الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أبو إسماعيل في البدلة الزرقاء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكما يقول المثل: على نفسها جنت براقش، وبراقش هنا هو الأخ حازم صلاح أبوإسماعيل الذي ارتكب جريمة تزوير في أوراق رسمية، هي إقرار رسمي عن جنسية والدته، متصورا أنه سيحصل على غنيمة الرئاسة، عندما أصبحت الرئاسة مغنما لثلة من الإرهابيين، فوقع حازم في شر أعماله، لكن حازم لم يكن كذلك في سابق الأيام، لم يكن من طموحاته أن يخوض مع الخائضين في السياسة وألاعيبها.
أعرف حازم منذ سنوات طويلة إذ كنا ننتظم معا في جماعة الإخوان، وكان مشهورا بين الإخوة بالعمل الدعوي والخطابة، لذلك كانت كل أنشطته في الجماعة تدور في قسم الدعوة، هكذا كان حازم، وهكذا مرت عليه الأيام وهو يتحرك على أرضية الدعوة، لا شأن له بالسياسة ولا دروبها، وقد كان ظني -وأنا أتابعه عن بعد- أنه سيكون داعية من الكبار، أصحاب التأثير الكبير في عامة الناس، حيث يأخذهم للإسلام الوسطي المعتدل السمح، لكنه صدمني عندما تحول بناقته ناحية الحركة الوهابية يرتشف منها أفكار محمد بن عبدالوهاب، وفقه ابن باز وابن عثيمين، كنت أظن أن حازم سيكون من المجددين في الخطاب الإسلامي، لكنه للأسف كان من المبددين للوسطية والاعتدال لصالح المشروع الوهابي، وزاد أسفي عندما طرق حازم أبواب السياسة، وللسياسة غواية، والشهرة غاية، وساحة نقابة المحامين مفتوحة، ومن يومها لم يعد، فالنداهة كالغول، كلاهما يأخذ ضحيته ولا يعود به أبدا، ومن مجلس نقابة المحامين إلى انتخابات مجلس الشعب في دائرة الدقي، وأصبح الداعية زعيما سياسيا، يدعو الناس ثم ينافسهم في الانتخابات، وعلى القنوات الفضائية قدم نفسه كداعية قريب من الفكر السلفي، فاقترب بخطابه من خطابهم، إلا أنه ظل يسير هو والإخوان كخطين متوازيين لا يلتقيان إلا إذا شاء الإخوان، ولا يشاء الإخوان إلا إذا أزفت الانتخابات، وكأن لسان حال من وقع في غواية السياسة يقول: وداوني بالتي كانت هي الداءُ، والداء والدواء كلاهما في التنظيم الإخواني.

قبل الثورة بفترة كان حازم ناعما، هادئا، بشوشا، لم يُذكر عنه أنه قال كلمة حق في وجه سلطان جائر، نعم قالها في وجه مأمور شرطة جائر، في وجه محافظ جائر، إلا أنه كان حذرا عندما يتعلق الأمر بالسلطان الجائر، ورغم أن حسني مبارك لم يكن في آخر سنواته سلطانا جائرا، إذ كان كالسلطان الحائر الذي لا يدري من أمره شيئا، آنذاك وقعت أقلام النقاد عليه وانهالت الألسنة الحداد تنتقد حكمه وسياساته وأيامه ورغبته في التوريث، إرتفع سقف النقد حتى وصل إلى حد لم يصل إليه أحد من قبل، ومع ذلك فإن حازم لم يقترب من دائرته إلا بالتورية والمعاريض وهو يتقنها كما تعلمون، فقد ظل نظره معلقا بالخط الأحمر الذي كان موضوعا تحت إسم الرئيس !! وحتى بعد أن أصبح الخط الأحمر مخفيا، إلا أن العيون التي في طرفها خوف رأينه ثم لم يحينا كلمة الحق.
لا ألومه طبعا عن سكوته في الأيام الحالكة، إذ أن طاقة الرجال لا تختبر إلا في الملمات، ولكل منا ما يطيقه، كما أن حازم كان داعية في معظم الأحيان وسياسيا في بعض الأحايين، ويبدو أن الأمر التبس عليه فظن أن كلمة حق في وجه مبارك الجائر سياسة لا يجوز الاقتراب منها، والانتخابات دعوة مثلها كالخطابة على المنابر وأمام كاميرات القنوات الفضائية السلفية، فسكت حين يجب الكلام وتكلم حين يجب السكوت، وسكوت الداعية عن السياسة من ذهب.
بعد الثورة تغيرت الصورة، وتبدلت الأدوار، ومن كان صوته هامسا بالأمس وقف فوق أكتاف الثوار يخطب ويغضب ويلهب الحماس، بعد الثورة أصبح حازم حازما، واضحا صريحا، يلعن ويهدد ويتوعد، وبعد أن كانت كل طموحاته أن يصبح عضوا بمجلس الشعب أو عضوا بمجلس نقابة المحامين، إرتفعت هامة طموحاته إلى حد لم يرد على بال أحد، وتوالت الأيام وبدء حازم في التنقل في القنوات الفضائية، يطنب في مدح المذيع أو المذيعة، ويتحدث بلسان ودود، وعقب كل سؤال يوجه إليه يقول بصوته الهادئ وابتسامته المعهودة للمذيع: ما شاء الله يا أستاذ فلان سؤال حضرتك جميل جدا والحقيقة أنا مستمتع بهذا الحوار الرائع من حضرتك، حضرتك على درجة عالية جدا من الذكاء !! وعندما نظمت إحدى القنوات الفضائية مناظرة بينه وبين العديد من الشخصيات المصرية لم يفعل إلا أن أخذ الوقت كله في مدح المتناظرين معه والثناء على أسئلتهم، ولكن ما الذي فهمه الناس من ردود حازم، لم يفهموا شيئا اللهم إلا أن هذا الرجل يستخدم التورية ببراعة ويدهن لسانه بفن المعاريض.
ومع ذلك فإن حازم حرك طائفة كبيرة حوله من أبناء الحركة الإسلامية، وتدفق المحبون إليه مخدوعين في شخصيته، فارتدى حازم بدلة هتلر العسكرية وأصبح قائدا محاربا يحرك جنوده صوب المحكمة الدستورية تارة وصوب مدينة الإنتاج الإعلامي تارة، إلى أن وقع في فخ التزوير فكان عاقبة ذلك أن انتهى نهاية مأساوية، فقد ارتدى بدلة السجن الزرقاء.