الخميس 06 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أيةُ مصالحة؟ ومع مَن؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هنالك عنصر مستجَد على درجة عالية من الأهمية تشهده هذه الانتخابات الرئاسية، بما يجعلها تختلف عن كثير من الانتخابات، حتى فى الديمقراطيات الراسخة، ذلك أن السوابق تقول إن للجماهير عادة مطالبَ فى حاجة لأن يجتهد بشأنها المتنافسون على الرئاسة، وإن من حق كل منهم أن يتخذ القرارات التى يراها مناسبة، أما هذه المرة فقد اتخذت الجماهيرُ قرارَها الحاسمَ برفض وجود جماعة الإخوان وحظر نشاطها وسحب الشرعية عنها والسعى لتأسيس شرعية جديدة، وتنتظر الجماهير من المتنافسيْن الإثنين أن يقتصر اجتهاد كل منهما فى كيفية تنفيذ القرار!
تابِعْ فقط، تأكيداً على هذا، ملخص تسلسل الأحداث وخلاصة مراقبة تطوراتها، فقط خلال الأشهر القليلة التى بدأت بالاستجابة الشعبية السريعة لدعوة تمرد، ثم الحشود غير المسبوقة فى تاريخ البشرية المطالبة بعزل ممثلهم من القصر الرئاسى، والهتافات بمحاكمة المرشد ورموز الجماعة، والذهاب إلى مقرهم فى المقطم ومقر الرئاسة فى مصر الجديدة واستقبال الرصاص الحى بصدور عارية، ثم الخروج الكبير لتفويض الجيش والشرطة للتصدى لهم ولحسم انتهاكاتهم الصارخة ضد القانون وتحديهم السافر للإرادة الشعبية، ولعل أقوى المواقف الشعبية كان، ولا يزال، يتجلى يومياً فى الوعى الجمعى الذى لم تصدر عنه شكوى من وطأة الإرهاب الدامى الذى يقع فيه الشهداء يومياً من الجيش والشرطة والمواطنين العابرين بمحض الصدفة فى مدى نيران الإرهاب، لم يطالب المواطنون الدولة بمهادنة الإرهابيين ليكفوا عن إرهابهم، بل على العكس صبر جميل وإدانه واضحة للإرهاب وإصرار على استمرار التصدى، بل وسعى بقدر طاقة المواطنين العزل غير المدربين على المواجهات المسلحة على مساعدة أجهزة الأمن كلما كان ذلك متاحاً. وهذا مثل واحد شديد التعبير، عندما تصدى مواطن أعزل لإرهابى يحمل قنبلة، وخطفها منه وجرى بها بعيداً حتى لا تنفجر وسط تجمع الناس، ولكن، وللأسف الشديد، انفجرت فى المواطن البطل وأحدثت به إصابات جسيمة!!
وكل هذا يعنى أن الشعب ثابت على موقفه رفضاً للجماعة وعزماً على إلغائها من مستقبل أيامه!
أدرك الشعب، بثقافة أبنائه المتعلمين وبذكاء الفطرة المستمدة من خبرات القرون، أن جرائم هذه الجماعة تتجاوز كونها تعتمد الإرهاب بالسلاح ضد أجهزة الدولة ورموز قوتها ولا تعبأ بأمن المواطنين، إلى ما هو أسوأ بكثير، بانتمائها إلى إيديولوجيا معادية لثقافة الشعب تبغى هدم ما يفخر الشعب ببنائه عبر قرون ويحرص على استمراره وتطويره! وكان الهدم مادياً فى حرق الكنائس وفى دعوات تحطيم الآثار، كما كان فى الأفكار والثقافة التى تعيش على اندماج أبناء الشعب خاصة مع الاختلاف فى الدين!
