الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بعد المصالحة الخليجية.. سيناريوهات التحول في السياسة القطرية.. التغيير الظاهري لسياستها والدعم الصريح للإخوان.. دعم التوترات بالمنطقة من خلف الكواليس.. التخلي عن أطماعها والاندماج بالمشروع العربي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد اتفاق وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، خلال اجتماعهم الأخير بالرياض في 17 إبريل الجاري، على آلية تنفيذ وثيقة الرياض، وهو ما يعني بدء المصالحة مع قطر.. كيف تمضي العلاقات بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي؟ وهل تمكنت قطر من اجتذاب الدول الثلاث بعيدا عن مصر، أم تمكنت الدول الثلاث من اجتذاب قطر بعيدا عن الإخوان وشبكات الإسلام السياسي؟

وما السيناريوهات الكبرى للتحول السياسي في قطر بعد الأزمة؟ هل تعود قطر إلى وضعيتها السابقة، قبل تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحكم، كإمارة مسالمة، أم تعاود سياساتها قبل الأزمة؟ هل تصبح قوة استقرار إقليمي، أم تستمر في الإثارة وزعزعة الاستقرار؟

ومن جانبه، قال مصدر خليجى مطلع: إن اللجنة المشكلة لتسوية الخلافات "الخليجية - الخليجية" ستعقد اجتماعها الثانى اليوم، الإثنين، في الرياض لبحث آلية تطبيق بنود "وثيقة الرياض".

وأضاف المصدر الخليجى، في تصريحات نشرتها صحيفة "الحياة"، طبعة المملكة: إن الاجتماع سيبحث آلية تطبيق بنود "وثيقة الرياض" الصادر عن الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى الشهر الماضي في العاصمة السعودية.

وفيما تمسك المصدر بتفاؤله حيال إمكان قيام قطر بتنفيذ التعهدات الواردة في الاتفاق المذكور، قال: إنه لم يحدث شيء يذكر في هذا الشأن عقب اجتماع الشهر الماضي

وأكد المصدر أن "الاتفاق الخليجي على تنفيذ الالتزامات من قطر واضح، ولا تزال هناك فرصة للتفاؤل بحل الخلاف الخليجي بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من الجهة الأخرى".

جدير بالذكر، أن هناك إلحاحا قطريا على المصالحة، حيث سلكت الدوحة كل مسلك من أجل عودة السفراء بسرعة، سواء من خلال الوساطة الكويتية، أو من خلال المحاولة غير الموفقة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، أو من خلال ملكي الأردن والمغرب، أو أثناء اللقاء الأخير للشيخ تميم بوزير الخارجية الأمريكي في الجزائر

وليس معروفا سبب الإلحاح القطري على الاستعادة السريعة للعلاقات، إذا كانت الدوحة هي ذاتها التي لم تتورع عن سلوك مسلك المعاند حتى قبل أيام من قرار سحب السفراء، إلا إذا كان بضغط الحاجة النفسية لإنهاء الأزمة بعد الشعور بالعزلة والحاجة السياسية لتقويض القرار الخليجي وإظهاره بمظهر المتردد إزاء الإمارة القطرية. فبالنسبة للدوحة فإن الأثر الإعلامي والداخلي لقرار عودة السفراء هو أهم لديها من أي شيء آخر، وهم أهم من استمرارهم أو سحبهم تاليا.

جوهرية الخلاف

لم يقتصر الخلاف القطري الخليجي الراهن على مظاهره المعلنة الخاصة بالشيخ القرضاوي أو قناة الجزيرة، أو بعض قادة الإخوان الذين تؤويهم الدوحة، أو بأنشطة أفرع المراكز البحثية الأجنبية في قطر، أو بالموقف من مصر، وإنما امتد إلى جوهر النظامين العربي والخليجي؛ واللذين شهدا صراعا بين مشروعين أو منظومتين أساسيتين؛ المنظومة "التقليدية الرسمية" التي تمثلها السعودية والإمارات والبحرين و"المنظومة الانقلابية غير الرسمية" التي تمثلها قطر.

