الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

في عيد ميلاد الخال.. والله ما شبت يا عبد الرُّحمان

 الشاعر الكبير عبد
الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يتخل يومًا عن ثوريته، كما لم يخلع يومًا جلابيته.. ولم يغادر يومًا عاميته، كما لم يترك يومًا قضيته.. والله وشبت يا عبد الرُّحمان 
عجّزت يا واد ؟ 
مرت الأيام والسنين وشاب الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي وجاء اليوم الذي يحتفل فيه بعيد ميلاده الخامس والسبعين مواكبًا لتوقيع ديوانه "المربعات" الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، منذ أيام.
فقد ولد الأبنودي في مثل هذا اليوم من عام 1939، وكما قضى أوائل أيامه مغموسًا بين جدران الصعيد ينهل من ثقافته وبيئته ويتأثر بمفرداته وحكاويه وأساطيره، فقد قضى سنواته الأخيرة، بعيدًا وحيدًا يرقب ضجيج العاصمة ولا يجرؤ على الاقتراب منه وأخيرًا قرر أن يضرب عرض الحائط بتعليمات الطبيب كما قرر قبل عقود أن يتمرد على تراب "أبنود" الأسمر ويأتي للقاهرة رافعًا رأسه متسلحًا بموهبته متواصلا مع جمهوره. 
لن نجد بلاغة توازي بلاغة الأبنودي نفسه ليروي ما يمكن أن يرويه أحد عن سيرته الذاتية وبدايته الفعلية في عالم النجومية والشعر ولذا سنتوقف مليًا عند كتابه "أيامي الحلوة" لنعرض مقتطفات من طفولة وسيرة شاعرنا الكبير الذي نقدم له باقة ورد احتفالًا بذكرى ميلاده الخامس والسبعين...



"أيامي الحلوة"..
لو كنت راح افتش
عن منصب ولا جاه
وأصاحب الحذر
ده أنا أبقى مستحقش حلاوة الحياة
ولأنه لم يفعل ذلك استحق أن يعيش أيامًا حلوة، بدأها بقوله: "لم أفكر يومًا في كتابة سيرتى الذاتية فأنا لا أتعدى أن أكون مواطنا بسيطا عاش فقيرا في قرية فقيرة اسمها أبنود ثم انتقلت إلى مدينة قنا لأعيش في كنف والدى بعد طول فراق، لتختلف الحياة قليلا عما كانت، وما عدا ذلك هو رحلتي الخاصة" .
هكذا يكتب الأبنودي في مقدمة "أيامي الحلوة" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكان ينشر في ملحق "أيامنا الحلوة" بجريدة الأهرام في حلقات منفصلة، ولقي استجابة جماهيرية واسعة، والكتاب اقتطاعات لمشاهد دالة من أيام الأبنودي التي تعطى صورة عن حياته.
ويقول ".. لكنني ـ وإلي أن ارحل ـ سوف أظل مدينا لقريتي "أبنود"، وسوف أظل أشكر الأقدار على أن وهبتني تلك الطفولة الغنية التي قد يراها البعض فقيرة وقاسية ومعذبة".
تحدث عبدالرحمن الأبنودي عن ألوان نشاطه- وهو طفل- في قريته "أبنود".. راعيًا للغنم وصائدًا للسمك.. كما تحدث عن أغاني النساء وعن المتسولين.. وعن الكلاب.


ضيق ذات اليد..
ويقول الأبنودي في مقدمة كتابه:
يعتقد البعض أنها "سيرة ذاتية" وهى بالطبع ليست كذلك، فلقد عشت لا أؤمن ولا أصدق ما يسمى بالسيرة الذاتية، لا أحب صراحتها الفجة ولا مواراتها الكاذبة، لذلك لجأت لاقتطاع المشاهد الدالة من أيامى الماضية، والتي تعطى صورة عن حياتي التي لا تخصني وحدى أكثر مما تحكى عنى شخصيا. 
فمن المعروف أنى لم أولد وفى فمي ملعقة من ذهب، بل كنت يوميا أقرب للموت منى للحياة، ومع أنى كنت ألامس ذلك الموت في كل لحظة بسبب ضعفي الصحي الشديد وضيق ذات يد الواقع من حولي عن ضخ أسباب النمو والمواصلة في بدنى الهزيل، إلا أننى عشت حياة لم يعشها الأصحاء، استمتعت بطفولتى على عكس كل أبناء المدن الذين يحملهم ( الباص ) صباحا إلى المدرسة، ويحملهم في العودة إلى ( شقق ) أهاليهم، يرون الواقع من خلف زجاج الأتوبيسات ولا يتعاملون مع الحياة الحقيقية للبشر. كل صلتهم بالدنيا هذه النوادي أو شواطئ البحار صيفا، ومن الصعب حين يكبرون أن يتذكروا تفاصيل ثرية لحياة ثرية.
أما نحن أبناء الطفولة الفقيرة العبقرية فإننا مدينون لفقرها بهذا الثراء الكبير الذي تمتلئ به أرواحنا وذاكراتنا ودفاتر الماضي والحاضر ليوحي كل ذلك إذا ما تذكرناه، بما يشبه النية في كتابة سيرة ذاتية.
كنت ومازلت أؤمن بما يتسرب خلال الإبداع من حكايات وصور تشبه السيرة الذاتية يحيطها الخيال وتلعب فيها الصنعة الفنية لعبتها، مثلما في روايات الطيب صالح وعبد الرحمن منيف وحنا مينا وغيرهم، ذلك يبعد الصراحة والإفصاح عن الخضوع الحرفي لأحكام الصدق والكذب التي نقيس بها سلوكيات الأفراد ونمحص شهادات الشاهدين بنفس القسوة التي تتم أمام المحاكم، ويبعدنا عن التشكيك فيما يقولون، وفى صدق الروايات، تقع عليها هنا أحكام صادرة عن القياس بمقاييس الأعمال الأدبية ذات القوانين الإبداعية الخاصة بعيدًا عن الصدق والكذب بصورتيهما التقليدية.


