رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العلم والتكنولوجيا بين إسرائيل والعالم العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أَوْلَت إسرائيل العلم والتكنولوجيا عناية خاصة منذ نشأتها، بل يمكن القول- دون انبهار يذكر- أن العلم والعلماء قد لعبوا دورًا حاسمًا في تأسيس بنية الدولة وإرساء دعائمها، وثمة بعض الروايات التي تُنسب إلى حاييم وإيزمان أول رئيس لدولة إسرائيل- فضلاً كبيرًا في إصدار وعد بلفور، دون إغفال العديد من العناصر المركبة والمعقدة التي ساهمت في ذلك- حيث كان وايزمان عالمًا للكيمياء، وتمكن خلال الحرب العالمية الأولى من حل بعض مشاكل الذخيرة للجيش البريطاني أثناء هذه الحرب.
كان وايزمان أحد علماء الكيمياء الذين انتموا للعلم الألماني، وكان العلماء الألمان في الكيمياء آنذاك، يحظون بشهرة وسمعة عالمية كبيرة؛ حيث دفعت الحروب والتنافس بين ألمانيا وفرنسا وغيرها من جيران ألمانيا إلى تطور الجيوش، ومن ثم تطوير الأبحاث العلمية وتطبيقاتها، إلى حد ذهب ببعض المؤرخين إلى القول بأن الجامعات قد حسمت حروب أوروبا في هذه الحقبة، وذهب البعض الآخر إلى القول بأن حالة الجيوش في المواجهة العسكرية، تماثل حالة ومستوى علم الفيزياء السائدة لدى أطراف مثل هذه المواجهات.
حرص وايزمان الذي كان متحمسًا للنموذج الألماني في العلم والتكنولوجيا، ومخططًا السياسة العلمية في إسرائيل، على تدعيم وإنشاء المعاهد والمراكز العلمية والجامعات في وقت مبكر قبل نشأة الدولة وبعدها، وتراوحت هذه المعاهد والجامعات بين التعليم وبحوث التطوير المرتبطة بالمناطق الجغرافية التي أنشئت فيها، مثل الجامعة العبرية ومعهد التخنيون وغير ذلك، العديد من المعاهد ومراكز البحوث المرتبطة ببحوث الصحراء والتربة والمياه والزراعة.
كان الهم الأول لمخططي السياسة العلمية والتطوير في إسرائيل هو غرس وإرساء بنية متكاملة للعلم والتكنولوجيا في إسرائيل، تشمل تكوين جماعة علمية وبحثية محلية، ومؤسسات تهتم بالتعليم والبحث والتطوير، وربط هذا وذاك بالتطورات العلمية والبحثية على الصعيد العالمي.
وتحققت بذلك الشروط الضرورية لتطور العلم والتكنولوجيا في أية دولة، فنشأت في إسرائيل جماعة علمية محلية مترابطة ومتفاوتة، تلقت تدريبًا وممارسة سليمة، وانتظمت هذه الجماعة في معاهد ومراكز أنشئت على قواعد حاسمة، وارتكزت ممارساتها على قيم علمية رصينة، وتمكنت هذه الجماعة العلمية وفقًا لمستوى تدريبها وتأسيسها العلمي والمعاهد التي انخرطت فيها من الانفتاح على التطورات الحديثة في العلم والتكنولوجيا، ولم تكتف فحسب باستيعاب هذه التطورات بل ساهمت فيها وأضافت إليها.
وقد أدرك مخططو السياسة العلمية في إسرائيل أهمية الانفتاح على الجماعة العلمية في الخارج، وأن عزلة أي جماعة علمية محلية مؤشر في تقليص قدراتها ووقف نمو مواهبها، وتخلفها عن مواكبة التطور المتسارع للتكنولوجيا والعلم، ذلك أن الانفتاح من شأنه أن يدعم المنافسة العلمية، وأن يحفز العقل على التفكير وإثارة التساؤلات، والبحث عن إجابات وحلول للمشكلات العلمية القائمة، وبلورة إشكاليات علمية وتطبيقية ومنهجية جديدة.
على صعيد آخر فقد ارتبطت السياسة العلمية في إسرائيل بأهداف الدولة ومستقبلها، ذلك أن الدولة الإسرائيلية تنشد القوة التي تفوق جيرانها وتحبطهم وتثبط همتهم عن التفكير في مواجهتها عسكريًّا، وتؤمن لها الاستمرار والأمان رغم الأسس النافية للعدالة والأخلاق وقواعد الإنصاف التي نشأت عليها، وقد أفضت سياسة العلم والتطوير في إسرائيل إلى تملكها للسلاح النووي، ودخولها عصر الفضاء والأقمار الصناعية وبرمجيات الحواسب الآلية، بحيث أصبحت إسرائيل عضوًا في النادي الذري في وقت مبكر، ونادي الفضاء، ويعد جيشها رابع جيش في العلام، وهذه الوضعية التي تحظى بها إسرائيل الآن هي حصاد وثمرة السياسة العلمية المتعلقة بالعلم والتكنولوجيا منذ ما قبل نشأتها وحتى الآن.