وبينما تتمسك السعودية بالإسلام التقليدي والسلفي المعتدل، فإن قطر تدعم الطبعات الأكثر تطرفا من الإسلام الحركي، وبينما فضلت السعودية والإمارات التعامل ضمن منظومة النظام العربي الرسمي الممثل في الدول الوطنية، فقد تعاملت قطر مع شبكات وتحالفات غير رسمية معادية للدولة الوطنية، لحساب جماعات فرعية أدنى منها

واستثمرت قطر طويلا في منظومات وشبكات إسلاموية مختلفة، وكانت تراهن على تأسيس نظام عربي جديد، يتكون من نسخ وطبعات مستنسخة لأنظمة إخوانية في دول الثورات، واستمرت في تحالفاتها مع شبكات ما دون الدولة، دون أن تأبه باعتراضات الدول الخليجية، ومن المرجح أنها كانت تهدف تاليا إلى استخدام هذه الشبكات والأنظمة كقواعد أساسية في طموحها بتغيير النظام العربي، وربما تاليا ضد أوضاع في الخليج.

لكن التشريعات والقرارات السعودية والمصرية الأخيرة والحاسمة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي ومنها جماعة الإخوان، مع بدايات تسرب هذه التشريعات والخطوات ومباركتها من دول عربية وأجنبية أخرى، وضعت مستقبل العلاقات الخليجية مع قطر في خضم قضية أكبر، تتعلق بمستقبل النظام العربي.

فبالنسبة لقطر يعني التخلي عن الإخوان وقوى الإسلام السياسي التخلي عن حليف واستثمار يمثل أهم رأسمال أسسه نظام الشيخ حمد بن خليفة، وتكفله بالرعاية على مدى السنوات من 1995 وحتى 2013، ومن الصعب على الدوحة أن ترى ذلك يتهدم، خصوصا وأن هذا "الرأسمال" قد أصبح له شبكات مصالح وامتدادات إقليمية ودولية وفي دوائر الحكم، وأصبح مشروعا قائما بذاته في الداخل والخارج

والتخلي عن كل ذلك يعني احتمال تعرض قطر لردود أفعال من الأذرع الانتقامية والعنيفة لعناصر هذه التحالفات والشبكات، أو على الأقل حملات تشوية ناعمة وفضح الصفقات، وعمليات ابتزازية للحكومة والدولة

ففي ظل سنوات من التعامل القطري مع جماعات وشبكات الإسلام السياسي، من المؤكد أن هذه الشبكات لديها قدرات اختراق داخلية وإمكانات للوصول بأهدافها إلى مرماها في الإمارة الصغيرة، وقد يمتلك الطرفان أدلة تدينان بعضهما بعضا يمكن استدعاؤها في أوقات محددة، وهذا يعني أن خروج قطر من إسار هذه الشبكة الإسلاموية المكدسة بالصفقات المشبوهة سوف يأخذ وقتا

وأضافت قرارات السعودية الأخيرة، بإدراج الإخوان وجماعات داعش والنصرة وحزب الله والقاعدة ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، وما سبقها من أمر ملكي بمعاقبة كل من يشارك في “أعمال قتالية” خارج المملكة، أعباء على الدوحة والمشروع القطري في الإقليم

فهذه القرارات تضع المملكة في مرمى نيران الإسلام السياسي لسنوات مقبلة، وتفرض على السعودية تغيير العقائد الأمنية، وإدخال تغييرات على المنظومات الفكرية والسياسية والدينية، وفي ظل هذه الحالة فإن أي اضطراب أمني تتعرض له المملكة مستقبلا – وهو أمر وارد وعليه شواهد عديدة - سوف يجعلها في مواجهة مع قطر وأنصارها من الشبكات الإسلاموية، إذا لم تتراجع قطر عن طريقها