فاطمة قنديل والفرار من الزوج
يحكي الأبنودي في كتابه عن أمه فاطمة قنديل التي فرت من زوجها وهي طفلة، يقول: " كلما قرأت مقالاتهن أو سمعتهن في التليفزيون، أو في تجمعات المرأة التي تسعى للتحرر. تذكرت "فاطنة قنديل أمي" واغتصابها "الشرعي" وهي طفلة ورفضها الذي بدأ بتسلق الجدار – يقصد جدار بيت أهلها التي عادت إليه في ليلة دخلتها – وكيف لاذت بالمرض وتحصنت بالموت رفضًا للوضع الظالم والعلاقة غير المفهومة بين الرجل والمرأة، وأعرف في أعماق يقيني أنها كانت في طليعة المرأة المناضلة في مصر، بل ربما بأمّيتها وسذاجتها وفطرتها تتفوق عليهنّ! تقول فاطمة: لم أعش حرة كثيرًا. جاء والدك وكان طالبا في المعهد الديني ليطلب يدي.


ولادة تنبئ بالكثير!
يروي الشاعر الكبير عن لحظة ولادته وكيف تحملت أمه مشقة الطريق من "قوص" لتلده في بلدتها "أبنود" وكان الطريق قاسيًا، يقول الأبنودي: وما أن خطت "فاطنة قنديل"، لتعبر عتبة البيت حتى انزلقت منها وهي قدم خارج البيت وقدم داخله، فزغردت النسوة وهلل الرجال وانصرفوا متعجبين. هكذا جئت إلى الدنيا قدم داخل الدار مستعدة للعيش مئة سنة، وقدم أخرى على الطريق مستعدة للفرار من هذه الحياة قبل أن ينتبه أحد إلى ذلك.
يقول كذلك عن مولده: "ولدتني أمي في الحسومات، والحسومات حسب التقويم القبطي الذي مازال أهلنا يتبعونه هناك جميعا، أيام تسعة، تأتي في وقت معين من السنة القبطية، من يولد فيها من النادر أن يعيش، إنسانا كان أو حيوانا، وإذا عاش فإنه يعيش مثلي معلولا مكلولا مملولا محلولًا"، ويقول: "كنت ضعيفا، نحيلا وعليلا مزمنا، ضئيل البدن، أصفر الوجه، لدرجة أن أمي كانت ـ وأنا طفل لا أعي ـ تربط ركبتي المنحلتين بأشرطة من القماش تمسك الساقين اللتين تشبهان أعواد البوص كي لا تنفرطا".
ولكن من أين جاءت للأم هذه الخبرة.. يقول عبدالرحمن الأبنودي: "رأت أمي في أيام الحمل والوحم حمارة ولدت جحشا رفيعا عليلا.. رأت أمي الجحش الهزيل، ورأتهم يربطون ركبتيه بحبال كي تتماسكا، لذلك حين أنجبت ابنها السقيم ـ فيما بعد ـ ورأته غير قادر على استعمال ركبتيه استوحت فكرة حبال الجحش، ونقلتها من ركبتي الحيوان إلى ركبتي الإنسان"، ويعترف عبدالرحمن الأبنودي بفضل أمه وحرصها على علاج ابنها بكل ما تملك من خبرة وحب وإصرار:
"كانت فاطنة قنديل أمي تفخر بأنها حققت ـ بي ـ أكبر معجزة في الدنيا وهي أنها أبقتني على قيد الحياة، في قتال مرير وحرب ضروس ضد الطبيعية وقوانين الوجود وبخبرتها الطيبة النادرة ووعيها بتجارب السابقين.. هذه الأم التي تخوض النار ـ حقيقة لا مجازا ـ من أجل إنقاذ طفل لديها عشرة أفضل منه.. إنها الحياة".


المريض الفلكلوري
يقول الأبنودي: في أوائل الخمسينيات لم نكن قد رأينا الطبيب في قريتنا رأي العين وإنما كان طبيبنا هو ميراثنا الفلكلوري مما خلفه الأجداد للأحفاد من وصفات وخبرات ومواد مصنعة من بيئتنا، إلى جانب أوراق الأشجار وحجارة الأرض المعطاءة، قبل أن تبني لنا حكومة الثورة "الوحدة المجمعة" وتعين لنا طبيبًا خاصًا بأهالي قريتنا "أبنود" بمحافظة قنا جنوب مصر في صعيدها الأعلى.
يحكي كيف فعل جيران والدته به حين أصابه الإسهال وهو طفل في السادسة من عمره، لوصل "مصرانه" الذي قطع كما يقولون فأصيب بالإسهال، يقول: أتين بملاءة سوداء فرشنها على الأرض، ثم حملنني كخيارة فقدت ماءها ووضعنني في الملاءة السوداء باطنها مظلم وأي ظلام.
وقفن كل امرأة عن طرف.. اثنتان من هنا واثنتان من هناك وصحن وهم يمرجحنني يمينًا ويسارًا كالمرجيحة بخفة أولًا ثم يبدأ العنف حين يسخن الدور ويطلطحنني في إنشاد رهيب:
يا شافي 
يا عافي
شيل الأذى
من بطن واد فاطنة من عشية
يا عالم بالقصد والنية
خزق عين اللي قطعت مصرانه
وغيرت لحيته وألوانه
"واللحية كما يقول الأبنودي ليست الذقن وإنما هي الملامح".
ويعلق قائلًا: هذا الطقس الذي أدين له بحياتي والمتسبب في هذه الكتابة التي تبعث تعاسة الماضي وحلاوة أيامه اختفى اليوم في باطن "برشامة" صماء ليس بها ملاءة سوداء ولا يامنة أو ست أبوها، لا فاطنة قنديل ولا سكينة. لم يعد العصر الحديث يؤمن بقطع المصران، وإنما أطلق عليه بسطحية شديدة اسم "الإسهال"!!


الأغاني.. وثائق قرية
يقول الأبنودي:
"غناء القرية وجه مكتمل الملامح لكل أشكال الحياة فيها، لكل أنواع التداخلات المتشابكة التي تشكل أسباب استمرارها من علاقات اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية أو روحية. القرية بكاملها موجودة ومتجسده في غنائها"، يردده الرجال والنساء والأطفال.. أولاد وبنات: "إن غناءهم نوع خاص جدا من الوثائق الأمينة.. سطروها هم أنشأوها بإرادتهم الكاملة واختيارهم الحر في غفلة عن القوانين التي حاصرتهم بها الأيام أو حاصروا هم أنفسهم بها إنها ثورة الإنسان المغني على نفس الإنسان حين لا يغني.. ثورة على النفس وعلى الآخرين".
يتابع: "بني فلاحنا المعاصر أبنيته الفنية من الموال إلى أغنيات العمل إلى أهازيج الأعراس و"عديد" النائحات إلى أذكار الرجال ومساجلاتهم الشعرية إلى الملاحم وغناء الأطفال أولاد وبنات.
لقد قسم هذه الأبنية الفنية بالعدل والقسطاس بين تسجيل الحياة بتفاصيلها وتخيل ما بعد الموت، لتصبح الأغنية سجله ومؤنسه".


