الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مفاوضات عبثية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحرص إسرائيل فى مواجهتها للشعب الفلسطينى أن تكون حصيلة كل الخيارات صفر تقريباً، سواء كان هذا الخيار هو المقاومة أو كان التفاوض معها، وفى هذين الخيارين استخدمت إسرائيل قوتها العسكرية والتكنولوجية فى الردع على المقاومة بضربات موجعة للشعب الفلسطينى واتبعت فى التفاوض سياسة فرض الأمر الواقع وإكراه الفلسطينيين على تقديم التنازلات.
تتحدث إسرائيل عن التنازلات المؤلمة التى تقدمها للفلسطينيين لأنها تعتبر أن إخلاء أية أراضى فلسطينية من قوات الاحتلال تنازلاً وتعتبر أن تخفيف القيود التى تفرضها على التنقل بين المدن الفلسطينية تنازلاً أيضاً أو أن تخفيف الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش من قبيل هذه التنازلات "المؤلمة".
وفى واقع الأمر فإن كافة ما تسميه "بالتنازلات" لا يحمل من التنازلات إلا الاسم فقط، فهى تدخل فى باب التسهيلات مع الإبقاء على الاحتلال، ومن ثم حرصت إسرائيل وتحرص فى كل مرة على أن تسمى الانسحاب وإنهاء الاحتلال والجلاء عن الأراضى الفلسطينية "إعادة انتشار" لقواتها حول المدن الفلسطينية ومداخلها وبعيداً عن التجمعات السكانية الفلسطينية.
من ناحية أخرى فإن ما تسميه إسرائيل "تنازلات" قدمتها للفلسطينيين، يتميز بقابليته للارتداد عنه، واعتباره كأن لم يكن، حيث سمحت إسرائيل لنفسها مراراً وتكراراً إعادة احتلال المدن التى كانت قد أعادت الانتشار فيها أثناء الانتفاضة أو محاصرة قطاع غزة التى انسحبت منه براً وبحراً وجواً، فهذه التنازلات أو التسهيلات ليست ذات طابع مبدئى أو نهائى، بل يمكن لها -وفق تقديرها لمصالحها الأمنية- العودة إلى نقطة البدء، فهى لم تعترف مثلاً بمسئوليتها السياسية القانونية والأخلاقية عن قضية اللاجئين مثلاً، وهى لم تقدم اعتذاراً ما للشعب الفلسطينى بسبب المأساة التى كانت السبب فى نشأتها، هذه هى التنازلات التى يمكن القول عنها أنها تراجعات ومراجعات مبدئية وأخلاقية وسياسية تستحق هذا الاسم ويذكرها التاريخ.
أما التنازلات التى قدمها الفلسطينيون حتى الآن فهى تنازلات مبدئية وجوهرية وأيديولوجية، مثل الاعتراف بإسرائيل، أو قبول حكم ذاتى، وسلطة انتقالية فى انتظار مفاوضات الحل النهائى، أو حظر المقاومة للاحتلال بالطرق العسكرية أو قبول التفاوض رغم بقاء الاحتلال أو قبول دولة منزوعة السلاح أو تبادل الأراضى، وقبول قوات إنذار مبكر فى منطقة غور الأردن، هذه التنازلات مبدئية وجوهرية إلى حد أنها استنفذت رصيد التنازلات الفلسطينية، لا يمكن بعدها أن يطالب الفلسطينيون بتنازلات من أى نوع، حيث التنازل إلى أقصى مدى لا تتحمله أية قيادة فلسطينية.
التفاوض من وجهة النظر الإسرائيلية وفى ظل الوضع القائم هو محاولة لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع واستنزاف المفاوض الفلسطينى وتغييب معالم الحل المتوافق عليه دولياً وإقليمياً، وحجب قرارات الشرعية الدولية، وحصر التفاوض فى إطار توازن القوى المختل لصالح الجانب الإسرائيلى وانتزاع التنازلات وهو موقف مرفوض فلسطينياً وعربياً ودولياً بدرجة ما.