الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الأفقُ مسدودٌ أمام حكومة محلب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لدينا من يتعمد أن تتحول الغضبة الجماهيرية فى 25 يناير 2011، ضد انحراف بعض أجهزة الشرطة باقتراف جرائم فى حق الشعب، إلى أن تصير كراهية دائمة وعداءً أبدياً ضد كل ما يُسمى "شرطة"، مهما فعلت لتصحيح أوضاعها إلى الأفضل، ومهما كانت أهمية وخطورة وحرج المهام والمسئوليات المنوط بها أنجازها لأمن ومصلحة الوطن!
وكما ترى، وبغض النظر عما تبدو عليه هذه الدعوة وأمثالها من فوضوية، فهى أيضاً فكرة شريرة يطلقها سياسيون يخططون لتدمير الشرطة، ليس من منطلق فوضوى وإنما بهدف تدمير الشرطة الموجودة بما لديها من عقيدة أمنية، بل بسبب هذه العقيدة الأمنية، وتكوين شرطة خاصة بهم، يتوهمون أنهم يمكنهم أن يشكلوها بعقيدة أمنية أخرى تخدم مخططاتهم وتتبنى سياساتهم وتعمل ضد خصومهم! ومع ما ينطوى عليه هذا الوهم من تحلل للقيم الوطنية، فإنه يفضح سذاجة أصحابه الذين يتعاملون بالعقل البسيط مع قضايا شديدة التعقيد!
لأنه ليس هنالك مجتمع يمكنه الاستغناء عن أجهزة الشرطة بتنوع تخصصاتها وانتشار نفوذها، تعمل من منطلق وطنى عام، لصالح عموم المواطنين، بل، من الواضح مع قدر بسيط من المعرفة التى يتلقاها التلاميذ فى مراحل التعليم الأولى، أنه كلما كان المجتمع أكثر تطوراً كلما كان فى حاجة أكثر إلحاحاً للشرطة، بل وضرورة أن يرتقى أداؤها أكثر، نظراً لتطور الجريمة وارتفاع مستوى المجرمين فى التقنيات، إضافة إلى تطور مجالات الحياة واتساعها وعمق التغيرات التى تطرأ على أساليب الحياة، مع ضرورة التيقظ لعنصر التدخل الخارجى بوسائل خفية وبأساليب على أعلى درجة من التطور.
حتى الشرطة التى ثار ضدها الشعب قبل ثلاث سنوات، وبمجرد أن غابت عن المشهد لبضعة أيام، حتى ضربت البلاد فوضى عارمة، وما عاد هنالك رادع للمجرمين الذين فرضوا سطوتهم بسرعة مذهلة، وأظهروا السلاح جهاراً نهاراً، وعرف الناس ظواهر لم يدركوا أن الشرطة التى ثاروا ضدها، على ما كانت تقترفه من أخطاء، كانت تحميهم من جرائم شتى ظن البعض أن غيابها كان أمراً طبيعياً وأنه ليس بفضل عمل دءووب من الشرطة، مثل جريمة "التثبيت" على الطريق فى أى ساعة من الليل أو النهار، وهى الظاهرة التى بزغت بسرعة ثم انتشرت بأسرع مما يتخيل أحد، وصارت مما يتوقع كل مواطن لنفسه أن يقع فيه، بعد أن كان الناس لا يعرفون عن هذه الجريمة بالذات لندرتها إلا من صفحات الحوادث!
وأما الظاهرة الأخرى فى غياب الشرطة، ولعلها أخطر، بسبب شيوعها المستفزّ، وبسبب اختلاطها بقيم اجتماعية إيجابية تجد مبررات لوجودها وتجد الأعذار فى تمددها، فهى ظاهرة الباعة المقيمين على الأرصفة ونهر الطريق وعند مداخل محطات المترو وفى المحطات وفى العربات، والذين انتشروا فى عموم البلاد وليس فقط كما تركز معظم أجهزة الإعلام فى العاصمة ووسط البلد، والذين ما عاد يمكن، على الأقل لُغوياً، أن يقال عنهم إنهم باعة "جائلون"!
هناك اتفاق عام على أنهم يخرقون القانون، وعلى أنهم لم يكونوا ليفعلوا هذا إلا فى غياب الشرطة أو فى حالة تكبيلها عن إعمال القانون، وأن فى هذا تطاولاً على هيبة الدولة، فهم، عملياً، حلقة من حلقات تهريب كبرى من المنبع حتى وصول السلع فى هذا المعرض الهائل بطول البلاد وعرضها، وقد يكون أقل انتهاك يقترفونه فى سرقة التيار من أعمدة الكهرباء العامة لإنارة مصابيح عملاقة تسمح بعرض بضاعتهم بكل وضوح فى عزّ الليل، فى وقت تطفئ فيه الدولة مصابيح هذه الأعمدة تحت عنوان ترشيد الاستهلاك! والضجيج الهائل الذى يتسببون فيه، كما أن المكاسب التى تعود عليهم هى، وبشكل مباشر، السبب الرئيسى فى خسارة التجار من أصحاب المحلات الملتزمين بالقانون، لأن وجودهم خارج النظام يحررهم من أى التزام، لا إيجار ولا كهرباء ولا ضرائب ولا تأمينات ولا رقابة على جودة السلع وأسعارها ولا خضوع للكشف عن منشأ السلع وإيصالات الجمارك، إضافة إلى المشاكل التى يتسببون فيها بتعطيل المرور للسيارات وتعويق حركة المشاة..إلخ إلخ
ولكن، ومن ناحية أخرى، هناك رأى أخر يَقِرُ فى ضمير عموم المواطنين بأن هذه ظاهرة مركبة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأن غياب الشرطة جاء بعد هذا ليتيح لها أن تنفجر بهذا الشكل، وأنه ما عاد الآن من الصواب أن يكون البدء بدور الشرطة أو الاكتفاء به، لأنه من حق هؤلاء الباعة أن يجدوا فرصة عمل لا توفرها لهم الظروف الصعبة التى تعيشها البلاد، وأنه نظراً لذلك ينبغى على الدولة أن تعمل بروح القانون وليس بنصوصه الجامدة التى تستخدم يد الشرطة ولا تلتفت إلى ملابسات هذه الظاهرة وأسبابها!
يبدو أن كل هذا كان فى خلفية رئيس مجلس الوزراء المهندس ابراهيم محلب عندما بادر فى الأيام الأولى بعد دخوله المكتب، فذهب بنفسه مع عدد من كبار المسئولين فى زيارة ميدانية لباعة وسط البلد، ولكن، وللأسف، فقد افتقدت هذه المبادرة روح الحسم، لأنه كان ينبغى على المهندس محلب أن يدرك أهمية أنه يمثل الدولة صاحبة الحق فى استخدام كل الأدوات، بما فيها الشرطة، لإعمال القانون.
ولعل السبب الرئيسى وراء إفشال هذه المبادرة هو أن الحكومة ضعيفة لأنها مقيدة بعقدة أنها ليست منتخبة، حتى وهى تكرر كثيراً أنها تعبير عن موجة التصحيح لمسار الثورة فى 30 يونيو، كما أن هؤلاء الباعة يعلمون يقيناً أن سلاح الشرطة الذى كان يخيفهم فيما سبق، والذى يمكن أن يكون حاسماً فى كل وقت، لم يعد ماضياً بعد أن طاله التجريح!
وهذا دليل على الوقوع حتى الآن فى شَرَك مخططات من يستهدفون تدمير جهاز الشرطة!!