راعي الغنم وصياد السمك
عن حياته طفلا- راعيًا للغنم- يحدثنا عبدالرحمن الأبنودي في بساطة: "في المرعي عرفت لعب الطفولة الشاق المهلك الذي تتخرج منه رجلا بعد سويعات.
في المرعي ارتبطت بالطبيعة ارتباطًا وثيقًا لا فكاك منه، لتدخل مفردات مكوناتها وما وهبته للإنسان في عمق تلافيف معارفي وضميري السري، لم تعد هناك نباتة على وجه الأرض لم أعرفها"، ويواصل: "الوعي إجباري، لأن عدم الوعي بما على ظهر الأرض من نبات- على سبيل المثال- قد يؤدي إلى كارثة".
ويختتم بكلماته عن مهنة الراعي فيقول: فصوله عن "راعي الغنم" بهذه الكلمات عن مهنة الرعي: "إنها المدرسة الأولى- أو قبل الأولى- التي يتعلم فيها الراعي الصغير "الحبو" على درب الصعود نحو المغني الذي سيكونه بعد سنوات قلائل خلفا لسواقي وتحت الشواديف وفوق كرأسي النورج، أو نحو الشاعر الذي سوف يكونه بعد أعوام وأعوام".
كذلك يقص علينا تفاصيل صيده للسمك فيقول:، زمان: "مع الفيضان كان الخير يأتينا محملًا بأسماك الجنوب.. ويجب أن تعرف أنه لم يكن هناك "سد عالي" أو "بحيرة ناصر" لذا فالأسماك تأتي من الجنوب مباشرة من إفريقيا. كنا لا نحس لهيب الشمس.. نحن أبناء الشمس والنيل".
ويكمل قائلًا: "كان النهر يغص بعشرات الأنواع من السمك. لكل منها سلوك وطريقة في الغمز.. بعضها غبي وبعضها ذكي كالقرموط.. إن أجمل محاورة شقية متعبة هي معركة الذكاء بينك وبين الكائن العبقري المسمي "القرموط".
ويحدثنا عن سمك القرقار فيقول: "هو السمكة الوحيدة التي تبكي وتستنجد حين تخرجها السنارة. كل الاسماك تقاوم أو تستسلم لمصيرها صامتة.. القرقار هو الوحيد الذي يملك صوتًا..".


هجرة جماعية..
وفي بداية الستينيات حمل القطار الآتي من الصعيد ثلاث مواهب استثنائية: أمل دنقل، يحيى الطاهر عبد الله، والثالث كان الأبنودي، كان الثلاثة سمر الوجوه، ناحلين، مزاجهم ناري، وفي أعماقهم ضعف عميق تجاه الفقراء.. كانت لديهم قناعة بضرورة "غزو المدينة ــــ القاهرة" التي كانت أشبه بـ "النداهة"، تدعو كل صاحب كلمة وقت الثورة ليشارك في معاركها.. اقتسم الثلاثة فنون الإبداع بينهم: لأمل شعر الفصحى، وليحيى القصة والرواية، وللأبنودي شعر العامية.. كان الأخير يعرف أن لديه كنزا لا يملكه الآخرون: قرية أبنود في جنوب مصر، بعاداتها وتقاليدها وناسها، وأمه فاطمة قنديل التي كانت سجلا لكل أشعار القرية وطقوسها، والجدة "ست أبوها" كانتا ــ الأم والجدة ــ فقيرتين إلى أبعد الحدود، غنيتين بما تحملانه من أغان وما تحرسانه من طقوس هي خليط من الفرعونية والقبطية والإسلامية.. أعتبر نفسي محظوظا لأنه عاش مع هاتين المرأتين.
أما الأب الذي كان يعمل مأذونًا، فلم يتحمل في ذلك الوقت ما يكتبه ابنه فمزق ديوانه الأول "حبة كلام".. لم ييأس الأبنودي وأرسل مجموعة من قصائده بالبريد إلى صلاح جاهين، فلم يكتف الأخير بتخصيص عموده في "الأهرام" للشاب الجنوبي، وإنما أرسل قصيدتين له إلى الإذاعة ليبدأ تلحينهما وهما "بالسلامة يا حبيبي" لنجاح سلام، و"تحت الشجر يا وهيبة" لمحمد رشدي.



المنفى
ورغم أنه كان منفى اختياريًا إلا أنه محنة حقيقية لشاعر أحب تراب هذا الوطن وآمن به وقدسه ولكنه أجبر على اختيار عاصمة الضباب لندن ليقيم بها لمدة ثلاث سنوات، أنهاها عبد الحليم حافظ مستخدمًا نفوذه وسلطته في السماح للأبنودي للعودة إلى مصر.
وسرعان ما كانت اتفاقية "كامب دايفيد" سببا في تعكير صفو الأمور بين الأبنودي والنظام بعد أن ألهمته الاتفاقية قصيدته الشهيرة "المشروع والممنوع"، وهي أقسى نقد وجه إلى نظام السادات.. وبسبب هذا الديوان جرى التحقيق مع الأبنودي أمام المدعي العام الاشتراكي بموجب قانون سمي "حماية القيم من العيب".
ويقول الأبنودي بلهجته الصعيدية الحادة: "في حياتي أخطاء بالغة القسوة، ندمت عليها.. لكن في الشعر لم أندم على شيء.. لأن الشعر مقدس، لا يأتي بقرار، هو هبة من الله".. ويتذكر: "عندما كتبت قصيدتي الطويلة "الاستعمار العربي" ضد غزو العراق للكويت، اتهموني بالنفعية والانتهازية.. وللأسف، كل ما قلته في القصيدة تحقق فيما بعد".



