الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ليس ترفًا أن نشتاق للأدب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بثقة، وثبات، وتشبث بالرأي، أؤكد أنه ليس ترفًا، ولا هربًا من الواقع، ولا عدم إحساس بالأحداث الكارثية التي تحيط بنا وننجو من الموت فيها بمحض الصدفة، ولا عدم إدراك لحجم المخاطر الآن والتي سوف تستمر معنا لفترة لا نعلم مداها في المستقبل.
ليس ترفا أن اشتاق "للأدب" ولا اقصد بالأدب هنا الإنتاج الإنساني لأحد أحب الفنون إلى قلبي بل اقصد بـ "الأدب" (التربية- الأخلاق الرفيعة- الذوق).
اشتاق للأدب أو ما نطلق عليه الأخلاق قد يبدو شوقًا ساذجًا أو خارج السياق، سياق تنفتح فيه العيون على أيام القتل المجاني.
مقتلة في أقدم دولة مركزية عرفتها البشرية، مقتلة بين قبائل وأين على أرض مصر التي وحدها مينا منذ الاف السنين ، وانصهر أولادها في بوتقة الأرض والنيل والجغرافيا والتاريخ ، مقتلة من جامعة القاهرة إلى أسوان، وأسوان لمن لا يعرفها هي أجمل وأطيب بقاع الكون.
ومن القتل في القطر الجنوبي الذي هو مصر ، وحتى القتل في القطر الشمالي الذي هو سوريا وكان معًا الجمهورية العربية المتحدة في زمن ما.
اشتاق للأدب في نفس اللحظة التي يسكب فيها الوحوش الإرهابيون في سوريا البنزين على أحياء ويشعلون النيران في أجسادهم، قبح من كثرة تكراره أصبح شيئًا عاديًا.
نظرة على هذا العادي.. شباب يتحرش بفتيات، تحرشًا لفظيًا وجسديًا، شباب يعيشون تقريبا على ما يسمونه بمواقع التواصل الاجتماعي ، ومن يستخدمون هذه الآلية للتواصل هم في الأغلب من أبناء الطبقة الوسطي وممن حصلوا على قدر من التعليم، هم وأمهاتهم وآباؤهم أيضا ومع ذلك يخيل لمن يتابعهم أن أحدًا لم يبذل معهم جهدا في التربية وان أذانهم لم تسمع يوما مفردات اللغة المهذبة أو اللطيفة والرقيقة.
قبح أردد معه بشكل تلقائي "لقد فقدنا الأخلاق" أو لقد عدمنا الأخلاق" وعند تكراري للتعبير التلقائي أتذكر الراحل العظيم عالم الاجتماع الدكتور "سيد عويس" (1903-1988) كان اللقاء بيننا في ثمانينات القرن الماضي وعرضًا شكوت له قائلة لم يعد عند الناس أخلاق ابتسم وقال: "ما تقولينه خطأ والصحيح أن لكل ظرف تاريخي أخلاقه، والأخلاق هي إفراز واقع اقتصادي وسياسي واجتماعي في مرحلة معينة تبنى فيها القيم الأخلاقية التي يتم التعبير عنها بالسلوك الفردي والجمعي ".
تطرق الحديث بيننا عن سلوكيات ظهرت في مصر عقب أزمات متعاقبة، وتفاقمت في أواخر سبعينيات القرن الماضي شهدت خلالها مصر أزمات كبرى في السلع الأساسية. قال عويس عن هذه السلوكيات:" إنها أخلاق الأزمة" .
وتعني أخلاق الأزمة في زمننا هذا السباب والتعريض على شاشات التليفزيون وهي الظاهرة التي انتشرت في السنوات الأخيرة لحكم مبارك وتفرز مفردات التحرش في الشوارع ،ولغة الخطاب المتدنية ، والقتل حرقا وسحلا لأحياء باسم الدين، كل هذا نتاج للأزمة التي يفرزها واقع اقتصادي واجتماعي وسياسي متدني. 
ولا نعرف متى نصل إلى واقع جديد يفرز منظومة أخلاقية أرقى في واقع اقتصادي واجتماعي وسياسي أرقى، حتى لا نقتل بعضنا البعض على أرض القبلية وحتى لا نلقى الموت على أيدي الإرهابيين وننجو منه بالمصادفة، والى أن يتحقق ذلك سأظل اشتاق للأدب.