ومن شأن ذلك أن يجعل المشروعين القطري والسعودي متواجهين ومتصادمين تماما، على نحو ستكون له تبعات على الأرض، ومن المتوقع أن تسعى كل دولة إلى تأكيد وجهة نظرها والدفاع عنها دوليا وإقليميا وداخليا من خلال قرارات وتشريعات جديدة تتعلق بأنشطة هذه الجماعات والأعمال الخيرية وانتقال رءوس الأموال وزيارات الشخصيات.. وغير ذلك. وهكذا، أتت الأزمة في ظل بوادر تشكل فلسفة وعقيدة جديدة للنظام العربي تتمثل في مواجهة الإرهاب الذي أصبح أكثر التصاقا بالجماعات الإسلامية، والقوى الداعمة له، وارتباط الدوحة بذلك يجعلها في خندق واحد مع قوى الإرهاب.
واستعادت المملكة مصر من قطر بعد سقوط حكم الإخوان، ودفعت بقرار ثلاثي بسحب السفراء على نحو أربك حسابات الدوحة وهددها بالعزلة، وبرزت بعض مؤشرات على عملية من إعادة التقييم الإستراتيجي السعودي للتحولات الإقليمية، وفي العمق منها الأوضاع في سورية، على نحو قرّب موقف الرياض من القاهرة في هذا الملف؛ فعلى مدى ثلاثة أعوام تبنت المملكة الإطاحة بنظام بشار ودعمت المعارضة، في توافق كامل مع موقف قطر، ولكن مع بروز صعوبات ذلك، تتضح بوادر اقتراب المملكة من تبني صيغة الحل السياسي، رغم أن الخطاب السعودي الرسمي المعلن لا زال يتمسك بموقفه فيما يتعلق بالوضع في سورية


إن قرارات السعودية الخاصة بقائمة الإرهاب وتجريم القتال في الخارج، فضلا عن تغيير الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات، وتولي ملف سورية شخصيات أغلبها لم يكن مؤيدا لخط الأمير في دعم قوى المعارضة، هي كلها دلائل على بداية مسار سعودي جديد.

لقد اتجه الاختيار السعودي لبناء نظام عربي جديد، تتأسس عقيدته الرئيسية على الحرب ضد الإرهاب، والجديد فيه اقتراب تعريفه للإرهاب على نحو يجعله مرادفا لجماعات الإسلام السياسي الحركي المتحالفة مع قطر، وهو ما يضرب في الصميم المشروع القطري للمنطقة وشبكات وتحالفات الدوحة الإقليمية مع الفاعلين دون الدولة؛ فالتوجه السعودي الإماراتي المصري يدرج تنظيمات وجماعات الإسلام السياسي في قلب عقيدة النظام العربي الناشئ. تأكد ذلك مع القرارات الأخيرة لكل من مصر والسعودية ضد جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية، والتي تتجه لأن تكتسب صبغة إقليمية ودولية، مع تبني إجراءات ضد الإخوان في كل من المملكة المتحدة وكندا، ومع اعتبار الولايات المتحدة “بيت المقدس” جماعة إرهابية

بعد المصالحة.. سيناريوهات التحول السياسي في قطر

على الرغم من الحل القريب للأزمة، سوف تترك أزمة سحب السفراء بصماتها على النظامين العربي والخليجي؛ وبالتأكيد سوف تعقب الأزمة سلسلة من المجاملات القطرية، تتمثل في زيارات أميرية للدول الثلاث، وتصريحات ومقترحات لاسترضائها، وقد يكون من بين ذلك اندفاع قطري جريء للمضي قدما في تأييد مقترح ومشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز للاتحاد الخليجي. ولكن من ناحيتها فإن كل من السعودية والإمارات والبحرين سوف تظل لفترة لديها شكوك وتحفظات على قطر، وستظل تتابع التحولات حتى تتأكد تماما من أن قطر اختلفت.

والمؤكد أن منظومة السلوك والعمل القطرية التي عملت في ظل الأمير حمد بن خليفة، لن تعود صالحة للعمل بنفس الكفاءة، بعدما تلقت ضربات شديدة، وما يشبه الهزيمة والانتكاسة المعنوية.

وحملت هذه المنظومة قطر من دولة صغيرة في الخليج إلى دولة نشطة مبادرة وشبه قائدة، ونموذج يشار إليه بالبنان، ولكنها انتهت بعد أن خرجت عن القضبان، بما يشبه "تجريسة" خليجية وعربية، لا يمكن أن تعود بعدها الدوحة إلى ما كانت عليه، بل إنها تهددها بالعودة إلى دولة ليس لها من علاقات دافئة سوى مع دول فاشلة أو قوى ظلامية. لذلك من المرجح أن يقدم الأمير الجديد على بناء شبك منظومته الخاصة، التي تمكنه من الحكم مثل والده لخمسة عشر سنة أخرى أو أكثر، وهذه لن تتحقق إلا عبر مسح الذاكرة الخليجية بشأن الإمارة المشاغبة، وملئها بذاكرة عن قطر جديدة أو “قطر ثالثة”.