مشروع ثقافي
ولم يكن الأبنودي مجرد شاعر عامي يعدّ من أشهر شعراء الشعر العامي في العالم العربي وإنما يعد مشروعًا ثقافيًا متكاملا حيث شهدت معه وعلى يديه القصيدة العامية مرحلة انتقالية مهمة في تاريخها.
وكتب الأغاني والقصائد للكثير من المطربين، فللعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ كتب: المسيح، وعدى النهار التي بكى حليم عندما سمعها كما قال مفيد فوزي، أحلف بسماها وبترابها، ابنك يقولك يا بطل، أنا كل ما أقول التوبة، الهوى هوايا، أحضان الحبايب، وغيرها من أهم أغاني عبد الحليم حافظ. محمد رشدي: تحت الشجر يا وهيبة، عدوية، وغيرهما. فايزة أحمد: يمّا يا هوايا يمّا. نجاة الصغيرة: عيون القلب. شادية: آه يا اسمراني اللون. صباح: ساعات ساعات. وردة الجزائرية: طبعًا أحباب. ماجدة الرومي: جايي من بيروت، بهواكي يا مصر محمد منير: شوكولاتة، كل الحاجات بتفكرني، من حبك مش بريء، برة الشبابيك، الليلة ديا، يونس وعزيزة.


دعوة للثورة..
تجلى دور الابنودي المحرض على الثورة وعلى الخلاص من الظلم والقهر والطغيان مع ثورة 25 يناير حيث كان على ميعاد مع واحدة من أبرز قصائده التي كتبها على مدى تاريخه وهي الميدان لا تملك أمام سحر كلماتها وروعة صورها البيانية إلا أن تستعيدها كلما خمدت الروح الثورية أو انطفأ لهيب الشعور بانتصار حقيقي حققه المصريون في يناير حيث يقول مطلعها:
أيادى مصرية سمرا ليها في التمييز
ممددة وسط الزئير بتكسر البراويز
سطوع لصوت الجموع شوف مصر تحت الشمس
آن الآوان ترحلى يا دولة العواجيز
عواجيز شداد مسعورين أكلوا بلدنا أكل
ويشبهوا بعضهم نهم وخسة وشكل
طلع الشباب البديع قلبوا خريفها ربيع
وحققوا المعجزة صحوا القتيل من القتل
اقتلنى قتلى ما هيعيد دولتك تانى
بكتب بدمى حياة تانية لأوطانى
دمى ده ولا الربيع الاتنين بلون أخضر
وببتسم من سعادتى ولا أحزانى
تحاولوا ما تحاولوا ما تشوفوا وطن غيره
سلبتوا دم الوطن وبشيمته من خيره
أحلامنا بكرانا أصغر ضحكة على شفة
شفتوتش الصياد يا خلق بيقتلوا طيروا
السوس بينخر وسارح تحت أشرافك
فرحان بيهم كنت وشايلهم على كتافك
وأما أهالينا من زرعوا وبنوا وصنعوا
كانوا مداس ليك ولولادك وأحلافك
ويا مصر يا مصر آن العليل رجعتله أنفاسه
وباس جبين للوطن ما للوطن داسه
من قبل موته بيوم صحوه أولاده
إن كان سبب علته محبته لناسه
الثورة فيضان قديم
محبوس مشافوش زول
الثورة لو جد متبانش في كلام أو قول
تحلب وتعجن في سرية تفور في القلب وتنغزل فتلة فتلة في ضمير النول
متخافش على مصر يا با مصر محروسة حتى من التهمة دى اللى فينا مدسوسة
ولو أنت أبوها بصحيح وخايف عليها أي تركتها ليه بدن بتنخره السوسة
وبيسرقوكى يا الوطن قدامنا عينى عينك
ينده بقوة الوطن ويقلى قوم
فينك ضحكت علينا الكتب بعدت بينا عنك
لولا ولادنا اللى قاموا يسددوا دينك
لكن خلاص يا وطن
صحيت جموع الخلق قبضوا على الشمس بأيديهم
وقالوا لا من المستحيل يفرطوا عقد الوطن تانى
والكدب تانى محال يلبس قناع الحق



السيرة الهلالية..
أما العمل الأهم الذي قام به الأبنودي ويعتز به أيما اعتزاز فإنه بلا منازع السيرة الهلالية التي دفع من حياته ردحًا طويلا بين جمع وتنقيح وإحياء السيرة الشعبية الأحب إلى قلبه..و:

بعد المديح في المكمل
أحمد أبو درب سالك
احكي في سيرة وأكمل
عرب يذكروا قبل ذلك
سيرة عرب أقدمين
كانوا ناس يخشوا الملامة
رئيسهم أسد سبع ومتين
يسمى الهلالي سلامة 
هكذا كان ينشد عم جابر أبو حسين، الذي قدمه الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي في برنامج شهير، ليسجل سيرة بنى هلال واحدة من أعظم السير الشعبية في التاريخ العربي، والتي لا يمكن إنكار جهد وفضل الأبنودي في جمعها وتدوينها وتعريف الجمهور بها.
بدأت شهرة أبو حسين من خلال برنامج إذاعي شهير كان يقدمه من الشاعر عبد الرحمن الأبنودي الأب الشرعي للسيرة في العصر الحديث، وكان الأبنودي ينهي كلامه في كل قصة بمقولة أصبحت مشهورة هي " قول ياعم جابر".
وعم جابر أبو حسين من مواليد 3 نوفمبر 1913 في قرية "آبار الوقف" بمركز أخميم محافظة سوهاج، وكان يحفظ السيرة الهلالية كاملة عن ظهر قلب، وصفه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي بأنه كان رفيعا مثل العصا، ومسنا، وحاد المزاج، وهو أشهر شاعر للسيرة الهلالية في العالم العربي، كان يحفظ نحو مليون بيت شعر من القصيدة. 
يعتمد الشاعر في تقديمه للملحمة على المربع، فبعد أن تبدأ المقدمة بقصائد مدح الرسول والزهد في الدنيا وطلب المغفرة من الله، يبدأ القص في السيرة ذاتها بالمربع، وهو بيتان من الشعر يتكونان من أربع شطور مستقلة ومتصلة في ذات الوقت، تتشابه قافيتا الشطر الأول والثالث من جانب، والثاني والرابع من جانب آخر.

