الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يوم التراث العالمي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ أيام قليلة مضت، احتفل العالم بيوم التراث العالمي، فيما تخلفت مصر عن الاحتفال بهذه المناسبة، رغم أنها تحوى قرابة ثلث هذا التراث، فعلى امتداد تاريخهم، عرف المصريون تنويعات من الفنون والآداب والمعارف والعادات والتقاليد والمعتقدات، عتّقتها القرون، فتناسجت وأقامت حضورها فى إطار الشخصية المصرية، ومثلت فيضًا غنيًا من الرموزو القيم والعلامات، التى تعيد إنتاج حضورها فى حياة هذه الشخصية، وتمثل سجلا لهويتها، وتكريسًا لتواصلها الحضارى، وأجوبة لأسئلتها أمام الطبيعة والتاريخ.
ويشار هنا، أن هذا التراث ليس معطى جاهزًا، بل له واقع دينامي متجدد، تنتخب الجماعة المصرية منه، وتكيفه على نحو يلبي احتياجاتها، وتستبقي حضرته الحية.
مثال ذلك، أنه، وبعد العدوان الثلاثى على مصر 1956، ونضال أبناء مدينة بورسعيد ضده، ظهر بهذه المدينة فن " التجْريسة" ، وقام على التشهير برموز العدوان : الفرنسى جى موليه، والانجليزى أنتونى ايدن، والاسرائيلى موشية شاريت، بواسطة تشخصهم فى دمى، و المرور بهم فى شوارع المدينة، واحراقها فى النهاية، استلهامًا من فنون " التلاسن " و "النقوْرة" المصرية القديمة.
هنا استعيد التراث فى شرنقة الحدث، ترصّده، وارتبط باحتياجه، وانتصب فى اهابه، حيث ما إن وقع الحدث، حتى بادرت الجماعة بحسّها الى ادراجه فى لفائف التراث. وحتى حدث مماثل، لايبدو أن التراث سيكف عن الالحاح والمناداة، كى يكتسى الحدث بمرجعيته التراثية، فيتحقق أفق تواصلهما معا.
طبقا لهذا، فان النظر الى التراث كمجرد تراكمات حدثت فى الماضى، يعد رؤية غير صحيحة، حين ترى اليه كقالب ناجز، انتهى صوْغه مرة واحدة، والى الأبد، لا كمسيرة مفتوحة على امكانات شتى، أسهمت فيها الملابسات التاريخية والاجتماعية المختلفة، و الجهود المبذولة فى استلهامه وإعادة انتاجه، و تخلّقت حول نواة لأفضليات و ممارسات، لا يحميها تماسكها من مخاطر الاغلال، ولا من دعوة الاثراء والتحول والاخصاب.
ذلك أن التراث يتعرض، عبر تناقله، لعمليات تأويل وتعديلات بالحذف والاضافة، تعرض اصطفاء دلالات تداولية منه، لتبتدع له فى البعض منها تعابير وممارسات، تستقر فى وحدان جماعته كمأثور، فيما تفتقد مفردات اخرى منه لاستمراريتها، وإن جاز القول، أن صخب الظروف المصرية الراهنة، كانت أدعى الى انحسار العديد من تنوعات التراث، لتحل أشكال كابحة لتفتحه، وهو ما نجده فى تصاعد الأغانى الهابطة، واللغة المبتذلة، و العادات و التقاليد الهجينة، والقيم السالبة.
لكن السؤال يظل ماثلاً : لماذ غابت مصر عن الاحتفال بيوم التراث العالمى؟