ولا شك أن محصلة ذلك الارتباط بين أهداف السياسة العلمية وأهداف الدولة، قد أفضت إلى أن يحظى العلم والعلماء بمكانة رفيعة في السلم الاجتماعي، وأن تحظى ميزانية البحث العلمي والتطوير بنسبه تتجاوز النسبة العالمية المعروفة المخصصة للإنفاق في هذا المجال، وهي 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك فضلاً عن بحوث التطوير العسكرية التي لا يعلن عنها، كما توفر الدولة الأجهزة والمعدات وكافة التقنيات اللازمة لإجراء بحوث التطوير؛ حيث لا يستطيع القطاع الخاص تأمين هذه المهمة باهظة التكاليف.
أما إذا انتقلنا لمقارنة حصيلة هذه السياسة العلمية في إسرائيل مقارنة بمثيلاتها من الدول العربية فرادى أو مجتمعة، لاكتشفنا تفوق إسرائيل الكبير على صعيد أي مؤشر من المؤشرات الدولية المعروفة لقياس التطور العلمي والتكنولوجي؛ فمن زاوية النشر في المجالات العلمية العالمية تفوق نسبة مساهمة العلماء الإسرائيليين مثيلها للعلماء العرب، ومن زاوية الحضور في المؤتمرات العلمية أو تنظيمها والمشاركة فيها يصدق نفس القول، ومن زاوية نصيب إسرائيل من براءات الاختراع المسجلة عالميًّا فحدث ولا حرج، وكذلك الأمر من زاوية المنفق على بحوث العلم والتكنولوجيا ونسبته إلى الناتج القومي الإجمالي، وعلى صعيد نسبة عدد العلماء إلى عدد السكان، والتبادل والتعاون بين الجماعة العلمية في إسرائيل والجماعة العلمية، نجد أيضًا أن التفوق وفي بعض الأحيان- بنسب مضاعفة عدة مرات من نصيب إسرائيل.
هل يعكس الأمر عبقرية يهودية وإسرائيلية خاصة؟ أم أنه يعكس تفردًا يهوديًّا وإسرائيليًّا خاصًّا؟ يتميز به اليهود دونًا عن سائر البشر والأعراق والجماعات، في تقديري أن الأمر لا علاقة له بهذا أو ذاك، أي أنه لا ينم عن قدرات يهودية إسرائيلية خارقة أو متعالية أو متسامية، تستعصي على التغير الموضوعي، فالأمر ليس جينات موروثة علمها في رحم الغيب، بل هو تضافر شروط وعوامل محددة في مقدمتها أن إسرائيل قد استفادت من اندماج وانخراط بعض أعضاء الجاليات والتجمعات اليهودية في الخارج في إطار المنظومات والمؤسسات العلمية، واستقدام هذه الخبرات إلى إسرائيل شَكَّل نواة لهذا التقدم، من ناحية أخرى فإن إسرائيل قد ارتبطت منذ البداية بمصادر حصيلة التطور العلمي الغربي، ووجدت دائمًا بسبب عقدة الذنب الغربية والأوروبية وبسبب ارتباطها بالغرب حضاريًّا وسياسيًّا المداخل والقنوات التي تمر منها إلى أسرار التطور العلمي وديناميكياته، يضاف إلى ذلك سياسة علمية وتكنولوجية جادة ومسئولة وجدت الطريق للتطبيق والتطور والممارسة، وحل المشكلات وبلورة الأسئلة والإشكاليات.
أما على الصعيد العربي فرغم توفر النواة والعقل لنهضة علمية وتكنولوجية إلا أننا نفتقد منظومة مترابطه ومتكاملة للبحث والتطوير، ونفتقد سياسة علمية وتكنولوجية تؤطر الأداء وتحدد الهدف وتستنهض الإمكانات، وذلك فضلاً عن غياب الإرادة السياسية لنهضة علمية تواكب الطلب المحلي على التكنولوجيا الذي يتوجه للخارج بدلاً من الداخل، وتعثرت في الممارسة المشروعات العلمية والتكنولوجية الكبرى، إما بسبب البيروقراطية وتقلب السياسات والعهود، أو بسبب الدعاية والإعلان المبكر والمبالغ فيه عن مثل هذه المشروعات، وحفز القوى المعادية لنا على وأدها في المهد.