دائمًا ما كنت أردد أن جابر أبو حسين معجزة تشابه نهر النيل" هكذا يقول الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي عن جابر أبو حسين، فكيف لهذا الرجل شبه الكفيف شبه الأمي أن يحفظ السيرة الهلالية، التي كان يستطيع أن يرويها في مئة ليلة وأكثر، من غروب الشمس حتى تباشير الفجر.
كان لديه ذاكرة متقدة وحصافة وخبرة "علمية" بجمهوره، الذي يتكون من قطاعات مختلفة من الأميين وأشباه المتعلمين والمتعلمين والمثقفين، ويذكر الأبنودي أنه حين كان يأتي أبو حسين إلى مدينة قنا لينشد فإنه من منطقة الصهاريج حتى مسجد سيدي عبد الرحيم – وهي مسافة تزيد على كيلو متر ونصف – لا يستطيع الإنسان أن يجد له بضعة سنتيمترات ليقف، قائلًا: كان حلمي دائمًا أن يكون جمهوري مثل جمهور جابر أبو حسين.
حين ينشد حسين قصائده الدينية قبل الدخول في رواية السيرة الهلالية، كان يهز مشاعر الجمهور في قنا، تلك المدينة العليمة بفنون الإنشاد والسيرة، التي لا تستمع لأيًّا من كان إلا إذا كانت قد جربته وأيقنت من موهبته، ولذلك فإن اثنين فقط هما من عبرا من غربال الوعي القنائي: الشيخ عبد الباسط عبد الصمد زعيم قراء القرآن الكريم، وعم جابر أبو حسين.
وكما يؤكد الأبنودي في المجلد الصادر عن مكتبة الأسرة بعنوان "السيرة الهلالية" ويضم خمسة كتب؛ يبدأ الشاعر قصه في السيرة بإيراد بعض من المربعات التي تحمل حكمًا تتصل اتصالًا مباشرًا بحياة جمهوره، إلى جانب تغليفها بغلاف ديني يضمن به صمت الكبار والصغار مهيئًا النفوس لتلقي الملحمة في صمت ورهبة.

يلج هنا عبدالرحمن الابودي عالم السيرة الهلالية الرحب الذي استطاع أن يجمع شتاتها ويمسك بأطرافها بعد رحلة طويلة قضاها باحثًا عن مفاتيحها. وعلى مدى عشرين عامًا تجمعت لديه أعداد من النصوص والتسجيلات التي عمل على درسها وتحليلها، مكتشفًا كل ما يتعلق بهذا الفن الشعبي العظيم الذي استمع إليه الجمهور متلذذًا، وهي الملحمة العربية الشعبية التي سافر وراءها في مصر وتونس وتشاد ونيجيريا والسودان.
والسيرة الهلالية تضم خمسة كتب، الكتاب الأول هو "خضرة الشريفة" ويتناول مأساة رزق بن نايل جرامون بن عامر بن هلال قائد الهلاليني وفارسهم وأميرهم، الذي تعجب خضرة بخلقه وشهامته وفروسيته رغم أن فارق العمر بينهما 45 عامًا. والكتاب الثاني هو "أبو زيد في أرض العلامات" حيث أتمت خضرة خمس سنوات تحيا في منازل "الزحلان" في كنف الملك فاضل بن بيسم.
ويسرد الكتاب ما حدث لأبي زيد في بلاد الزحلان من علو المجد والشام وفي "مقتل السلطان سرحان" وهو الكتاب الثالث، يتخفى أبو زيد في ملابس شاعر ربابة ويدخل قصر حنظل بعد أن عرفت نساء بني هلال حقيقته وتكتشف عجاجة ابنة السلطان حنظل حقيقة فارس هلال فتبلغ أباها الذي يعتقل غريم بني عقيل. ليقيد بالسلاسل ويلقى به في السجن انتظارًا لشنقه.

أما الكتاب الرابع "فرس جابر العقيلي" فيحكي كيف خاض أبو زيد الأهوال ليعود بالفرس التي حكت عنها الأجيال. وفيه يحتال الدرويش لدخول جناح الأميرة ليلضم لها عقدًا، ويقرأ لها الطالع وتكاد جارته أن تكتشف تسلله والهدف منه، لكنه يقنعها بدروشته وفقهه وبالرشوة أيضًا، بأن أسئلته عن الخيمة المتبوعة إنما هي من قبيل الفضول.
وفي الكتاب الخامس "أبو زيد وعالية العقيلية" وكيف أسرت أبو زيد بجمالها وكيف ناضل إلى أن اقترن بها وفي ليلة وداع البطل لعالية العقيلية حيث أولمت الولائم ووجهت الدعوة إلى حراس فرس والدها الملك "السلطان" جابر العقيلي، ووضعت في المنان مخدرًا قويًا لينام الحراس كي يتمكن أبو زيد من امتطاء الفرس والانطلاق إلى خارج المدينة.
وعن دور الشاعر عبدالرحمن الأبنودي في جمع السيرة الهلالية، يقول دكتور خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبى بجامعة القاهرة في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن للشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي فضلًا عظيمًا في ذيوع السيرة الهلالية وانتشارها ووصولها إلى المتلقي العادي، ففي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كانت تذاع على إذاعة صوت الشعب، فيشعر البسطاء أن لديهم أدبًا يجذب الصفوة، أدبًا يستحق الاهتمام به لذلك تبنته الدولة، خاصة بعد نكسة 67 كنا نحتاج إلى البطل الشعبي، وكان الأمل معقودًا على الأدب والثقافة الشعبية، هكذا فعل الأبنودي ومن قبله زكريا الحجاوي.

ويؤكد أبو الليل أن الأبنودي له دور كبير في جمع السيرة الهلالية لا ينكره إلا جاحد، استطاع أن يقدم جابر أبو حسين حتى أن عبارة "قول يا عم جابر" انتشرت وتداولها الناس نتيجة لسماعهم للسيرة الشعبية.
ويرى أستاذ الأدب الشعبي أن الفضل يرجع أيضًا في انتشار السيرة الهلالية وذيوع صيتها إلى الإذاعة التي وفرت جهدها لخدمة السيرة الشعبية ولفتت الانتباه للسيرة الهلالية، كذلك يعود الفضل إلى الشاعر جابر أبو حسين الذي لولا أداؤه وإبداعه لم يكن ممكنا لهذا العمل أن يحقق ما حققه من نجاح، فالأمر قسمة مشتركة.
ويتطرق أبو الليل إلى النص المكتوب الذي قدمه الشاعر عبدالرحمن الأبنودي للمكتبة العربية، والذي صدر في البداية عن دار "أطلس" ثم في مكتبة الأسرة عن الهيئة العامة للكتاب.
وهو عمل – يواصل أبو الليل - على درجة عالية من الأهمية، فالرواة يندثرون ولولا جهد الأبنودي في تدوين هذا التراث وتسجيله لمات معهم، فهو جهد يحمد له.
ومع كل هذا الثناء؛ إلا أن أستاذ الأدب الشعبي على المستوى العلمي له بعض التحفظات، منها أن الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي جمع السيرة الهلالية من رواتها، ومع ذلك وضع اسمه على الكتاب وكأنه من قام بتأليفه، والأصح أن يكتب جمع وتدوين وتوثيق، مثلما فعلت في رسالتي للدكتوراة وكانت عن السيرة الشعبية في قنا، فدور الجامع لا يقل أهمية عن الأدوار الأخرى، كذلك من ضمن مؤاخذاتي على العمل اختفاء اسم الراحل جابر أبو حسين من على السيرة المدونة.

