الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

الديمقراطية الحقة...هل تعيها الجماعات الإرهابية فى البحرين؟

الجماعات الإرهابية
الجماعات الإرهابية فى البحرين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرف العالم منذ نشأته الكثير من أنظمة الحكم بدءًا من حكم الفرد مرورًا بحكم الأقلية، وصولًا إلى حكم الأغلبية، والتي يطلق على الأخيرة نظام الحكم الديمقراطي، معتبرين أن أفضل هذه الأنظمة هو ذلك النظام الأخير.
بمعنى أكثر وضوحًا وحسمًا، يعتقد العالم بأن النظام الديمقراطي هو النظام الأنسب لإدارة الدول بما يحققه من تكافؤ الفرص والدفاع عن حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية وكذلك التنمية الاقتصادية، فالنظام الديمقراطي وفقًا لهذا التصور هو ذلك النظام الذي يملك "الحل السحرى" لكل مشكلات دول العالم، بل وصل الأمر إلى اعتبار هذا النظام هو العامل الرئيسي فى منع وقوع صراعات وحروب دولية كما جاء فى كتابات بعض المفكرين الأوروبيين وعلى رأسهم "كانط" فى كتابه عن السلام العالمى والذى اعتبر مع غيره أن الديمقراطيات لا تتحارب، بمعنى أن نظام الحكم الديمقراطية لا تدخل فى حروب مع بعضها البعض بحجة أن آليات اتخاذ القرارات داخل هذه الانظمة تمثل القيد الديمقراطي على قرار الحرب الذى قد يلجأ إليه المسئول فى هذه الدولة، فضلا عن أن العلاقات الاقتصادية التي تربط هذه الدول ببعضها تجعل ثمة مصالح يدافع عنها رجال الاقتصاد فى هذه البلدان من خلال ممارستهم مزيدًا من الضغوط على صانع القرار فى هذه النظم لعدم الإقدام على قرار الحرب. 
ما هى مناسبة هذا القول؟ لا شك أن الإجابة على هذا التساؤل تأتي من الخطب الرنانة والشعارات الفضفاضة التي ترفعها بعض الجماعات الارهابية فى البحرين تطالب فيها بأن النظام السياسي فى المملكة ليس نظامًا ديمقراطيًا على النمط الغربي، وهو ما يجعل بعض الأنظمة الأوروبية أو المنظمات الأوروبية تتبنى وجهة نظر هذه الجماعات رغم ما تمارسه من إرهاب وعنف بحق الدولة والمجتمع في المملكة، حيث تقع هذه الدول والمنظمات في فخ التضليل الذي ترفعه هذه الجماعات التي لا تعي ما هو المقصود بالديمقراطية الحقة؟ وهل ما تعيشه البلدان الأوروبية اليوم هي الديمقراطية التي تنادي بها هذه الجماعات المتطرفة أم ثمة بون شاسع بين ما يطبق في البلدان المتقدمة وبين ما تصبو إليه جماعات الارهاب والعنف؟ بما يفرض على الدول الأوروبية أن تدرك أن ثمة خلطًا وتشويهًا وتشويشًا لدى هذه الجماعات بهدف تحقيق مصالحها وأجندتها الخاصة سواء أكانت أجندة تتعلق بأطماعها فى السلطة والاستحواذ عليها وتنادي بأحد الإجراءات التي تنحو بالدولة نحو الديمقراطية وهي اللجوء الى صندوق الاقتراع باعتباره هو جوهر الديمقراطية ونموذجها المثالي، أو كانت أجندة ترتبط بأطراف إقليمية لديها أطماع حقيقية في أراضي المملكة وموقعها الاستراتيجي. 
