الجمعة 24 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مصر ومخطط إعادة تقسيم المنطقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يلقي رالف بيترز، صاحب الخارطة الأمريكية الجديدة للمنطقة، باللوم على الولايات المتحدة وحلفائها على عدم استثمار الفرصة العظيمة بعد سقوط بغداد لتقسيم العراق إلى ثلاث دول من أجل ما يسميه "إنهاء الظلم" الموجود. والتقسيم سيؤدي إلى دولة شيعية في الجنوب وسنية في الوسط وكردية (كردستان الحرة) في الشمال، وهنا يخاطب بيترز الدول الغربية قائلًا: " إن كردستان الحرة الممتدة من ديار بكر إلى تبريز ستكون أكثر الدول صداقة للغرب من بلغاريا إلى اليابان".
أما بالنسبة للدولة السنية العراقية الصغيرة المتكونة من ثلاث محافظات فقط في الوسط فسوف تختار فيما بعد الوحدة مع سوريا، أما سوريا فسوف تخسر المنطقة الساحلية كلها لصالح "لبنان الكبير المتوسطي الطابع مما يؤدي إلى عودة الدولة الفينيقية"، ولكن الجنوب الشيعي العراقي سيكون نواة "للدولة الشيعية العربية التي ستمتد على طول معظم الخليج "الفارسي"، أما الأردن فإنه سيحافظ على أراضيه الحالية مضافًا إليها مناطق جديدة من السعودية. أي هناك لبنان الأكبر والأردن الأكبر، كما يقترح وضع مكة والمدينة تحت سلطة دينية خاصة أسوة بالفاتيكان. ويقترح إلحاق آبار النفط السعودية الساحلية بالدولة الشيعية خاصة أن هذه مناطق شيعية وإلحاق جنوب شرق السعودية باليمن والجزء الشمالي بالأردن.
أما إيران فستخسر بدورها أجزاء كبيرة من أراضيها لكل من أذربيجان وكردستان والدولة الشيعية وبلوشستان الحرة ولكنها ستحصل على منطقة "هيرات" من أفغانستان؛ لأن هذه المنطقة ترتبط لغويًا وتاريخيًا مع إيران فتصير إيران دولة إثنية من جديد، أما أفغانستان فسوف تعوض ما تخسره من الباكستان إذ يتم عودة مناطق القبائل في شمال غرب الباكستان إليها وسيلتحق سكان هذه المناطق بإخوتهم الأفغان، ومن أجل عودة الباكستان غير الطبيعية إلى دولة طبيعية يجب أن تتخلى عن منطقة البلوش لنشوء دولة.
الكويت ستبقى في الشرق الأوسط الجديد على حالها، أما الإمارات فسينضم بعضها إلى الدولة الشيعية الجديدة التي ستكون مناوئة لإيران وليست حليفة لها كما يقول بيترز، أما دبي فستبقى كما هي.
ويختم المؤلف مقالته بقوله: "إن لم يحدث تصويب للحدود في الشرق الأوسط الكبير بشكل تتفق فيه هذه الحدود مع الروابط الطبيعية للدم والدين فسوف يكون هناك مزيد من سفك الدماء في المنطقة" وكأنه يهدد بحدود دموية إن لم تنجح حدود الدم الأمريكية.
إن عملية إعادة التقسيم هذه تتطلب بالضرورة إدخال تعديلات جوهرية على ترتيب دوائر الانتماء لشعوب تلك الدول بحيث يتراجع الانتماء للدولة ليحتل ذيل القائمة ويتم تصعيد الانتماءات الأخرى العرقية والدينية و المذهبية لتحتل الصدارة.
ويبدو أن ثمة صعوبات نوعية تعترض طريق تلك الخريطة بالنسبة لتقسيم مصر وتتمثل في عدد من "العقبات": "الميوعة المذهبية" و"الميوعة السكانية" و"اللاتمايز في المظهر الخارجي"، و قبل أن نحاول رصد حركتنا في الحقبة الأخيرة ومدى انسجام تلك الحركة أو تعارضها مع ذلك الذي يراد بنا، ربما يكون من المناسب رصد بعض اللمحات التي تصور ما كنا عليه وكان يمثل جوهر تلك العقبات.
حين اجتذبني العمل السياسي المصري المنظم المعارض للسلطة خلال سنوات الشباب المبكر، كنت ضمن تيار لا يهتم أبناؤه كثيرًا بالتعرف علي ديانة بعضهم البعض، وحين اقتربت بعد ذلك من صفوف الثورة الفلسطينية كنت أقرب إلى تيار حركة فتح حيث لم يكن التعرف على الانتماء الديني للزملاء أمرًا مهمًا بل ولا حتى ممكنًا في بعض الأحيان، وقد عبرت عن همومي هذه في مواقع ومناسبات عدة.
ولو نظرنا في ضوء ذلك وعلى سبيل المثال إلى خريطة انتماءات المصريين لوجدنا أنها انتماءات ثلاثة: انتماء مصري وانتماء عربي فضلًا عن انتماء المسلمين للدين الإسلامي والمسيحيين للدين المسيحي، وقد أشارت كتابات الرحالة الذين سجلوا مشاهداتهم عبر التاريخ إلى صعوبة التمييز بين المصريين من حيث الانتماء الديني إلا في مواقيت الصلاة والمناسبات الدينية، حين يتجه المسيحي إلى الكنيسة ويتجه المسلم إلى المسجد؛ أما في الأسواق و الطرقات فليس ثمة رموز أو علامات أو ملامح واضحة تميز هذا عن ذاك، وليس من شك في أن ذلك الانصهار البشري المصري كان ومازال يعد عائقًا قويًا بالنسبة لمخططات التقسيم عبر التاريخ.
فلننظر معًا في أبرز أحداث تلك الفترة فلعل فيها ما يفسر ما يجري في المنطقة بعامة، لقد شهدنا خلال هذه الفترة – فيما يتعلق بمصر- قيام ثورة يوليو 1952، ثم هزيمة يونيو 1967، ثم انتصار أكتوبر 1973، وأخيرًا ما شهدته الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر 2000.
لقد كان لنظام يوليو مآثره وسلبياته، وكان على رأس تلك السلبيات تضييق مساحة ممارسة الحق في التعبير المنظم ومن ثم ذبول دور مؤسسات المجتمع المدني بحيث أصبحت القاعدة المستقرة هي "الإجماع"، ومن ثم أصبح الرأي الآخر يمثل خروجًا على إجماع الأمة ينبغي إدانته، وغنى عن البيان أننا نعني بالرأي الآخر في هذا السياق ذلك الرأي المناقض للتوجهات الأساسية للسلطة الرسمية وحق أصحاب هذا الرأي في التعبير المنظم عن رؤيتهم.
ومع وقوع كارثة الهزيمة في يونيو 67 وارتفاع شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة تحولت سلبيات يوليو إلى ضرورات "ثورية"، كما خلفت النكسة بصمتين رئيسيتين تمثلتا في التسليم بأن تدهور واقع الأمة يرجع أساسًا إلى ابتعادها عن صحيح الدين الإسلامي والمسيحي على حد سواء، إلى جانب التسليم بأن العنف هو السبيل الأوحد لاسترداد الحقوق وردع المعتدي.