يتابع: جزء من المشكلة أنه يهدي الكتاب إلى شعراء السيرة الهلالية، بشكل يوحي أنه سجل مع أكثر من راو في حين أنه لم يسجل سوى مع جابر أبو حسين. ويخطئ الشاعر الأبنودي إذا اعتقد أن السيرة الهلالية هي جابر أبو حسين أو سيد الضوي، فهناك منشدون كثر في الصعيد والدلتا، والسيرة الهلالية موجودة إلى الآن، فهي سيرة متوارثة، لم تمت، على حد قوله.
كذلك هناك مأخذ علمي على طريقة الشاعر عبدالرحمن الأبنودي في التدوين – يواصل أبو الليل - فهو لم يذكر مِن مَن جمع السيرة، ومع من سجلها. ولكني أرى أن مقدمة السيرة الهلالية كانت رائعة، فقد قدّم الشاعر عبدالرحمن الأبنودي دراسة عن السيرة الهلالية بين الراوي والشاعر استمتعت بها جدًا، واستفدت منها كثيرًا، حيث تُظهر الدارسة عبقرية الأبنودي، وهو بحث قدمه لأول مرة في ندوة بتونس عام 1980عن السيرة الهلالية، جمع فيه خلاصة اهتمامه وخبرته بالسيرة الهلالية.
وعن كونه شاعرًا كبيرًا، يقول أبو الليل أن معانيه يأخذها من طين الأرض، ويستطيع بسهولة أن يصل للناس بفضل سرعة بديهته، وحضوره عند الجمهور، وأؤكد أن أفضاله على السيرة الهلالية كبيرة لكنها أيضًا أضافت له الكثير، وميزته عن غيره من الشعراء ووسعت من حجم انتشاره لدى الناس، وهو أمر لم يحظ به كثير من المثقفين.



من أشهر دواوينه الأبنودي:
1. الأرض والعيال (1964 - 1975 - 1985).
2. الزحمة (1967 - 1976 - 1985).
3. عماليات (1968).
4. جوابات حراجى القط (1969 - 1977 - 1985).
5. الفصول (1970 - 1985).
6. أحمد سماعين (1972 - 1985).
7. انا والناس (1973).
8. بعد التحية والسلام (1975).
9. وجوه على الشط (1975 - 1978) قصيدة طويلة.
10. صمت الجرس (1975 - 1985).
11. المشروع والممنوع (1979 - 1985).
12. المد والجزر (1981) قصيدة طويلة.
13. الأحزان العادية (1981) ديوان مكتوب دراسة (محمد القدوسى).
14. السيرة الهلالية (1978) دراسة مترجمة.
15. الموت على الأسفلت (1988 - 1995) قصيدة طويلة.
16. سيرة بنى هلال الجزء الأول (1988).
17. سيرة بنى هلال الجزء الثاني (1988).
18. سيرة بنى هلال الجزء الثالث (1988).
19. سيرة بنى هلال الجزء الرابع (1991).
20. سيرة بنى هلال الجزء الخامس (1991).
21. الاستعمار العربى (1991 - 1992) قصيدة طويلة.
22. المختارات الجزء الأول (1994 - 1995).

أعماله المغناة وكتاباته للسينما
كتب الأبنودي العديد من الأغاني، من أشهرها:
عبد الحليم حافظ: عدى النهار، أحلف بسماها وبترابها، ابنك يقول لك يا بطل، أنا كل ما أقول التوبة، أحضان الحبايب، وغيرها
محمد رشدي: تحت الشجر يا وهيبة، عدوية، وسع للنور، عرباوى

فايزة أحمد: يمّا يا هوايا يمّا، مال على مال

نجاة الصغيرة: عيون القلب، قصص الحب الجميله

شادية: آه يا اسمراني اللون، قالى الوداع، أغانى فيلم شيء من الخوف

صباح: ساعات ساعات

وردة الجزائرية: طبعًا أحباب، قبل النهاردة

ماجدة الرومي: جايي من بيروت، بهواكي يا مصر

محمد منير: شوكولاتة، كل الحاجات بتفكرني، من حبك مش بريء، برة الشبابيك، الليلة ديا، يونس، عزيزة، قلبى مايشبهنيش، يا حمام، يا رمان


كما كتب أغاني العديد من المسلسلات مثل "النديم"، و(ذئاب الجبل) وغيرها وكتب حوار وأغاني فيلم شيء من الخوف، وحوار فيلم الطوق والإسورة وكتب أغاني فيلم البريء وقد قام بدوره في مسلسل العندليب حكاية شعب الفنان محمود البزاوى. شارك الدكتور يحيى عزمي في كتابة السناريو والحوار لفيلم الطوق والاسورة عن قصة قصيرة للكاتب يحيى الطاهر عبد الله.