وجدير بالإشارة أن الديمقراطية التي ترسخت جذورها فى العالم المتقدم لا تقوم كما يعتقد هؤلاء على مجرد حكم الأغلبية التي تأتي عن طريق صندوق الاقتراع الذي بدوره لا يفرز الكفاءات القادرة على بناء الدول، ناهيك عن قدرته أصلًا على تمثيل الجميع وإشراكهم في عملية البناء، في حين أن الديمقراطية الحقة هي تلك التي تقوم على التوافق بين الجميع باعتبارهم شركاء فى هذا الوطن وأن الحوار الجاد والحقيقي وفقًا لضوابطه وقواعده الناظمة هو الآلية الوحيدة في بناء الدولة العصرية. 
وعلى هذا، فمن الأهمية بمكان أن يتم تصحيح هذا الفهم المغلوط الذي تقع فيه كثير من الدول الأوروبية والمنظمات الدولية حينما تصور جماعات الإرهاب في البحرين أن مطالبها إنما هي مطالب ديمقراطية، في حين أن ممارستها على أرض الواقع من إرهاب وعنف وقتل وتخريب وترويع للآمنين وتهديد للمواطنين تكذب كل هذه الادعاءات، بما يتطلب من هذه البلدان حينما تنظر الى الأوضاع في هذه الدولة أو تلك أن الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لها حتى لا تقع في شرك التضليل الذي تحاول هذه الجماعات أن تطرحه أمامها ولعل نموذج جماعة الإخوان في مصر ما بعد الثلاثين من يونيو الماضي تدلل على صحة هذه الرؤية، فرغم الادعاءات الباطلة التي ظلت الجماعة تروجها طوال سنوات حكم الرئيس الاسبق مبارك عن غياب الديمقراطية وانتهاك حقوق الانسان إلخ، إلا أنها حينما وصلت إلى السلطة تحت مزاعم باطلة وشعارات زائفة سرعان ما انكشف خداعها وأنها تنظر الى الديمقراطية كسلم يصل بها إلى الحكم ثم يتكسر حتى لا يصل أحد سواها، ولكن الإرادة الشعبية المصرية أبطلت هذه المزاعم وأسقطتهم. 
ولذا، فعلى الشعب البحريني أن يستفيد من الدرس المصري ويعي نتائجه حتى لا يكرر أخطاءه في نظرته إلى الأحداث الدموية التي تحاول بعض الجماعات الإرهابية أن تهدد بها استقرار المملكة ونجاحات حكومتها، فلم تشهد مصر أمنًا ولا استقرارًا منذ ما جرى في 25 يناير وحتى اليوم نظرًا لعدم وجود حكومة قوية قادرة على حسم ملف هذه الجماعة الإرهابية ووضع حد لإرهابها واعتداءاتها المتواصلة على أمن المجتمع ومؤسساته، فى حين أن التجربة البحرينية قد أثبتت أن الحكومة الوطنية برئاسة الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة مثلت نموذجًا لحكومة قوية قادرة على إدارة الازمة بكل حرفية ومهارة واقتدار، فنجحت فى تحقيق التوازن فى المعادلة بين حماية الأمن القومي وضمان الاستقرار المجتمعى من جانب، وبين الحفاظ على حقوق المواطنين وضمان حرياتهم دون اية خروقات او انتهاكات، بل ظل القانون وقواعده والقضاء وأحكامه هى الضابط الأول لكل الممارسات التى ترتكبها هذه الجماعات، فلم نر أحكامًا استثنائية أو محاكمات عسكرية إلا إذا تعلق الأمر بالمؤسسة العسكرية وفقًا لما يجري في كل دول العالم الديمقراطي. 
خلاصة القول إن الديمقراطية الحقة ليست مجرد صندوق اقتراع يأتى بأغلبية أو بحكومة لا تملك من الخبرة والمهارة والحكمة ما يؤهلها لإدارة الدولة في ظل هذه التحديات والصعوبات التى تواجهها، وإنما الديمقراطية الحقة تتطلب بوجود حكومة وطنية قادرة على حماية أمن الدولة واستقرارها وضمان امان مواطنيها وتحقيق طموحاتهم.