وقف خدمة الإنترنت والهواتف النقالة للحيلولة دون حشد الثوار عبرها، هرع الشباب المصرى في الخارج نحو إنشاء مجموعة رصد على الفيس بوك، التى قامت بعرض تطورات الأحداث داخل مصر وأظهارها للعالم الخارجى أولا بأول، وقد اعتمد على ها كثير من وسائل الإعلام العالمية والعربية في الحصول على الأخبار وإطلاع جماهير العالم عما يجرى داخل مصر، كما تحولت صفحات هؤلاء الشباب الشخصية على الشبكة العنكبوتية إلى صفحات إخبارية وإعلامية لعرض الأخبار ومقاطع الفيديو والدخول في مناقشات وحوارات لتبادل وجهات النظر حول الثورة المصرية. وبالتالى يمكن القول أن الحركات الاحتجاجية هى التى استطاعت الحشد وتعبئة جمهور الشباب إلى القيام بالثورة. ولكن كان أغلب المشاركين في الثورة من النشطاء الاجتماعيين وبعضهم من المنتمين لمنظمات حقوقية. خاصة وإن قطاع من منظمات المجتمع المدني - وهو القطاع الحقوقي- لعب دورا بلا شك، في تعميق الوعي بالحقوق والحريات والكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان، وهو إسهام رئيسي في تهيئة المناخ المجتمعي للثورة ضد الاستبداد، والمطالبة بالديمقراطية، ووقف الفساد وإحداث تحول ديمقراطي حقيقي في اتجاه الحرية والعدالة الاجتماعية. ومن ثم فإن الثورة اشتعلت بشكل رئيسي على صفحات الشبكة الالكترونية الاجتماعية، ثم انتقلت من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع، وتشكلت من قوى شبابية – كانوا بالفعل خارج بنية المجتمع المدني التقليدي- ثم التحم بها نشطاء للمجتمع المدني.

والخلاصة، أن ثورة 25 يناير قامت بها ثلاث فئات رئيسة، هى: أولا، أبناء الشعب العاديين وغير المسيسين وهم السواد العظم من الثوار. ثانيا أعضاء الحركات الاجتماعية ونشطاء حقوق الإنسان. وثالثا، الجيش الذى لم يتدخل لقمع المتظاهرين ووقف على الحياد خلال فترة الـ 18 يوم الحاسمة في عمر هذه الثورة.



خاتمة:

في عام 1970 كتب تيد روبرت جور دراسة مهمة حول تفسير صور العنف السياسى وشرح نظرية الحرمان النسبى Relative Deprivation ، ( ) وتناول التبريرات السيكولوجية والثقافية للعنف السياسى، وعلاقة العنف السياسى بشرعية النظام السياسى، والأيديولوجيات ونظم الاتصال، ومستوى القهر السياسى، وحجم الدعم المؤسسى للنظام السياسى. فالعنف السياسى يظهر عبر مراحل ثلاثة حيث يبدأ بشعور بعدم الرضا، ثم محاولة صياغة هذا الشعور بعدم الرضا في ممارسات سياسية، ثم تفعيل هذه الممارسات في صور عنيفة ضد النظام السياسى، كالقيام بثورة أو حالة عصيان عام. ( )

وما حدث في مصر خلال العقد الأخير يمكن تسميته بممارسة كبت وحرمان اقتصادى وسياسى من قبل النظام وقيادات الحزب الحاكم ضد فئات الشعب المصرى كله. وتجلى ذلك بوضوح في تزوير انتخابات مجلس الشعب 2010 والسيطرة شبه الكاملة للحزب الوطنى على مقاعد البرلمان، بل وكان الأمر أسوأ من ذلك في تولى الوظائف العامة مثل عمداء الكليات ورؤساء الجامعات والمناصب القيادية في المؤسسات الأخرى حيث كان شرط توليها هو الانتماء للحزب الوطنى وإظهار الولاء التام للنظام القائم والوريث المحتمل مما سبب حالة سخط عام وهو ما ساعد التنظيمات السياسية التى حولت الشعور بعدم الرضا إلى ممارسة سياسية، أو ما يطلق على ه “,”تسييس السخط العام Politicization of Discontent ، الذى ظهر على أشده عندما عجز النظام عن توجيه الموارد لخدمة الجماعات المختلفة. وبمعنى أكثر تحديد قامت بتسييس هذا السخط كل من الجمعية الوطنية للتغيير، والتى عملت طبقا لحديث عبد المنعم أمام بتهيئة الإجواء لحدوث ثورة خاملة داخل الشعب المصرى، وشباب 6 أبريل وجماعة الإخوان التى لم ينجح منها إلا واحد فقط في برلمان 2010 بعدما كانت ممثلة بـ 88 عضو في الدورة البرلمانية السابقة، وسرعان ما تحول هذا السخط العام إلى ثورة عارمة في جميع محافظات مصر مما صعب الأمر على قوات الأمن في التعامل مع المتظاهرين أو محاولة تفريقهم بالقوة.

ولقد كان للشعارات والأفكار داخل ميدان التحرير مفعول كبير في شعور المصريين بهويتها وبترابطها الداخلى من خلال استخدام رموز أو إطلاق شعارات بعينها تجسد مشكلات الجماعة أو تدفعها إلى الوحدة أو تحثها على النضال ضد النظام القائم. وقد استخدم الثوار نظرية الحرمان النسبى -التى تقر بأن المناطق أو المجالات التى يمكن أن ينطلق منها العنف السياسى هى أشد المناطق شعوراً بالحرمان النسبى (كالمناطق الفقيرة المزدحمة بالسكان في المدن) هى أكثر المناطق امتلاء بالعنف االمحتمل- لتحديد مناطق انطلاق الثورة. لذلك قام بعض الحركات الاحتجاجية مثل 6 أبريل وغيرها بالانطلاق في مظاهرات 25 يناير من المناطق العشوائية لحشد جماهير مناصرة لها، وهو ما حدث بالفعل واتسمت حركة معظم هذه الحركات بـ “,”التلقائية“,” للتعبير عن ثورة الغضب. وتفسر لنا هذه النظرية مشاركة الفئات الاجتماعية – كالطبقى الوسطى- المتعلمة في ثورة 25 يناير بكثافة لأنها هى الفئات التى تعرض باستمرار، طيلة عهد الرئيس مبارك- لتزايد الحرمان النسبى، في الوقت الذى توقفت فيه طموحهاتها عن النمو.