مختارات من قصائد الأبنودي..
يامنه

والله وشبت يا عبد الرُّحمان..
عجّزت يا واد ؟
مُسْرَعْ؟
ميتى وكيف؟
عاد اللي يعجّز في بلاده
غير اللي يعجز ضيف !!
هلكوك النسوان؟
شفتك مرة في التليفزيون
ومرة.. وروني صورتك في الجورنان
قلت: كبر عبد الرحمان!!
أمال انا على كده مت بقى لي ميت حول!!
والله خايفة يا وليدي القعدة لتطول
مات الشيخ محمود
وماتت فاطنة ابْ قنديل
واتباع كرم ابْ غبّان
وانا لسة حية..
وباين حاحيا كمان وكمان
عشت كتير
عشت لحد ماشفتك عجّزت يا عبد الرحمان
وقالولي قال خَلَّفت
وانت عجوز خلَّفت يا اخوي؟
وبنات..!!؟
أمال كنت بتعمل إيه
طيلة العمر اللي فات؟
دلوقت مافقت؟
وجايبهم دِلْوكْ تعمل بيهم إيه؟
على كلٍّ..
أهي ريحة من ريحتك ع الأرض
يونسُّوا بعض
ماشي يا عبد الرحمان
أهو عشنا وطلنا منك بصة وشمة
دلوك بس ما فكرت ف يامنة وقلت: يا عمة؟
حبيبي انت يا عبد الرحمان
والله حبيبي.. وتتحب
على قد ماسارقاك الغربة
لكن ليك قلب
مش زي ولاد الكلب
اللي نسيونا زمان
حلوة مرتك وعويْلاتك
والاّ شبهنا..؟
سميتهم إيه؟
قالولي: آية ونور
ماعارفشي تجيب لك حتة واد؟
والاّ أقولك:
يعني اللي جبناهم..
نفعونا في الدنيا بإيه؟
غيرشي الإنسان مغرور !!
ولسه يامنة حاتعيش وحاتلبس
لمّا جايب لي قطيفة وكستور؟
كنت اديتهمني فلوس
اشتري للركبه دهان
آ..با..ي ما مجلّع قوي يا عبد الرحمان..
طب ده انا ليّا ستّ سنين
مزروعة في ظهر الباب
لم طلّوا علينا أحبة ولا أغراب..
خليهم..
ينفعوا
أعملهم أكفان..!!
كرمش وشي
فاكر يامنة وفاكر الوش؟
إوعى تصدقها الدنيا..
غش ف غش..!!
إذا جاك الموت يا وليدي
موت على طول..
اللي اتخطفوا فضلوا أحباب
صاحيين في القلب
كإن ماحدش غاب..
واللي ماتوا حتة حتة
ونشفوا وهم حيين..
حتى سلامو عليكم مش بتعدي
من بره الأعتاب
أول مايجيك الموت.. افتح..
أو ماينادي عليك.. إجلح..
إنت الكسبان..
إوعى تحسبها حساب..!!
بلا واد.. بلا بت..
ده زمن يوم مايصدق.. كداب..!!
سيبها لهم بالحال والمال وانفد
إوعى تبص وراك..
الورث تراب
وحيطان الأيام طين
وعيالك بيك مش بيك عايشين..!!
يو.....ه يا رمان..
مشوار طولان
واللي يطوِّله يوم عن يومه يا حبيبي.. حمار
الدوا عاوزاه لوجيعة الركبة
مش لطوالة العمر.
اوعى تصدق ألوانها صفر وحمر.
مش كنت جميلة يا واد؟
مش كنت وكنت
وجَدَعَة تخاف مني الرجال..؟
لكن فين شفتوني..؟
كنتوا عيال.!!
بناتي رضية ونجية ماتوا وراحوا
وأنا اللي قعدت..
طيِّب يا زمان..!!
إوعى تعيش يوم واحد بعد عيالك
إوعى يا عبد الرحمان..
في الدنيا أوجاع وهموم أشكال والوان..
الناس مابتعرفهاش..
أوعرهم لو حتعيش
بعد عيالك ماتموت..
ساعتها بس..
حاتعرف إيه هوّه الموت..!!
أول مايجي لك.. نط
لسه بتحكي لهم بحرى حكاية
فاطنة وحراجي القط..؟
آ.. باي ماكنت شقي وعفريت
من دون كل الولدات..
كنت مخالف..
برّاوي..
وكنت مخبي في عينيك السحراوي
تمللي حاجات..
زي الحداية..
تخوي ع الحاجة.. وتطير..
من صغرك بضوافر واعرة.. ومناقير..
بس ماكنتش كداب..
وآديني استنيت في الدنيا
لما شعرك شاب..!!
قِدِم البيت..
اتهدت قبله بيوت وبيوت..
وأصيل هوه..
مستنيني لما أموت..!!
حاتيجي العيد الجاي؟
واذا جيت
حاتجيني لجاي؟
وحتشرب مع يامنة الشاي..؟
حاجي ياعمة وجيت..
لالقيت يامنة ولا البيت


(مجموعة رسايل الاسطى حراجى لزوجته فاطنة عبد الغفار)

الجوهرة المصونه
والدره المكنونه
زوجتنا فاطنه أحمد عبد الغفار
يوصل ويسلم ليها
في منزلنا الكاين في جبلايه الفار
أسوان... الرسالة 1
أما بعد.. لو كنت هاودت كسوفي ع التأخير
سامحيني يا فطنه في طول الغيبه عليكم
وأنا خجلان.. خجلان.. وأقولك يا زوجتنا أنا خجلان منكم..
من هنا للصبح..
شهرين دلوقت..
من يوم ما عنيكي يا فاطنه.. بلت شباك القطر..
لسوعتي بدمعك ضهر يديَ
لحضتها قلت لك:
(( قبل ما عوصل عتلاقي جوابي جي...((
نهنهتي.. وقلتي لي بعتاب:
(( النبي عارفاك كداب.. نساي

وعتنسى أول ما عتنزل في أسوان.. ))
حسيت واليد بتخطفها يد الجدعان
بالقلب ف جوفي ما عارف أن كان بردان.. دفيان
والبت عزيزه والواد عيد
قناديل في الجوف.. زي ما بتضوي.. بيقيد..
.......... والقطر إتحرك..
وقليبي بينتقل من يد لإيد.
والقطر بيصرخ ويدَودِو
اتدلدلت بوسطي من الشباك..
( خذي بالك م الولد.. راعي عزيزه وعيد )
والقطر صرخ ورمح لكإنه داس على بصة نار..
ولقطت الحس قريب.. قد ما كنتي بعيد:
(قلبي معاك يا حراجي هناك في أسوان..)