انظر إلى نتائج حكمهم فى عام واحد، وكيف أجرموا فى حق الجميع: حُماة الدستور والقانون، والمنادون بالدولة الحديثة حيث تداول السلطة سلمياً والفصل بين السلطات، ودعاة الحريات وحقوق الإنسان، والقضاة والصحفيون والإعلاميون، وكل النقابيين، والمغايرون فى الدين والمذهب، بدءاً من المسيحيين بطوائفهم، إلى الشيعة والبهائيين والقرآنيين، والنساء، والشباب، والأطفال، والسياسيون من خارج جماعتهم وحلفائهم، والفئات العليا اجتماعياً من أصحاب البيزنس، والفئات الوسطى الباحثة عن فرصة عمل أفضل، والفقراء الباحثين عن أى عمل، والمعدمون الذين يفتشون عما يقيم الأود!
ظهرت على التليفزيون إمرأة عجوز معدمة فى حالة صعبة، تحدثت بالكاد من إعياء وضعف، قالت إنهم كانوا، قبل وصولهم للحكم، يمنحونها معونة الزيت والسكر فى المواسم، ثم بعد أن ظهر مرسى انقطعت المعونة تماماً ولم تر أحداً منهم بعدها، وقالت بتعبيرها البليغ الموحى: "وآدى وش الضيف"!!
هل يمكن أن يُقال إن هذه خائنة عميلة لقوى أجنبية من أعداء الإسلام وإنها تتقاضى الدولارات مقابل الخيانة؟ هل لا يزال أحد فى حاجة إلى أدلة اضافية أنهم لم يمارسوا فى حياتهم عملاً خيرياً قط وإنما كانت خطة فى التعبئة وتوظيف أصوات الفقراء بأسوأ ما تكون الانتهازية؟!!
فكيف يأتى من يطرح المصالحة الآن ويُصرّ على أوهام دمج الجماعة فى الحياة السياسية؟ بأى صفة يتحدث؟ وبأى هدف؟ وكيف يفرض على الشعب صاحب الشرعية المجروح من كل ما رأى أن يغير من اختياراته المصيرية؟ ألا يرى التوافق بين ما يقول وبين ما تطرحه الدوحة على لسان مسئوليها وعلى أثير قناتها؟ الا يعلم بأن الدوحة لا تُعَبِّر عن نفسها فقط؟ ألا يجعله هذا يتردد قليلاً ويفكر قبل أن يقول؟
ومع كل هذا، فلم يطالب أحد بتصفية الإخوان جسدياً، ولا باعتقالهم، وإنما فقط بمحاكمة قياداتهم أمام قاضيهم الطبيعى، مع حظر تنظيمهم، وتجريم العمل تحت لوائه، وهذا أخفّ مما حدث مع الحزب النازى وغيره، بل إن من أراد ممن لم يشارك منهم فى الجرائم المدانة، فأهلاً وسهلاً فى إطار النظام العام والمؤسسات القانونية، وأقصى ما يُطلب من هذه الفئة الأخيرة أن يعتذروا عن الجرائم التى اقترفها تنظيمهم وأن يقدموا نقداً ذاتياً يبررون فيه غفلتهم عما كان يُرتكَب باسمهم! 
هذا ما يجعل جماعة الإخوان هى الحاضر الغائب فى هذه الانتخابات الرئاسية، ليس لهم مرشح، ولم يعلنوا موقفاً مؤيداً واضحاً لأحد المرشحين، ولكنهم يحتلون، ويجب أن يحتلوا، مساحة مهمة فى الجدل السائد، سواءً فى تصريحات المرشحيْن المتنافسيْن، أو من مؤيدى ومعارضى كل منهما، ومن المعلقين من الداخل والخارج، ومن المرَجَّح أن يكون موقف كل مرشح إزاء الإخوان حاسماً فى تحديد اتجاهات تصويت الناخبين، خاصة أن البادى على السطح حتى الآن أن هناك تشابهاً كبيراً بين تصريحات كل منهما فى معظم القضايا الأخرى، كما أن مسألة الإخوان صارت متداخلة فى معظم القضايا المطروحة.