في ضوء ذلك، من المرجح أن تتجه السياسة القطرية للبحث عن مخارج إستراتيجية عبر تقديم أوراق اعتماد جديدة في الإقليم، إذا رغبت في حل أزمتها الخليجية والعربية، حيث ستظل قلقة بشأن إمكانية أن يؤدي سلوك ما إلى رد فعل خليجي غير ودي ضدها يكرر أزمة السفراء. وفي ظل هذه التغييرات فإن هناك ثلاثة سيناريوهات لمستقبل التحول السياسي في قطر، ينطوي كل منها على صورتين، وبعضها يمكنه أن يكرر ذات المشاكل مع الجوار الخليجي، لكن بعضها أيضا يمكنه أن يخرج الدوحة من الحلقة الضيقة التي وجدت نفسها فيها:


السيناريو الأول:

الإمارة التقليدية أو المشاغبة: ويعني هذا السيناريو التغيير مع الإبقاء على الشكل والجوهر، وقد يتخذ ذلك أحد شكلين، أولهما نموذج قطر التقليدية التي كانت قائمة قبل الشيخ حمد بن خليفة، وفي ظل الأمير الجد، الشيخ خليفة بن حمد، وهي الإمارة الصغيرة التي تعمل في ظل المنظومة الخليجية وتحترم موازين القوى وحجمها ودورها
وثانيهما قطر المشاغبة الذي يعني تطوير بدائل من داخل ذات السيناريو القائم، ومعالجة نقاط الخلل التي أدت إلى الأزمة الأخيرة، بما يعني العودة خطوة للوراء، مع إعادة نسج علاقات وشبكات التفاعل داخل منظومة السياسات نفسها، ووفق ذات الأطر والمؤسسات والأجهزة التي استثمرت قطر فيها على مدى العقدين الماضيين
ويؤيد ذلك ما أعلن عنه مؤخرا من تحضير قطر لإطلاق قناة تليفزيونية جديدة باسم “العربي الجديد” وإصدار صحيفة يومية وإنشاء موقع إلكتروني بتمويل سنوي قدره 70 مليون دولار. وهذا السيناريو يفترض إقدام قطر على تنفيذ المطالب والشروط الخليجية والسعودية لعودة السفراء بهدف تكتيكي، مع عودتها إلى سياساتها السابقة على إطلاق العنان للشيخ القرضاوي، والدعم الصريح للإخوان، واستمرار العداء للثورة المصرية في 30يونيو.

وفي الداخل يعني ذلك عدم التطور السياسي الداخلي، وإظهار قطر ذاتها على أنها الدولة التي تعرضت لقمع من دول الجوار عقابا لها على دورها القيادي

وفي هذا السياق، يمكن وضع الأخبار التي تتردد عن دور قطر في دعم ما يسمى بجيش مصر الحر في ليبيا، وعلاقة رئيس الاستخبارات القطرية بعناصر هذا الجيش. وهذا السيناريو يعني استمرار لعب قطر في أحضان مشروع إقليمي مغاير للمشروع العربي الجديد لهذه المنطقة الذي تتشكل نواته من كل من السعودية والإمارات ومصر.


السيناريو الثاني:

الإمارة المصلحية أو الإسلاموية الجديدة: وهذا السيناريو أيضا قد يتخذ صورتين: الأولى، اتجاه قطر إلى التوظيف المصلحي لشبكة علاقاتها بقوى الإسلام السياسي التي سيزداد دورها خلال الفترة المقبلة.

فالنظرة العميقة للتحولات الإقليمية على الصعيد الأمني والإرهابي والجهادي، تشير إلى أن قوى الإسلام السياسي تقف الآن في مفترق طرق ووسط مسارح متعددة، لاقت في بعضها الهزيمة والفشل، ولكنها إزاء المسرح الأخير الذي يلوح أمامها في السعودية ومصر، وفي مرحلة جديدة نوعية، حيث تشتبك مع النظام الإقليمي العربي، ولديها ما يشبه حالة من المظلومية الكربلائية التي تدعوها للشهادة التاريخية الثأرية ضد أوطانها، وهذه الحالة الثأرية سوف تمتد خصوصا بعد تشوه صورة هذه الجماعات وافتضاح أطماعها المادية والدنيوية، وبعد خروجها من أستار وعباءة الدين إلى أرجاس السياسية، وانتشائها بالدعم الدولي لها، هذه النماذج من حالات القتال والجهاد المقدس العابر للحدود هي ظواهر سيشهدها الإقليم لفترة مقبلة