ورميت نفسي وسط الجدعان.. وبكيت..
وبلدنا اللي كنا بنمشيها ف نص نهار
كان القطر في لحضه.. فاتها بمشوار.
سامحيني يا فطنه على التأخير..
ولو الورقه يا بت الخال تكفي
لأعبي لك بحر النيل والله بكفيِ
وختامًا ليس ختام..
بابعت لك ِ
ليكي ولناس الجبلايه ولبتي عزيزه والواد عيد
ألف سلام
زوجك... لوسطى حراجي
***
أسوان
زوجي الغالي
لاوسطى حراجي القط
العامل في السد العالي
جبلاية الفار

قصيدة: الموت على الأسفلت
من الزوايا والأركان
خرج الطوفان:
ألوفات شبان.
إصعد يادخان
إبعد ياشيطان
إجبن ياجبان
رجع الاسم ورجع العنوان.
يغلى البركان
ويفور
ويدور
اتهد السور.. طلع الإنسان.
الصدر العالى عليه الوشم:
خريطة الدم.. فلسطين ياأحلا الأوطان.
مين قال بعنا..؟
مين قال ضعنا؟
يا تمانية واربعين كدابه وكدابه ياسبعه وتسعين.
التار له نار طى الكتمان
واليوم يا خليل
يا جليل
يا بيت لحم..الإعلان
يا..صوت الطفل اللى بيحررنى ف بلدى
بارك ربى فيك.....ياولدى
يا..نهر النار الفايرة اوعى تبطل جريان
دراعات الوحش الغاضب..أصوات الكروان
راجح
فالح
مازن
مروان
وأخدنا بتارك يا غسان
يا كمال ناصر
دمك حاصر
أعداءك..مش بس في لبنان
يا... ماجد يابو شرار جينا
دمك فينا
لسة سامعينك تنيادينا
ما عادتش الدمعة مكتومة
صبحت صرخة
صبحت صرخة روح محمومة
تصفع روما
ع الكتف نشيلوا سرير الفندق ونشيلك
مواويل الثوره مواويلك
تحت قميصك غنوة شهدا
من كل مخيم...
زاحفة يا ماجد تحت الثورة تغنى لك
عطر الآنبياف مناديلك
أولادك يابو شرار بالطوب
عدلوا المقلوب
شطبوا كل القدر المكتوب
فتحوا بوابة الفجر
وواجهوا الغدر
وصاحوا:يا فلسطين
يسقط كل الكدب العربى
يسقط كل الاخوه الخاينين
نرسم بالدم خريطه للآوطان
إتفلت الجان
والمسجون قام ياكْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْل السجان
دارت دارت
لعبتهم بارت..
قوتهم خارت.. وانهارت
والدايره على الباغى دارت
دارت.. دارت
يادنان الكبت..الظلم.. القهر.. على الطرقات.. فارت.
ومخيم بات.. وصبح ميدان
صبح ميدان والدنيا
الدنيا اتحطت واتشالت

قصيدة: الله يجازيك يا عم عبد الناصر
الليل مليّل
والألم عاصر
لسه اللى بيبيع أمته كسبان
وكل يوم
أطلع أنا الخاسر
أما أنت خميت مصر دى خمة
يوم ما ناديت بالعشق للأمة
ورطتنا نعشق خريطة عبيطة
وبشر ما نعرفهاش
وبلاد.. ما بنزورهاش
إلا.. فواعلية وبنايين وسواقين
وخدامين.. وطباخين.. وكناسين
بلاد أسافرها سعيد
أرجع حزين

حبيتها زى ما قلت لي.. وأكتر
ع الأجنبى ما استكترتش.. عليا تستكتر
ع الأجنبى ما اتنقورتْش عليا تتنقور.
تطمع في دمعي
وف تعاسة راتبي.
مُلهم أنا.. وأعمل غبى
وأدى الألم يا عم عبد الناصر
زاحف وبيحاصر
وآدى الجميع خاسر
وآدى فجر أمتنا الجميل مغلوب
وآدى انتحار الأمة بالمقلوب
وأنا… غريب الدار..
لابسنى توب العار
ساكن في وطنى بالإيجار
قاعد أنا ع الجسر في القيَّالة
من قلب اللهيب مِنشالة
وقلبى.. ساقية حزن سَيالة
باغنى..
ما أعرف مغنى وألاّ عديد
زى افتكار الميتين.. في العيد.
باعانى وحدانى
شياطينى لابسانى
والأمة قدامى.. مفارقانى
يا رب
ما تحببنى في الناس الملاح تانى
يا رب
ما ترجعنى أعشق
ضحكة إخوانى
يا رب
كرهنى في أوطانى
ما أخيبك أمَّة
ما أتعسك أمة
لا عقل… ولا همة
لا مصدقه فعلك
ولا تحفظى كلمة.
أمة.. تدور وتلف..
تقيلة.. مش حتخف
حماسية… وحماسها
بكتيرُه ساعة.. يجف.
أمة بتتخابِط
أمة بتتعابط
أمة ومالهاش
لا زابط ولا رابط
ولا كبير عيلة
ولا قرابةْ دم
وفكرة وهمية
ما تورث إلاّ الهمّ
ما تحل عنى يا عم..
إحنا ورثنا كلام
إحنا تاريخنا كلام
علشان كده لما تقول..
على طول أقول:
وبكام؟؟
ما هو حب؟؟ دبرنى
وتاريخ؟.. فكرنى
وطريق؟.. نورنى
ومصير؟.. بصرنى
ده انا بقيت عربى
من قبل ما ألقى
اللى يمصرني.
أنا انتمائى لأمتى
ممسخرنى.
محسوبة في الأحزان على
في الفرح تنكرنى
ياللى إنتى لا أمة
ولا أنتى أم..
فيه أم
ما تعرفش ساعة الألم..
تضم؟..
قد ما ننورها
هيه مضلمة
قد ما نعلمها..
مش متعلمة.
كل ليلة بايتة مظلومة
وهيه الظالمة!!
آخرة السكك الوعار
مجد.. متلطخ.. بعار.
قد ما نحجمها
تفلت م الإطار!!
السلاح من صنع بره
والكلام من صنع بره
المآكل
الملابس
والهوا البارد في بيتى..
صنع بره.
لا نسجْت الهدمة..
لا زرعْت.. ولا اكتفيت
شفتها.. جريت اشتريت.
جلاّبيتى.. عمامتى.. سجادتى
وحواديت الصغار
والحلاوة: حلوة.. مرة
شغل بره.
إيه يهم
إن مت من أجل البشر
ولا سبت الديب يصرَّخ
واتغابيت؟
أو نسيتها؟ أو اتناسيت؟؟..
الشهادة مجانية
والبطولات
نفحات استعراضية
والليل مليّل
والألم… عاصر
لسه اللى بيبيع أمته
كسبان..
وكل يوم..
أطلع أنا الخاسر
الله يجازيك
يا عم عبد الناصر

من أحدث دواوينه: المربعات
الثورة.. ما انتهتْشى
سيبكُم من الغيوم
تيجى الغيوم وتمشى
شُفْتوا غيوم بتدوم؟