وتمكن علاقات قطر مع هذه القوى والشبكات من أن تلعب دورا مهما خلال الفترة المقبلة، التي تتجه فيها المنطقة للعيش على صفيح ساخن، حيث يمكن لقطر استغلال وتوظيف علاقاتها معهم في الدخول في صفقات وتوافقات وطنية وغير وطنية، تمكنها من لعب أدوار داخلية في الصراعات عند الضرورة من خلال إمساكها بلجام بعض هذه الجماعات، واستمرار استثمارها في هذه الأصول النافقة، وتقديم نفسها على أنها الدولة القابضة والمسيطرة على شبكة تفاعلات ما دون الدولة في العالم العربي.


السيناريو الأخير:

قطر الثالثة.. الإمارة الديمقراطية: ويعني هذا السيناريو انفصال تام لقطر عن عهدها السابق المتحالف مع قوى الإسلام السياسي، بكل طبعاته الراديكالية، وتحويل الدفة والمسار بالكامل نحو تبني نموذج قطر الجديدة، التي تتبنى الخط الليبرالي والديمقراطي والملكية الدستورية

إن عمل هذا التحول الكلي في السياسة القطرية هو أمر يصعب تصوره بالقياس إلى العراقيل التي تقف أمامه، حيث سوف تمثل المرحلة الماضية بكل تحالفاتها مع شبكات الإسلام السياسي والخطاب الراديكالي عبئا على إمكان تحقيق هذه النقلة القطرية، والأهم هو في كيفية تحويل المزاج العام المجتمعي بالداخل ليستوعب هذا التغيير، مع بدء عمليات تهجير كلية للاجئي الفكر ومعتاشي المشاغبة الذين استوطنوا قطر إلى بلدانهم أو بلدان أخرى

وعلى جانب آخر فإن هذا التحول محفوف بالمخاطر، فهو يجعل علاقات قطر مع شبكات الإسلام السياسي تتحول من التحالف إلى خانة العداء، خصوصا مع كراهية هذه الشبكات لقيم الليبرالية والديمقراطية، كما أنه ينهي التحالفات الخاصة لقطر مع القوى الراديكالية والإسلامية، دون ضمان إمكانية الحفاظ على تحالفاتها التقليدية في الخليج والعالم العربي.

وقد يمثل هذا السيناريو نموذجا انتقاميا عصريا من الدائرة الخليجية، ويسعى إلى تقديم قطر ديمقراطية بهدف القيادة بالنموذج، والضغط على الدول الخليجية المجاورة، وزعزعة وتويتر منظومات الحكم القائمة، وهدفه في هذه الحالة سيكون نسخة كربونية من الهدف الذي سعت إليه الجزيرة عند إنشائها، ويعمل على تصدير التناقض وصناعة الاضطراب في الإطار الخليجي من خلال الحفز بالديمقراطية، فتأخذ خطوات الشكل الزاعق المستعلي على الخليج، الهادف لبث رسالة عدم استقرار وتأليب اجتماعي وسياسي في الجوار، مع التواصل مع شبكات حقوقية ومنظمات عبر وطنية. وفي جانب منه يهدف إلى تقويض بوادر التوافق والاتئلاف الخليجي الناشئ مع القوى الليبرالية والناصرية والقومية الجديدة في مصر والعالم العربي.

فإلى أي السيناريوهات السابقة تتجه قطر؟ المؤكد أنه ليس هناك سيناريو واحد من الثلاثة السابقة يمكنه أن يتطابق كليا مع ما سيكون عليه الواقع الفعلي للتحول القطري مستقبلا. والمؤكد أن قطر الآن، وفي ظل أزمة سحب السفراء، لديها رغبة مطلقة في المصالحة مع الدول الثلاث، ولكن تتوارى خلف الكواليس كل الدوافع والنزعات للتمرد والانقلاب، وذلك لن ينتهي مطلقا في سياسات قطر إلا حين تقرر تغليب الإستراتيجية على التكتيك والانتهازية، والتخلص من شبكات وجماعات المصالح المرتزقة بالداخل التي تدفعها دوما لتأزيم علاقاتها مع الجوار، والعودة للحياة كدولة طبيعية مسئولة مثل بقية شقيقاتها في الخليج